كتَّاب إيلاف

تكريس التبعية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

(القوة قد تؤدي إلى النصر، ولكن ليس إلى جني فوائد النصر دائما) أرسطو
بقيت فعالية النشاط الاقتصادي تقوم على الطرفية، حيث التركيز على العاصمة، فيما تعيش مدن الأقاليم حالة من النقص في الخدمات والأنشطة العامة. إنها العناية بالواجهات على حساب العلاقات الصميمة والأصيلة، هذا بحساب حالة الارتباط بالمركزية الرأسمالية، حيث التركيز على العاصمة التي تم احتكار مجمل الفعاليات الاقتصادية فيها، فيما يتم التغاضي عن الأطراف باعتبارها هوامش، لا علاقة لها بطبيعة الاستثمار والاحتكار الذي يهم النشاط الرأسمالي.إنها الصورة الشوهاء المكرسة عبر فعالية تحديد مسار التنمية بما يجلب الفائدة لصالح المستثمر الرأسمالي على حساب التنمية العميقة للبلدان التابعة. ومن هذا الواقع فإن المظهر يشير إلى وجود نوع من التنمية، لكن الحقيقة تبقى تشير إلى تبعيتها وانعدام الإرادة الذاتية فيها، ومن هذا فإن آليات الاستمرار وشروط الوجود تبقى مرتهنة بطبيعة المصالح التي تفرضها العلاقات الرأسمالية.

التنمية بوصفها عبئا
لم يتردد نوري السعيد رئيس الوزراء في العهد الملكي العراقي من ترداد مقولة (إن صناعة العراق الزراعة)، هذا بحساب تركيز أسهم النظر حول طبيعة التنمية النابعة من المرتكزات الأصيلة والصميمة في النهضة والتنمية. فالوقوع في فلك المقارنة المباشرة بين نمطي الإنتاج الزراعي والصناعي، كان يوقع المتابعين في وهم الانتصار لصالح الصناعة على حساب الزراعة، باعتبار نمطية الصورة التي توحي بالتراجع والتخلف، باعتبار التحولات التاريخية التي قامت عليها الثورة الصناعية في المجال الأوربي، والعبء الذي خلفته العلاقات الزراعية إبان العصر الإقطاعي. وهكذا كان التطلع نحو تركيز هدف (النهضة الصناعية) الذي غدا شعار مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والذي طغى على عقول جيل ما بعد الاستقلال، حتى برزت المشاريع الصناعية، وراحت كاميرات السينما الوثائقية تركز على تقديم صورة المعامل وفرق العمال التي ترتدي الزي التقليدي (البدلة الزرقاء)، باعتبار الوقوف على العلاج والتطلع نحو النهضة الصناعية المنشودة، بل أن برامج الوزارات والأحزاب والمنتديات والجمعيات، راحت تقدم هدف التصنيع، كمبدأ أساسي في أهدافها ومقولاتها، فيما كان الواقع يشير إلى تركز العلاقات الشكلية على حساب العلاقات الجوهرية، حتى كانت المشكلات الأساسية قد تصادمت مع المنتج الصناعي ذاته الذي راح يعاني من فرط المقارنة المباشرة في الجودة والنوعية والإعراض الملفت من قبل المنادين بدعم الصناعة الوطنية، الذين شغفوا هياما وعشقا بالبضاعة المستوردة، تلك التي راحت تحتل قيمة رمزية على صعيد التداول الاجتماعي.

لقد تم تشييد المصانع في العديد من البلدان النامية، ولكن يبقى السؤال، هل وفقت في الحصول على تحقيق الغاية المنشودة والمكرسة حول موضوعة التنمية لاقتصادية؟ هذا إذا ما تحولت في الكثير من التجارب إلى عبء أريد التخلص منه، عبر التطلع إلى تحويل القطاع العام إلى خاص، بعد أن تحولت تلك المصانع إلى إقطاعيات من نوع آخر قوامه البطالة المقنعة، والإدارة البيروقراطية، والنوع الرديء والإنتاج المتعثر. والواقع إن حركة التصنيع الشكلية التي راحت تتبدى سماتها في البلدان(النامية) لم يسفر عنها سوى التغير على صعيد تركز الفقر في العلاقات المكانية. فبعد أن كان الفقر مرتكزا في المناطق الريفية باعتبار تراجع نمط وعلاقات الإنتاج الزراعي، راحت ملامح الانتقال تتبدى في المدن الكبرى، تلك التي تحولت إلى حاضنات كبرى لتنمية الأحياء العشوائية، وراحت تنتج المزيد من أجيال المهمشين والعاطلين عن العمل، باعتبار النقص الفاضح في المهارات و تركيز برامج التعليم على تكريس ثقافة التلقين والحفظ والتركيز على تحصيل الشهادة، في ظل التغاضي عن أهمية الدور الفاعل لتنمية العقول، في حفز الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

أزمة الإطار
إنها (أزمة الإطار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي) تلك التي يحددها جوندر فرانك، باعتبار مسؤوليتها المباشرة عن الأثر الذي تحدثه في طبيعة التنمية التي تجعل منها محدودة ومقننة، وتصب في صالح الفعاليات التي تقوم عليها المراكز الرأسمالية، وبهذا فإن التطلع إلى تطورها يبقى مرتهنا بقيمة المبادرة الصادرة عن مراكز الهيمنة الرأسمالية، باعتبار سيطرتها على منابع التصنيع الرئيسة، من مواد أساسية تدخل في صلب عملية التصنيع، ومن هذا يبرز دور الدول الصناعية الثمان، تلك التي تتهيأ لها القدرات على أداء فعالية التصنيع الكامل، من دون الخضوع أو التبعية للحاجة إلى مادة رئيسة تدخل في حيز تفعيل المادة المنتجة. وهذا بالضبط ما عانت منه البلدان النامية في خطواتها نحو تحقيق مجال الاستقلال الاقتصادي، لا سيما على صعيد القطاع الصناعي أو المالي أو الاستثماري. فالتراكم وفائض القيمة التي تشكلت عليه تلك القوى الاقتصادية الكبرى، تجعل من شروط العلاقة، تشير عادة إلى نوع من التبعية المستمرة. لا سيما على صعيد البحث عن المواد الرئيسة في التصنيع.إنه التنسيق بين المراكز الصناعية الرأسمالية، ذلك الذي يتبدى في صناعة سيارة اللكزس، كما يصفها الصحفي توماس فريدمان، في كتابه (عربة اللكزس وشجرة الزيتون)، حيث التركيز على قيمة الصراع الثقافي في طريقة النظر إل العالم، إنه التوقف عند منظومة القيم التي تطرحها رفاهية اللكزس باعتبار حالة التوجه للتصنيع الرأسمالي، والعزل والتهميش مقابل نموذج شجرة الزيتون التي تمثل قيمة الثقافة كحافز مؤثر لدى المجتمعات التي تحدد موقفها من العلاقات التي راحت تفرزها العولمة.تلك الأخيرة التي حولت الجميع (الأعداء والأصدقاء إلى منافسين) في الوقت الذي كانت فيه الحرب الباردة قد قسمت العالم إلى فريقين من ؛ الأعداء والأصدقاء على حد تعبير كارل شميدت.

أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف