هالة سرحان وميشال اللبناني!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لو كان جمال عبد الناصر خرج من قبره إلى منصة الخطابات ليلقي تحية وسلاما على اسرائيل، وعاد نزار قباني إلى حياته ودخل مكتبه يكتب القصائد لنانسي عجرم، ما كانت وسائل الاعلام العربية أبرزتها واهتمت بها كما اهتمت ولاحقت قصة الاعلامية هالة سرحان وما قيل عن "فبركة" حلقة تعرضت فيها لقضية الدعارة في مصر في برنامجها "هالة شو". وذلك في وقت استيقظ فيه الاعلام في العالم العربي على حدث اختراع طبيب لبناني علاجا للسرطان بعد أن غطت وسائل الاعلام الغربية الحدث وصار خبرا قديما بالنسبة لها.
قضية برنامج هالة سرحان تثير أقلام الاعلاميين، وهذا امر لا شك فيه. ولكن المفاجئ في هذا الحدث- إن صحت التسمية- أن الذين طالبوا بهدر دم هالة سرحان وتعليقها على مدخل القاهرة لأنها أخرجت العرب من اسبانيا وتسببت باحتلال العراق وساهمت بحفر المقابر الجماعية فيه، تركوا من ينشر الخطايا والفساد وقرروا ملاحقة من يكشف عنها.
لنفترض جدلا أن ما قيل عن هالة سرحان صحيح، هل تستحق كل هذه الحملة ؟ بالتأكيد لا . وإذا كانت مصيبتنا بتزوير شخصيات تتحدث عن واقع هو موجود فعلا، فإن المصيبة أعظم عندما يوجد من يزور الواقع ويجمّله عبر تقديم شخصيات تبدو غير مزورة كما تبدو لطيفة وشفافة وهي أصلا تأكل بعقول جمهورها وأتباعها الحلاوة!
سألت صديقا وزميلا لي منذ أيام إن كان قد سمع عن الطالب اللبناني الذي اخترع علاجا للسرطان مع بداية هذا العام، فأجاب بالنفي. طبعا لن يسمع إذا كان ما نسمع عنه يوميا هو انشغال العالم الفلاني بشرعية أو عدم شرعية ترقيع غشاء البكارة أو كيف يجب أن ينام الزوج مع زوجته، وكيف تسببت هالة سرحان بانتشار الفقر والفساد !
ميشال عبيد شاب لبناني في الرابعة والعشرين من عمره، قد يصبح بعد تأكد التجارب على الانسان، مكتشف العلاج الذي يفتك بالسرطان، هذا المرض الذي أتعب الناس، والعلماء والباحثين، كما قدمت صحيفة النهار اللبنانية لحوار معه.
عبيد اللبناني، شغل الصحف الشهر الماضي، وعنه كتبت جريدة "Le Parisien" تحقيقا بعنوان "السرطان: الاكتشاف الذي لا يصدق لباحث في الـ24"، كما نشرت مجلة "Nature Medecine" تحقيقا مماثلا .
وكتب دانيال روزينويغ الآتي:
"اعتاد معهد "غوستاف روسي دو فيل جويف" الباحثين الذين يقدمون آخر الاختراعات للبشرية. ومن بين هذه الاكتشافات المتقدمة التي تستحق المتابعة واحدة تبدل الاسطورة لمكتشفها، العالم الشاب الذي لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره، ها هو ينشر ثمار أتعابه في العدد الاخير من مجلة Nature Medecine المرموقة. والاكتشاف واعد جدا لمرضى السرطان.
ويقول ميشال "درست في مدرسة بقرزلا الرسمية ثم انتقلت الى مدرسة مار يوسف. وعند انتهائي من الدراسة الثانوية تابعت سنة تحضيرية للطب في الجامعة اللبنانية، الا انني لم اقبل لدخول الكلية. وفي عام 2001 انتقلت الى فرنسا الى مدينة تولوز وبعدها قصدت العاصمة باريس".
وردا على سؤال " أليس من الغريب استبعادك عن الجامعة اللبنانية وتفوقك في فرنسا"، يقول " لبنان ويا للاسف بلد الواسطة ولسوء الحظ لم تكن واسطتي قوية"- وفق حواره مع النهار اللبنانية.
هذا الطالب العربي، الذي لم يسمع به الاعلام الأطرش والأخرس والأعمى، والذي أغلقت أبواب النجاح أمامه في بلده، قدم إنجازا إنسانيا عالميا في غربته. ولكن هل هذه غربة ؟ لا . قال الامام علي بن أبي طالب " الفقر في الوطن غربة.. والغنى في الغربة وطن". ولم يقصد الإمام علي بالفقر والغنى المادة فحسب، بل قصد فقر وغنى الروح ومدى احترام حقوق الإنسان وكرامته.
هالة سرحان- سواء أكانت زوّرت شخصيات في برنامجها أم لا - أثارت واقعا يحاول الكثيرون حجبه أشعته الحارقة بغربال. والطبيب اللبناني الشاب قدم إنجازا طبيا علميا جديدا لعلاج واقع المرض واليأس الذي يلاحق الملايين حول العالم. وفي الحالتين، فشل الاعلام في متابعة الحدثين. في الحدث الأول انساق الاعلام وراء ديكور البرنامج ومقدمته وتم تجاهل ما أثاره من إشكاليات مزمنة في مجتمع معاصر، وفي الحدث الثاني كُشف عن عورة ما في الاعلام العربي لا يمكن أن تغطيها ورقة توت مهما كانت كبيرة.
وأخيرا، قال لي أحد الأصدقاء : من الطبيعي جدا أن يلاحق الاعلام قضية مثيرة مثل هال سرحان ويتجاهل قضية الطبيب اللبناني، وهذا يحصل في الاعلام الغربي. وكان رأيي : هذا "كان" يحصل في الاعلام الغربي قبل أن يلقوا نظرية "إذا عض رجل كلبا هي الخبر المثير" إلى أقرب حاوية قمامة. فخبر إنجاز الطبيب اللبناني كان بارزا على صفحات الصحف الفرنسية أكثر من خبر صدور كتاب يتناول الحياة الخاصة للرئيس الفرنسي جاك شيراك.
hnayyouf@hotmail.com