الوضع الفلسطيني كما يراه كاتبان فلسطينياك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
بشار دراغمة: كيف ضاعت حماس بين المقاومة والسياسية والاقتتال.
تعيش الساحة الفلسطينية جملة من التقلبات المختلفة، تارة تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحين آخر باقتتال داخلي بدأ ينمو ويتطور مع دخول حركة حماس الفلسطينية في السلطة، وكان ذلك بعد فوزها في الانتخابات التشريعية التي جرت في الخامس والعشرين من شهر كانون ثاني / يناير عام 2006. وبدأت وتيرة الاقتتال الداخلي تتسارع في صراح واضح على السلطة الفلسطينية التي جاءت بموجب اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية التي كان يرأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين.
وتقلبت مراحل حركة حماس منذ تأسيسها العلني عام 1987 في عدة مراحل ومواقف وتنوعت طرق تعاملها مع التطورات، في وقت تصر فيه حماس على أنها ثابتة على مبادئها التي تبلورت الحركة على أساسها، لكن تطورات الأحداث لا تظهر ثباتا في مباديء حماس التي نراها تتقلب وتتغير بناء على التطورات السياسية في الساحة الفلسطينية والمنطقة ككل.
وفي هذه الدراسة قراءة تحليلية للطريقة التي تغيرت فيها حركة حماس وتاهت بين خيارات المقاومة والسياسة والسلام والاقتتال الداخلي. وتستند هذه الدراسة في التحليل على المباديء الأساسية المعلنة لحركة حماس والمنشورة في كتبها ومواقعها الإلكترونية من أجل ضمان موضوعية الدراسة.
التحويل في نهج حماس
ورد في موقع حركة حماس الرسمي على شبكة الإنترنت والمعروف باسم المركز الفلسطيني للإعلام أن :"حماس" هو الاسم المختصر لـ"حركة المقاومة الإسلامية"، وهي حركة مقاومة شعبية وطنية تعمل على توفير الظروف الملائمة لتحقيق تحرر الشعب الفلسطيني وخلاصه من الظلم وتحرير أرضه من الاحتلال الغاصب ، والتصدي للمشروع الصهيوني المدعوم من قبل قوى الاستعمار الحديث".
ونبقى عند النقطة الأولى فحماس تقول أنها حركة مقاومة شعبية لكن بالنظر إلى طريقة عملها ضد الاحتلال نلاحظ أن المقاومة الشعبية لم تحتل سوى جزء بسيط من طريقة تعامل حماس مع إسرائيل وكان الجزء الأكبر من طريقة مقاومته هي العمليات العسكرية ومن باب الموضوعية فأن حماس لا تنفي موجود العمل العسكري في طريقة المقاومة لكن نورد هذه النقطة تعليقا على التعريف الرسمي للحركة.
فنلاحظ أيضا أن التعريف يتوسع فيما بعد ليشمل :"حركة حماس هي حركة جهادية بالمعنى الواسع لمفهوم الجهاد،وهي جزء من حركة النهضة الإسلامية، تؤمن أن هذه النهضة هي المدخل الأساسي لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر وهي حركة شعبية إذ أنها تعبير عملي عن تيار شعبي واسع ومتجذر في صفوف أبناءالشعب الفلسطيني والأمة الاسلامية يرى في العقيدة والمنطلقات الاسلامية أساساً ثابتاً للعمل ضد عدو يحمل منطلقات عقائدية ومشروعاً مضاداً لكل مشاريع النهوض في الأمة، وتضم حركة "حماس" في صفوفها كل المؤمنين بأفكارها ومبادئها المستعدين لتحمل تبعات الصراع ومواجهة المشروع الصهيوني".
