آفاق نجاح اتفاق مكة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كان فرح الفلسطينيين عارما ومثيرا بمناسبة توقيع اتفاق الهدنة أو التهدئة أو الصلح أو حكومة الوحدة الوطنية بين حركتي فتح الوطنية وحماس الإسلامية، فقد خرجت المسيرات المشتركة للحركتين في مدن قطاع غزة رافعة الأعلام الفلسطينية بدلا من الأعلام الفتحاوية والحماسية،ويحق للشعب الفلسطيني أن يفرح ويستبشر خيرا بعد أن ذاق من الويلات والقتل والتدمير والخطف والحرق ما جعله حقيقة يترحم على زمن الاحتلال المباشر، فما أظهره شجعان وفرسان وأبطال الحركتين من الشجاعة والفداء والتضحية، لو واجهوا به الاحتلال الإسرائيلي لتمكنوا من تحرير كامل القطاع والضفة منذ سنوات، لكنهم للآسف لم يفعلوا ذلك ولم يشهد الشعب الفلسطيني نسبة بسيطة من هذه البطولات ولا هذه الأسلحة عندما كانت دبابات الاحتلال تتمختر آمنة في كافة المدن الفلسطينية، فلا يمكن نسيان بشاعة جرائم الحركتين بحق الشعب الفلسطيني، خاصة القتل المتعمد للأطفال لأنهم ينتسبون لضباط وكوادر في الحركتين، والتخريب المقصود للمنشآت الفلسطينية، وأبشع هذه الجرائم تدمير وتخريب الجامعة الإسلامية في غزة وحرق مكتبتها، وهذه الجريمة بحد ذاتها تحتاج لمقالة منفردة توضح حجم هذا التخريب الذي لن ينساه الشعب الفلسطيني.
ورغم كل هذا الأسى والحزن فتوقيع اتفاق مكة بين الحركتين، لا نملك إزاءه إلى التذكير بالمثل القائل ( تفاءلوا بالخير تجدوه ) رغم قناعتي المطلقة أن هذا المثل لا ينفع في ميدان السياسة، ورغم ذلك نأمل من القلب والعقل أن يدرك الموقعون على هذا الاتفاق أن نجاح التطبيق لا علاقة له بقداسة المكان الذي تم التوقيع فيه وهو مدينة مكة المكرمة، لأن منظر الموقعين وهم بملابس الإحرام البيضاء يؤدون العمرة يستلزم عقولا بنفس البياض والنقاء، تدرس الأسباب التي أدت إلى الحرب الفتحاوية الحماسية كي لا تتكرر لأنه في تلك الحالة لن يكون متاحا أمام الفلسطينيين إلا الفرصة ألأخيرة وهي الوساطة الإندونيسية، وسبب هذه التحفظات هي أن الفلسطينيين يتساءلون حول إمكانية تطبيق ونجاح الاتفاق بناءا على الوساطة السعودية المشكورة سلفا، على ضوء الفشل الذريع للوساطة المصرية المتواصلة منذ عام 2000 ودون انقطاع رغم تواجد الفريق عمر سليمان مدير المخابرات المصرية وفريقه الأمني فترات طويلة في القطاع، مما حدا بالنكتة المصرية أن تقول عند عودة الفريق للقاهرة ( سمعتوا...عمر سليمان في زيارة للقاهرة اليوم !!!).
من المعروف أن حماس تسلمت وشكلت الحكومة الفلسطينية الحالية بعد نجاحها بالأغلبية في الانتخابات الفلسطينية في يناير من عام 2006 تلك الانتخابات التي شهدت كافة فرق المراقبين لها بنزاهتها المطلقة، وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس شجاعا إذ اعترف بتلك النتيجة وكلف حماس على الفور بتشكيل الحكومة برئاسة إسماعيل هنية، مما جعله يشيد آنذاك بهذه الشجاعة والديمقراطية لدى الرئيس، قبل أن يكيل له خالد مشعل اتهامات الخيانة والتعامل مع الإسرائيليين من دمشق قلعة الصمود والتصدي. وقد بدأت ملامح الأزمة عندما طرحت إسرائيل واللجنة الرباعية ( الولايات المتحدة، الإتحاد الأوربي، روسيا، والأمم المتحدة )، شرطا وحيدا أمام حكومة حماس، وهو الاعتراف العلني الصريح الواضح بدولة إسرائيل وكافة الاتفاقيات الموقعة بينها والسلطة الفلسطينية، و إلا فسوف يتم مقاطعة الحكومة ووقف المساعدات للشعب الفلسطيني من خلالها، ولما رفضت حركة حماس ذلك بدأ الحصار ووقف المساعدات و صرف الرواتب، وبدأ الشدّ والجذب بين الحركتين مترافقا مع تبادل الاتهامات حول سبب الحصار مع أن هذا الحصار لا دخل لحركة فتح ولا الرئيس عباس به، فهما لا يملكان فرض ما تريده حكومة حماس على إسرائيل واللجنة الرباعية، وقاد تغليب المصلحة التنظيمية على المصلحة العامة للشعب الفلسطيني إلى حملة تحريض متبادلة لم يواجه الاحتلال الإسرائيلي بمثلها مما أدى إلى تلك الحرب القذرة بين الحركتين التي تذكر بحروب المخيمات الفلسطينية في لبنان عامي 1985 و 1978 بين فتح والمنشقين عنها وجماعة أحمد جبريل المدعومين من النظام السوري.
لذلك فإن الخلاف على توزيع الحقائب الوزارية في حكومة الوحدة الوطنية الجديدة من الممكن الاتفاق عليه، حسب ما تسرب حتى الآن من تكليف شخصيات مستقلة بوزارات الداخلية والخارجية والمالية، كما ستحصل فتح على خمسة حقائب وزارية وحماس على ثمانية حقائب من بينها الاقتصاد والعمل والعدل، ومن المتوقع تعيين نائب من فتح لرئيس الوزراء إسماعيل هنية، لكن التزام الحكومة الجديدة الصريح والعلني بخطاب التكليف من الرئيس محمد عباس، هو المحك في نجاحها أو العودة لما كان سابقا من شدّ وجذب وتبادل اتهامات وتحريض يؤدي لما لا تحمد عقباه مجددا. لقد ورد في خطاب التكليف الصادر من الرئيس محمود عباس لرئيس الوزراء إسماعيل هنية ( يتعين على الحكومة الجديدة احترام قرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية ).
هل ستعترف حماس بإسرائيل؟
من حق حركة حماس أن تتخذ ما تراه وتقتنع به من مواقف سياسية إزاء إسرائيل وأي موضوع في العالم، ولكننا هنا نحلل الموقف الذي يواجه الحكومة الجديدة، وهو لا يحتاج إلى عبقرية في التحليل و جمع المعلومات، فالعالم لا ينتظر الإعلان عن أسماء وزراء الحكومة، ولكنه ينتظر موقف الحكومة مما ورد في خطاب التكليف وهو صراحة ( الاعتراف بدولة إسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها ) مهما كانت ظالمة وأن إسرائيل لم تنفذ غالبية التزاماتها الواردة فيها. و قد أعلنت دولة إسرائيل واللجنة الرباعية ( ضرورة اعتراف حكومة الوحدة الوطنية المقبلة بإسرائيل )، وجددت المجموعة في بيان أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية ( دعمها حكومة فلسطينية تتعهد بنبذ العنف وبالاعتراف بإسرائيل والموافقة على الاتفاقات المعقودة بما فيها خارطة الطريق )، وقد صدر البيان بعد اتصال هاتفي بين وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوربي خافيير سولانا ووزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينمار الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للإتحاد الأوربي، وهذا يعني إجماعا دوليا على هذا الشرط الذي ورد صراحة في خطاب التكليف الفلسطيني.
مواقف حركة حماس حتى هذه اللحظة لا تعطي موقفا محددا فهي تدور في نفس الحلقة الضبابية، فخالد مشعل أعلن في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أن ( الحركة ملتزمة بما جاء في خطاب التكليف الذي ينص على احترام الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ) مؤكدا ( أن الحركة تعتمد لغة سياسية جديدة )، ثم أعلن غازي حمد المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية ( إن الاعتراف الصريح بإسرائيل أمر غير مطروح ) ، وعزف على نفس الوتر المتحدث باسم حماس إسماعيل رضوان قائلا: ( إن تشكيل حكومة الوحدة لا يعني اعترافا بإسرائيل...إن الحكومة تستند إلى وثيقة الوفاق الوطني التي لا تعترف بالكيان الإسرائيلي )، وحركة فتح تحاجج بنفس وثيقة الوفاق الوطني معتبرة إياها تعترف بالواقع السائد أي وجود دولة إسرائيل. لذلك المطلوب من حركة حماس إعلان موقفها الصريح الواضح من هذه المسالة فهي حجر الأساس في الاعتراف الدولي بالحكومة وفك الحصار واستئناف المعونات الدولية. إن هذا من طرفي مجرد تحليل للواقع الفلسطيني بعد توقيع اتفاقية مكة، وحركة حماس حرّة في تحديد مواقفها وتحمل تبعات هذه المواقف.
و إذا تم الاتفاق حول هذه المسألة بما يلبي الشروط الدولية، فإن عمل الحكومة الجديدة لن يكون سهلا، فهناك ملفات شائكة بين الحركتين أهمها ملف قوات الأمن التابعة للرئاسة الفلسطينية ، والقوة التنفيذية التابعة لحركة حماس، وهناك أيضا التعيينات في الوظائف الحكومية التي قامت بها حركة حماس لكوادرها والموالين لها، وتقدرهم مصادر حركة فتح بما لا يقل عن مئة وعشرين ألفا من بينهم ما لا يقل عن ستمائة في موقع مدير عام.
تلك توقعات وأمنيات وآفاق الحكومة الجديدة التي نتمنى لها النجاح، فيكفي الشعب الفلسطيني الخراب والتدمير والقتل الذي أعلنت الجبهة الديمقراطية في إحصاء رسمي أن قتلى تلك الحرب في شهر واحد من السادس من يناير حتى السادس من فبراير، بلغوا 89 قتيلا والمئات من الجرحى والمخطوفين أي الرهائن...وهذه الإحصائية عار لن يسهل تجاوزه في تاريخ ومسيرة الحركتين، لأنهم قتلى صراع على السلطة والكرسي والحكم وليس من أجل تحرير فلسطين!
ahmad64@hotmail.com