كتَّاب إيلاف

العولمة... والتجربة اليابانية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

في 26 سبتمبر 2006 تشكلت الحكومة اليابانية الجديدة برئاسة السيد شنزو آبييه، وهو من عائلة سياسية عريقة، فقد كان والده وزيرا للخارجية، وجده رئيسا للوزراء. وقد كانت من أولويات خطته تهيئة التعليم لواقع العولمة الجديد. حيث اهتمت الخطة بتطوير الملكات العقلية والذهنية للطفل، ومواكبته للتطور العلوم والرياضيات، والمحافظة على القيم والتقاليد والثقافة اليابانية بالإضافة تهيئته للمنافسة في عالم العولمة الجديد. وأكدت ضرورة توجيهه تربية الطفل ليثمن أهمية العائلة، والمجتمع، والوطن، والقيم الإنسانية، مع تطوير قوة الإبداع والانضباط لديه. وتهدف هذه الخطة لتهيئة جيل يتعامل مع تحديات العولمة، يستفيد منها ويقلل من مضارها، ويسهم من خلالها في تطور الحضارة الإنسانية. وقد توقعت اليابان هذا الواقع الجديد وتحدياته منذ أكثر من قرن ، وسعت لتحقيق وحدة اقتصادية بين دول منطقتها. و في الشهر الماضي كشفت الصحافة اليابانية عن تعاون ياباني صيني لبناء المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة. وتجري محاولات عدة لربط الصين واليابان وكوريا الجنوبية مع الدول الأسيوية الأخرى في مجموعة اقتصادية قوية لتعامل مع طوفان العولمة الجديد.

وقد نشأت فكرة العولمة مع تطور تكنولوجيا الاتصالات، وتحول الكرة الأرضية إلى قرية كونية. وقد تصغر هذه القرية مستقبلا، وتظهر الحاجة للتوسع إلى عالم الفضاء الخارجي، نتيجة زيادة عدد سكان الأرض وشح الموارد الطبيعية. وقد بدأت محاولات جادة لغزو الفضاء وبناء مستعمرات جديدة فيه. واكتشف العلماء حقائق عن وجود الماء بكوكب المريخ. ويتنبأ البعض بأنه خلال الخمسين عاما القادمة سيتم بناء مستعمرات جديدة للإنسان في ذلك الكوكب. ومختصر القول أننا في عالم صغير، ولكي ننجح سنحتاج إلى أن ننظر إليه من خلال عدسة العولمة، وكي نستطيع أن نتطور ونواجه التحديات القادمة سنحتاج إلى العمل ضمن قوة اقتصادية موحدة ومتكاملة. وتؤكد معظم دساتير الدول العربية، ومنها دستور مملكة البحرين في المادة الأولى والسادسة: " مملكة البحرين عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة تامة، شعبها جزء من الأمة العربية، وإقليمها جزء من الوطن العربي الكبير. وتصون الدولة التراث العربي والإسلامي، وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية". والسؤال الذي سيطرح نفسه كيف سنتعامل مع الشر الذي لابد منه، العولمة. هل سنرفضه بانفعال، وننغلق فنتراجع؟ أم سندرسه بدقة، ونحاول تجنب مساوئه، والاستفادة من الفرص التي سيوفرها؟ وما هي هويتنا التي سنتعامل من خلالها ؟ هل سنكون إمارات محلية صغيرة؟ أم دول عربية خليجية موحدة اقتصاديا، تعمل ضمن قوة اقتصادية لوطن عربي كبير، rdquo; نصون من خلالها التراث العربي الإسلامي وتسهم في ركب الحضارة الإنسانيةrdquo;؟ وهل سنهيئ تعليمنا لينتج جيل العولمة الجديد، المنافس بالعلم والأخلاقيات والثقافة والإنتاجية؟ وهل سنوجه اقتصادنا للتعامل مع تحدياته؟ وهل سنستفيد من تجربة اليابان في الحداثة مع المحافظة على الثقافة والتقاليد والقيم المجتمعية الدينية؟

بالطبع جميعنا وجل ومتخوف من اختلاطات العولمة. وهل تصدق بأن الغرب نفسه متخوف منها؟ فقد كتبت مجلة الايكونميست (الاقتصادية) البريطانية بافتتاحيتها في العشرين من شهر يناير 2007 تقول "الدباغين والنجارين في منطقة غالكس في جبال فرجينيا فقدوا وظائفهم حينما قرر تجار السلع الأمريكيين التوجه لممولين أفضل في الصين. هذه الأيام هي أيام ازدهار العولمة الرأسمالية. وتزاوج العولمة مع التكامل الاقتصادي خلق رخاء لم يوازيه رخاء من قبل. ففي السنوات الخمس الماضية شهد العالم نموا اقتصاديا سريعا لم يره منذ بداية السبعينيات، فإنتاجية الفرد ارتفعت أربع مرات عن بداية التسعينيات، وبتوحيد قوى العمالة العالمية، أصبح لمئات الملايين من شعوب بلدان العالم الثالث فرصة للتخلص من الفقر، بالإضافة إلى أن هناك مئات من الملايين الآخرين سيلحقون بهم. ومن المؤمل أن تتغير أوضاع البشرية في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك فنصيب القوى العاملة في الدول المتقدمة من الناتج المحلي ألأجمالي قد انخفض. فبينما ارتفعت أرباح الشركات العالمية بأرقام قياسية، ويستلم رؤساؤها رواتب كبيرة، إلا أن القوى المنتجة بقت تنتظر متى ستنخفض رواتبها وتفقد وظائفها. وقد أصدر الكونجرس الأمريكي 27 قانونا تجاريا ضد التجارة الحرة مع الصين، وأكثر من نصف الأمريكيين يريدون أن يحموا شركاتهم من مساوئ العولمة. وقد قرر مجلس النواب رفع الحد الأدنى للأجور بسبب تخوفه من الاضطرابات العمالية. حتى اليابان بدأت التخوف من التفاوت في الدخل، وجمود الرواتب، وانتقال فرص العمل للصين. كما بدأ ينحسر التحمس لاجتماعات الدوحة لاتفاقيات التجارة العالمية الحرة."

فما الحل لمشكلة العولمة التي يشكو منها حتى الغرب. والسؤال هل يجب أن نفرق بين العولمة كقوة لوحدة البشرية تعمل معا لخلق مجتمع أنساني تقيده فوانيين ديمقراطية عالميه متفق عليها، وبأمم متحدة قوية تلعب دورا عالميا من خلال أقسامها المختلفة لخلق اقتصاد عالمي قوي، ليتوفر العمل للقوى المنتجة، وتقل المفارقة في نصيب الفرد من الإنتاج القومي، لتسعد البشرية وتتطور الخدمات الاجتماعية المختلفة كالتعليم والصحة والإسكان وما شابه. والعولمة الأخرى، أو ما يسمى " بعولمة رؤساء الشركات التنفيذيين"، وتعني بأن الشركات العالمية الكبيرة استفادت من التجارة الحرة المرافقة للعولمة، لتقوية مواقعها العالمية، وزيادة أرباحها، والاستفادة من قوى العمالة الرخيصة في العالم الثالث، فتتسع الهوة بين الذي يملك الكثير، ومن لا يملك. فيزيد الفقر، والاضطرابات السياسية، ومن ثم عدم الاستقرار وما يرافقه.