ومما هو مذكور يتبين أن حماس غير ملتزمة بما تلعنه من مباديء ففي الوقت الذي قالت فيه أن هدفها تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وهذا يعني أنها لا يمكن أن تعترف بجود إسرائيل وحقها في العيش إلى جانب دولة فلسطينية نلاحظ أن هذا المبدأ تغير وبات الحديث يدور عن دولة فلسطينية على حدود الأراضي التي تم احتلالها عام 1967 الموافقة على هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل تصل إلى عشرات السنوات وورد هذا الموقف عدة مرات على لسان قادة حماس مثل رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل ورئيس الحكومة الفلسطينية وابرز قادة الحركة إسماعيل هنية. وهذا ما كانت ترفضه حماس في السابق وتعتبره من المحرمات. وهذا ما يظهر أيضا في شعار حركة حماس الذي يتكون من صورة لمسجد قبة الصخرة تعلوها خارطة صغيرة لفلسطين ، ويحيط بصورة القبة علمان لفلسطين رُسم كل منهما على صورة نصف قوس ، ليظهرا وكأنهما يحتضنان القبة، وقد كتب على العلم الأيمن عبارة "لا إله إلا الله "، فيما كتب على العلم الأيسر عبارة "محمد رسول الله"، ويتعانق في أسفل القبة سيفان يتقاطعان عند قاعدة القبة ثم يفترقان مكونين إطاراً سفلياً للقبة . وتقول حماس في موقعها الإلكتروني أن :" الخارطة الموجودة في شعارها ترمز إلى موقف حركة "حماس" الثابت من أن الصراع يدور لتخليص كل فلسطين بحدودها الانتدابية من نير المحتل ، ورفض الحركة لحصر القضية في الأراضي المحتلة عام 1967".
وهنا يظهر التناقض في موقف حماس الحالي ومبادئها التي أعلنت عنها عند تأسيسها. وربما يعني ليونة من الحركة وإدراكا لطبيعة المرحلة الحالية بأن إزالة إسرائيل من الوجود لم يعد أمر واقعيا وأن إقامة دولة فلسطينية على حدود فلسطين التاريخية لم يعد واقعا تعيشه حماس وبالتالي قد تكون أعلنت موقفها من قبل دولة على حدود الأراضي المحتلة عام 1967 .
أما السبب الآخر الذي قد يكون دفع حماس إلى القبول بدولة على حدود 1967 هو إدراكها بأنها لا يمكن أن تتعامل مع المجتمع الدولي دون التخلي عن رؤيتها السابقة برفض وجود دولة يهودية إلى جانب الدولة الفلسطينية. وهذا الأمر يمكن ملاحظته بوضوح من مجرد الإطلاع على موضوع "فكر حركة حماس والعلاقة مع إسرائيل" والمنشور في موقعها الإلكتروني ويقول هذا البند:" تعتقد حركة "حماس" أن الصراع مع الصهاينة في فلسطين صراع وجود فهو صراع حضاري مصيري لا يمكن انهاؤه إلا بزوال سببه، وهو الاستيطان الصهيوني في فلسطين واغتصاب أرضها وطرد وتهجير سكانها. وترى حركة "حماس" في الدولة العبرية مشروعاً شمولياً معادياً لا مجرد كيان ذي أطماع اقليمية، وهو مشروع مكمل لأطماع قوى الاستعمار الحديث الرامية للسيطرة على مقدرات الأمة وثرواتها ومنع قيام أي تجمع نهضوي في صفوفها عن طريق تعزيز التجزئة القطرية وسلخ الأمة عن جذورها الحضارية وتكريس الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحتى الفكرية عليها" .
حماس تطرح نفسها بديلا لمنظمة التحرير
ربما ما يعلنه قادة حماس مناقض لما تحويه وثائق الحركة التي تنشرها على موقعها الإلكتروني. فيتبين من الوثائق أن حماس تطرح نفسها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية والتي اعترفت بها إسرائيل ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني بموجب اتفاق أوسلو.
