كتَّاب إيلاف

هل هي عودة الوعي عند سعد الدين إبراهيم؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في مقال سابق بعنوان " وهم الإسلاميين الديمقراطيين عند سعد الدين إبراهيم"، قمت بواجب النقد ( لا الانتقاد الذي هو تسقط العيوب) لما روج له الدكتور من فرضيات غير مبنية - من وجهة نظري - على أسس سليمة، بشان "اعتدال" و " ديمقراطية" قوى الإسلام السياسي ( مثل الإخوان المسلمين في المشرق، "جبهة الإنقاذ الجزائرية " للشهيرين عباسي مدني و علي بالحاج، " النهضة التونسية" لشيخها مدى الحياة راشد الغنوشي، " العدالة و التنمية" و " العدل ولاحسان" في المغرب...). إذ لم تقدم ممارسات هذه القوى - في المعارضة كما في الحكم - حتى الآن دليلا إلا على العكس تماما، بدليل أن " مرشدي الإخوان" هم منتخبون مدى الحياة ( مرشد الإخوان السوريين ادعى منذ اشهر انه لن يترشح لفترة جديدة لينقلب عن وعده بعد ذلك ). و الشيء من مأتاه لا يستغرب، حيث لا وجود لمصطلح التداول على الحكم في المراجع الفقهية لهذه الحركات، بل هي تعتبر في قرارة نفسها الديمقراطية تشبها بالنصارى و كفرا، و إن ادعت عكس ذلك لمغالطة العامة.
و لقد لاقى مقالي السابق استحسان القراء، بدليل الردود الكثيرة التي جاءتني بالبريد الإلكتروني، بالإضافة لملاحظات القراء على موقع إيلاف.

لكن واجب النقد هذا لا يمكن أن يقلل من أهمية الإسهام المرموق لـلـدكتور إبراهيم في السوسيولوجيا السياسية العربية، و لا في نضاله السياسي ضد الاستبداد البارك كالكابوس على صدور شعوبنا. إذ كما أكدت في مقالي السابق: " يعتبر د. سعد الدين إبراهيم اكبر داعية للديمقراطية في العالم العربي... له تاريخ حافل بالنضال منذ كان زعيما طلابيا في أمريكا. و لعب بعد ذلك دورا قياديا في المنظمة العربية لحقوق الإنسان. و مما زاد من مصداقيته، نجاحه في تأسيس و رئاسة مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، و أقامته في القاهرة (لا المتاجرة بالشعارات عن بعد من إحدى العواصم الغربية)، و تحمله تبعات السجن دفاعا عن آرائه و مبادئه".

اليوم أجد نفسي ملزما بالتنويه بالمقال القيم الذي نشره د. إبراهيم بتاريخ 28 ديسمبر الماضي بعنوان "الدولة المدنية.. فالدولة المدنية.. ثم الدولة المدنية". يبدو أن عودة الوعي هذه للدكتور سعد الدين جاءت نتيجة الصدمة التي روعت المجتمع المصري كما و لا شك روعته هو شخصيا، لما قام به طلبة " الإخوان " في استعراضهم العسكري بالأزهر على غرار ميليشيات الحزب الفاشي الإيطالي في العشرينات من القرن الماضي، قبل زحفها على روما و الانقضاض على الحكم بالطريقة التي نعرف. و يعكس هذا حقيقة التنظيم السري للإخوان، بعكس التصريحات المخادعة لزعماء الحركة السياسيين التي تدعي عكس ذلك.

أهمية هذا المقال للدكتور إبراهيم تتمثل في أن الكاتب لم يتوقف عند هذا الحدث - على أهميته -، بل راجع التاريخ المصري بدءا بالمادة الجديدة التي استحدثها الرئيس السادات في دستور 1971 : "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". يقول الدكتور سعد الدين : "أصبح الإسلاميون يطالبون الدولة بأن تفي بما نص عليه دستور 1971 (وتعديلاته عام 1980). وفي هذه المطالبة يسقط الإسلاميون كلمة "مبادئ من منطوق المادة، لتصبح "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". وقد تستر العديد من المتزمتين والمتطرفين، وحتى الإرهابيين وراء المنطوق المحرف لهذه المادة، ليبرروا "إرهابهم"، بل وسايرهم بعض القضاة أحياناً، فأروهم من بعض ما اقترفت أيديهم من عنف ضد ممثلين الحكومة وضد بعض الكتّاب والمثقفين بدعوى أنهم يطبقون "شرع الله"... وبهذا الفهم برر أولئك الذين قتلوا فرج فودة (1992)، والذين حاولوا وكادوا يقتلون الأديب العالمي د. نجيب محفوظ. وهم أيضاً الذين روعوا د. نصر حامد أبو زيد، متهمين إياه بالزندقة والردة، ومطالبين بتطليقه من زوجته، رغم أنف الزوجين".

