موت أدونيس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عللّ الكاتب السويدي الرائع وليام موبيري الذي كتب أروع ما يفتخر به الأدب السويدي اليوم إنتحاره الذي أقدم عليه فعليا برمي نفسه إلى النهر وقضائه غرقا، بأنّه قررّ وضع حدّ لحياته لأنّه لم يتمكّن من الإبداع و قد قرن حياته بالقدرة على الإبداع، فما دام قد أصيب بالجفاف الإبداعي فعلام يستمر في الحياة..يحدث هذا في السويد، أما في عالمنا العربي فعندما يصاب الكاتب العربي بالجفاف و ينضب معينه الفكري و مخزونه اللغوي فإنّه يتهمّ اللغة العربية التي قال عنها لويس ماسينيون كل اللغات العالمية جمالها ظاهري عدا اللغة العربية التي تجمع بين جمال الظاهر والباطن بأنّها لغة ميتة و الأجدى رميها وراءنا دهريّا..
والمفارقة أنّ كاتبا كأدونيس و الذي إشتهر بدون مقومات أدبية أو فكرية بل لمعّت إسمه مجموعة الحداثيين الذين عرفتهم مواخير بيروت في ستينيات القرن الماضي بإمتياز، كتب بعض ما كتب باللغة العربية، صحيح أنّ أدونيس لم يلامس مطلقا روح اللغة العربية و لا غاص في تركيبة لغتنا الجميلة ليستكشف جمالها الذي تخصصّت كليات غربية في تدريسها، لكنّه كان يكتب بهذه اللغة العربية التي أعطته أهم فضاء إبداعي، و لو كتب أدونيس باللغة الفرنسية أو الإنجليزية لما نال ما ناله حتى الآن من شهرة مصطنعة بطبيعة الحال، و الفرق بين أدونيس ومالك حدّاد الكاتب الجزائري المبدع الذي كان يكتب باللغة الفرنسية فرق شاسع، فمالك حدّاد إعتزل الكتابة باللغة الفرنسية و الكتابة بشكل كامل حتى لا يخون اللغة العربيّة التي كان يرى فيها الوعاء الحضاري الحقيقي الذي يجب أن ينصهر فيه إبداعه و التي يجب أن يصيغ بها أفكاره ورؤاه..
ومثل أدونيس كمثل بعض الكتّاب المغاربيين و المشرقيين الذين يكتبون بلغة فولتير لا ليعبروا إلى فضاءات أرحب بل ليحصلوا على الجوائز و إعترافات المؤسسات الثقافية الغربية التي تقرن جوائزها بضرورة التخلي عن الإنتماء والمنطلق، فالمدخل إلى هذه الجوائز الدولية هو أن تسبّ حضارتك كما حدث مع سلمان رشدي و تسليمة نسرين و آسيا جبّار و رشيد بوجدرة و غيرهم...
و بالعودة إلى أدونيس الذي أعلن عن وفاة اللغة العربية فيما أعلن نزار قباني عن وفاة العرب، فهل تنصلّه من اللغة العربية يعود لخلل فيه أو لخلل فيها !
مبدئيا قد لا يسع المجال للحديث عن اللغة العربية و جمالها و إستيعابها المطلق لكل منجزات العصر و مستجدات الصناعة و غير ذلك، و كباحث لغوي أقول أنّ تركيبة اللغة العربية تفوق تركيبة معظم اللغات العالمية التي تجاوبت مع المستجدات الحضارية كاللغة الأردية و السويدية و الفنلندية و الفارسية ناهيك عن الإنجليزية والفرنسية، ثمّ إنّ ضعف أمة ومرضها لا يعني مطلقا أنّ لغتها سقيمة، وبناءا عليه فالخلل و الموات ليس في لغتنا العربية الجميلة و المتألقة و التي أساء إليها بنوها بل في أدونيس الذي ماتت قدرته على الإبداع و جفّ معينه ونضب بئره ولم يعد يكررّ غير بضع الكلمات التي باتت عنوانا له في ستينيات القرن الماضي.
وبدل أن يكون موقفه كموقف موبيري السويدي فقد إختار التهجم على اللغة العربية التي تلى على روحها سورة الفاتحة، و لأنّه لا يقرأ الفاتحة فقد كرع على جثمانها قنينة ويسكي مصاغ في بلاد العم سام..
لكن فلنفرض جدلا كما يقول علماء المنطق أنّ اللغة العربية ماتت - وهذا زعم دونه خرق القتاد وهيهات أن تموت لغة تمنح الحياة، لغة هي ينبوع الوجود - فما هو بديل أدونيس !!
هل البديل سيكون في اللهجات العربية المتهرئة و الخرقة التي لم تحو غير ألفاظ البذاءة و السوقية والدونية كاللهجة الجزائرية و العراقية و اللبنانية و السعودية و الفلسطينية والمصرية
وكل اللهجات العربية في نفس المستوى طبعا ، وهل يمكن للهجات العربية المنحطة و الخليطة و التي تجمع بين اللفظ العربي و الفرنسي و الإنجليزي و غيره أن تكون بديلا، و كم يستغرق سكان الجزائر من وقت ليفهموا اللهجة السورية أو اللبنانية، وكم يحتاج سكان السعودية من وقت لفهم لهجات البدو في بلاد الطاسيلي، فبديل كهذا هو أقرب إلى الإنتحار منه إلى الإنجاز الحضاري.
وإذا بطل هذا بتعبير علماء الأصول فهل يكون البديل اللغات الغربية، و ما جدوى إعتددانا بأنفسنا و حضارتنا ساعتئذ، أيحق للفرنسيين أن يذوذوا عن لغة فولتير و لا يحق لي أنّ أذوذ عن لغتي وحضاري،،،
وخلاصة القول أنّ الذي مات فعليا وإنتهى إبداعيا وعجز عن تقديم أي شيئ جديد هو أدونيس، فبدل أن يرمي نفسه بالعقم الفكري و الكساح الثقافي رمى اللغة العربية التي أنتجت للعالم جميعا روائع قلّ نظيرها، و هكذا وحتى إذا سئل أدونيس لماذا لم تأت بجديد يقول وكيف أكتب بلغة ميتة...
إنّ علي أحمد سعيد إسبر المعروف بأدونيس و الذي حصل سنة 1986 على الجائزة الكبرى ببروكسيل كل إبداعاته إرتبطت بالقرن الماضي و قد عجز عن أن يصيغ أي جديد.
ورغم إعلانه أنّ اللغة العربية ماتت فإنّ ذلك لن يتح له الحصول على جائزة نوبل التي حلم ويحلم بها لأنّ أعضاء الأكاديمية السويدية المانحين لجائزة نوبل يستصغرون ذلك الذي ينافق من أجل جائزتهم و هم أحرص على أن يلوذ الإنسان بأصالته على أن يتملق الغرب........