ويتضح محاولة حماس طرح نفسها بديلا لمنظمة التحرير من أحد النصوص المنشورة في موقع المركز الفلسطيني للإعلام تحت بند النشأة والتطور وجاء في النص
:" برنامج الثورة الفلسطينية الذي تجمع وتبلور في منظمة التحرير الفلسطينية تعرض في الثمانينات الى سلسلة انتكاسات داخلية وخارجية عملت على إضعافه وخلخلة رؤيته. وكانت سنوات السبعينات قد شهدت مؤشرات كثيرة حول إمكانية قبول م.ت.ف بحلول وسط على حساب الحقوق الثابتة لشعبنا وأمتنا وخلافاً لما نص عليه الميثاق الوطني الفلسطيني ، وتحولت تلك المؤشرات إلى طروحات فلسطينية واضحة تزايدت بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد ، والاجتياح الصهيوني لجنوب لبنان ثم محاصرة بيروت عام 1982".
ويضيف النص:"كان هذا الحصار أكبر إهانة تتعرض لها الأمة بعد حرب عام 1967، رغم الصمود التاريخي للمقاومة الفلسطينية فيها ، إذ تم حصار عاصمة عربية لمدة ثلاثة أشهر دون أي رد فعل عربي حقيقي ، وقد نتج عن ذلك إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وخروجها من لبنان، الأمر الذي عزز الاتجاهات الداعية للتوصل إلى تسوية مع العدو داخل المنظمة وتضمنت طروحات التسوية التنازل عن قواعد أساسية في الصراع مع المشروع الصهيوني وهي كما ورد في بند النشأة والتطور:
1-الاعتراف بالكيان الصهيوني وحقه في الوجود فوق أرض فلسطين .
2-التنازل للصهاينة عن جزء من فلسطين، بل عن الجزء الأكبر منها.
ويتابع النص نفسه:"في مثل هذه الظروف التي لقيت استجابة من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية ، تراجعت استراتيجية الكفاح المسلح،كما تراجع الاهتمام العربي والدولي بالقضية الفلسطينية. وكانت معظم الدول العربية تعمل على تكريس مفهوم القطرية بنفس فئوي بشكل مقصود او غير مقصود، وذلك من خلال وترسيخ المفاهيم القطرية، خاصة بعد أن اتخذت الجامعة العربية قراراً في قمة الرباط عام 1974 باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" .
إذا النص يعلن بوضوح تام أن حركة حماس طرحت نفسها ومنذ تأسيسها بدلا عن منظمة التحرير الفلسطينية.
وبالنظر إلى الصراع الحاصل حاليا بين حركتي فتح وحماس ربما نجد أن جذور هذا الصراع تعود إلى طرح حركة حماس نفسها بديلا للمنظمة وهذا ما ترفضه حركة فتح وهي الحزب الأكبر في المنظمة.
ولا تربط حركة حماس أساس وجودها بعوامل داخلية فلسطينية مثل احتلال الأرض واللاجئين وإنما تتطرق في مبادئها وبشكل صريح إلى أن عوامل دولية أدت إلى تأسيس الحركة وتقول:"وبعد نشوب الحرب العراقية - الإيرانية أصبحت قضية فلسطين قضية هامشية عربياً ودولياً، وبموازاة ذلك كانت سياسة الكيان الصهيوني تزداد تصلباً بتشجيع ومؤازرة من الولايات المتحدة الامريكية التي وقعت معه معاهدة التعاون الاستراتيجي في عام 1981 الذي شهد أيضاً إعلان ضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة وتدمير المفاعل النووي العراقي" .
وتتابع:"فيما كانت الدول العربية تتعلق بأوهام الأمل الذي عقدته على الادارات الامريكية المتعاقبة ، كان التطرف الصهيوني يأخذ مداه مع هيمنة أحزاب اليمين على سياسة وإدارة الكيان، وكانت سياسة الردع التي تبناها الكيان الصهيوني منذ عقود هي السياسة التي لا يتم الخلاف عليها، لذلك نفذت بعنجهية عملية حمام الشط التي قصفت فيها مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس في أكتوبر عام 1985. ولقيت هذه الاعمال دعماً وتشجيعاً كاملين من قبل الادارة الامريكية التي عقدت عليها الآمال العربية بتحقيق طموحات القمم المختلفة"
وتضيف:"على الصعيد الدولي كانت الولايات المتحدة قد تقدمت خطوات واسعة بعيداً عن الاتحاد السوفيتي في فرض إرادتها وهيمنتها، ليس على المنطقة فحسب بل وعلى العالم بأسره، حيث كانت المشاكل المتفاقمة يوماً إثر يوم داخل الاتحاد السوفيتي تتطلب منه الالتفات الى الوضع الداخلي فأنتج التركيز الشديد على ذلك تراجع اولويات الادارة السوفيتية وانسحابها التدريجي من الصراعات الاقليمية وترك الساحة للامريكان، وقد انتهى الدور السوفياتي في المنطقة بصورة لم تتوقعها الحكومات العربية وغالبية الفصائل الفلسطينية وألحق أضراراً بموقفها السياسي من الصراع".
