كتَّاب إيلاف

قضية ضد الحكومة العراقية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

العنوان أعنيه تماماً وليس فخاً لغوياً لاستراق المتابعة، فكلمة الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية يوم أمس، والتي حمَّل فيها الجانب السوري مسؤولية نصف العمليات الإرهابية في العراق، دفعتني لكتابة هذه الأسطر، لأن الحكومة العراقية انتبهت أخيراً إلى ثغراتها الحدودية مع سوريا، حيث تتحمل مسؤولية مضاعفة في سدّ تلك الثغرات. فالحدود مفتوحة لإدخال المفخخات بشكلها الأولي؛والشكل الأولي هو سيارات مستعملة مرسلة في الغالب من دول أوربا الغربية، تتكدس على الحدود السورية العراقية، يدخلها ضعاف النفوس احتيالاً على قرار وطني عراقي بمنع دخول السيارات المصنّعة قبل عام 2004 إلى العراق، عن طريق رشوة حدود لمتعهدي صفقات يزوّرون الأوراق تسهيلاً لعبور سيارات نقلها بعض صغار الطامعين العراقيين من مكان إقامتهم الأوروبية.. ففي الوقت الذي أبلغتْ فيه الحكومة العراقية منافذها الحدودية بهذا القرار، صار تجار الليل على الحدود - تراشياً مع الحراس والموظفين من الجانبين العراقي والسوري- يتجاوزون طرق تزوير الأوراق الثبوتية (المنفيست)المعتادة، بإدخال السيارات إلى محافظات حدودية معروفة في الفوضى الإدارية ليتم تزوير تواريخ دخولها في مخالفة كبيرة تنحر القرار الوطني سابق الذكر، وتتجاوز الأمن بدخول آليات ما أسهل استخدامها وتداولها في التفخيخ والتخريب، إضافة لانحراف تطبيقات هذا القرار كمنجز لوزارة التجارة، حيث صار منحةً للمرتشين والتجار، وتحول إلى بلوى قيّدت المواطن العراقي بشروط تعجيزٍ وكلفةٍ لا قبل له بها مع ارتفاع أسعار السيارات حداّ تجاوز الخيال التجاري.

الكلمات المؤلمة أعلاه نشرتها في مقال أسبوعي في صحيفة الصباح في العدد 717 يوم 6 من كانون الأول 2005. وبعد مرور أكثر من شهر نشرتُ مقالاً آخر اعتمدتُ له عنواناً موحشاً، لعلّ حكومتنا تنبّه فيه إلى ما نريد، وكان العنوان: "حكومتنا لا تقرأ الصحف".. وبالفعل هي لا تقرأ.. وحتى مفوضية النزاهة لا تقرأ الصحف. وصادف أن قابلت رئيسها أثناء زيارته لدولة الإمارات، وسلمته باليد رسالة كنت نشرتها كمقال ثالث عن الموضوع، وجهت فيه استغاثة ورجاء إلى هذه المفوضية، واستغربت حين قال لي:"يا ابني تعرف كم رسالة تصل المفوضية في اليوم.. تريدني اعرف عن رسالة نشرتها أنت في الجريدة قبل أشهر؟".. وبينما أنا أكرر أسئلتي ولهاثي بين هذا وذاك، أتابع ألم مرور الأيام التي كنت أعدّها بعدد ما يرسل من سيارات مفخخة لتدمي النفس وتذهبها حسرات. ومرّت الأشهر وكان سؤالاً للحكومة العراقية بعد أن وهبني الله! مقابلة ناطقها الرسمي السيد الدباغ الذي حدثته عن الحكاية "من طقطق إلى الرمادي!"و سلمته قصاصة ورقة فيها ما أشرت أليه من مقالات منشورة في الصحف والمواقع العراقية والعربية تشير الى تواريخ النشر ومكانها. وقال (وقوله الحق) "هذه ملفات شائكة وعمل وزارات". وتداركته بسؤال عابر عن مدى متابعة الحكومة العراقية لما ينشر، فتحدث عن لجان ولجان للمتابعة الإعلامية. فتعجبتُ، وإن أعجب فعجب قول حكومتنا عن لجانها التي لا تتابع هذا الشأن الأمني الأول في العراق، الذي أنفقت له الملايين من الدولارات والآلاف من الأرواح؟!.

فلمن يكتب من يكتب، ومن ذا يطالع صدى أوجاعه في صحف العراق؟، فصحفنا تطبع بملايين النسخ وتبحث أكثرها في مصائب يومية وفجائع لا تجد حلاً لأن حكومتنا منشغلة ولا تطالع صحف بلادها، لتقرأ على الأقل عن مقدس قراراتها المهان مع الأسف، وهذه ليست تهمة باطلة، أو إساءة مرتجلة لأنها من واقع تجربة شخصية في مواضيع ظننت أهميتها وتوقعت رداً عليها لأني اعتقدت-عقيدة المؤمن بعراقيته- خطورتها كمشاكل مفصلية، وحلقات وصلٍ لتفسير الكثير من العُقد والكوارث اليومية التي تدفع الوطن إلى الهاوية، ولأن ما نبهت إليه كان في مقالات مفصّلة وطويلة، هي في أرشيف صحيفة الصباح البغدادية وصحيفة إيلاف الالكترونية، وفي أرشيف الضمير الإنساني الدائم صباحه منذ رحيل الديكتاتورية البغيضة.. ولأن كل هذا سهل متابعته والعودة إليه، و"سيجدونه محضراً" في الضمير السائل أبدا.. سأترك الكثير منه وأعيد إلى حكومتنا الموقرة سؤالي عن كتابات نشرتها وليتني كنت وضعت معه إساءة باطل أريد بها حقاً، ما أحوجني إليه الآن لينتبه الجميع له، لكني لم أرفع صوتاً بوجه هذه الحكومة ولا أريد رفع صوتي، وقلت ربي اغفر لحكومتنا إنها لا تعلم ما أصبح يقين شهود يناكدون بضعف حيلتي وذهاب الكلمات رماداً موحشا في لهيب الحرقة العراقية، حتى اتخذوني هزوا، أريد الانتصاف له كأقل الإيمان بثقةٍ صار صعبا مراسها مع القلم في جدوى ما يكتب، ويُهمس من حزن لأني( إذا قلت المحال رفعت صوتي وإن قلت اليقين أطلت همسي(.... لكني الآن أنبذ هذا الهمس وأريد من يدلني قانوناً وحقاً دستورياً في رفع قضية ضد الحكومة العراقية، في موضوع دخول سيارات بصورة غير رسمية من الجانب السوري من تاريخ نشر أول كتابة لي في الصحف العراقية تشير إلى هذا الموضوع وتحذر الحكومة من مخاطره.

أكتب وهاجس عميق يدفعني لحذف كلّ ما كتبت وإلغاء نشره، فكم ذا نطالب بمقاضاة الحكومة وعن ماذا وماذا؟.. ولكن هل نصبر ونستعين الأقدار أعذاراً عن كثير من ثوابت الحزن ونوازلها اليومية لأن لكلّ امرئ من دهره ما تعودا.. ولنا أن نعتاد همّ ما نلقى وما نجد في اليوم العراقي، الأمر الذي لا ترى أسبابه حكومتنا إلا غدا؟!.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف