عفواً يا قداسة البابا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تمهيد ضروري
ترددت كثيراً قبل كتابة هذا المقال، لأن كثيراً ممن يقرءون أبناء الثقافة السائدة، ويتناولون الأمور بمنطق الأبيض والأسود، مع أو ضد، وأنا لا أحب أن أصنف أنا أو مقالاتي ضمن من هم ضد قداسة بابا الإسكندرية، هذا إن كان هناك فعلاً في الساحة من يتعمد أن يكون ضد قداسته، لكنها ثقافتنا التي يصعب علينا الهروب منها أو تبديلها، هي من تعتبر من يناقش أو يعارض جاحداً أو خارجاً أو حتى كافراً.
لكن ما أنهى ترددي ودفعني للكتابة هو الوقوع تحت وطأة مسئولية من بدأ حديثاً يخاطب به أمة، ثم يتوقف فجأة في منتصف الطريق، وهذا إن حدث لكن يكون له إلا واحداً من معنيين، إما أننا جماعة العلمانيين كنا كما تم وصفنا في حديث قداسته فعلاً، وأدركنا حقيقة أنفسنا، وإما أننا ممن يتخلون عن رسالتهم تجاه شعبهم المصري كله ووطنهم، تجنباً لمواجهة ما يتحتم على كل داع للإصلاح مواجهته، ولأننا لسنا من هؤلاء أو أولئك، وجدتني أخط تلك السطور.
بكل الحب والتقدير لقداسة بابا الإسكندرية، الجالس على كرسي مار مرقص الرسول، أقدم تعليقي على حديث قداسته، المنشور في جريدة الأهرام الخميس 22/2/2007:
يقول قداسته: "وهؤلاء الذين هاجموني قوبلوا بسخط كبير من الأقباط سواء في الهيئات الرسمية القبطية أو الكنائس او الأفرادrlm;,rlm; وأعلنوا سخطهم علي هذه الأمور وعدم قبولها كما اعلنوا ولاءهم لـ البابا ومحبتهم لهrlm;"
لقد تعرض قداسته فعلاً لهجوم شخصي مستهجن، من بعض أبناء ثقافة الشتائم والتكفير، وهم بفعلهم هذا قد أدانوا أنفسهم قبل أن يدينهم المجمع المقدس، والتعرض لمثل ذلك الهجوم هو قدر من يتصدون للعمل العام في شرقنا، سواء من هم في مواقع القيادة أو مواقع المعارضة وأصحاب الرأي الآخر.
لكن من اللافت للنظر في العبارة السابقة قول قداسته أن الرافضين للهجوم أعلنوا ولاءهم للبابا ومحبتهم له، أعلنوا محبتهم أمر جيد وطبيعي، لكن مسألة الولاء أراها تبدو مقلوبة، فالبابا على رأس خدام المسيح في كنيستنا، وخادم المسيح هو خادم للشعب المسيحي، والخادم يكون ولاؤه للشعب والكنيسة، وليس العكس.
في هذا لم يأت قداسة البابا بجديد، فهذه هي ثقافتنا، التي تؤله القادة والحكام والخدام!!
يقول قداسته: "وجود مجموعة من أسموا أنفسهم بمؤتمر العلمانيين . . . . . لكن هؤلاء لا يريدون الخدمة في الخفاء ولكن يريدون شهرة ولم يجدوا هذه الشهرةrlm;,rlm; فحاولوا أن يجدوها عن طريق النشر في الجرائد وادعاء البطولةrlm;"
نجد في هذه العبارة نفس المنهج السائد، وهو تجاهل الموضوع، والتفرغ لتسفيه القائل أو الكاتب، باتهامات جاهزة ومحفوظة ومكررة، وهو نهج كنا نتمنى أن لا يلجأ إليه قداسة البابا ذو الثقافة الموسوعية.
ويقول قداسته عن جماعة العلمانيين: "rlm; أما بخصوص طلبهم للحوار فمع من تتحاور الكنيسة مع أشخاص لا يستخدمون في حوارهم إلا الشتائم والسب والقذف . . . . . . والنتيجة أنهم مستمرون في طيشهم "
أقول له عفواً يا قداسة البابا، فهناك خلط بين أشخاص وقضية العلمانيين، وبين من يستخدمون لغة الشتائم والتكفير، وأوراقنا منشورة في الجرائد ومواقع الإنترنت، ولقائنا مسجل بالفيديو ومذاع في القنوات الفضائية، وكل علاقة لنا بمن استهدفه اجتماع المجمع المقدس، لما عد منه تطاولاً، هو أنه قدم بحثاً لاهوتياً إلى لقاء العلمانيين الأول، وتم تقديمه مع باقي أوراق المؤتمر إلى قداستكم، عله يجد قناة مناسبة لبحث مثل هذه الخلافات اللاهوتية، وعدم تركها معلقة ومثيرة للبلبلة، لكن التركيز والقضية الأساسية للقاء العلمانيين هي أمور تتعلق بتحديث إدارة الكنيسة، وبعلاقة الأقباط بالوطن، وبتجديد الخطاب الكنسي، باتجاه تربية مواطن إيجابي وناشط اجتماعي وسياسي.
لكن هناك سؤال محير: هل هذا الخلط والتعميم، على كل من يكتب متناولاً أمور الكنيسة، هو من قبيل السهو والخلط الوارد، أم أنه أسلوب متعمد، لمواجهة كل من يتجرأ على الحديث عن المراجعة والتحديث وتدارك الأخطاء، التي لا تخلو منها أي مؤسسة يعمل فيها بشر؟!!
ويقول قداسته أيضاً عن جماعة العلمانيين: "هم مجموعة قليلة جداً ويصيحون ولا نتيجة لصياحهم سواء لدي الشعب أو الكنيسةrlm;,rlm; فالوصول إلي الكنيسة لا يكون بالصياح ولا بالتشهير في الجرائدrlm;.rlm; وأشعر أيضا أنهم ليست لهم أهداف واضحةrlm;."rlm;
هنا أيضاً التسفيه من الأشخاص، واعتبار الكتابة في الصحف صياحاً وتشهيراً، مع أن قداسته صحفي سابق، وفي العقود القليلة الماضية كان قداسته وما يزال، رائداً للمثقفين الأقباط في الكتابة للصحافة، وفي الإدلاء بالأحاديث الصحفية، وهو الذي اشترط لقبول توبة المخالفين لأوامره (الغريبة) بعدم الذهاب إلى القدس، بإعلان توبتهم في الصحافة، وكأن الصحافة قد دخلت في طقوس سر الاعتراف!!
الحديث عن عدم وضوح أهداف العلمانيين أمر غريب، فلقد نشرت توصياتنا بكل الطرق، ومنها إرسالها لقداسته، وأيضاً التقينا بقداسة الأنبا موسى، وطلبنا منه السعي لتشكيل لجنة متخصصة لبحثها، لكن يبدو حتى الآن أننا نطلب المستحيل!!
يقول قداسته: "وغالبية الذين ينتقدون لا يعملون,rlm; وعملهم الوحيد هو الانتقاد"
تعرف يا قداسة البابا أن الانتقاد ليس وصمة أو سبة، فالانتقاد ضروري وحيوي لأي عمل أو كيان يريد لأن يصحح مساره باستمرار، ونحن نريد أن يتعود شعبنا على آلية المراجعة والانتقاد، وننبه المسؤولين لضرورة تقبل النقد، وننبه المنتقدين لضرورة التزام آداب وأصول الحوار العلمي، لكن للحقيقة لم تخرج تلك العبارة أيضاً عن النهج السائد في بلادنا تجاه المعارضين!
يقول قداسة البابا: "ولكن الكنيسة ككنيسة كما يعلمنا الكتاب المقدس يقولrlm;[rlm; كل الذين آمنوا كانوا فكرا واحدا وروحا واحدةrlm;]rlm; هذه هي الكنيسة لكن هناك أشخاصا خارجين علي الكنيسة يحاربون الكنيسة ولا يحترمونها واستغلوا حرية الصحافة في التطاولrlm;,rlm; وأنا هنا لا أتهم حرية الصحافة ولكن أقول استغلال حرية الصحافة استغلالا رديئاrlm;.rlm;"
وأنا أقول حاشاك يا قداسة البابا أن يراجعك مثلي في قول كهذا، فقداستك تعلم بالتأكيد، أن الكتاب المقدس يعلمنا أن الكنيسة لم تكن دائماً فكراً واحداً، وإن كانوا بالتأكيد روحاً واحداً، فلقد سجل لنا الكتاب خلافات القديس بولس العديدة مع الرسل والتلاميذ، وقد سجل الكتاب لنا ذلك لحكمة عظيمة، وهي تعليمنا أن الرأي الآخر لا يقابل بالاستبعاد والتكفير والحرم بصفة مطلقة، فعلينا أن نتفحص ونتدبر ونتمهل قبل أن نصدر الأحكام!!
لقد عانت مصر طويلاً من الرأي الواحد والفكر الواحد، وآن الأوان لنشر ثقافة التعدد والحوار، فبدون الرأي الآخر سنتجمد في أحسن الفروض، وسنتراجع ونتخلف حتى الاضمحلال في أسوأها.
يقول قداسته: "أنا لا أدعي أن لي قبضةrlm;,rlm; لكن القبضة هي قبضة الحقrlm;,rlm; وأنا أمثل الحق في الكنيسة بحيث أعطي لكل واحد حقه."
عفواً يا قداسة البابا، فالحق هو الله، وأنت لست ممثلاً للحق أي ممثل لله، بل أنت خادم للحق، أي خادم الله، وشتان بين الممثل والخادم، فالممثل ناطق بلسان من يمثله، وهذا يعني في حالتنا هذه العصمة من الخطأ، أما الخادم فيجوز عليه الخطأ، كما يجوز عليه الصواب، وهنا أيضاً يتحدث قداسته بذات النهج السائد في مصر، منذ بداية تاريخها قبل سبعة آلاف عام.
يقول قداسته في قضية المادة الثانية من الدستور: "أنا أترك هذا النص لرجال الدولة وللأخوة المسلمين أنفسهم لكي يفكروا فيه"
عظيم جداً يا قداسة البابا أن ترفض الحديث في موضوع دنيوي وسياسي، وأنت القائد الديني، الذي يحتل موقعاً دينياً مقدساً، ويا حبذا لو تفضلت قداستكم بالإصرار على هذا النهج، والكف عن الإدلاء بآراء سياسية، لأنها تؤخذ من قداستكم كممثل للأقباط، فأنا كمصري قبطي أرفض أن يمثلني رجل دين مهما كانت رتبته الكهنوتية، فأنا يمثلني المستنيرون من أعضاء مجلس الشعب باختلاف أديانهم، ويمثلني رئيس نقابتي المهنية مهما كان دينه، وسيمثلني رئيس الحزب السياسي، متى قررت الانضمام لأي حزب، وشكراً يا قداسة البابا على ما تحملته من عناء ومصاعب، جراء تمثيل الأقباط في الحقبة الماضية، لكن إلى هنا وكفى، فلقد بدأت مصر تدخل عصراً جديداً من الحرية والحراك السياسي، ونحن نريد لهذا الحوار أن ينجح ويتطور، في حين أن تدخل رجال الدين من أي لون في ذلك يجهضه.
مع خالص محبتي وتقديري.
kamghobrial@yahoo.com