كلمتان أمامَ ضريح الحريري
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أنا قائدكم..
أنا جنرال، وكلمتي صريحة، ولا أخافُ أحداً غيرَ خالقي. ولكنني لستُ مغروراً، كما يزعمُ أعدائي. حينما أقول لكم، أيها الجمهور الحرّ، أنه لا علاقة لي من قريب أو بعيد بتلك القضية، فأنا أعرف ما أعنيه. دعوهم يشكلون محكمة دولية، ويتهمون هذا وذاك بالضلوع بإغتيال الرجل. كل هذا، لا يعنيني. كانَ المغدور رئيساً للوزراء، أليسَ هذا صحيحاً؟ أما أنا، فما يهمّني هوَ منصب رئيس الدولة: لو قالوا لكم، أنّ الجنرال ـ لا سمحَ الله ـ دبّر إغتيال رئيس للدولة، فما عليكم إلا أن تصدّقوهم! رئاسة الوزراء، إذاً، خارج إهتمامي ؛ حالياً على الأقل. فأنتم تذكرون عام 1988، حينما عُينت صورياً رئيساً للوزراء بعيد إنتهاء ولاية الرئيس الجميّل، بهدف منع الهيمنة السورية على قرارنا السياسي. أشعلتها حرباً دامية، ضروساً، ليسَ من أجل هذا القرار ؛ بل لأنّ عيني كانت على خلافة ذلك الرئيس: حرباً، أعلنتها قبل ذلك على القوات اللبنانية، لأجل الهدف نفسه.. حرباً، على جبهة العدو الإسرائيلي مؤخراً، باركتُ مشعلها " الإلهيّ "، لأجل المنصب المطلوب.. حرباً، نخوضها حالياً في الشوارع مع حليفنا ذاك، المبارك، لأجل.. الخ! حرباً حرباً حرباً.. إلى الأمام، سِرْ! مارش!.. ودائماً نحوَ ذلك المكان.. نحوَ قصر " بعبدا "!
كنتُ هناك، إذاً، في القصر الجمهوري، في سنوات الثمانينات تلك: كنتُ أمارس صلاحيات رئيس الدولة، الماروني، ورئيس الحكومة، السني، ورئيس المجلس النيابي، الشيعي، ووزير الدفاع، الدرزي: كنتُ لبنان، كله! كنتُ القائد! وقبل كل شيء، كنتُ عسكرياً! أعرفُ ما يشيعه أعدائي، من أنني هربت وقتئذٍ في عز المعركة وإلتجأت للسفارة الفرنسية ؛ أنني خذلت جنودي، وأتباعي، وعائلتي حتى. ما هذا الإفتراء، ولوْ!؟ هربي بجلدي، كان من أجلكم.. من أجل ألا يبقى منصب رئيس الدولة شاغراً، لو قتلوني! وهذا ما فعله، فيما بعد، الرئيس صدّام حسين ـ حليفي في تلك المعركة ضد السوريين. لقد قلدني في صمودي وصبري.. وحكمتي أيضاً! ولكن لم تتح له، مثلي، فرصة اللجوء إلى سفارة ما، فأسروه وحاكموه ثم علقوا رأسه بحبل. أما أنا، فحيّ أرزق كما ترون بأنفسكم: وهذا هوَ الشيء المهم، ولا يُعادله في الأهمية سوى منصب رئاسة الجمهورية اللبنانية!.. ربما سيخال لبعضكم، توهماً، أنني أتهرّب من موضوع إغتيال الحريري. لا شيء لديّ أخفيه، في تلك القضية ؛ لأنها لا تعنيني، كما سبق لي وذكرتُ. ولكن هذا لا يعني أنني...... ماذا كنتُ أقول؟ هه، تذكرت: القضية، نعم، قضية رئاسة الجمهورية... أليسَ كذلك!؟
قلنا أنني نفيت إلى باريس، وإستولى الأسد على البلد برمته، وبمباركة أمريكية بعد إرساله جنوداً لحرب الكويت. الوضع ظل على هذا المنوال من الجمود، حتى توفي الرجل وخلفه إبنه، الذي كان شاباً بلا خبرة في السياسة. كانَ قبل توريثه إختصاصيَّ عيون.. يعني حالات قصر النظر، وفهمكم كفاية! المهم، أنّ وصيّنا الجديد هذا، كما هوَ معروف، يُدار من قبل عصبة أقارب وعلى رأسها صهره. هذا الأخير، كان في زيارة علاج لباريس. ألا تقول أنه يتصل بي عن طريق معارف، ويطلب لقائي بشكل سري. أنا شخص صريح، منفتح، وليسَ لديّ ما أخفيه. فقبلت عرضَ الصهر. قال لي على فنجان قهوة، أنّ الوضع في لبنان سيشهد في الأيام القادمة، القريبة، تغيّراً مهماً. كنتُ أعرف أنه يعني موضوع الرئاسة. فجأة طرحَ عليّ فكرة التمديد لصاحبهم، طالباً مني تأييدها إذا كنتُ ما أزال أرغب بذلك المنصب. أدهشني فعلاً. ولكن كلامه المبهم، حيّرني: " أعذرني، لم أستوعب ما قلته.. ما علاقة هذا بذاكَ، بَرْدون؟ ". لم يتأخر الرجل في الجواب. كان صريحاً ومنفتحاً. مثلي يعني! إنهم يريدون للمنصب عسكرياً آخر، جنرالاً: " لأننا لا نثق بالمدنيين أبداً! تجربتنا معهم مخيّبة للآمال. وفوق ذلك، فإنّ العسكرية من تقاليدنا القروية! لن يقدر رئيس ماروني، مدني، على مواجهة رئيس وزراء سني، قوي ومدعوم من أغنى دولة عربية.. أظنك توافقني الرأي؟ ". كل هذا التفلسف لم يعنيني، للحقيقة. ثمة إشارة واضحة، إلتقطتها، وأعملتُ فيها فكري بسرعة: أنّ ظروف المنطقة، إقليمياً، ما عادت في صالح نظامهم. الأمريكان صاروا جيراناً، بعدما إحتلوا العراق وأسقطوا الرفيق البعثي ؛ والدور سيدور عليهم. أنا، بما أمثله من تيار شعبيّ، جارف، معارض لوجودهم في لبنان، هوَ الأجدى لهم في هذه المرحلة العصيبة. التمديد، والحالة تلك، له مهمة مزدوجة. فمن ناحية، تأكيد لإستمرارية المؤسسة السياسية، التابعة. ومن ناحية اخرى، التهيئة لرئيس جديد، يكون موال لهم بالطبع، وفوق ذلك مرضياً عنه داخلياً وخارجياً. كنتُ أبغض الحريري وما أزال، حتى بعد موته! الحريرية، هيَ نقيضي. إنها العقبة السياسية، الكأداء، القادرة على لجم طموحاتي الجامحة ؛ أنا المتعجل لشغل منصب الرئاسة. كان ذلك في باريس، وها نحنذا في بيروت: ما جرى الإتفاق عليه يُشبه عقداً بيني وبين السوريين. وأنا مضطر للإلتزام به، حتى بعد خروج قواتهم ومخابراتهم من بلدنا. ولوْوو!.. ما أدراني أن ذلك الخروج، المفاجيء، سيعقب إغتيال الحريري وعلى خلفية التمديد لربيبهم؟ ولكنني بريء من دم الرجل. العقد موجود، أوكي!.. فمنصب الرئيس سيكون إذاً من نصيبي، خصوصاً بعد محالفتي لربيب الملالي.. والأهم، لأنّ رجل النظام السوري، القوي، كان قد وعدني به على فنجان قهوة!.. والسلام عليكم
***
أنا سيّدكم..