و حسبنا لو كان د. سعد الدين إبراهيم مطلعا على كتاب راشد الغنوشي"الحريات العامة في الدولة الإسلامية" لأدرك أن الدولة الدينية الشمولية تمثل القاسم المشترك بين جميع الاصوليات، اذ يقول الغنوشي: "المعتقد الإسلامي هو الركيزة العظمى للمجتمع الإسلامي، فكل علاقة في المجتمع من شانها أن تنال من ذلك الأساس أو تهدده كان منعها محتوما، و من ذلك منع الزواج بالفسقة و الملحدين (هكذا ! )" (صفحة 54). أليس هذا كافيا ليقنع د. إبراهيم بان الحكم بتطليق المفكر نصر حامد أبو زيد من زوجته، رغم انف الزوجين، كان تطبيقا لما دعا له راشد الغنوشي، و هو نفس ما يتفق عليه فقهاء سائر حركات الإسلام السياسي!

بطبيعة الحال لا يمكن لي إلا أن أشاطر رأي د. إبراهيم عندما يقول :
" الممكن والملح فهو استحداث مادة تقرر "الطبيعة المدنية للدولة والمجتمع، وعلى رئيس الجمهورية وبقية الهيئات السيادية أن تحمي هذه الطبيعة المدنية". و إن كنت لا أرى معنى لمقولته : " فحتى الإخوان المسلمون، وحزب الوسط، ذو التوجه الإسلامي، يقولون في وثائقهم الأخيرة أنهم "مدنيون ذو مرجعية إسلامية". فلا مصداقية لما يقوله الإخوان و من هم على شاكلتهم، لان تصريحاتهم - خصوصا عندما يفتضح أمرهم كما حصل مؤخرا للإخوان بعد استعراض الأزهر - لا تعني بالنسبة لهم الكثير. و كما كتبت في مقالي السابق : " أما الحركات الإسلامية في العالم العربي فمبرر وجودها ذاته يتمثل في التصدي للديمقراطية باعتبارها خروجا عن نظام الشورى، و معاداة حقوق المرأة على اعتبارها خروجا عن الشرع، و معارضة حقوق الإنسان المتعارف عليها في المواثيق الدولية على اعتبار أنها تعني القبول بحرية الضمير أي القبول بالإلحاد و الردة عن الإسلام". و كان دليلي على ذلك ما كتبه راشد الغنوشي عن الديمقراطية باعتبارها "أم الشرور" عندما كتب بالحرف الواحد : " إن الكثير من المظالم و الفواحش، مثل عدوان الشعوب على بعضها البعض بالاحتلال والاستغلال، وانتشار الفسق و الفساد و الرشى و الغش و الضلال، تستمد شرعيتها من جهاز الديمقراطية "، و ما كتبه الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ الإسلامية علي بن حاج : " إن الديمقراطية تقليد للكفار و محرمة شرعا".

و الأكيد أن د. إبراهيم يدرك كل هذا بتأكيده على ضرورة مراجعة التعديل الدستوري الذي استحدثه السادات على اعتبار أن هذا "هو الذي سيهدئ من روع النساء والمثقفين والمبدعين والأقباط، الذين زادت مخاوفهم بعد الصعود الإخواني في الانتخابات البرلمانية في عام 2005، ثم تضاعفت هذه المخاوف مع ابتزازهم لوزير الثقافة، د. فاروق حسني بسبب إبداء رأيه في ظاهرة الحجاب، ثم بعد أن قام طلاب محسوبون عليهم باستعراضات شبه عسكرية، وهم ملثمون في رحاب جامعة الأزهر."

لا بد إذن من "إقرار مبدأ الدولة المدنية صراحة في الدستور" كما دعا لذلك د. سعد الدين إبراهيم. كما لا بد من اتخاذ عديد الإجراءات الصعبة لكن ضرورية لوضع مصر على طريق الحداثة. و لن يتم هذا إلا بإصلاح الأزهر و مؤسسات التعليم الديني الأخرى، و دمج المدارس الدينية في النظام العام - كما سبق أن دعا لذلك د. إبراهيم منذ سنوات -، مع ضرورة إقرار قانون جديد يحفظ حقوق المرأة. و أنجع الطرق لذلك في رأيي تكون باعتماد " مجلة الأحوال الشخصية التونسية " - كما فعلت المغرب مع إصدار "المدونة" بعد التفجيرات الإرهابية للعام 2003 -، و هي الخطوة الإصلاحية الكبرى لباني الحداثة التونسية الحبيب بورقيبة عام 1956، و التي مثلت الدرع الواقي لتونس من كل البلاوي التي تعرضت لها مصر من إرهاب و انفجار سكاني و تخلف. و خير دليلنا على هذا الفشل الذريع الذي منيت به الحركة الأصولية لراشد الغنوشي في تونس منذ نشاتها العام 1981، مقارنة بما حصل في الجارة الجزائر، و الفشل الاخير لــ "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي" في محاولته اليائسة و البائسة لإحداث تفجيرات إجرامية في تونس بمناسبة احتفالات آخر السنة 2006. لكن و لحسن الحظ، مكنت يقظة المواطن التونسي الذي كشفهم للأمن و حزم هذا الأخير في التعاطي مع المسالة من رد كيدهم إلى نحورهم.

Abuk1010@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف