أنقرة وواشنطن: التحالف المٌهين...أخيراً؟.
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الجنرال يشار بويوكانيت رئيس هيئة أركان الجيش التركي، والرجل الأقوى في تركيا حالياً، قال عشيّة لقائه مضيفيه الأميركان في واشنطن بأن بلاده "لم تشهد مثيل هذا الهوان منذ تأسيسها عام 1923م". وذهبّ بويوكانيت في "شكواه" هذه بأن "مايهدد تركيا ويشكل خطراً على وجودها هو حزب العمال الكردستاني، وإحتمال تقسيم العراق( أي الكرد أيضاً!!)، والقضية القبرصيّة، والملف النووي الإيراني، والوضع في القفقاس".
وتأتي تصريحات رئيس العسكر التركي هذه كمؤشر على مدى الجدل الحاصل حالياً مع كل من الحكومة وبعض الأحزاب المعارضة من جهة، ومع الولايات المتحدة الأميركية والتي تمنع حتى اللحظة الإجتياح التركي المأمول لكردستان العراق وإحتلال مدينة كركوك النفطية، من جهة ثانية. ورغم أن واشنطن زادّت من جرعة دعمها الدبلوماسي واللوجستي أخيراً لأنقرة، على صعيد محاصرة حزب العمال الكردستاني والتضيّيق عليه، لكن الثابت انها لن تكون أكثر كرماً وتقذف بكامل "الجزرة الكردية" للحصان التركي اللاهث ورائها.
صحيح أن الأميركان دفعوا حلفائهم الأوروبيين من أجل التضييق على "القاعدة الكردية الخلفية" المقيمة في بلدان الأتحاد الأوروبي، وشن حملات الأعتقال بحق الساسة الكرد العاملين في أوروبا وتقديمهم للمحاكمة بحجج الإرهاب، لكنها ستقف عند هذا الحد، ولن تغدق بالمزيد على الحكومة التركية التي تطالب واشنطن بتصفية الآلاف من مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في المناطق الجبلية العالية من جنوبي كردستان.
أوروبا بدورها ذهبت مذهبها في التصعّيد المرحلي، فبادرت اللجنة الوزارية في مجلسها على رفض فكرة إعادة محاكمة الزعيم الكردي الأسير عبدالله أوجلان. وقال المجلس بأن "اعادة المحاكمة أمر غير ضروري لأن لاجديد يقدم فيها". ويناقض القرار الوزاري الأوروبي هذا قراراً سابقاً اصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 12/5/2005 وقالت فيه بأن اوجلان لم يتمتع بمحاكمة عادلة في جزيرة إيمرالي عام 1999 ويجب إعادة محاكمته من جديد. والحال، فإن القرار سياسي محض. فلكي لاتلجأ اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة تطبيق قرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بحق الأعضاء ومدى إلتزامهم بها، فهي عمدت لإزاحة القضية برمتها، لكي لاتتطور إلى أزمة سياسية أو بالون لإختبار "مبدئيّة" بروكسل في فرض الحصار على أنقرة، المصرة على التشدد والتعنت، كما ستقتضي القوانين الأوروبية لاحقاً.
أوجلان من جهته حذرّ أنقرة من المضي قدماً في سياسة الإنكار الممارسة بحق الكرد، وقال في تصريح حملّه لمحاميه بأن "الرهان على الحل العسكري لن يفيد، فلا واشنطن ولابروكسل سوف تسلمان رقبة حزب العمال الكردستاني للأتراك مجاناً، وإن كانت كل منهما {تنقطان العسل} في الفم التركي فإن هذا لايعني آخر المطاف ونهاية القضية". كما زادّ أوجلان، الذي تمر هذه الأيام الذكرى الثامنة على إختطفاه من كينبا بمشاركة أميركية ـ إسرائيلية وتسليمه للمخابرات التركية، بأن "حزب العمال الكردستاني رقم لايمكن تجاوزه، وهو يتقوى يوم بعد يوم، ومازال اللاعب الأقوى إذما تعلق الكلام بموازين القوة داخل الساحة التركية وفي خارجها الأقليمي".
الجنرال بويوكانيت غير راض عن سياسة حلفاءه الأميركان، فواشنطن لاتسمح لقوات جيشه المرابطة على الحدود العراقية بالتوغل لمحاربة ثوار حزب العمال الكردستاني، أو الإشتراك في تحديد مصير مدينة كركوك النفطية، ومنع الإستفتاء( أو تأجيله عشرة أعوام: كما إقترح رجب طيب أردوغان قبل مدة!) بهدف عدم إلحاقها بالأقليم الكردي. وهذا في عرف الرجل "إهانة ومذلة" كبرى لتركيا، و"مؤشر خطير" على مدى "حالة الهوان" التي تعيشها منذ سقوط امبراطورية آل عثمان، تلك الإمبراطورية التي هددّ وزير الخارجية عبدالله غول( ومن واشنطن نفسها، حيث يتباكى بويوكانيت الآن) بالعودة "لحدودها الدولية" السابقة إذما "عمد اكراد العراق إلى ضم كركوك لمنطقة نفوذهم" أي إلى اقليم كردستان المعترف به رسمياً في الدستور العراقي.
بويوكانيت متذمر وغاضب من كل شيء. فهو الذي وبخ حكومة أردوغان قبل أشهر وإنتقد تساهلها مع "المظاهر الإنفصالية" وذلك لسماحها بصدور صيحفة وصفها بالناطقة بلسان حزب العمال الكردستاني في البلاد(في إشارة لصحيفة اوزغور كوندم التي تصدر في اسطنبول، والتي كشفت في سبق شهير، أمر العصابة التي شكلها وقادها بويوكانبت نفسه، والتي ثبت تورطها في قتل المدنيين في ولايات كردستان الشمالية). وها هو الآن يهاجم رئيس وزراء اقليم كردستان نيجيرفان البارزاني ويصف تصريحاته الشجاعة "بالعدائية" ضد تركيا، لمجرد رد البارزاني بعضاً من "البضاعة التركية" لساسة أنقرة، وقوله "بأن الكرد سوف لن يسمحوا لأحد بالتدخل في شؤون اقليمهم، وهم مستعدون للدفاع عن أنفسهم(...) وإن قضية حزب العمال الكردستاني هي قضية سياسية ولن تحل بالعنف".
وذات مرة تكهّن رئيس الوزراء التركي بولند أجاويد بزوال حزب العمال الكردستاني بعيد إختطاف زعيمه أوجلان. لكن ما يحصل الآن، وبعد مرور 8 أعوام، هو تعاظم دور الكرد في داخل وخارج تركيا: حيث العمال الكردستاني الذي أعاد صفوفه سياسياً وعسكرياً ومازل السيد والمسيطر في ولايات كردستان الشمالية. والكرد في اقليم كردستان العراق، حبل نجاة واشنطن من "المستنقع العراقي" و"الإنموذج الواعد" للعراق الذي ينشغل أهله الشيعّة والسنّة بحرب إسطورية عبثية ضد بعضهم البعض للأسف.
فهل كان بويوكانيت محقاً عندما وسمّ هذه الأيام "بالمذلة الكبرى" التي تتخبط فيها تركيا بلا حول ولاقوة؟؟.