اتفاق مكة والطائف والأزمة الليبية... قراءة في التوجه السعودي!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ربما أختلف مع كثيرين في أن الجغرافيا أحياناً تغير القناعات... حتى وإن بدت هذه القناعات كثوابت يضفي عليها البعض شيئاً من الأسطورية حول صعوبة تغييرها... ومؤتمر مكة المكرمة الذي اتفق فيه الفرقاء الفلسطينيين وقبله بعدة عقود مؤتمر الطائف الذي اتفق فيه أيضاً الفرقاء اللبنانيين ... دليل على أن الجغرافية السعودية - تحديداً - عامل مهم ومؤثر وحاسم في إحداث التغير - إيجابياً - على مستوى الشخصية العربية بشكل عام وأيضاً على المستوى السياسي لحكومات الشارع العربي... إضافة إلى ثقل حكومتها وهدوء قراراتها وابتعادها عن ضجيج الإعلام والمزايدة على قضايا الأمة...
وجميعها نقاط مهمة في زيادة قدرة السياسة السعودية على إضفاء الهدوء والسكينة على أي نزاع عربي مهما اختلفت طوائف أطرافه... البعض بل كثير من المنتقدين لهذه السياسة يرجعون سبب انتقادها في أنها قائمة على أهواء طائفية أو مذهبية... وهو اتهام ينقله البعض بشفافية تامة على شاشات بعض القنوات وبعض الصحف التي تغذية بكثير من الانحراف والتشويه رغم أن هذه الوسائل تحسب وبكل أسف على الشارع العربي... كإحدى الواجهات الإعلامية الشمولية التي يفترض فيها المصداقية في نقل كافة الأخبار والأحداث المهمة عنه... ونقلها أيضاً له بدون توجيه الخبر لخدمة هدف سياسي لهذه الدولة أو تلك...
المفارقة أن بعضاً ممن يقدمون للحديث إعلامياً إلى المتلقي في بلدان لعبت السعودية دوراً مهما في تجاوزها لأزمات عاصفة... يحاولون دائماً القفز فوق حقائق ليست إنشائية أو حقائق صوتية فقط بل واقع يتلمسونه ويشعرون به وينسابون في انفلات مريع إلى انتقاد المملكة وقراراتها العربية..
إن مثل هؤلاء يتناسون أن الصراع اللبناني - كمثال - كاد يذهب في فترة من الفترات بكل أبناء هذا الشعب... الذي يضم في جنباته المسيحي والشيعي والدرزي والسني وغيرها من الطوائف البعيدة عن الجانب العقدي والقريبة في أغلبها من طموحات سياسية تسعى إليها كل طائفة على حدة... ويتناسون أن الحال قد وصل بالمواطن اللبناني - ماقبل اتفاق الطائف - أنه لم يكن بمقدوره التنقل من بيروت إلى طرابلس أو إلى أي مكان بالجنوب رغم أنها جميعها مدن تقع على الخارطة اللبنانية...
ومع ذلك تدخلت السياسة السعودية بحياد تام لإعادة الهدوء إلى هذا الشارع وجمعت الفرقاء ذوي التوجهات المذهبية والسياسية المختلفة على طاولة واحدة ... واتفقوا جميعاً على إعادة لبنان لكل اللبنانيين بتفاصيله السياسية المعروفة... وترك المختلفون صراعاتهم وراء ظهورهم وسلم الجميع وتصافح في صورة أضحت معروفة سلفاً حال تدخل الحكومة السعودية في أي خلاف بين الأشقاء في أية دولة عربية...
وللأسف الشديد فإن ذاكرة البعض المثقوبة والتي تختزل كل هذه الجهود في المرور السريع أمامها وتجاهلها... مازالت تتعمد - أيضاً - نسيان الدور الرائع والمثال الدبلوماسي الدولي المشرف الذي قام به " بندر بن سلطان " إبان الأزمة الليبية... وكيف تدخلت المملكة بكل ثقلها لحل هذه الأزمة... ورغم ذلك حدث التفاف بعد فترة قصيرة و تناسى الأشقاء عظمة وثقل الدور الذي أدته السياسة السعودية...
وفي اتفاق مكة المكرمة الأخير نأمل أن لا يتكرر الموقف ونأمل أن لا يتسرع الفرقاء في الشارع الفلسطيني أو حتى العربي إلى تضخيم الدور المذهبي للسياسة السعودية على حساب دورها السياسي... ربما صدق مثل هؤلاء في إسقاطهم أو في تعاطيهم للتحليل لبعض الأحداث... على أن المحرك الرئيس لها طائفياً ومذهبياً في المقام الأول... وهم وللأمانة صادقون كل الصدق في تحليلهم... لكنهم اخطئوا أو تعمدوا الخطأ في توجيه بوصلتهم إلى الجغرافية السعودية... لأننا نرى جميعاً أن السعودية تتدخل لإعادة الاستقرار وليس إثارته أو تمزيقه أو نسفه... بل يجب عليهم توجيه بوصلتهم إلى بعض الدول التي تتلاعب بلا أدنى مسؤولية بأوراق داخلية أو تمويل أحزاب وتضخيمها للوقوف في وجه الدولة التي تنطلق من فوق أراضيها... مستغلين في ذلك عنصر المواطنة لأفراد ميليشياتها أو كما تدعي وتنقل أحزابها... لقد كان اتفاق مكة المكرمة بطوائفه المحسوبة بعضها على السياسات الإيرانية أو السورية وسيظل صورة مشرفة للسياسة السعودية الهادئة والموضوعية والرزينة التي تنطلق من صفات شخصية لقياداتها وحكومتها.