كي لا يضيع لبنان فرصة باريس 3
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
انعقد يوم الخميس 25 يناير الماضي مؤتمر باريس 3 للدول المانحة لمساعدة لبنان. و أعلن الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" أن قيمة المساعدات التي وعدت بها الدول والمنظمات المشاركة في المؤتمر بلغت 7.6 مليار دولار (المملكة العربية السعودية : 1,1 مليار دولار، البنك الدولي :أكثر من مليار دولار، بنك الاستثمار الأوروبي : 1,25 مليار دولار، الولايات المتحدة : 770 مليون دولار، فرنسا : 500 مليون يورو، والاتحاد الأوروبي : 400 مليون يورو... و بذلك تتجاوز المساعدات السقف المتوقع الذي كان بحدود 5 مليارات دولار.
و الاكيد ان هذا الدعم السخي يؤكد "وجود أصدقاء كثر للبنان" كما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. لكن المؤكد ايضا ان هذا الدعم لن يحقق الكثير ، بل سيذهب هباء منثورا ما لم يعمل اللبنانيون على "مساعدة انفسهم بانفسهم" ، اذ ان المشكل الاقتصادي هو "لبناني-لبناني" بالاساس.
يفوق اجمالي الدين العام 180% من الناتج المحلي الاجمالي، وهي نسبة تفوق 3 اضعاف معيار "ماستريخت" الاوروبي ( 60%). لكن نصف هذا الدين فقط بالعملة الاجنبية، وهو ما يعمل المانحون الاجانب على المساعدة بشانه بجدولة الدين السابق و اعطاء منح جديدة.
اما بخصوص النصف الاخر- المحلي - فالخطر يتمثل في كون 54% منه هو دين للبنوك المحلية، مما يعني ان فشل المؤسسات الاقتصادية في تسديد ديونها سيؤدي حتما الى صعوبات مالية للنظام المصرفي ككل، و قد ينتهي الامر الى ازمة تعصف بالدولة اللبنانية برمتها، كما حصل في السابق مع الدول الاسياوية في ازمة 1997.
اما بخصوص الميزانية الحكومية فقد تضاعف عجزها من 48 مليار ليرة لبنانية قبل الحرب الى 624 مليار بعدها، مما يعني ان الازمة الحالية و انعقاد باريس 3 ما كان ضروريا بالاساس لولا الحرب التي تورط فيها لبنان. و على هذا الاساس، فان الشرط الاول المطلوب لمساعدة اللبنانيين "انفسهم بانفسهم" يتمثل في استبباب الامن ، وهو عبء يقع في المقام الاول على قوى التمرد
- حزب الله و التيار الوطني للعماد ميشال عون - الذين اضافا الى دمار حرب الصائفة الماضية دمارا جديدا باعلان عصيانهم الاخير لشل الحركة في بيروت.
و من المهم ايضا التاكيد على ان استتباب الوضع الامني - على اهميته - لن يكون كافيا. و الفشل في اعتماد اصلاحات هيكلية، صعبة لكنها ضرورية، سيبقي الحبل على الغارب ، و سيؤدي الى هدر مساعدات باريس 3 ، كما سبق و ان هدرت معونات دورات نادي باريس السابقة ...
الاولوية المطلقة تتمثل في اصلاح بيئة الاستثمار - سياسات و مؤسسات- لتخفيض التكلفة الاقتصادية العالية التي يتكبدها لبنان جراء ادارة بيروقراطية الدولة لقطاعات الطاقة (الكهربائية) و الاتصالات و بعض الخدمات الاخرى، و في مقدمتها الطيران المدني. وهذه انشطة تجارية لا يمكن للقطاع العام ان ينافس فيها القطاع الخاص - خصوصا الشركات العالمية الرائدة - . لذلك نجد اسعار الطاقة الكهربائية و الاتصالات الخارجية مرتفعة جدا في لبنان، و هذا لا يشجع طبعا المستثمر - المحلي و الاجنبي على حد سواء - و يعيق تنافسية الاقتصاد اللبناني. و اي تاخر او تماطل في هذا الشان ستكون له تكلفة باهضة يدفها اللبنانيون غاليا في المستقبل.
كما لا بد من مراجعة شاملة لتسهيل اجراءات الاعمال، حيث تدل المؤشرات التي ينشرها البنك الدولي على وجود عراقيل كبرى بهذا الشان. انشاء مؤسسة اقتصادية يتطلب 6 اجراءات خلال 46 يوما في لبنان، مقابل 4 اجراءات في 24 يوما فقط في ايرلندة. و تبلغ نسبة الضريبة على ارباح الشركات 40%، مقابل اقل من 20% في معظم الدول النامية التي اصلحت انظمتها الضريبية لتسهيل الاعمال ( بما فيها مصر ! ). كما ان تنفيذ العقود التجارية (مؤشر مصداقية النظام القضائي ) يتطلب 721 يوما في لبنان، مقابل 217 يوما في ايرلندة، و 211 في هونج كونج، و 27 يوما فقط في تونس (المرجع - موقع البنك الدولي: www.worldbank.org/doingbusiness).
مع استتباب الامن و المصالحة السياسية، من المهم ايضا ان يخطوا لبنان على خطى سنغافورة و هونج كونج و دبي، بجلب استثمارات و شراكات خارجية لتطوير مناطق حرة متخصصة في مجالات الصناعات النظيفة و التكنولوجيا المتقدمة، كما في مجال النقل و الخدمات الوجيستية و الاعلام و النشر و الرعاية الصحية - كركيزة للسياحة الاستشفائية- و التعليم الجامعي، بالاضافة الى مركز مالي دولي، لما للبنان من خبرة في هذا المجال قبل الحرب.
كاتب المقال محلل ايلاف الاقتصادي و خبير سابق بصندوق النقد الدولي
Abuk1010@hotmail.com