ومن كل هذه النقاط المنشورة صراحة على موقع حركة حماس الإلكتروني نلحط أن تأسيس الحركة له دوافع دولية وليست محلية فقط. فهي لم تطرح نفسها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية وإنما أيضا عن الدول العربية التي تبنت القضية الفلسطينية ووافقت على قرارت الشرعية الدولية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأهمها قرار 242 القاضي بإقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية وقرار 194 القاضي بعودة للاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي شردوا منها وتعويضهم عن خسارتهم.
التخلي عن المقاومة لصالح السياسة
منذ دخول حركة حماس في الانتخابات التشريعية نجد أنها لم تنفذ أي عملية تفجيرية ضد إسرائيل كما أنها لم تنفذ أي عمليات في الضفة الغربية وقطاع غزة سوى عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في عملية "الوهم المتبدد" بالقرب من قطاع غزة. بينما وبالنظر إلى السجل السابق لحركة حماس نلاحظ أنها كانت من أكثر الحركات الفلسطينية التي نفذت عمليات تفجيرية ضد الإسرائيليين وربما يعود السبب في جمود عمل حماس العسكري هو السعي نحو التحول إلى حركة سياسية قادرة على التعامل مع مستجدات المرحلة التي تعيشها.
واذا كانت حركة حماس تنفي عن نفسها التحول إلى حركة سياسية فأن الواقع لا يساعدها في ذلك فالدخول في انتخابات تشريعية برلمانية لهو دليل على أن حماس تعيش الآن العمل السياسي الدبلوماسي ولسنا بحاجة إلى دليل أكبر من تحولها إلى حركة سياسية من وجود نوابها ووزرائها وحكومتها على أرض الواقع ودون ذلك كيف يمكن تفسير تجميد حماس لعملياتها وخاصة أن ميثاقها يقول :" العمل العسكري يشكل الوسيلة الاستراتيجية لدى الحركة من أجل مواجهة المشروع الصهيوني ، وهو - في ظل غياب المشروع العربي والاسلامي الشامل للتحرير سيبقى الضمانة الوحيدة لاستمرار الصراع وإشغال العدو الصهيوني عن التمدد خارج فلسطين. كما أن العمل العسكري في بعده الاستراتيجي يشكل وسيلة الشعب الفلسطيني الأساسية للإبقاء على جذوة الصراع متقدة في فلسطين المحتلة، والحيلولة دون المخططات الاسرائيلية الرامية لنقل بؤرة التوتر إلى انحاء مختلفة من العالمين العربي والاسلامي".
لكن كما ذكرنا سابقا فأن العمل العسكري لم يعد موجودا لدى حركة حماس منذ عامين تقريبا.
أوسلو والانتخابات التشريعية
حماس التي ترفض اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية نجدها تتعامل مع بنود هذه الإتفاقية وما دخولها في الانتخابات التشريعية إلا دليل على ذلك فولا تلك الاتفاقية لما سمحت إسرائيل بوجود انتخابات تشريعية فلسطينية فالانتخابات هي بند من الاتفاقيات بين المنظمة وإسرائيل ووجود سلطة الحكم الذاتي هو بند أساسي من تلك الاتفاقيات.
