الإرهابي 20!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ارتبط الشّاعر والرّوائي عبدالله ثابت برابطة ملؤها التّقدير و"المحبّة" التي تسمح للقلم بأن "يأخذ راحته" ويتمدّد على منتوجات عبدالله الأدبيّة التي تأتي حاملة الرّوعة والدّمعة واللّذعة واللّسعة وما بينهما من فزعة وصفعة وسوء طلعة!
والحديث ها هنا عن روايته الحديثة المسماة "الإرهابي 20"، وقبل الخوض في حديث الرّواية والثّرثرة حولها، يجب أن أعترف بأنّني لست من هواة قراءة الرّوايات المحليّة، لسبب قد يبدو واضحاً حين الفحص والتّنقيب، فلا أظنّ أنّنا بحاجة إلى رواية ونحن نعيش رواية كبرى في تعاملاتنا اليوميّة، فواحدنا يحمل عدّة وجوه، وجه للعمل، ووجه للزّوجة، ووجه للأصحاب، ووجه للأهل، ووجه للمسجد، ووجه للدّاخل، ووجه للخارج، ومن يتابع هذه الوجوه ويقرأ تفاصيلها لا يحتاج إلى قراءة رواية تصف جانباً من جوانب اللّوحة وتهمل الباقي! وكلّ سعودي هو مشروع رواية، لأنّ طاقيّة الاختفاء التي يعتمرها تجعله يظنّ أنّه يملك كنزاً لا يعرفه الآخرون!
كما أنّ القلم مازال مصرًّا على أنّنا لا نحتاج إلى مسرح، فالحياة هنا مسرح طويل لا ينقصه إلا المُخرج، فكلّ مواطن مشروع ممثّل، وكلّ امرئ هو شخصيّة تبحث عن مؤلّف.
إنّ المسارح والرّوايات تتألّق في الدّول والأماكن التي لا تبدو المسافة كبيرة بين واقع النّاس وحقيقتهم، الأمر الذي يضطر هذه المجتمعات إلى اشتهاء صورتها في واقعها الخيالي، وموقعها التّخيلي، لذا تلجأ إلى الرّواية والمسرح لرؤية ما لا يمكن أن تراه في واقعها.. أمّا في المجتمع العربي عامّة وهنا خاصّة فلا حاجة لنا برواية أو مسرح، وإن أردتهما فما عليك إلا مراقبة المجتمع وستجد أجمل الرّوايات وأحلى المسرحيات التي لم ترَ النّور بعد. أمّا إعجاب السّعوديين بالرّوايات وإقبالهم على قراءتها فهو ليس أكثر من تلهّف الفتاة للوقوف أمام المرآة لترى قوامها من كلّ جانب، هذا القوام الذي تتحرّج رؤيته بنفس الطريقة أمام أهلها وصويحباتها!!
نعود لعبدالله وروايته لأقول بأنّني قرأت العمل نزولاً عند رغبة الرّوائي نفسه، لذا قد يكون وصفي متّخذاً من العجلة طريقاً ومن السّرعة صديقاً، وإلا فالعمل يستحقّ أكثر من نظرة، ويجب أن يُعصر أكثر من عصرة!والعمل باختصار شديد صراع بين عبدالله القديم "زاهي الجبالي"، وعبدالله الجديد.. ولا يخفى على القارئ فروق التّوقيت بين النُّسختين، القديمة المشوّهة والجديدة المزيدة والمنقّحة!
وأوّل مأخذ على عبدالله أنّه اعتبر نفسه "الإرهابي 20"، علماً بأنّه لم يتدرّب على مثل هذا العمل، بل ولم ينخرط في تفاصيله غير الدّقيقة، ومع هذا تصوّر أنّه لو استمر في طريق "الشّحن الجهادي" لكان الإرهابي رقم 20 تتمّة لأولئك المجرمين التّسعة عشر الذين فجّروا أبراج سيّدة الدُّنيا أمريكا!
ومثل هذا الإدّعاء هو خيال روائي، لأنّ من ذهبوا إلى أرض تورا بورا ومارسوا (الجهاد)، لم يتجرّؤوا على وصف أنفسهم بهذا الوصف، فما بالك برجل لم يتصوّر الدّنيا إلا من خلال جبال عسير ومتاهات السّحاب هناك! ومن الأشياء التي يُحمد عبدالله عليها بأنّه وصف تجربته - رغم النّرجسيّة المتورّمة - بكلّ صدق مع نفسه ونقاء، وركض أمام النّاس كاشفاً عورته ودواخل نفسه، ولو لم يكن لهذا العمل إلا هذا لكفاه!
أكثر من ذلك أنّ عبدالله يطرح أفكاره وهو خائف، ظنًّا بأنّها دخيلة، لذا فهو يمارس معها دور الكفيل الذي يبحث عن إقامة في محاولة لتوطينها! وثقافة عبدالله كما تبدو من روايته تحمل كثافة في الإنتاج وسوء في التّوزيع، لذا هو بحاجة إلى الانقلاب على نفسه، فمعارفه ومعلوماته أحياناً تبدو متواضعة لا تتوافق وطموحاته، ودليلنا على ذلك الأسماء التي أوردها في روايته منبهراً بعلمها ومعرفتها، خاصّة تلك الأسماء التي تتعلّق بأصحاب الفكر الصّحوي.
ورحلة عبدالله ليس فيها ما يغري، بل هي رحلة أي فتى سعودي عاش في الفترة ما بين 1970 إلى 2000م، لذا يجب على عبدالله أن يتجاوز هذه المرحلة، فليس فيها ما يستحقّ الذّكر، وقد لاحظ الرّوائي ذلك، فأخذ يضيف قصصاً وحوادث يستفزّ أصحاب التّيار المخالف له، ولو كانت التّجربة التي مرّ بها عبدالله ثرّة وغنيّة لما احتاج لحشر قصص الهيئة ومغامرات الإنترنت وردود أفعال مقالاته التي نشرها في جريدة "الوطن" في نسيج رواية يُفترض أنّها تقوم على عنصر الرّوعة والإبهار!
إنّ عبدالله اقتنص لحظة الإنقلاب على الإرهاب التي نعيش تحولاتها ليضخ في السّوق روايته مستفيداً من الرّياح الهابة علّها تحمل روايته إلى مدارج النّجاح ومحطّات الفلاح، الأمر الذي يجعل الزّمن هو دالة النجاح أو الكلاح لروايته. لذا لا يسع القلم إلا القول: عبدالله شكراً لعملك هذا الذي يحمل الدّمعة والرّوعة والصّفعة، ولكن انسه، والقهِ في سواء الجحيم، ولا تتقزّم أمام الأسماء التي ظننتها كبيرة، وأخرج لنا عبدالله الذي يُمثّلك، كما أعرفك عن قُرب، فالمتنبي شاعرك وشاعر عروبتك الأولى يقول:
ولَمْ أَرَ فِي عُيُوبِ النّاسِ عَيْباً
كَنَقْصِ القَادِرِينَ عَلَى التَّمامِ