تعودتُ أيها الأخوة في هكذا ظروف عصيبة، خطرة، أن أتحدث إليكم مباشرة. وها أنتم الآن حولي، يا أشرف الناس وأطهرهم.. وأخطرهم أيضاً! لقد وعدتكم، وها أنا أفي بوعدي.. كالعادة يعني: إنتصارات، إنسحابات، إعتصامات، ساحات وشوارع..! تعودتُ أيضاً أن أتكلم معكم بصراحة. الإنضباط، إخوتي، ديدنكم. والنظام مسلككم. الطاعة والقناعة والصبر والصمود، هي بعضاً من خصالكم: لأنكم أحفاد أطهر بيت. لا عجب إذاً أن ينحصر وجود السلاح، المقاوم، بأيديكم الطاهرة، وحدها! فهيَ من حرر الجنوب ؛ هيَ من هزم العدو الصهيوني ثانية في حرب الصيف إثر عملية " الوعد الصادق " ؛ هيَ أياديكم الطاهرة، المستنفرة دوماً في كامل جهوزيتها، من سيخلص القدس الشريف من أيديهم النجسة وحالما نحصل على دفعة جديدة من الصواريخ.. والمال النظيف! البارحة، أيها الأخوة، كان صاحبنا في باريس 3... ( لالالا، أرجوكم بلا صفير وهتافات معادية.. فنحن متحضرون ونقدّس لغة الحوار ). نحن أهل المقاومة، الذين سنهدم باريس ثلاثة وأربعة وخمسة على رؤوس أولئك العملاء، جواسيس السفير الأمريكي! ( لالالا، أيها الأخوة.. بترجاكم يعني، خلينا حضاريين ومحاورين ). نعم أيها المقاومون، سنسقط الحكومة الفاسدة التي تستجدي المال من المستعمرين والصهاينة.. فيما أنّ بيت مال المؤمنين الحلال الزلال، مشرع الأبواب لنا.. المال النظيف، وليْ!.. صدقوني، تحرير فلسطين يحتاج إلى قرار صغير من العجم.. أقصد، من العرب! ولكنهم لا يريدون، فتوجهنا لطهران. تصوروا لو أنّ أخي " أحمقي " حصل على السلاح النووي، وشحن لنا الصواريخ بالذرة: هل كان بقيَ أثر لذلك الكيان الصهيوني، الغاصب!؟.. هل كان تجرأ أحد من الصليبيين والملاحدة، على مسّ إسم الإسلام بسوء: طاخ! صاروخ من عندنا، نحوَ لندن، رداً على رواية سلمان رشدي. طاخ! صاروخ نحو كوبنهاغن، رداً على الرسوم الكاريكاتورية. طاخ! صاروخ على روما، رداً على تصريح البابا.... ( شو عم بتقول؟.... البابا، أصله ألماني؟ ) مو مشكلة: طاخ! صاروخ على برلين..
إخوتي الأطهار، تحلّ في هذه الأيام ذكرى مرور سنتين على إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.... ( لالالا، إسمحوا لي.. بترجاكم، خلينا هادئين ). نعم، مات الرجل وما خلصنا! تحقيق دولي، محكمة دولية، وبالأخير قوات دولية أيضاً. وكل ذلك، ليسَ حرصاً على معرفة الحقيقة، بل لمحاولة تجريدنا من سلاح المقاومة. ليجربوا، إذاً، وليحاولوا. إسرائيل، بكل قوتها النارية وجبروتها، عجزت عن ذلك. بالأمس إستقال رئيس أركانها، وغداً الدور على البقية: أما نحن، أيها الأخوة، فباقون في جحورنا.. أقصد، في مواقعنا! لا محاسبة لدينا، ولا كلام ديمقراطي فارغ.. بل جهوزية دائمة. لن يحاسبنا، ونقولها بصوت عال، سوى الله تعالى. أخطأنا التقدير في حرب تموز، وسبّبنا خراب البلد بشرياً وإقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً.. كل هذا، كما تعرفون، لا يهمّ المقاومة! أعود هنا، لكي لا أخرج عن الموضوع، إلى قضية الحريري. وأقول لكم، بكل إخلاص، أنّ الرجل حمى المقاومة في حياته بشرف وكرامة. ولكن المشكلة معه، أنّ رجلنا في " بعبدا " يكرهه ولا يطيق وجوده لا في الحكومة ولا حتى في المعارضة! طيّب كان عندي، بهذه الحالة، مشكلة خيار بين رئيسيْن مع المقاومة.. أروح لمين؟ قلت لحالي، يا سماحة السيّد روح لعند السوريين! مسيرة الثامن من آذار، في حياة الراحل الأسد، تذكرونها: قدتها بنفسي من الجنوب المقاوم إلى دمشق الممانعة. يومها، في الطريق، أذكرُ أنّ الرئيس ظهر من على شرفة قصره، في " بعبدا "، ولوّحَ لنا بيده مرحباً مباركاً. فعلاً، إنه رئيس مقاوم! ثمّ أهديتُ بندقية غنمناها من العدو الصهيوني لأخينا المندوب السامي، الرابض وقتها في " عنجر ". هوَ أيضاً كانَ مقاوماً! واحسرتاه على فراق ذلك الغزال..
قلنا أنني ذهبت لمقابلة المسؤولين السوريين، بشأن موضوع الخلاف ذاك بين الرئيسين. كان الرئيس الشاب قد ورث والده المرحوم. تفاجأت فعلاً، وأنا مع صاحب الفخامة في قصر " المهاجرين "، حينما طلبوا من الوفد المرافق إخلاء القاعة، وبقينا لوحدنا. قال لي فخامته: " لا تأكل هَمّ أحد! كلهم زائلون، ولن يبقى سوى المقاومة ". فهمتُ عليه. ولكنه ما لبث أن طلب مني المساهمة في المحاولة.. أقصد، في المحاورة!! على كل حال، إستأذنته بالسفر إلى طهران للتشاور مع الأخوة هناك حول الموضوع، وإذا به يقول لي: " لقد سبقكَ حليفنا رئيس المجلس النيابي..! ". لن أطيل، إخوتي. فما حصل بعد ذلك، أنتم أدرى به. وكل ما عليها فان. المهم، أنّ ما جرى على خلفية الإغتيال، وأعيدُ وأكرره، هيَ أمور متصلة بمؤامرة خطيرة على سلاح المقاومة وجهوزيتها: المحقق الدولي، ليسَ من ملتنا ولا من عقيدتنا. بل إنه يهوديّ الأم، كما سبقَ لماريه ملهوف أن عرضته لنا في وصلتها.. أقصد، في مقالتها! هكذا صهيوني، يريدوننا تصديق إدعاءاته وأباطيله، وتكذيب إخوتنا المؤمنين الورعين، حكام سورية.. هكذا صهيوني، سلم مهمته لواحد من جنسه أيضاً. فكيف لا نقف ضد المحكمة الدولية، وليييييْ!؟ لعبة الموالاة، إذاً، فهمناها منذ أن كنا نحن أيضاً موالين! أولاً، إسقاط الرئيس اللبناني، المقاوم، بحجة عدم شرعية التمديد، ثم محاكمته لاحقاً بزعم علاقته بجريمة الإغتيال. وثانياً، تقديم الرئيس السوري للمحكمة الدولية بالحجة نفسها، لإسقاط نظامه المقاوم الممانع الصامد. وثالثاً، هيَ هذه النتيجة المرجوة: القضاء على سلاح المقاومة وجهوزيتها! ولكننا، أيها الأخوة، لم نمرر لهم لعبتهم تلك. سحبنا وزراءنا وصرنا معارضة ونزلنا إلى الشارع.. إلى هذا المكان، الطاهر، من أجل هدفنا المرحلي في قيام حكومة وحدة وطنية، تقوي من إزر المقاومة وتحمي سلاحها وجهوزيتها.. ومن ثمّ، من أجل هدفنا الإستراتيجي في محي الكيان الصهيوني والكيانات الإستعمارية الصليبية الإلحادية في مشرق الأرض ومغربها، عبر قيام حكومتنا المقاومة.. الحكومة العادلة النظيفة مثل مالنا النظيف!.. والسلام عليكم