أما الموقف الرسمي لحماس من تلك الاتفاقيات والسلطة الفلسطينية فهو:" سلطة الحكم الذاتي ليست أكثر من إفراز من إفرازات اتفاقات التعايش مع العدو الصهيوني وتؤمن الحركة أن الصهاينة وافقوا على إقامة هذه السلطة لتحقيق مجموعة من أهدافهم الآنية والبعيدة . فالسلطة المدعومة بنحو 30 ألف مسلح يشكلون جهاز شرطة خاص متعدد المسميات مطالبة بتنفيذ التزامتها التي تعهدت بها في الاتفاقات ، وفي مقدمة هذه الالتزامات التصدي لعمليات المقاومة وضرب فصائلها ، وأضعافها بحجة حماية مسيرة التسوية واتفاقات السلطة مع إسرائلي
وتقول حماس:" كما أن السلطة بصورتها المرتهنة لاتفاقات أوسلو تشكل ستاراً من شأنه اضفاء نوع من الشرعية على الاحتلال وممارساته ، فعندما وافقت السلطة - مثلاً - على شق طرق التفافية للمستوطنين فهي إنما منحت الاستيطان الصهيوني شرعية قانونية .
وتتابع في ميثاقها:" إن حركة "حماس" ترى في اتفاقات أوسلو صيغة مضللة لتصفية القضية الفلسطينية ، وتوفير الأمن للصهاينة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ، غير أنها تتمسك بمعارضة هذه الاتفاقات وتعمل على اسقاطها بالوسائل الشعبية والجماهيرية ، دون التعرض للسلطة ورموزها بالعنف ، وتؤمن الحركة أن مصير السلطة ومشروعها السياسي الفشل والانحسار في الشق الأمني لاتفاقات أوسلو" .
لكن حركة حماس اليوم هي من تعيش اتفاق أوسلو وهي من تسيطر على السلطة التي جاءت بموجب هذا الاتفاق وبالتالي لا يمكن لحماس أن تنفي عن نفسها التحول إلى حركة سياسية علنية.
من السياسية إلى الاقتتال
إذا ما هو ملاحظ أن حماس بدأت بالتحول من حركة مقاومة إلى حركة سياسية وبعد هذا التحول وحفاظا على وجودها كحركة سياسية خاضت اقتتال داخل مع حركة فتح ومؤسسة الرئاسة الفلسطينية من أجل إثبات الذات. وفي هذا الإطار كان قرار تشكيل قوة عسكرية تحمل صفة رسمية بعيدا عن مسمى الجناح العسكري للحركة وهو كتائب القسام وبالفعل تم تشكيل القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية والتي تسيطر عليها حركة حماس. وهي القوة التي تخوض في الآونة الأخيرة الاشتباكات المسلحة مع حرس الرئاسة الفلسطيني ومسلحي حركة فتح.
وحماس التي تخوض اقتتالا داخلا تقول في ميثاقها أنها ضد الاقتتال بل وضد الإقتتالات الداخلية في الدول العربية فتقول:" تعمل "حماس" على تشجيع الحكومات العربية والاسلامية على حل خلافاتها وتوحيد مواقفها إزاء القضايا القومية، لكنها ترفض أن تقف مع طرف واحد ضد الآخر، أو أن تكون طرفاً في أي محور سياسي ضد محور آخر". لكن الواقع يقول أن حماس تميل الآن إلى أطراف عربية وإسلامية ضد أطراف أخرى ومثال ذلك علاقتها مع إيران وسوريا وهي علاقات تقوم على أساس تأمين دعم عسكري ومالي للحركة في مواجهة دول أخرى تقدم الدعم للرئاسة الفلسطينية وحركة فتح.
الخلاصة:
1-حماس تخلت عن عملياتها العسكرية لصالح العمل السياسي وتحولت من حركة مقاومة إلى حركة سياسية
2-حماس تطرح نفسها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية وتسعى لان تكون القوة الأولى في الأراضي الفلسطينية
3-حماس تقيم علاقات مع دول عربية وإسلامية مثل إيران للحفاظ على قوة وجودها
4-حماس على استعداد لإبرام اتفاق سلام مع إسرائيل بطريقة غير مباشرة من خلال مدخل الهدنة طويلة الأمد.
