روسيا تعود للمسرح الدولي من البوابة العربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تشير الدلائل الى ان نتائج الزيارة التي قام بها الرئيس فلاديمير بوتين للفترة من 11 الى 13 فبراير الحالي للمملكة العربية السعودية وقطر والمملكة الاردنية الهاشمية مهدت لاستعادة روسيا مواقعها في منطقة الشرق الاوسط، واصبحت بداية لتوجهات جديدة في النهج السياسي للرئيس بوتين الطامح لجعل روسيا قوة دولية مستقلة على المسرح الدولي. ومساهمة في تجسيد فكرة روسيا الداعية الى اقامة عالم متعدد الاطراف. وفتحت الطريق لتعميق العلاقات العربية ـ الروسية التي يمكن استثمارها لخدمة القضايا القومية العربية المشتركة.
صدى ميونخ
وكان الرئيس بوتين قد وجهة من على منبر مؤتمر ميونخ للامن ( 10/2/2006) عشية جولته في الاقطار العربية انتقادات حادة لسياسة الولايات المتحدة الامريكية الخارجية القائمة على القطبية الواحدة في الشئون الدولية واضعاف منظمات القرار الدولي والقيام بممارسات ادت الى تفاقم الوضع لاسيما في العراق وافغانستان وتطويق روسيا بمكونات برنامج الدفاع المضاد للصواريخ. وباجماع غالبية المحللين فان خطاب بوتين اسس لمرحلة جديدة في العلاقات بين الغرب وخاصة امريكا وروسيا. ورجح البعض ان المرحلة القادمة ستشهد استئناف سباق التسلح بين روسيا والغرب، واشار اخرون الى حتمية تعكر صفو العلاقات بين موسكو وواشنطن. وليس من المستبعد ان تقوم واشنطن في القريب القادم بخطوات تهدف الى تطمين روسيا لتقليل حدة الموقف فليس من مصلحة الادارة الامريكية في وضعها الحالي تعقيد العلاقات مع روسيا. واشر لذلك تاكيد الرئيس جورج بوش الاربعاء حول العلاقات موسكو في مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض: "إنها العلاقات التي توجد فيها اختلافات في وجهات النظر ولكنها العلاقات التي يمكن ان نجد فيها نقاطا مشتركة لحل المشاكل. وهذه هي الطريقة التي سأستمر بروحها في العمل مع بوتين". وقد صرح بوش بأن موقفه من بوتين لم يتغير وهو يعتبر فلاديمير بوتين زعيما ذا إرادة قوية. من المنتظر ان يقوم وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس قريبا بزيارة لروسيا لبحث القضايا المختلف عليها.
وبدت زيارة بوتين لثلاث دول عربية، على خليفة ذلك التطور حدثا هاما بالنسبة للجانبين الروسي والعربي. لان هناك ادركا عاما بان التطورات العاصفة والمقبلة على المسرح الدولي يتطلب تحالفات واسعة بين القوى الاقليمية لصيانة السيادة والاستقلال والمصالح الوطنية. اضافة الى ان الدول العربية التي زارها بوتين باتت تلعب اكثر فاكثر ادوارا اقليمية. واشر خطاب بوتين من على منبر ميونخ الى ان روسيا التي كانت على حافة الانهيار اثر انهيار النظام الشيوعي واكتسبت ثقة واستقرارا، تعود بقوة اكبر على المسرح الدولي على خلفية الضعف والارتباك الذي يساور واشنطن وحاجتها للحلفاء.
اهداف روسية وعربية
من ناحية اخرى فان نتائج الزيارة ستساعد روسيا على الدخول بكثافة اكثر الى اسواق جديدة في المنطقة، وان يكون لها اصدقاء من دول كانت دائما محسوبة على امريكا، يمكن تنسيق الخطوات معها في الشئون العالمية والاقليمية.
ومن جانب اخر فان دول المنطقة العربية التي هي بحاجة الى تنويع المسارات في العلاقات مع الدول الكبرى وعدم حصرها في مسار واحد لخدمة مصالحها القومية والوطنية، ستجد بروسيا القوة التي تتفهم قضاياها. ان اقامة علاقات متوازنة مع كافة القوى الكبرى ستكون سياسة مفيدة وناجعة بالنسبة للدول العربية.
واكد بوتين خلال زيارته، التي كان لها صدى ايجابيا لدى اوساط الراي العام الروسي، ثوابت سياسته الخارجية تجاه القضايا العربية الملحة. وحسب قوله فان القضية الفلسطينية كانت في صدارة القضايا التي بحثها مع الزعماء العرب. واكد في محطاته الثلاث على اهمية عقد مؤتمر دولي لاعطاء دفعة لعملية السلام، والمساعدة على تطبيع الاوضاع في العراق ولبنان، وايجاد تسوية سلمية للمشكلة النووية الايرانية للحيلولة دون نشوب نزاع جديد في منطقة الخليج العربي.ولم يخف بوتين طموحه في اقناع الدول العربية التي زارها باستيراد الاسلحة الروسية والتعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي وتوظيف الاستثمارات المتبادلة. وأكد بوتين خلال زيارته على ضرورة النظر إلى روسيا الاتحادية والمملكة العربية السعودية كحليفين وليس منافسين في سوق الطاقة العالمية. وقال في كلمة ألقاها في الملتقى الاقتصادي الروسي السعودي الذي عقد في الرياض(12/2/2006): "نحن نعرف الوتيرة التي يتطور بها الاقتصاد العالمي، ومدى حاجته إلى مصادر الطاقة الآن وفي المستقبل". وأضاف أنه يبدو من الوهلة الأولى أن روسيا والسعودية تتنافسان في سوق الطاقة العالمية، إلا أن حاجة العالم المتنامية لمصادر الطاقة، تؤكد عكس ذلك.
الطريق الطويل
ولم يبتعد مساعد الرئيس الروسي سيرغي بريخودكو عن الحقيقة حينما قال عشية زيارة بوتين للدول العربية الثلاثة، ان الجانب الروسي اعد على مدى سنوات طويلة لزيارة بوتين. فمنذ وصول بوتين للسلطة عام 2000 كفت موسكو عن جنوح سياستها الخارجية نحو الغرب فقط، وحركت المسارات الاخرى لاسيما مع العالم العربي. واستعادت خطوة فخطوة شئ من مواقعها السابقة في المنطقة بعد ان ظلت مهمشة على مدى التسعينات، وعزز التيار الدبلوماسي الذي ينظر للمنطقة العربية باعتبارها منطقة مصالح تقليدية بالنسبة لروسيا مواقعه في صياغة القرار في الخارجية الروسية. ومنذ ذلك الحين والعلاقات الروسية ـ العربية اخذة بالاتساع، والمواقف الروسية من القضايا العربية تتسم بالايجابية. وكما قالت صحيفة غازيتا (14/2/2006) فقد أعلن الرئيس بوتين" تحول السياسة الروسية نحو الشرق حينما وصف بلاده والسعودية أثناء وجوده في الرياض بأنهما شريكان إستراتيجيان". واضافت" إن الشرخ الذي ظهر في العلاقات بين روسيا والغرب مرشح للاتساع ما دامت موسكو بصدد توثيق العلاقات مع السعودية وأيضا بلدان منتجة للغاز مثل إيران وقطر" حسب قول الصحيفة.
ان المرحلة القادمة في العلاقات الروسية ـ العربية تتطلب من الجانب العربي تحركا انشط من اجل الافادة منها وتوظيفها لخدمة القضايا القومية المشتركة. ان استعادة روسيا لقدراتها والبروز كدولة مؤثرة على المسرح الدولي سوف يساعد على منع قوة دولية واحدة او تكتل واحد الانفراد بادارة الصراعات والقضايا الدولية بصورة غير عادلة ولما يلحق الضرر بالمصالح القومية لهذا الطرف او ذاك، وبروز مثل روسيا بحد ذاته سيصب لصالح العالم العربي. ويمكن ضمن هذا الاتجاه تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع موسكو ودعوة الروس للمشاركة في تنفيذ المشاريع في الاقطار العربية. وتنشيط مجلس الاعمال العربي ـ الروسي والحوار الاستراتيجي الرؤية العربية ـ الروسية واستحداث محافل واليات اخرى للحوار والتعاون. علما ان الكرملين يتعامل مع العرب كمجموعة اقليمية بينها وشائج عميقة واهداف مشتركة.