كتَّاب إيلاف

فلسطين 2008: لا أمل!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

واهم من يظن أن الاتفاق قريب بين فتح وحماس. فكل منهما راضٍ بما بين يديه. حماس راضية بسيطرتها على قطاع غزة. وفتح راضية بسيطرتها على الضفة. وكما نرى، فحماس تعزز من وجودها في غزة، بحيث تلغي فتح نهائياً. وكذلك تفعل فتح في الضفة. فلا غزة تتسع لفتح بعد اليوم، ولا الضفة تتسع لحماس بعد اليوم أيضاً. وإنّ كلّ ما قيل في الأسابيع الأخيرة عن مساع جدية للمصالحة، إن هو إلا كلام جرايد: كلام أنهاه إسماعيل هنية ومشعل في احتفال حركتهما بذكرى انطلاقتها العشرين. وأنهاه أبو مازن في غير مكان وغير تصريح.
لا نساوي بين الطرفين طبعاً. ولكننا نقول إنّ الطرفين لا يريدان اتفاقاً وربما لا يستطيعان. ودليلنا: هذه الحرب الإعلامية الشعواء بينهما _ ما إن تخفت حدّتها حتى تندلع من جديد. ودليلنا: ارتباط كل واحد منهما بأجندة إقليمية، لا تسمح له ببدء حوار حقيقي فاتفاق.
لقد غدا الحديث عن [المصالح العليا للشعب الفلسطيني] حديثَ خرافة، أو شيئاً يمتّ للماضي، وغير قابل للصرف في بنك الحاضر. ففي كل يوم، تزداد الهوّة ويتعمّق الشرخ. وفي كل يوم، يعاني الشعب التائه، ما لم يعانيه في يومه السابق. فلم تعد المسألة مسألة خلاف أو انشقاق سياسي فحسب. بل وصلت إلى مستويات أعمق وأخطر: مسّت النسيج الاجتماعي برمّته.
وحين يُمسّ هذا النسيج، فيبدأ في التداعي والتفكك، فحينها قُل على الشعب والقضية السلام.
لا أذكر ولا أعرف، طوال حياتي، فترة مررنا بها تشبه هذه الفترة السوداء. الحقد والكراهية والبغض بين الجار وجاره، وبين الموظف وزميله. الريبة والحذر في تعامل الناس مع الغرباء. الخوف من الآخر في الشارع والسيارة. نظرات الشكّ إياها. ثم هذا الرعب من الكلام على مقربة من مجهول. فلعلّ هذا المجهول يكون من فتح فيرفع بك تقريراً إلى رام الله، فيقطعون راتبك. ولعلّه يكون من حماس فيرفع بك تقريراً إلى الجهات المختصة، فتُعتقل.
لم يعد أحدٌ يأمن أحداً.
ولو كان هنالك علماءُ اجتماع بيننا، لكتبوا العجب. ولكننا بلا علماء اجتماع.
لقد وصلنا حقاً إلى ابتذال المهزلة.
لم يعد للمأساة التي رسخت في ضمير العالم، من جلالٍ أو نبلٍ في ضمير أبنائها.
وإلا: ما معنى أن يتسابق أبو مازن وحكومته إلى التفاوض مع إسرائيل، وكذلك تفعل حماس عبر مناشدة إسماعيل هنية لها لتوقيع هدنة عاجلة، فيما الأخوان العدوان لا يرغبان ولا يفكران بالتحاور مع بعضهما بعضاً؟
هل هي المفارقة فقط أم هو شيء أفدح من ذلك؟
ثم إلى متى؟
إلى متى هذا التيه وهذا العناد؟ هذا الضرب الرعاعي من التفكير؟
المؤلم أن عموم الناس هم من يدفعون الثمن. سكان قطاع غزة تخصيصاً: المليون ونصف المليون مواطن. إنهم رهائن حصار إسرائيل المجرمة، من الخارج، ورهائن الطلاق الفلسطيني البائن، من الداخل.
لقد غدوا ضحايا مزدوجين: ضحايا دولة محتلة محترفة في صناعة الجرائم، وفي نفس الوقت، ضحايا حسابات الفصيل الفلسطيني، المرفوعة فوق آمال وآلام الكلّ الوطني.
حين تستمع إلى تصريحات قادة الطرفين، تتمنى لو لم تكن فلسطينياً. ما هذا التدني وما هذا الانحطاط! ومن أين جاء هؤلاء الناس؟ أمن بين ظهرانينا ومن طينة المعاناة ذاتها؟ والله إننا لنشكّ. فكأنهم جاءوا من كوكب آخر. يكذبون ويكذبون إلى حدّ الهزل الماسخ. يكذبون ويظنون أنهم قادرون على خداع شعبهم. فيما شعبهم يبصق عليهم وعلى صورهم خفاءً وعلنا. فهو يعرف، بالتجربة وعلى جلده، ومن خلال مئات التفاصيل اليومية الصغيرة والكبيرة، أنهم مجرد ديكة يتصارعون على مزبلة. مزبلة اسمها السلطة وكراسي الحكم، في منطقة من العالم، هي الوحيدة التي لا سلطة فيها إلا للاحتلال.
المؤلم حقاً، أو المضحك [فلم نعد ندري] أنّ كلا الأخوين العدوين، يريد منا نحن المثقفين، أن نكون شهود زور. نشهد زوراً لهذا الطرف على حساب ذاك. وعلى ما يبدو، فقد نسيَ الطرفان، ماهية ووظيفة المثقف، ودوره النقدي العام، الذي لا يستقيم مثقفاً، إلا به. نسوا أن مرجعياتنا من داخلنا لا الخارج. نسوا أننا فلسطينيون، فوق حماس وفتح، فلسطينيون بما هي فلسطين فوق الجميع، وبما هي خيار الذهاب إلى بهاء المستقبل.
ولأنّ فلسطين فوق الجميع، ولأنها معذبة ومنكوبة، بهم قبل غيرهم، كما لم تكن ذات يوم، فنحن معها وضد كل من يسيء لها من أبنائها العاقين.
لقد جوّعونا وبهدلونا، وقبل ذلك وبعده، أخجلونا من فلسطينيتنا. أفلا يكفي هذا لنقف ونقول للطرفين: كفى؟
إنّ جريمة فصل غزة عن الضفة، هي مصلحة إسرائيلية في المقام الأول. هي خطوة كبرى لها ما بعدها أكيداً. وإلا لمَ ترضى إسرائيل بذلك، وهي القادرة على خلط الأوراق؟
فهل تكفي هذه الحقيقة السياسية البسيطة لكي يعود الخصمان إلى رشدهما، خصوصاً ونحن أمام استحقاق التفاوض العسير والأصعب في التاريخ؟
لقد علّمنا التاريخ البعيد والقريب، أنّ إسرائيل محترفة في استغلال نقاط ضعف عدوها. تبتزّها حتى آخر نقطة، ولا أكبر ولا أفضل لها من هذا الانقسام الفلسطيني، الذي جاءها هدية من الأغبياء، لكي لا تعطينا حقوقنا المشروعة.
إنّ أخشى ما نخشاه، هو استمرار العماء السياسي لدى قياداتنا في الجانبيْن [وبالذات وبالأخصّ في حماس]. وذهاب كل واحد منهما بأجندته الخاصة منفرداً للمفاوضات أو الهدنة. فحينها نكون في غاية الانكشاف والضعف والهوان على عدونا. وحينها لن يأمل عاقل بأن يتمخض الجبل سوى عن فأر.
فلسطين الضحية الكلاسيكية لإسرائيل طوال الستين عاماً الماضية، صارت اليوم ضحية جديدة لأكبر فصيلين على أرضها: فتح وحماس. أما القادم فهو أخطر. ذلك أنه ينبثق من معلوم لا مجهول هذه المرة. فهو أسير معادلة طرفاها: عدو قادر وذكي وخبير في جانب، مقابل دوغما وغوغاء ورعاع في الجانب الثاني.
إنّ أسوأ ما نُكب به شعبُ التيه هذا، هو أنّ مقاليد أموره غدت في أيدي مَن لا يؤتمنون على شيء: لا على الحاضر ولا المستقبل. ولا على الآلام ولا على الآمال.
فكيف سنأمل فيهم، مع حلول السنة الجديدة؟
كلا
لا أمل.
لنكن مرةً غير رغَبيين [فالتفكير الرغبي من سمة الأطفال] ولنقل الحقيقة عارية مُدمّاة، كما هي في الواقع والعيان.
لا أمل!

اية اعادة نشر من دون ذكر المصدر ايلاف تسبب ملاحقه قانونيه

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تحليل ؟!!
اوس العربي -

حماس الم تأت باغلبية الشعب ومن حقها كحكومة ان تدير شئوون الشعب ، لقد قدمت حماس كثيرا من التنازلات من اجل الوحدة الوطنية لقد ارادوا ان يتعشوا بحماس فتغدت بهم المطلوب اليوم امريكيا وصهيونيا وعربيا وسلطة اوسلو ان تتصهين حماس حتى تحوز على رضا المجتمع الدولي الغربي الديمقراطي الحداثي الانساني الذي يحاصرها عجيب هذا الغرب وغريبة انتقائيته فهاهو يحاصر غزة ويرفد السلطة الامنية الاوسلويه بالمليارات وعجيب هو الاخر موقف المثقفين العرب ؟؟؟؟؟؟؟؟

مشروعهم غير مشروعنا
عبدالرحمن أبو الناصر -

حماس، بقيادتها الهزيلة و أعضائها الأكثر هزالا، و لكن الأكثر دموية،هي صاحبة مشروع غيبي لاهوتي يختلف في كل تفاصيله عن أي شيء يمت للفلسطينيين بصلة. و لن يلتقي هذا المشروع، و لا بأي حال مع المشروع الوطني الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. لذلك فإن هذه الحركة ستظل تتلاعب في الكلام وتمييع المبادرات الى أن تفرض نفسها كأمر واقع على القطاع. و هذا كلام تثبته دعواها الفارغة الداعية للمصالحة الوطنية- دون تنازل عن أي شيء حققوه بالإنقلاب الدموي، و دون تلبية أي من مطالب السيد الرئيس.أن نظرة بسيطة على ما وصل إليه الوضع الإقتصادي في القطاع، تقول بأن ما حاق بالفلسطينيين من أذى، على يدي هذه الفئة الضالة، ليس له مثيل حتى طوال سنوات الإحتلال الصهيوني. و مع ذلك فإن هذه الفئة الضالة تجد من يقف معها و يطبل و يزمر لها. إلى أن يرجع ضمير هؤلاء المطبلين و المزمرين لهم- مع إرتياح إسرائيل لما تقوم به هذه الفئة- فإن الأمور ستبقى كما قلت على حالها.

لا للتفريق
صاحبة قضية -

اتمنى من الشعب الفلسطيني ان يقف في صف واحد ويعرف من هو العدو الحقيقي فلا نريد مقالات ولا احرف متلاصقة بجانب بعضها بل افعال على ارض الواقع.

الوطن أولا
عيسى العقلانى -

ان قضية الشعب الفلسطينى لم تشبهها قضية في العالم فحتى الآن وجد على الساحة أكثر من ثلاثة وثلاثون تنظيم لتحرير فلسطين . وتسعون عاما مرت ولم يتحقق شيء اٍلا انقسام الجغرافيا والشعب الى باكستان الغربية وباكستان الشرقية والحيثيات على الأرض تقول أن بنغلادش فى الطريق وحينها قول على فلسطين السلا م والى الأبد . فمتى يوضع الوطن في المقام الأول ؟

كلمات من وحي العيش
عادل -

لا أمل لا أمل هذه هي الحقيقة السوداء التي لم يأن للشعب أن يتقبلها في زمن أصبحت فيه حماس وفتح كالمتصارعين في حلبة السيطرة وبسط النفوذ أنا معك بكل جوارحي أيها الكاتب العظيم

مقال رائع
ريم -

شكرا لك أيها الكاتب وأضم صوتي إلى صوتك في أنه لا أمل وعام 2008 لن يكون كغيره من الأعوام ولكن نحن نضحك على أنفسنا بإنه إذا الشعب يوما اراد الحيا فلابد ان يستجيب القدر

مقال راتع
مرفت -

انا اضم صوتى لصوت الكاتب واحييه على كلماتة التى تنبع من وحى الواقع واملنا فى الله كبير وان يكون عام 2008 افضل من ما سبق

في عب الضبع
رمضان عيسى -

نعيش حالة من وهم الاستقلال، وهم الدولة الفلسطينية وهم الحكومة و نحن في الحقيقة في عب الضبع و ماذا نستطيع أن نحقق ونحن مكبلون بموازين القوى و الأشد من هذا الخلافات بين الفصائل التي وصلت الى اهدار الدم الفلسطيني فلقد أعتقلنا و كان لدينا أهداف سامية نعتز بها و هي تحرير فلسطين و الاستقلال و لكن أين نحن الآن ؟؟ لا أجد جواباً غير أننا نعيش حالة من الشطط السياسي و الوهم .

سؤال
,وليد ____ غزة -

أنا ابن الجامعة لاأفهم الصراعات السياسية ولا التنظيمية . هو سؤال واحد : أين أنا بعد الجامعة ، كيف أعيش ،أين أذهب ، أين أعمل ، هل سأجد وظيفة ،هل سأبنى بيتا ، ما العمل ؟ أنا في لجاجة من أمري . وصراعات فتح وحماس لاتسبب لى الصداع فقط بل تصيبني بالصرع , وفي هذا الوضع المأساوي لمين نشتكي حالنا نحن الطلبة .

كلنا مشاريع للذبح
اوس العربي -

بالنهاية كلنا مشاريع ابادة ان كنا فتح او حماس او غيرهما سواء كنا اسلاميين او علمانيين او ملاحدة بالنهاية ستجز السكين الصهيونية رقابنا ؟!! يكفي اننا عرب ومسلمون ؟!!

بدون عنوان
ابو مجاهد -

ان الكاتب المثقف كالمحامي يستطيع ان يقلب الحقائق وهو يعرف تماما ان فلسطين مهما كانت قوة الفلسطينين والعرب معهم وهم يتبنون السلام خيار استراتيجي في ظل اختلال موازين القوى لا يمكنهم ربط قطاع غزة بالضفة وان الحصار المفروض على قطاع غزة لا تفرضه اسرائيل وحدها وانما لها شركاء من الفلسطينين ولو كنت مسؤلا من حماس لتركت للسلطة التي تسمونها شرعية لتبيع باقي فلسطين اذا كان يوجد باقي