5-حماس تخوض الاقتتال الداخلي للحفاظ على قوة وجودها كحركة سياسية فلسطينية
6-حماس ترفض اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير لكنها تعيش تفاصيل هذا الاتفاق من خلال الانتخابات التي شاركت بها
****
نصر جميل شعث: حماس، فتح: مآخذ ومتطلبات
رأى أبو جعفر المنصور، يوماً، في بستانه شجيرةً من شجرٍ يسمّى: " خِلاف " ؛ فلم يدر ما هي، قال ( لوزيره أبي الفضل الربيع ) يا ربيع: ما هذه الشجيرة ؟ فقال ربيع: إجماع ووفاق، وكَرِهَ أن يَقول خلاف.. ويسجّل التاريخ أن الربيع، أبرز الحجّاب في العصر العباسي الأول، هو الذي أوقع بالبرامكة عند الرشيد، وأشعل نار الفتنة، بين الأمين والمأمون.. وكان الحاجب في الأندلس بمثابة رئيس الوزراء في عصرنا الحاضر. ما بين الأندلس وبغداد، ما بين التاريخ والحاضر، الصور تتشابه بين عراق الخلاف، وخلاف فتح وحماس في غزة.
والمتابع للشأن الفلسطيني الحالي، سيجد أن حماس مازالت تتعامل مع فوزها، الذي جاء على الدراجة الديمقراطية، على أساس أنه انقلاب أكثر من كونه نصراً محترماً. لذا هذا أحد أسباب عدم نضج الحركة برغم كون نصرها نتاج عملية ديمقراطية. أن تتصرف حماس بهذه النعرة الحزبية التي تضمر نزعة الثأر القبلية، فهذا يجعل منها حركة غير ضابطة لفوزها بالشكل المحترم والمفترض أن يضعها أمام مسؤوليات وطنية أكبر حجماً وتكليفاً من قبل الشعب ؛ الذي انتخبها ليس على أساس منحها وسام شرف. وإنما لتتحمل مسؤولياتها الداخلية والخارجية والانطلاق من وعيها بأنها أصبحت في المعمعة السياسية الكبيرة. فإما أن تتقدم، أو سيظل الوضع رهن المأزق بالنسبة لها وللشعب. أما حركة فتح، فأعمال البعض، منها، التخريبية هي نتاج، ليس صحياً، لهزيمتها أمام الحركة الفلسطينية الشابة. لذا ستسارع منذ لحظة التحقق من الهزيمة بالخربشة في وجه حماس والشعب كذلك. والنتيجة أنّ الوحدة الوطنية تتقوم على اشتراطات تستدعي تنازلات مؤلمة من كلا الخصمين. هناك لحلحة وتمنيات، ولكن الثبات على الإثم أكبر من أي عامل أخلاقي ووطني لدى الجانبين. فالخرق طال الحرمات، بشكل يدعو على الصدمة ؛ إراقة للدماء وتخريب للصروح التعليمية كذلك !! ومن المؤسف أن يصل بالطرفين الأمر للعبث والتخريب ونقل مظاهر الاقتتال داخل حرم الجامعة الاسلامية. مازلنا نعتبر وجود جامعة تضاهي في مستواها الأكاديمي والأخلاقي جامعات عربية وتقيم التوأمة مع غيرها من جامعات محترمة وعريقة ؛ حدث تاريخيّ كبير، بمعزل عن التسييس. الجامعة صرح تعليمي يخدم آلاف الطلاب، في قطاع غزة. الاحتلال نفسه صان حرمة الجامعة، فلم تسجّل الأيام، يوماً، أنه اعتدى على حرمتها، بالرغم من متابعته الاستخبارية الخاصة لها كهدف. أما من ينظرون للجامعة بصفتها نواةً الحكومة، فهذه نظرة مجتزئة وغير راشدة ! هناك في داخل الجامعة العمل علمي وتعليمي بالدرجة الأولى. بغض النظر عن وجود حماس الكثير فيها ؟ ليس دفاعاً عن حماس هذا القول. ولكنه دفاعاً عن الجامعة كصرح بارز وقويّ. أما خارج الحرم، فيمكن القول إن حماس التي جاءت للحكم على دَرّاجةٍ علمانية ؛ أمام مأزقها العظيم، لأننا نعلم أن العلمانية: هي فصل الدين عن الدولة بشكل كامل أو بشكل جزئي، بحيث تظل مساحة الفصل أكبر كثيراً من مساحة الوصل. وهذا التعريف يضعها في المأزق كحركة إسلامية. وعلى حماس، هنا، أن تتفق معنا على أن: السياسة هي : " فن الممكن "، لا قداسة في السياسة. إذاً، فمن باب إنقاذ ما يمكن إنقاذه، يجب أن يكون العمل مرناً، لأن تحريك المواقف سيكون خدمة لمعايش المجتمع. القاعدة الذهبية تقول: " الضرورات تبيح المحذورات ".. والشارع بحاجة لدرء المخاطر عنه. خدمة الزعامات لشعوبها لا تعتبر انتهاكاً وتجاوزاً لحدود الله سبحانه وتعالي. " الخلق عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله "، كما ورد في حديث النبي الشريف محمد صلى الله عليه وسلم، كما جاء عند الموصلي: أبو يعلى الموصلي/ مسند أبي يعلى ج6 حديث 3315. أما شاعر العرب المتنبي فقد مدحه الناس على قوله هذا البيت: ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوّا له ما من صداقته بدّ ! إذن، فرص حكومة الوحدة الوطنية ممكنة. على حماس أن تعطي الناس ذريعة لمدح فعلها. لماذا الإصرار على تجاهل الدور التاريخي العظيم لمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثل للشعب، وواضعة لقضاياه العادلة على خريطة السياسة الدولية ؟
ومازلت حماس لم تستلم ورقة القبول السياسية الرسمية من بعض دول عربية، رفضها وقبولها عربيا وعالمياً متعلق باشتراطات ومحاذير مسبقة، من أمريكا والغرب، تستند إلى تعقّد الظرف في المنطقة. وفي الوقت نفسه تسمح الاشتراطات بفتح باب دوار على الجارتين مصر والأردن. وبالنسبة للسعودية لم يتم دعوة الحكومة بشكل رسمي. أللهم دعوة خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز لقيادة الحركتين، المتناحرتين، في مكة. في ظل الاتهام المباشر للحركة بأنها يد لإيران وسوريا ؟ يد أم حلفاء ؟ ما الذي يمكن أن يقال لتفكيك الأخطاء التي تقع جميعها على رأس الشعب ؟ وتستثمرها دول مستقلة ولها كياناتها ومصالحها في المنطقة ؟ فضلاً عن ما يريده تنظيم القاعدة، عبر كلماته المسجلة المتلفزة، من حماس التي يريد أن يكون وصياً عليها، حركةً وحكومة. كما لو أنه يخاف على وعيها العقائدي ؛ بالذات بعد إقبالها على متاع الحياة الدنيا كون أن السلطة متاع ومتعة ! ولكن الواضح أن الإدعاء بأن للحركة سياسة مستقلة هو من قبيل تغطية الشمس بغربال.
تشغل حماس الجميع، مثلما كانت فتح تشغله في أوج راديكاليتها. وما عرف عن سياسة إسرائيل أنها تفرض أمراً واقعاً وتنطلق للتفاوض منه. هي أضعفت حلقة عرفات باغتيالها لمن حوله من القيادات الراديكالية، كأبي جهاد، أبي الهول، أبي إياد وغيرهم... وكان هذا تمهيداً للمشروع التسووي الذي جاء كنتيجة في شكل مصيدة لفتح عرفات. قد تمرّ حماس بظروف مشابهة للسيناريوهات السابقة. يستطيع الاحتلال بسياسته التفكيكية عبر اللعب الضاغط على ثنائية الصقور والحمائم ؛ أن يخلق الفراغ، وبالتالي إضعاف وجرّ حماس لتصبح الشبيه أو المثيل لحركة فتح ؟ وكل شيء والله اعلم جائز . ولكن ما يؤلمنا، الآن، هو أن يطال العنف الدموي مقدراتنا البشرية ومؤسساتنا التعليمية.