مطلوب حكومة فلسطينية حرّة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يتدهور الوضع الفلسطيني بشكل يومي. يتدهور بشكل مخيف ، كأن المطلوب أبلاغ العالم أن لا وجود لسلطة فلسطينية أو حتى شبه سلطة يمكن التفاوض معها من أجل التوصّل ألى حلول معقولة ومقبولة تخرج الشعب الفلسطيني من الحال المأساوية التي يعاني منها. على الرغم من خطورة الوضع، تبدو مشكورة كلّ الجهود العربية وغير العربية الهادفة ألى أنهاء الأقتتال الفلسطيني، أي ألى الجمع بين كلّ من "فتح" و"حماس"، بين مؤسسة الرئاسة من جهة ورئاسة مجلس الوزراء والحكومة، أو من يتحكّم بها، من جهة أخرى، من أجل وضع حدّ لحال التدهور في الأراضي الفلسطينية. على رأس الجهود المبذولة، يأتي النداء الذي وجّهه حديثاً الملك محمّد السادس بصفة كونه رئيساً للجنة القدس من أجل تحقيق مصالحة بين الفلسطينيين. لم يكن نداء العاهل المغربي عادياً، هو الذي أختار في السنوات القليلة الماضية التركيز على الداخل والمحيط المباشر للمغرب، بمقدار ما أنّه يعكس ألى حد كبير قلقاً عميقاً، اضافة ألى الرغبة في عودة الهدوء ألى الأراضي الفلسطينية. الهدوء ضروري من أجل حقن الماء أوّلاً والعمل لاحقاً من أجل التوصل الى حلول تضمن للشعب الفلسطيني تحقيق طموحاته الوطنية على رأسها أستعادة حقوقه المشروعة تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية. لم يصدر النداء عن شخص عادي، بل صدر عن ملك المغرب الشاب الذي لم يبد يوماً سوى الحرص على التضامن العربي وعلى كلّ ما يخدم القضايا العربية بعيداً عن أي مصلحة ذاتية، بأستثناء مصلحة الأمة جمعاء. وقد أبتعد محمّد السادس حتى الآن عن كلّ ما له علاقة بالسياسات الصغيرة مفضّلاً التفرّج عليها من بعيد، ألى أن بلغ الوضع الداخلي الفلسطيني ما بلغه من خطورة فرضت عليه التدخّل.
ليس مطلوباً في الوقت الراهن التوصلّ ألى أتفاقات لوقف أطلاق النار وتبادل المخطوفين على غرار الأتّفاق الذي توصّلت أليه "فتح" و "حماس" الأثنين الماضي والأتفاق الآخر الذي أعلن بدء العمل به يوم الجمعة. على الصعيد العملي، لا معنى لأتّفاقات من هذا النوع ولا أفق لها في غياب أطار سياسي أوسع تتحرك فيه السلطة الوطنية الفلسطينية. من دون هذا الأطار السياسي، ستكون هناك حاجة ألى عشرات الأتفاقات على وقف النار لا تشبه سوى تلك التي كان يتم التوصل أليها في لبنان خلال الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرضه بين العامين 1975 و 1990 .
كان المشهد ذا طابع فولكلوري ألى حدّ كبير عندما تلا الدكتور محمود الزهّار وزير الخارجية الفلسطيني نص أتفاق بين "فتح" و "حماس" توصّل أليه الجانبان في غزة وقد أحاط به رئيس الوزراء السيّد اسماعيل هنية، وهو من قادة "حماس"، والسيد روحي الخطيب ممثّلاً السيد محمود عبّاس (أبو مازن) رئيس السلطة لوطنية الفلسطينية. هل صارت مهمة وزير الخارجية الفلسطيني الأهتمام بالوضع الأمني الداخلي بدل أن يكون في أحدى العواصم أو المدن العربية أو الأوروبية أو الأفريقية أو الأسيوية أو الأميركية سعياً ألى فتح أبواب العالم أمام القضية الفلسطينية العادلة، التي هي في ختام المطاف قضيّة شعب يريد زوال الأحتلال؟ ربّما يمكن ايجاد عذر للدكتور الزهار الذي وجد أخيراً وظيفة يشغل بها نفسه بعدما تبيّن أن عدد الدول التي يستطيع زيارتها لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة. ومعظم الدول التي يمكن له أن يزورها ستبحث معه في العلاقات والتجاذبات بين "فتح" و "حماس" يصفة كونه من قياديي الأخيرة.
آن أوان توقف المهزلة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية. آن أوان أجابة "حماس" عن السؤال الأساسي :هل تريد السلطة من أجل السلطة أم تريد دولة فلسطينية مستقلّة "قابلة للحياة" تؤمّن للشعب الفلسطيني المشرد حدّا ادنى من حقوقه، أكان هذا الشعب داخل فلسطين أم خارجها؟ يصعب على "حماس" متابعة نهجها الحالي في حال لم تجب عن السؤال المطروح. أي ماذا تريد في النهاية. لم يعد مجال للعب على الكلام من نوع القول أن "حماس" تريد "هدنة طويلة" وأن مفهوم "الهدنة" في الأسلام أنه فسحة تسمح بالتفكير في السلام. عن أي سلام تتحدّث "حماس"؟ هل لديها مشروع وطني فلسطيني تستطيع تسويقه فلسطينيّاً وعربياً ودولياً تتفاوض على أساسه مع أسرائيل، أم أنها تبحث عن طرف آخر تريد التفاوض معه بغية أضاعة الوقت؟ أم انها تريد التفاوض مع نفسها من أجل تأكيد انّها لن تتخلّى عن شبر من أرض فلسطين، كي تبرر أستمرار الأحتلال!
ربما تكمن المشكلة في أنّ الوقت لا يعمل في مصلحة الشعب الفلسطيني. يتبيّن كلّما مرّ يوم أن اسرائيل تتابع مشروعها الأستعماري الجديد الهادف الى خلق أمر واقع على الأرض. هل تفهم "حماس" ذلك؟ هل تفهم أن الموضوع لا يتعلّق بتشكيل ميليشيا جديدة تابعة لها ووضعها في أمرة وزير الداخلية سعيد صيّام وهو "حماسي" متطرف لا همّ له سوى الوقوف في وجه "فتح". ليس مهمة "حماس" الوقوف في وجه "فتح". مثل هذه المهمّة مهمّة أسرائيلية لا أكثر. مثل هذه المهمّة تخلق حرب شوارع لا تصب سوى في خدمة الأحتلال. هل تنبّهت "حماس" ألى ذلك وادركت أن كلّ ما تفعله حكومتها حالياً يخدم الأحتلال بغض النظر عن الزي الذي يرتديه رئيس الوزراء (هنية) الذي قرّر أخيراً أن يظهر على مواطنيه والعالم بشكل مختلف... كما لو أن الكوفية والعقال على رأسه كفيلان بأبعاد أي شبهة عن علاقة "حماس" المعروفة بالأجهزة الأيرانية أو السورية التي صارت تتحكّم بقرارها.
الموضوع في غاية الوضوح. أمّا تلملم "حماس" الوضع وتتوقف عن التصعيد، وأما نكتشف أنّ الأوضاع في الأراضي الفلسطينية سائرة ألى الأسوأ. لا يمكن تخيّل سلطة وطنية فلسطينية تطمح ألى أن تكون نواة لدولة مستقلة في ظلّ فوضى السلاح. أما سلطة وأما ميليشيا. الخيار الواضح. المشكلة أنّ "حماس" على غير أستعداد سوى لأن تكون ميليشيا، على غرار القوّة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، والتي تفعل كلّ شيء بأستثناء المحافظة على الأمن وعلى أرواح الناس. سيطرت "حماس" على وزارة الداخلية وحوّلتها ألى مزرعة تابعة لها مع ميليشيا تنفّذ ما تطلبه الحركة تحت غطاء الوزارة. أنّا تقلّد تماماً التجربة العراقية، حيث ميليشيا حزبية مذهبية تعمل تحت غطاء وزارة الداخلية تقتل وتخطف من دون حسيب أو رقيب. ليس بهذه الطريقة تبنى الدول. بهذه الطريقة يمكن تقديم خدمات للأحتلال لا أكثر ولا أقلّ.
جرت محاولات كثيرة لأخراج الفلسطينيين والوضع الفلسطيني من المأزق. قبل نداء الملك محمّد السادس، كانت مبادرة سعودية وقبل ذلك، كانت جهود مصرية للتهدئة، كذلك جرت محاولات أردنية لجمع الأضداد في عمّان. تدخل النظام السوري وجمع الرئيس الفلسطيني السيّد محمود عبّاس مع رئيس المكتب السياسي ل"حماس" السيّد خالد مشعل في دمشق. وتبيّن لاحقاً ان الموضوع كلّه مرتبط بالعلاقات العامة ليس ألاّ وبمحاولات النظام السوري الظهور بمظهر المصلح وليس المخرّب صاحب الغرض والمصلحة الحالم بدور أقليمي تجاوزته الأحداث والزمن. وقبل ذلك، أي في بداية البدايات، كانت محاولات قطرية صادقة تنمّ عن فهم حقيقي لخطورة الوضع وشعور كبير بالمسؤولية، قام بها النائب الأوّل لرئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني من أجل رأب الصدع عبر تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تنصرف لمعالجة الأوضاع.
للأسف الشديد، لم ينجح شيء مع الفلسطينيين. لم تفهم "حماس" أنّ السلطة ليست مهمّة وأن المهم أن تعتمد الحكومة الفلسطينية، أيّ حكومة فلسطينية، حتّى لو كانت حكومة أسماعيل هنيّة الحالية، برنامجاً سياسياً واضحاً يؤكد التمسك بمبادئ الشرعية الدولية، وقبل ذلك بالأتفاقات التي وقّعتها منظمة التحرير الفلسطينية وبقرارات القمم العربية في حال وجد من يعرف كيف يُسوَقها. ليس مطلوباً أن تعترف "حماس" بأسرائيل. المطلوب ان تقول للعالم أن الحكومة الفلسطينية جزء من العالم. المطلوب أن تكون هناك حكومة فلسطينية حرّة. حكومة متحرّرة من الشعارات التي لم تجلب على الفلسطينيين سوى الكوارث ومتحرّرة من أيّ أرتباطات خارجية. هل "حماس" حرة في نهاية المطاف، أم أن الحرب الأهلية الفلسطينية هدف من أهدافها في حال أكتشفت أن ليس أمامها سوى التخلّي عن السلطة...هل صحيح ما يقوله أحد الفلسطينيين الذين راقبوا تصرّفات "حماس" منذ شكلت حكومتها عن أن السلطة بالنسبة أليها أهم بكثير من الدولة المستقلة وحقوق الشعب الفلسطيني، بل أنّها الشيء الوحيد الذي يهمّها؟