كتَّاب إيلاف

مصحف فاطمة في روايات الكافي... مقاربة نقدية (2)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

(الراوية) العمدة

الراوي العمدة في روايات (مصحف فاطمة) في كتاب الكليني هو (أحمد بن محمد)، وهذا الراوي مشترك بين كثير من الشخصيات الروائية الشيعية، ولكن أهمها شخصيتان روائيتان كبيرتان ــ وهما يتصلان مباشرة بموضوعنا ــ في التراث الشيعي... وهما: ــ
الأول: أحمد بن محمد بن خالد البرقي.
الثاني: أحمد بن محمد بن عيس الأشعري.
وإذا كان لكل منهما من يروي عنهما في الكافي في مدخل (حدثنا عدة من أصحابنا) ما عدا الإشتراك براوية واحد ذلك هو (أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي)، فأنهما يرويان عن مشتركين كثر، وهنا تكمن المشكلة، فإن التمييز بين الراويتين يكون عسيرا وصعبا. وأننا نجد هذا الإشتراك واضحا في الرواية عن (أ حمد بن محمد) في مصحف فاطمة بالذات.
وليس من شك أن القضية تكون منتهية لو كان كل منهما ثقة، ولكن هناك شكوك تدور حول أحدهما على أقل تقدير، أقصد (أحمد بن محمد بن خالد البرقي) ولذلك حكم (محمد باقر البهبودي) بضعف كل روايات (الكا في) الواردة في مصحف فاطمة، فإن هذا التضعيف يبدو بسبب الإشتراك بين الراويين من جهة ولضعف البرقي من جهة أخرى لدى البهبودي.

وفي الحقيقة ليس البرقي فقط محل نظر، بل الإشعري هو الآخر لا يخلو من غمز بعدالته، وعلى كل حال البحث الموضوعي يتطلب فحص حال الرجلين.
فنحن نقرا في الرواية الا ولى عن (مصحف فاطمة) في (الكافي) كما مر بالبحث السابق أن (أحمد بن محمد) يروي عن (عبد الله بن الحجّال)، ولم نقدر أن نحكم من هو ( أحمد) هذا، هل هو الأشعري أ م البرقي، ذلك إن الحجال يروي روايتين فقط أحدهما هذه التي نحن في صددها / المعجم 10 رقم 6784 /. وبالتالي من الصعب تمييز أي الأحمدين يروي هنا عن (الحجال ). وفي الرواية الثانية يروي (أحمد بن محمد) عن ( عمر عبد العزيز)، وهذا الاخير لم تثبت وثاقته، وقد خصّه الخوئي باحمد بن محمد الأشعري بلا دليل. وفي الرواية الثالثة يروي ( أحمد بن محمد) عن (علي بن الحكم) وهذا مشترك بين كل من الأحمدين / راجع معجم الخوئي 2 رقم 858 ص 267، ص 302 /. والرواية الرابعة يروي ( احمد بن محمد) عمّن (ذكره) وهذه دلالة ضعف بطبيعة الحال، أما الرواية الخامسة، ففيها يروي (احمد بن محمد) عن (أبن محبوب) وهذا مشترك بين الأشعري والبرقي أيضا / راجع الخوئي نفس المعطيات السابقة / وأما في الراوية السا دسة التي هي رقم (8) في كتاب الكافي، فإن (أحمد بن محمّد) يروي عن (الحسين بن سعيد) وهذا يروي عن كلا الأحمدين أيضا / المصدر نفس المعطيات /. نعم وبالاعتماد على الخوئي / المعجم 13، رقم 8758 ص 41 / ينفرد (احمد الأشعري) بالرواية عن (عمر بن عبد العزيز /الرواية الثانية) ولكن عمر هذا ضعيف كما قلنا، وهو موقف بلا سند.وبالتالي، من الصعب التمييز بين الأحمدين.

قال الشيخ محسن أصف الحسيني نقلا عن كتاب (سماء المقال) وهو من الكتب الرجالية المهمة لدى الشيعة (كل أحمد بن محمد بعد الكليني... بواسطة العدة فهو أحد الأحمدين: ابن محمد بن عيسى، أو ابن خالد البرقي) / بحوث في علم الرجال ص 213 / وبالتالي، لا أدري كيف خص الخوئي عمر بن عبد العزيز بـ (أحمد الأشعري)!
وفي الحقيقة، وقبل أن أنتقل إلى الفقرة الثانية من البحث، بودي أن أعلق على معضلة المشتركات في علم الرجال السني منه أو الشيعي.

شيء عن معضلة الإشتراك
إن الإشتراك الرجالي في علم الرجال الإسلامي دليل قوي على إرتباك حاسة النقد عند علماء الحديث، فهل كان هؤلا ء يقدرون ما يمكن أن يجلبه هذا الخلل من متاعب على الباحثين وطلاب الحقيقة من بعدهم؟ أم أن هناك لعبة وراء الاشتراك مثلا؟ لا أدري بطبيعة الحال، ولكن هو دليل على أن هؤلاء المحدثين الكبار لم يجيدو لعبة العلم. فإن الإشتراك مشكلة كبيرة، وتؤدي إلى ضياع الكثير من العلم، وربما تشوه الحقيقة، فهل كانوا على درجة من الوعي الروائي بعد كل هذا؟
إن معضلة الإشتراك تشكك بقدرات هؤلاء على فهم التاريخ، وتعطي دليلا قويا على حاستهم غير الواعية لما يحدث بعدهم! وهي معضلة تجعلنا نعيد تقييمهم علميا بشكل ادق.
أن الإشتراك خلل سندي كبير، يبرهن على أن علم السند الذي يفاخر به المحدثون وبعض علماء المسلمين يعاني كثيرا من الإرباك وكثيرا من الإلتباس، فهل تمر هذه الثغرة بلا حساب؟
السند علم شريف عالي المهمة، وقد رووا روايات عن النبي الكريم أن أ مته يفتخر بها النبي أن أمته هي ا مة (إسناد)، ولا أدري مدى صحة هذه الروايات، ولكن الإشتراك الرجالي بهذه السعة، وبكل ما جلبه من متاعب ومضيعة يجبرنا على القول بان هؤلاء الناس لا يمتلكون حسا نقديا وتشريحيا وأخباريا بتلك الدرجة التي تشاع عنهم. بل أقول أن ما يقود إليه الإشتراك من خلط وفوضى ينم عن إغفال بأهمية السند، فالسند ليس توثيق هذا الراوية وذاك فحسب، بل هو ضبطه بالشكل الذي لا يحير الأخرين، ضبطه بالشكل الذي يوفر فرصة لبناء تصور تا ريخي، وإمضاء لما هو شرعي، وأخلاقي، وإلا لماذا يتعبون أنفسهم بحفظ الرواية عن النبي الكريم؟ هل هذه الثغرة أو هذا الغفلة جزء من وعي سندي وحديثي عال الأفق؟
هل وراء الإشتراك لعبة؟
ربما!
لا أدري... يحتاج إلى سبر الروايات التي يكثر فيها الإشتراك لأكتشاف السر.

الرواية (أحمد بن محمد البرقي)