وليسمح لي القارئ بأن نبحث في كتاب جديد لجوزيف ستجلتس- "لنعمل لتنجح العولمة"، وهو أستاذ اقتصاد أمريكي بجامعة كولومبيا الأمريكية، وعمل في حكومة الرئيس الأمريكي كلينتون، وكان مستشارا في البنك الدولي، كما حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد...وهو يقول حول فشل العولمة " تنظر دول العالم الثالث اليوم لأسيا كمثال بارز لنجاح العولمة. وليس من الغريب أن نرى بدء انحسار الدعم لواشنطن: ففشلها بدا بارزا في جميع انحاء العالم. وتجسد ذلك في التجربة الواضحة بالانتقال من الشيوعية إلى اقتصاد السوق، فالذين تبعوا واشنطن قد فشلوا، وتقريبا الجميع. وفي أفضل الأحوال حققوا نموا اقتصاديا محدودا، وفي أسوأ الحالات يعانون من نمو وتباين فاحش في توزيع الثروة، تبعها عدم استقرار سياسي؟ وحتى ديمقراطيتها في خطر. فالنجاح يعني استمرارية، وعدالة، وديمقراطية التطور الذي يركز على زيادة المستوى المعيشي، وليس فقط على الناتج المحلي الإجمالي- الذي لا يوضح عدالة التوزيع في المجتمع ولا مدى صحة وسعادة هذا المجتمع . فدخل الفرد لاشك بأنه مهم فهو جزء من مستواه المعيشي، ولكن المهم أيضا الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأخرى".

ولقد بدأ علماء الاقتصاد بربط الثراء مع السعادة النفسية في تعبير جديد، General Well-being، الرفاهية والسعادة. فليس المهم فقط ثراء الدولة بل عدالة توزيع الثراء وسعادة مواطنيها. فلنقرأ ما كتبه البروفسور ستجلتز، " ويتكلم ملك البوتان Bhutan اليوم عن الناتج القومي لسعادة المجتمع... فمن المهم إن تركز بلدان العالم الثالث developing word على العدالة والمساواة، وان تتأكد بان الجميع يشارك في قطف ثمار التطور. فالتجارة الحرة لم تنجح لأننا لم نحاول تطبيقها. والاتفاقيات الدولية السابقة لم تكن حرة ولا عادلة، ولم تكن متجانسة. فقد فتحنا أسواق العالم الثالث لبضائع الدول المتقدمة، ولكن من غير المعاملة بالمثل.. فوضعنا أمامهم عراقيل تجارية كبيرة. وقد كنت أتصور بأن العالم المتقدم يساعد هذه الدول للخروج من فقرها، فلنقرأ ما كتب، "النظام المالي العالمي لا يعمل اليوم بطريقة جيدة، وبالا خص لدول العالم الثالث. فالأموال تنحدر من الدول الفقيرة إلى الدول الغنية. اغني دولة في العالم، لا تستطيع أن تعيش على إمكانياتها، تقترض بليونين دولار يوميا من الدول الفقيرة. بعض هذه الأموال تصرف لدفع الديون الكبيرة للعالم الثالث، والأخرى لشراء مستندات الحكومة الأمريكية والدول الغربية، لتضاف هذه للاحتياطات النقدية لدول العالم الثالث لتحافظ على سعر عملاتها من الهبوط، ويحصلون عليها أرباحا ضئيلة. يربح العالم الثالث اليوم 1-2% سنويا أو اقل، أي نحو ثلاثة تريليون دولار من احتياطيهم. ومن الممكن أن تستثمر هذه الأموال في مشاريع تنموية تدر عليهم 10-15%. وتتكلف هذه الدول 300 بليون دولار سنويا على الأقل لمنع انخفاض قيمة عملاتها النقدية." والسؤال هنا: هل يحتاج العالم إلى عملة عالمية تكون مسؤولية الأمم المتحدة، لوقف هذا النزيف في اقتصاديات العالم الثالث؟ وهل سنبدأ العمل من خلال وحدة اقتصادية خليجية وعربية ونستفيد من تجربة اليابان في العولمة؟ فقد ربحت العلم والتكنولوجيا والتجارة، وحافظت على قيمها وتقاليدها، وهي لا تملك إلا الإنسان!!! والى لقاء.

سفير مملكة البحرين باليابان

Khalil.rasromani@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف