حزب التحرير

لا يمر علي يوم إلا ومطر حزب التحرير يغرقني، من هولندا وبريطانيا وجزيرة سخالين وبتاغونيا وكامشتكا وتسمانيا بجنب نيوزيلندا، وكان كل ظني أنه اندفن ولكنه بعث، كما يبعث من الرماد طائر الفينيكس، وأعرف شبابهم من الجامعة، وجدلهم الذي لا ينتهي، وقال لي (الخجا) من شبابهم، أنه في الحبس بقي يناقش شيوعيا عشرة أيام بلياليها فقال له: إما أقنعتني أو أقنعتك؟ قال بقينا لا نقف إلا لنأكل أو نشرب، وفي النهاية لم يقتنع أحد بل سادت الريبة والكراهية بأشد من الأول، والإكراه دين الكراهية على كل حال..

وعرفتهم يجادلون في عزة وشقاق، وفي يدهم عشرة كتب لتقي الدين النبهاني لا يبارحونها، وعندهم عقيدة سياسية غريبة، أشد من مركب أقانيم الكنيسة، فلو ضاع طير بطريق في القطب الجنوبي، لكان سببه صراع بريطانيا وأمريكا، ولو انهزم (مك آرثر) في حرب كوريا، فسببه يقينا خلاف بين لندن وواشنطن، وهو تفسير يمكن أن يصلح للصراع السياسي في وقت ومكان، ولكنه لا يصلح لتفسير حركة الأفلاك ودورة الشمس والقمر؟!

ولكنه هذا هو حزب التحرير ولا جديد، ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا..
وكان معروفا وخاصة في الأردن أنه إذا اجتمع إخواني وتحريري انتهت الجلسة بالأكواع والكراسي؟؟ حتى تفشوا في أوربا فهم يصطادون الأتباع في هولندا والدنمرك وبحر الشمال وجزيرة هولغولاند لقوم غافلين..
و(عبد الكريم خوجة) أبو محمد رحمه الله، كان من أنشط شبابهم، أضاع عمره كله معهم، ودخل الاعتقال حتى تورم، وضرب بالفلق حتى اهترأ، وسجن في الحلبوني في دمشق في مدفن يرتفع 160 سم، ولو لم يكن قصيرا، لخرج قزما مقوس الظهر بعمر التسعين، ولكنه كان قصيرا فنجا.
وحرم من الطعام حتى تبعر بعرا مثل البعير، وتناوبت عليه حفلات الفلق والحرمان من الطعام، فقال لي: كنت مستعدا لمزيد من الفلق والكهرباء، ولكن ليس الجوع؟!
ولما قابله من أجل الإفراج (محمد الخولي) رئيس الاستخبارات الجوية، و(عدنان الدباغ) رئيس المخابرات العامة، والثاني حلبي، مات مختنقا بسرطان الرئة، سألاه إن كان قد تاب؟ ثم ما رأيه في الحزب القائد؟ فكان جوابه قد تصلون إلى الكعبة، ولكن الحكم كافر، فرجعوا فضربوه حتى كاد أن يهلك.

وفي فترة هرب واختبأ في بيت أخيه، في شق في الحائط، فداهمته المخابرات ثلاث مرات فلم تظفر به.
وفي يوم هرب من يد بدر جمعة سفاح حلب، وعبر نهر قويق في يوم صقيع قاتل، وهو لا يحسن السباحة، فطلع عليه كلب شرس ألقى الله عليه الهدوء فلان وسكت رحمة من ربه، فاختبأ بين أزهار القرنبيط، وجاءت الكشافات البعثية فلم تقع عليه، حتى التجأ إلى بيت أرمني في حلب.
وبدر جمعة سفاح حلب كسر الرفاق ظهره مع سليم حاطوم المتمردان على الرفاق، فزحفا زحفا إلى المشنقة مثل الزواحف.
وقبل وفاته روى لي عبد الكريم خوجا أنه كتب كتابا في تفنيد الحزب، وسوء مآله، وفساد رأيه، وخطل تفكيره وتحليله، ولكنه كان خائفا من نقله من لبنان إلى سوريا، والرجل عاش خائفا كل حياته، ولم يعرف إلا الهرب والخوف والنضال السري والمرض والفقر والاختباء، حتى مات بعد أن كفر بالحزب وقيادته..
وأنا يتحفني الحزب من حين لآخر بآرائه، وقبل أيام أرسلوا لي قصة اعتقال وتعذيب أحد أفرادهم في الأردن، وهي قصة قديمة معروفة، فكان جوابي عليهم التالي:

الأفاضل من حزب التحرير

اطلعت أو بالأحرى سمعت قصة المعتقل وهي بالنسبة لما حدث في تدمر في سوريا في نزهة حقيقية ، ولو صار الأمر لكم لفعلتم مثل البعثيين وأكثر.
وقوم موسى تضايقوا من سوء الوضع، فطلبوا التغيير، فقال لهم: ليس العبرة في إزالة فرعون بل قد يأتي فرعون أخبث، وفي تونس طار بورقيبة مع الحجر على عقله فجاء بورقيبة جديد، ولو كنتم في مكانه لما تغير شيء، إلا أن يكون إلى أسوأ. ولو مسك حزب التحرير البلد فيجب حزم الحقائب بسرعة، والدولة أو الخلافة الإسلامية خرافة كبيرة، وكل حزني للأخ المعتقل الذي أرجو أن يقرأ بهدوء مقالتي التحليلية عن خرافة الخلافة العثمانية التحريرية، وأنا أعرف أنها لن تؤدي دورها في الوعي، لقوم مبرمجين لا يعرفون آلية النقد الذاتي قط، قد عصبوا عيونهم الحزبية، أو لنتفاءل على عيونهم نظارات حزبية بلون ما، وعلى عيون كل منا نظارات بلون ما، وقد يتزحزح أحدنا فقط في وضع احتمال أنه مبرمج يجب أن يراجع نفسه، مع كل الحب والتقدير لا لآمكم التي لانهاية لها في الأفق طالما استبد بالرأس فكر حزب التحرير