قال الطوسي في الفهرست رقم 20: (أحمد بن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن... البرقي، أبو جعفر، أصله كوفي... كان ثقة في نفسه، غير أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء، وأعتمد المراسيل، وصنّف كتباً كثيرة، منها المحاسن وغيرها...).
الطوسي في هذا النص يوثّق البرقي، ولكنّه يستدرك، و كانت مادّة الاستدارك مركبة من قضيتين، هما حسب ما جاء في النص: ـــ
الأول: أكثر الرواية عن الضعفاء
الثاني: إعتمد المراسيل.
قال النجاشي رقم 182: (أحمد بن محمّد بن خالد... كان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، وأعتمد المراسيل... ). وبالتالي هناك تطابق بين الطوسي والنجاشي في مسار التقييم في خصوص المترجّم له أحمد بن محمّد بن خالد البرقي.
bull;لقد أكثر الرواية عن الضعفاء!
لماذا؟!
**هل كان (البرقي) جاهلاً بأنّه يروي عن ضعفاء؟
أن جهله بضعف من يروي عنهم دليل على انه لا يملك حاسة نقدية قوية، أو هو راو غير متمرس نقديا، هو راوية نقلي وليس رواية نقديا، خاصة إذا كان ذلك ظاهرة طاغية في روايته كما هي مع صاحبنا البرقي هذا. وفي تصوري إن إكثار الراوي عن الضعفاء مسألة جديرة بالدرس، يجب أن لا تمر بلا تمحيص، ترى هل لذلك علاقة بضعف حاسته النقدية؟ أم أن لذلك علاقة بتصور عقائدي خاص به حول الفضائل والكرامات التي تخص قادة مذهبه؟ أم أن ذلك نوعا من الدعاية والترويج للحق كما يراه؟
إن مقاييس نقد الراوي يجب أن لا تنحصر بأنه صادق أم كاذب، ضابط أم ليس بضابط، بل يجب أن تتعدى إلى مقتربات أخرى، بما في ذلك عاطفته ومدى تأثيرها على ما يروي، بما في ذلك نظريته حول الفضائل والكرامات، فهناك من لا يرى ضيرا بنشر كل فضيلة بصرف النظر عن راويها!
**هل كان (البرقي) يعلم بانّه يروي عن ضعفاء حقا؟
إذا كان هذا صحيحاً فأنه يزيد من هول الكارثة، لانّ ذلك يعني أنّ البرقي لم يعرف مدى المصيبة التي يجلبها للناس والتاريخ والعلم، ربما يقولون: أنّ البرقي أراد بذلك توثيق كل ما يروى عن الائمة عليهم السلام، لئلا يضيع التراث، وهذا مردود للاسباب التالية: ـ
1: انّ الرواية عن الضعفاء مهلكة للدين والفكر، ولو يروي عن الضعفاء مع الاشارة الى ذلك، يكون قد قدّم خدمة جليلة للفكر، ولكن من غير الاشارة الى ذلك يكون قد زجّنا في محرقة علمية.
2: لا يوجد دليل على مثل هذا التفسير.
3: لم يرو عنه شيء من التمييز والتحذير على لسان البرقي نفسه.
ولم تكن روايته عن الضعفاء نادرة، بل هي كثيرة، وعبارة الطوسي كانت دقيقة، واستدراكه يحمل معنى كبيراً وذات دلالة، تفيد أقل التقادير ضرورة الحذر في مجال روايات الرجل.
ربما يقول بعضهم انّ هذا السلوك كان ورائه دافع الترويج لعلم أهل البيت عليهم السلام، وهو تبرير بارد مرفوض يتقاطع مع خلق القران ومبادئ الاسلام وفكر أهل البيت عليهم السلام.
والحقيقة من الغريب جداً تمرير مثل هذه الظاهرة، أي أن نقول بثقة راو رغم أكثاره الرواية عن الضعفاء، لماذا لا تُحاكم هذه الظاهرة محاكمة دقيقة؟
bull;يعتمد المراسيل!

هذه أكثر إثارة من سابقتها، فأنّ رواية المراسيل عمليّة تنطوي على جهل فاضح بالقيمة العلمية للسنة النبوية الكريمة، وقد تحمل إ دانة علمية و (ربما) خلقية أيضا. المراسيل بلاء علمي يوفر فرصة تحريف الشريعة و العقيدة والاخلاق والتاريخ بمديات خطرة ومدمّرة، وهي على أقل تقدير تدل على سذاجة مثيرة فيما إذا كان الرا وي سليم النيّة، نظيف الطوية.
قال (البهبودي) في كتابه (معرفة الحديث): (لم يكن ليهمّنا تعداد كتبه ــ لقد كان مُكثراً في التاليف بشكل مثير ــ إلاّ لنعلم سمْعاً وبصَراُ أنّ الرجل مُكثر فوق حدٍ التقوى، فهذا كتاب المحاسن وقد طُبع منه أحد عشر جزءاً في مجموعة وبلغ أحاديثها ألفين وستمائة حديث، فجميع كتب المحاسن وهي تربو إلى مائة كتاب، لا ندري كم كان يبلغ أحاديثها، ولعلّها تبلغ خمسين ألفاً وأكثر) ــ ص 108 ــ
إذا كانت كلمة البهبودي قاسية بدرجة ما، فلنقل أنّ هذا يدلُّ على عدم رعايته لحرمة الحديث وخطورته، وهو يشير الى طبيعة غير مبالية، وكأنه يروي لذات الرواية، او يروي طلباً للشهرة، او يروي كي يحضى بمكسب مادي، وراوية لا يحرص على تقييم الرواية على صعيد أثرها العلمي و العملي يصعب الاعتماد على تراثه الروائي، حتى إذا كان ثقة في دينه، وأمّأ قول بعضهم أنّ ذلك حرصاً منه على حفظ تراث أهل البيت، فدعوى ليس عليها دليل.

يقول البعض إن الاعتماد على المراسيل مسرى أصولي خلافي وهو لا يشير الى فسق الرجل وجرحه، والواقع هذا الكلام ليس حفريّاً، نحن نريد معالجة القضيّة على ضوء الدين والشرع والعقل والظرف. هناك من الناس قد يعتمد على المراسيل لانّ فيها تثبيتاً لأمر آل محمّد مثلاً، فهل نترك هذا التصور بلا تعليل نفسي وعقلي؟ وهل كل ألوان الاعتماد على المراسيل بريئة من الناحية الا خلاقية؟ ثمً هل يجزم أصحاب هذا العلاج بان البرقي كان واقعاً في محنة المراسيل وقيمتها من خلال بحث ونظر ودراسة ليتخذ موقفه هذا كنتيجة نهائية؟ أم هي مسيرة ساذجة لم تكن تخضع لكل هذه المراحل من النظر والفكر؟ هل كان موضوع الاعتماد على المراسيل أساساً مطروح في زمن البرقي حتى يأتي مثل هذا العلاج؟

وهناك منْ يرى بأن اعتماده على المراسيل متأت من أعتماد الصدوقين عليها لورودها في الكتب المعتمدة، فقد قال المجلسي في الروضة (والظاهر أعتماده عليها ـ المراسيل ـ كان كأعتماد الصدوقين بأنّها كانت من الكتب المٌعتمدة، كما يظهر من كتابه المحاسن...) ـ المحاسن 1 / 14 ــ ولكن البهبودي يقول (... وإنّي بعد ما تتبًّعت رواياته وجدتُه يروي عن النسخ المجعولة الموضوعة على أ صحابها الثقات الإثبات كثيرا، ومنها ما كان يرويها عن داود بن القاسم الجعفري أبي هاشم، عن أبي جعفر الجواد...)، ويقصد بذك كتاب منسوب لأبي داود بن القاسم الجعفري المتوفي سنة (261) للهجرة، وهو كتاب موضوع عليه. ومهما يكن الأمر تبقى هي روايات مُرسلة ضعيفة. وأعود للقول: هل نُمضي الاعتماد على المراسيل بهذه السعة دون تمحيص للواقع؟ أي دون سؤال عن القيمة الاخلاقية لهذا العمل؟

قال أبن الغضائري (أحمد بن محمّد بن خالد بن محمّد بن علي البرقي، يُكنّى أبا جعفر، طعن القمّيون عليه، وليس الطعن فيه، إنّما في منْ يروي عنه، فأنّه لا يُبالي عمّن أخذ على طريقة أهل الاخبار، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى أبعده عن قم، ثمّ أعاده إليها، وأعتذر إليه) ـ رقم 10 ـ
علماء الرجال الشيعة لا يعتمدون تقييمات أبن الغضائري لانّهم يشكون بنسبة الكتاب إليه، ولكن رغم ذلك لنواصل الحديث في سياق النص المذكور.
1: أنَّ النص يكشف عن تمادي البرقي في نقولاته غير المسؤولة (فإنّه كان لا يُبالي عمّن أخذ...) ويزيد إبن الغضائري في حدّة نقده لمّا يصنّف الراوي على جماعة الاخباريين، وفي ذلك نقد رجالي شديد.

2: إنّ النص يكشف عن نقد جماعي للبرقي (... طعن القمّيون عليه...)، فهو ليس محل نقد واحد أو أثنين، بل محل نظر مجموعة من الناقدين.
3: وليس بالضرورة إعتذار الأشعري يعبّر تماماً وبالضرورة عن موقف النقد العام المُثبّت في حقه كما يفيد نص الغضائري.
هذا النص فضلاً عن أن علم الرجال الشيعي لا يعترف به، نظراً للنسبة المشكوك بها، تعرّض للتحريف والاضافة من دون أن نعرف السبب.
قال العلاّمة الحلي (احمد بن محمّد... البرقي، منسوب الى برقة قم، أبو جعفر، كوفي ثقة، غير أنّه كثيرالرواية عن الضعفاء، وأعتمد المراسيل.
قال إبن الغضائري: طعن عليه القميون، وليس الطعن فيه، وإنّما الطعن فيمّن يروي عنه، فأنه كان لا يبالي عمّن يأخذ، ـ على طريقة أهل الأخبار ــ وكان أحمد بن محمّد بن عيسى أبعده عن قم ثمّ اعاده إليها واعتذر إليه، وقال ـ يعني ابن الغضائري ـ وجدتُ كتاباً فيه وساطة بين أحمد بن محمّد بن عيسى واحمد بن محمّد بن خالد، ولما توفّي مشى أحمد بن محمّد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً ليري نفسه ممّأ قذفه به) ـ ص 63 رقم 72 ــ
وسوا ءهذه الزيادة موجودة في كتاب الغضائري أم لا، وسواء كان الكتاب صحيح النسبة الى الغضائري أم لا، ولكن رواية الغضائري مرسلة هنا، وإذا كان يشترك مع الطوسي والنجاشي بان الرجل يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، فلنتوقف عند هذا القدر المشترك، ونضيف إلى ما سبق ا لملاحظة التالية: ــ

يقولون: ليس الطعن فيه، وإنما في منْ يروي عنه. وفي تصوري ينبغي تغيير المعادلة، ونقول ــ فيما إذا جرّدناه من الطعن في ذاته ــ وليس الطعن فيه وإنما في طريقته، فإن النقل عن الضعفاء رُبَّما يعبّر عن فكر مرتبك، يعبّر عن طريقة غير مسؤولة في التعامل مع الاشياء، واعتماد المراسيل (قد) يترجم ذاتاً قلقة، غير سويّة، ذات مهووسة، ربما يكشف عن أسلوب خاطئ بالدعوة... ربما كل هذا وغيره تنطوي طريقة البرقي في روايته عن الضعفاء واعتماده المراسيل، خاصّة مع التدقيق في النقاط التالية: ــ
1: أنّ روايته عن الضعفاء كثيرة جداً جداً.
2: اعتماد المراسيل يعني الاخذ بها وربما تبنيها في العمل والفكر (يعتمد...).
فهو مذهب إذن، هو طريقة، ولذا، وبناءً على هذا التصور، يكون الطعن ليس فيمن يروي عنه البرقي، ولا في ذاته، بل في طريقته، في مذهبه، وهذه نقطة يجب ان نلتفت إليها، وهي طريقة مخرّبة، تجلب البلاء، كما أنها طريقة (قد) لا نستبعد معها التشكيك في وثاقة الرجل تبعاً، وإنْ كان المبدأ هو الطريقة كما قلنا.
قال البهبودي (أقول: هذا الذي ذكروه في وصف الرجل جَرحاً وتعديلاً يفيدنا أنّه لم يكن كذّاباً يكذب على أصحاب الأصول والمؤلّفات، ولا مُدلّّساً يُسمّي الضعفاء والمجروحين بغير ما أشتهروا به، ولكنّ الخطب في أخذه بالوجادة والاجازة من دون ميْز بين صحيح النسخ ومدسوسها، فبعد ما نراه يروي ويحدِّث عن الغُلاة جهاراً من دون تحرّج، كيف نثق فيما كان يروي عن الثقات الإثبات، بأنّه لم يأخذ عن كتبهم إلاّ بعد التحرّز التام عن مكائد الغُلاة ودسائسهم) ـ ص 108 ــ

ليس هناك رواة كذّابون يروي عنهم البرقي، بل هناك طريقة خاطئة أنتهجها الرجل في نقل العلم، فإن النقل الكثير ــ ونركّز على الكم هنا ـ عن الضعفاء، مع العلم، جهاراً وصراحة، إنما هو مذهب، يجب التركيز على نقده، وهو خطأ.
قال البهبودي (وإنّي بعد ما تتبعّتُ رواياته، وجدته يروي عن النسخ المجعولة الموضوعة على ا لثقات الأثبات كثيرا، ومنها ما كان يرويها عن داود بن القاسم الجعفري أبي هاشم عن أبي جعفر الجواد في النصّ على الأئمة الاثنى عشر وقوع الغيبة بالأمام الثاني عشر من لسان الخضر عليه السلام...).
حيرة البرقي بغيبة المهدي
يروي البرقي عن يحي بن محمّد رواية معروفة تتضمّن شهادة الخضر عليه السلام عند أمير المؤمنين عليه السلام، بالائمة الاثني عشر! مع تسمية كل واحد منهم، حتى إنتهى الى المهدي، ثم قال الكليني تعقيباعلى الرواية (قال محمّد بن يحي: فقلتُ لمحمّد بن الحسن، يا أبا جعفر، وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة احمد بن أبي عبد الله، قال: فقال: حدّثني قبل الحيرة بعشر سنين)، فإن العبارة تشير أن البرقي كان شا كا بغيبة المهدي، أو كان يمر بأزمة قوية في خصوص غيبة المهدي.

يقول السيّد الخوئي (اقول: هذه الرواية قد أشكلت على كثيرين، أولهم فيما نعلم: السيّد التفريشي ـ قدس سرّه ـ فتخيلوا أنّ فيها ذماً على أحمد بن أبي عبد الله، ولكن التأمل في الرواية يعطي أنّ معناها ما ذكره بعض الافاضل...).
فإن بعض الرجاليين فهموا بأن المقصود من ذلك، انّ البرقي كان متحيّراً بالغيبة، فالكلام يدور في زمن متأخر عن غيبة الا مام وما تعلق بها من شكوك، ولكن الصفار رفع هذا اللبس بالاشارة الى انّ روايته هذه كانت قبل حيرة البرقي بعشر سنين، ولكن هناك تفسيرات اخرى لهذه الحيرة، حتى كانت هناك حيرة في تفسير حيرة البرقي!
بعض الرجاليين يرون أنّ الحيرة المذكورة تنصرف إلى حيرته في نقل الاخبار المرسلة والضعيفة، وهو تفسير غريب، فهل كان البرقي محتاراً فيما يروي عن الضعفاء والمراسيل؟ أين هي معالم ذلك؟ وكيف؟ وما هي الحصيلة التي خرج بها علينا البرقي من ذلك؟ أن هذا التخريج لحيرة البرقي محاولة يتيمة لتبرئته من التفسير الاول.

بعض الرجاليين يفسر الحيرة المذكورة باخراج أبن عيسى له من قم، وهو تفسير لا تدل عليه اي قرينة من النص الوارد، بل لا توجد أي رابطة بين بنيات النص وتحولاّته وهذا التفسير ا لهروبي.
بعض الرجاليين يفسّر الحيرة بالبهت والخرافة في آخر عمره، وهو كسابقه، ثمّ هل هناك دليل أن البرقي مرّ في مثل هذه الحالة؟
بعض الرجاليين يفسّر الحيرة بولادة المهدي، ذلك ما أن يموت أمام حتى تتطلع الشيعة الى الامام الذي من بعده، ولمّأ كانت ولادة الامام المهدي خلفاً للعسكري كانت مشوبة بالكتمان والسر، فقد شاعت الحيرة بين الناس حتى ثبت لهم بعد حين، فالحيرة ليست منصبّة على الغيبة، بل على الولادة أصلا... فكان محمّد بن يحي يتمنى أنْ يكون راوي هذه الرواية غير البرقي كي تأتي مصداقاٌ للغيب، أي تؤيد ولادة المهدي قبل ولادته فعلاً فتكون رادعاً عن الشك أو الحيرة بولادته، فكان جواب الصفّار بأن البرقي روى ذلك قبل حيرة الولادة بخمس سنين، وبذلك يكون البرقي قد أعلن عن الغيب قبل وقوعه، وبهذا تتحقق أمنية يحي بن محمّد بواسطة رواية البرقي!

أنّ اقل ما يُقال عن هذا التفسير أنّه واحد من إحتملات كثيرة، والأمر الثاني، أنّ الصفار أطلق كلمة (الحيرة) دون توضيح، ومن المعلوم ان هذه الكلمة كانت علَماً على الحيرة التي حلّت في المجتمع الشيعي بعيد غيبة الامام المهدي، غيبته الكبرى، بل كانت مصطلحاً كما هو معروف، ولذا صرفها الى الحيرة في الغيبة اولى من صرفها الى ولادة المهدي كما هو واضح جداً، بل انّ صرفها الى الا مامة وولادة المهدي واضحة التصنّع والتحميل، فيما صرفها الى حيرة الغيبة يقترب من الحقيقة أكثر.

يقول البهبودي تعليقاً على هذه النقطة بالذات (وهذه المُقاولة ـ بين محمّد بن يحي والصّفار ــ وأنْ كانت بمعزل عن إثبات الحديث وصحّته، ولكنّها تُفيدنا أنَّ الأصحاب كانوا متسالمين على ضعف الرجل، وعدم الاحتجاج بحديثه، حتّى أنّ شيخنا الصفّار مع كونه متساهلاً في أمر الحديث بنفسه، لا يدّعي أنَّ البرقي ثقة صالح لأن نحتج بحديثه، وأنَّما يتعلق بصحّة الحديث من جهة التاريخ فقط، وانْ كان في ذلك غير مُصيب) ـ ص 109 /110 ــ وقد رتّب بعضهم مواقف عملية تجاه البرقي بسبب هذه الحيرة، فقد طعن الشهيد الثاني في رواية سعيد بن عبّأد الواردة بعدم الإرث مطلقاً لاشتمالها على البرقي مطلقاً ـ المحاسن 1 / 17 ــ

أن حيرة الناس بحيرة البرقي دليل على أنّ المسألة شائكة، وفي مثل هذه الاحوال تُحمل على أقرب الاحتمالات المتصوَّرة
وفي عقيدتي، شخصيّة يدور كل هذا اللغط حولها نتجنب روايتها جهد الامكان، ذلك إذا تحكّمت بنا رغبة العلم بمفهومه الموضوعي، وسليقة المعرفة بمستواها اللائق في توجيه الحياة. وسوف أقوم بدراسة موسّعة لكتابه(المحاسن).
إن هذه الشكوك تجعلنا نحذر من رواية مصحف فاطمة في الكافي مع الأخذ بنظر الإعتبار قضية الإشتراك بين الإشعري وا لبرقي كما هو وا ضح.
يتبع
Ketab_1@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف