كتَّاب إيلاف

أزمة حزب الله من أزمة النظام السوري!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هل العصيان المدني مخرج لـ"حزب الله" الذي أقحم نفسه في زواريب بيروت وأزقّتها بعدما كان يدّعي حتى الأمس القريب أنّه مقاومة وأنّ عدوه الوحيد هو "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر" الأسرائيلي؟ في ظلّ الدعوات ألى العصيان المدني التي يطلقها "حزب الله" عبر نوّابه ومسؤوليه أو أدواته المستأجرة،بات في الأمكان التساؤل: أين صار "حزب الله"؟ هل صار على طريق النظام السوري الذي يعتقد أن الخطأ يمكن تغطيته بخطأ أكبر منه؟ ما يشير ألى أنَ الحزب ينتقل من خطأ ألى آخر كلامه المستمرّ عن "الدولة القوية والعادلة" التي يشترط قيامها من أجل التخلّي عن سلاحه. ما هي تلك "الدولة" التي يعد بها الحزب اللبنانيين؟ هل نموذج الدولة العادلة التي يعدنا بها الحزب هو "بغداد الصغرى" التي شاهدناها على أرض الواقع في الثالث والعشرين والخامس والعشرين من الشهر الماضي تنتقل ألى شوارع بيروت والمناطق المحيطة بها بفضل حاملي العصي وحارقي الدواليب وحاملي الحجارة والأتربة التي تستخدم لسدّ الطرقات في وجه المواطن العادي... أم أنّه نموذج "طهران الكبرى" على غرار ما نشهده في الوسط التجاري حيث أُجبر الناس على الأنتقال من ثقافة الحياة ألى ثقافة الموت بعدما حوّل الحزب سلاحه في أتجاه اللبنانيين وأرزاقهم وكأنّه لا يكفيه ما ألحقه بهم من أضرار في السنوات الماضية؟ في تلك السنوات التي سبقت حرب الصيف المدمّرة، دفع اللبنانيون، خصوصاً أهل الجنوب الصابرين على الظلم ثمناً غالياً بسبب أصرار "حزب الله" على أبقاء أرضهم جبهة مفتوحة أرضاء للنظامين السوري والأيراني.
يسعى"حزب الله" ألى تكرار تجربة "بغداد الصغرى" في بيروت، بغداد الميليشيات المذهبية المتناحرة والتفجيرات التي ينفّذها أرهابيون وذلك في حال فشله في أنقلابه الهادف ألى ألحاق لبنان كلّياً بالمحور الأيراني- السوري. عندئذ، أي في حال نجاح الأنقلاب، ستكون "طهران الكبرى" في متناول اللبنانيين... ليعيشوا في ظلّ "نعمة" يحلم كلّ شاب أيراني، حصل على حد أدنى من الثقافة، بالخروج منها ونسيانها ألى الأبد!
يشكّل ما يحصل حالياً في لبنان أمتداداً للهجمة الشرسة التي يتعرّض لها البلد منذ فترة من الزمن. أنّها في الواقع أزمة النظام السوري غير القادر على الحرب أو السلام، أزمة نظام يرفض العيش في القرن الواحد والعشرين. كم كان رفيق الحريري على حق عندما قال أنهم يكرهون حتى أبتسامة رفيق الحريري، فكيف الحال عندما يكون لبنان يستقبل مئات آلاف السياح وعندما تكون فنادقه مليئة بالأخوة العرب يأتون أليه بدل التوجه ألى البلدان الأوروبية أو ألى بلاد "الشيطان الأكبر" التي يدّعي النظامان السوري والأيراني ومعهما "حزب الله" محاربتها!
ينفّس النظام السوري عقده في لبنان. أنه يسعى بأستمرار ألى الهروب ألى أمام. يعتقد أن لبنان المكان المفضل لممارسة هذه اللعبة التي لن تقوده سوى ألى أرتكاب مزيد من الأخطاء غير مدرك أنّ أفضل ما يمكن أن يفعله، في حل كان يريد بالفعل خدمة سوريا والسوريين، الكف عن الحلم بأمكان العودة ألى لبنان بأي شكل من الأشكال، لا لشيء سوى لأنّ الأنقلاب الذي يمكن أن يعيده ألى لبنان والذي ينفّذه "حزب الله" فشل سلفاً. فشل لسبب في غاية البساطة يتمثّل بأن اللعبة التي يمارسها الحزب باتت مكشوفة لدى اللبنانيين. بات اللبنانيون يعرفون جيّداً أن الأزمة التي غرق فيها "حزب الله" هي نتيجة الأزمة التي فيها النظام السوري قبله. وما قد يكون أهمّ من ذلك أن العصيان المدني الذي ينوي "حزب الله" تنفيذه سيرتدي طابعاً مذهبياً مفروضاً فرضاً على أبناء الطائفة الشيعية الكريمة الذين يدركون قبل غيرهم أنّهم جزء من لبنان وأنّ ألأزدهار اللبناني يصبّ في مصلحتهم مثلما أنّه يصب في مصلحة أي لبناني آخر بغض النظر عن دينه ومذهبه والمنطقة التي ينتمي أليها.
يأتي العصيان المدني الذي تتحدّث عنه أبواق "حزب الله" في وقت تأكّد أنّ لا وجود لما يسمّى معارضة خارج "حزب الله" بعدما نفّس ذلك البالون المنتفخ بشكل مصطنع والذي أسمه النائب ميشال عون. تبيّن أنّ ميشال عون ليس سوى ظاهرة مرضية لا أكثر في بلد لا يتحمّل أهله الكذب اليومي عليهم. اللبناني ليس ساذجاً. اللبناني صار يعرف من هو "الجنرال" ولماذا أستُحضر ألى لبنان في زمن معيّن.
يفترض في "حزب الله"، في حال كان بالفعل حرّاً، أعادة النظر في حساباته. يستطيع التحريض على الحكومة ما يشاء ويستطيع الأستمرار في الأعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وعلى أرزاق الناس في وسط بيروت ما يشاء. ويستطيع أنكار أن لا علاقة لتحرّكه بالنظام السوري أو الأيراني، وأنّ لا علاقة له بالمحكمة ذات الطابع الدولي في قضية أغتيال رفيق الحريري التي ستبصر النور خلال أسابيع أو أشهر وربّما بموجب الفصل السابع. يستطيع كلّ ذلك. لكنّه لا يستطيع أخراج النظام السوري من الأزمة العميقة التي يعيشها والتي دفعت به ألى تمديد ولاية الرئيس أميل لحود على الرغم من المعرفة التامة بأن الأسرة الدولية تقف في وجه هذا التمديد نظراً ألى أنّه فُرض على اللبنانيين عبر التهديدات. وحده النظام السوري يستطيع أن يخرج نفسه من المستنقع الذي أغرق نفسه فيه. حتى الحرب الأهلية في لبنان، التي يسعى ألى أفتعالها، لن تفيده. ولن يفيده تقديم العروض ألى أسرائيل ما دام لا يجيب عن السؤال الحقيقي وهو أيّ سلام يريده معها. ولن يفيده خصوصاً العصيان المدني الذي دعا أليه "حزب الله" في لبنان. مثل هذا العصيان سيكلّف البلد الصغير غالياً من دون شك، لكن خطورته تكمن في أنّه سيكرس مرة أخرى الشرخ الطائفي الذي سيقرّب بيروت من "بغداد الصغرى". هل تعي دمشق ما تأثير ذلك على الفسيفساء السورية مستقبلاً؟ ليس أمام النظام السوري سوى تغيير سلوكه. هذا ما يطلبه منه الأميركيون والأوروبيون وحتى الروس. هل صدفة أن الرئيس بوتين لم يتوقّف في دمشق ولو لساعات خلال جولته الأخيرة في المنطقة وأختار النوم في عمّان؟ التصعيد في لبنان سيلحق أضراراً بسوريا في مرحلة ما... ثمّة من سيرد على هذا الكلام بأن ذلك ربّما كان الهمّ الأخير للنظام! صحيح منذ متى كان المواطن السوري همّاً لدى النظام؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف