كتَّاب إيلاف

المسلمون والكيل بمكيالين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

لن تجد حواراً أو ندوة على الفضائيات العربية دون أن تثار، عاجلاَ أم آجلاَ موضوعة نفاق الغرب مع المسلمين وكيف أن الغرب يدعي إحترام كافة الأديان والقوميات ويبشر بمباديء الديمقراطية وحقوق الإنسان لكن عندما يتعلق الأمر بالمسلمين فإنهم يكيلون بمكيال آخر فيهضمون حقوق المسلمين ويسرقون أموالهم ويحاربون ثقافتهم وحضارتهم. وهذا هو الإنطباع السائد لدى الغالبية العظمى من المسلمين وهو أحد المسببات الرئيسية للمظلومية الإسلامية المزعومة والتي تحدثت عنها في مقال سابق. وسوف أحاول أن أحلل حقيقة ظلم الغرب للمسلمين وكذلك حقيقة النفاق الغربي المزعوم في تعامله مع المسلمين.
وسوف أبين أن المسلمين هم الذين يمارسون الكيل بمكيالين بإبشع أشكاله لكن دون أدنى وعي منهم بذلك. كذلك سوف أقدم الأدلة على أن المسلمين في العالم الحديث يتصرفون وكأن لهم حقوقاَ دون واجبات وكأن الآخرين مجبرين ومبتلين بإعالتهم دون مقابل ودون إلتزامات. وبكلمات أخرى فإن المسلمين يتصرفون بإزدواجية غريبة فهم المستضعفون في الأرض والمظلومون ولكن في ذات الوقت يتصرفون كإنهم أسياد العالم دون منازع.
لقد تكونت في العقود الثلاثة الأخيرة جاليات إسلامية كبيرة في الكثير من البلدان الأوروبية الغربية وبدرجة أقل في أميركا الشمالية وأستراليا. وتتكون هذه الجاليات بالدرجة الأولى من العرب والمسلمين النازحين من بلدانهم اما طلباً للرزق أو هرباً من بطش الحكومات أو الحروب الأهلية. وقد إنتفعت هذه الجاليات من الحريات والإنفتاح الديني والسياسي والثقافي الذي لا وجود له في بلدانهم الأصلية فأسسوا الجوامع والمدارس والمعاهد الإسلامية والتي مولتها البلدان المضيفة في الكثير من الأحيان عملاً بمباديء حقوق الإنسان وبالخصوص بحق المواطن (بما فيه اللاجيء والوافد الأجنبي) في ممارسة شعائره الدينية وحقه في الإحتفاظ بهويته الحضارية.
والملاحظ أن نسبة عالية من المسلمين في البلدان الغربية هم من الذين يعتاشون على المعونات الحكومية للبلدان المضيفة حتى أضحت الكثير من هذه الجاليات عبئاَ ثقيلاً على دافع الضرائب الغربي. فعلى سبيل المثال فإن المسلمين في الدانمارك يمثلون %5 من السكان ولكنهم يتسلمون %40 من خزينة الضمان الإجتماعي للبلاد. كذلك فإن نسبة عالية من اللاجئين والوافدين المسلمين يعملون على الإستفادة من نظام إعانة المرضى والمعوقين في أوروبا (بحق أو بدون حق) لذا فإن الكثيرين منهم يتسلمون الإعانات الخاصة بهؤلاء. ففي النرويج فإن %15 من المهاجرين المغاربة مسجلين كمرضى ومعوقين و%25 من هؤلاء يعيشون في المغرب وليس في النرويج.
هناك أرقام وإحصائيات متفاوتة عن أعداد المسلمين في أوروبا الغربية ولكن دون أدنى شك فإن العدد الإجمالي هو بالملايين. ففي فرنسا يقدر عدد المسلمين بنحو6 ملايين (%10 من السكان) وفي ألمانيا 4 ملايين (%5) وفي الدانمارك (%5) وفي هولاندا (%6) وفي بريطانيا (%1,6) وفي إيطاليا (%1,4) والأغلبية الساحقة من هؤلاء هم من الوافدين الجدد وأبناءهم الخ . ويتمتع الغالبية العظمى من أبناء هذه الجاليات بالمواطنة في البلدان الأوروبية مما منح أبناءهم وبناتهم فرص الدراسة المجانية في مدارس و جامعات هذه البلدان والحصول على وظائف لم يحلموا بها في أوطانهم. ومن المعروف أن العوائل المسلمة عالية الإنجاب على عكس العوائل الأوروبية لذا نجد أن نسبة الأطفال المسلمين في المدارس الإبتدائية في العديد من المدن الأوروبية تفوق ال%40 . لذا فقد أخذت الكثير من المدارس في هذه المدن على عاتقها توفير اللحم المذبوح على الطريقة الإسلامية لوجبات الغداء وكذلك السماح بتعطيل الدروس في أوقات الصلاة حتى يتسنى للطلاب والطالبات المسلمين أن يمارسوا طقوس دينهم.
إضافة الى ذلك فإن في معظم العواصم الأوروبية الكبرى اليوم جامع مركزي أصبح معلم من معالم هذه المدن العريقة وفي الكثير من الأحيان فإن بناء هذه الجوامع قد تم بمنح متفاوتة من البلد المضيف.
أن هنالك مايربو على 20 مليون شخص في أوروبا الغربية اليوم يتحدر من خلفية إسلامية مما يشكل حوالي %5 من مجموع سكان الإتحاد الأوروبي (بالإضافة الى سويسرا والنرويج). أي أن أوروبا في خلال ثلاثة عقود من الزمان قد تعرضت الى تسونامي بشري إسلامي يهدد اليوم بقلب الطبيعة الحضارية المتميزة لهذه البلدان. ولم يكتف المسلمون في أن يتمتعوا بحريات لم يكونوا يحلمون بها بما فيها الحريات الدينية والسياسية أو التمتع بمستوى من المعيشة لا يحصل عليه الا النخبة في بلدانهم الأصلية بل بدأوا في محاربة القيم الأوروبية العريقة كحرية التفكير والتعبير والنشر بحجة الدفاع عن الإسلام وعن كرامة المسلمين. فلم يكفيهم أنهم أقاموا الآلاف من الجوامع في طول وعرض أوروبا حتى لم تخلو أصغر مقاطعة أوروبية مهما كانت نائية من جامع أو إثنين. ولم يكفيهم أنهم أسسوا الجمعيات الإسلامية ودور النشر والمكتبات والرابطات الإسلامية بل وحتى الجامعات الإسلامية ناهيك عن الإذاعات والفضائيات. لم يكفيهم أنهم حصلوا لأول مرة في تأريخهم على حرية دينية غير مقيدة من قبل حاكم أو مرجعية أو سلطان. لم يكفهم كل هذا فبدأوا في حملات شعواء لتكميم أفواه الأوروبيين ومحاربة حضارة الإنفتاح وحرية التفكير والتعبير والنشر أي بكلمات أخرى محاربة أسس الحضارة التنويرية الأوروبية والتي هي ذاتها التي وفرت لهم حرية التعبير وممارسة طقوسهم وشعائرهم . أي أن المسلمين الذين جاؤوا الى هذه البلدان دون دعوة أو إستئذان وتوسلوا بقوانين حقوق الإنسان وتضرعوا الى السلطات الأوروبية أن يشملوا بحق اللجوء السياسي أو الإنساني وأن يسمح لهم بالمعيشة في أوروبا لم يطول بهم الزمان حتى تخيلوا أنهم هم أهل الدار والأوروبيون ،سكان البلاد الأصليين، هم الزوار.
وخلال العقدين الماضيين قام المسلمون بإستخدام أساليب الوعيد والتهديد بالقتل لمن يجاهر برأي عن الإسلام يناقض ما يعتقد به المسلمون. وقد قاموا بعمليات حرق الكتب والتهديد بالقتل ضد الكاتب سلمان رشدي مما أدى به أن يتوارى عن الأنظار ويلبث تحت الحراسة المشددة لعدة سنين وهو ما لم يحدث في أوروبا منذ محاكم التفتيش في القرن الثامن عشر. والمثال الصارخ الآخر للممارسات الفاشستية للمسلمين هي في الإحتجاجات العنيفة والتهديد بالقتل ضد من قاموا بنشر رسوم الكاريكاتير الدانماركية وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى. وهذا دون أن يعي المسلمون في أوروبا بإن الديانة المسيحية (واليهودية) يتم نقدها وتفنيدها والتشكيك بها وبكافة مقدساتها بشكل مستمر ويتم نشر مئات الكتب النقدية لكافة الأديان كل عام دون أن يرف جفن لأي مسيحي أو يهودي. بل توجد المئات من المجلات العلمية والثقافية التي تهدف بشكل معلن الى نشر الإلحاد و الفكر المادي ونبذ الغيبيات دون أن يعترض أي من المؤمنين الأوروبيين (المسيحيين واليهود) على ما يفعلون. ولكن منذ تسعينات القرن الماضي أدخل مسلمو أوروبا الجدد عنوة عاملاً جديداً الى المعادلة الحضارية الأوروبية التنويرية وهوضيق الأفق والتزمت وعدم القبول بحق الآخرين في التعبيرعن آرائهم إذا كان فيها مايمس معتقداتهم وهذا مما يهدد التقاليد العريقة للإنفتاح الفكري والحضاري التنويري الغربي. فهل يحق للمسلمين أن يتصرفوا بهذا الشكل في بلاد غيرهم ؟ أي لو إنقلبت الآية وكان المسلمون هم أهل البلد والأوروبيون هم الوافدين فهل سيسمح المسلمون للوافدين أن يتصرفوا بهذه الصفاقة ونكران الجميل؟ لكن قبل ذلك دعنا نفحص قليلاً هذه الظاهرة الفريدة من نوعها والعصية على الفهم الا وهي ظاهرة اللاجيء الذي يدعو الى الإرهاب ضد أبناء البلد المضيف. يبدو لي أن هذه ظاهرة إسلامية حديثة لم تكن معروفة في السابق ولا وجود لها عند أي من الشعوب أو الأقوام الأخرى. وسوف أورد هنا بعض الأمثلة من أولئك الذين ظهرت أسماءهم وقصصهم في وسائل الإعلام.
إن ظاهرة الشخصيات الإسلامية الذين يلجأون الى الغرب و يعتاشون هم وعوائلهم على المعونات الإجتماعية للبلدان الأوروبية ويستخدمون وجودهم في الغرب لأغراض التحريض على العنف والكراهية ضد غير المسلمين وبالأخص ضد سكان البلد المضيف نفسه هي ظاهرة تدعو الى التأمل وتستحق الدراسة المتعمقة. فهي مثال صارخ ومقزز على نكران الجميل في أقبح أشكاله. فهو بالضبط كحال من يعطف على شخص محتاج أو مظلوم فيدخله الى بيته ويشاركه في قوت يومه ويؤمن له الحماية من أعدائه لكن بدلاً من أن يتلقى الشكر والإمتنان على عمل الخير هذا يكتشف أن الشخص الذي قدم له المساعدة لا يضمر له الا الإزدراء والإحتقار وإنه يشتمه ليل نهار ويدعو الآخرين الى قتله. فما هي ساكولوجية أشخاص كهؤلاء وما هي طبيعة الأيديولوجية التي تشجع وتنمي بل و تمجد تصرف خسيس كهذا؟
(الإسم الحقيقي: نجم الدين فرج أحمد). الملا كريكارإن المثال الأول هو المدعو
الملا كريكارإسلامي متطرف من كردستان العراق وهو مؤسس حركة أنصار الإسلام القريبة الصلة بالقاعدة. لجأ كريكار الى النرويج سنة 1991 ثم إلتحقت عائلته المكونة من زوجة ووالدته وأطفاله. وهذا الرجل مطلوب بتهم أمنية مختلفة في عدة بلدان منها العراق والأردن والولايات المتحدة. وقد إستمر كريكار في نشاطاته الجهادية بعد لجوئه الى النرويج حيث زار كردستان العراق عدد من المرات وإشترك في قيادة الإمارة الطالبانية التي سيطرت لفترة وجيزة على مناطق في ريف كردستان العراق طبقت فيها الشرائع الطالبانية المتزمتة وأرتكبت فيها جرائم ضد المدنيين المناوئين لمنهجه. والمعروف عن كريكار أنه من أشد المناصرين للعمليات الإنتحارية وقد أصدر نعياَ للمقبور الزرقاوي معتبراً إياه مجاهداَ فذاَ. وقد حاولت الحكومة النرويجية إبعاده عن البلاد دون جدوى حيث أن المحاكم النرويجية ترفض إبعاده دون ضمانات مقبولة من البلد الذي سيستقبله بإن الملا سوف لن يتعرض الى التعذيب أو الإعدام. ولا يزال كريكار يتمتع بالعيش في هذا البلد الإسكندنافي الوديع مع عائلته على نفقة الدولة النرويجية ويمارس نفث سمومه المتطرفة دون حسيب أو رقيب.
المثال الثاني الذي أود أن أورده هنا هو الشيخ عمر بكري محمد وهو سوري المولد وقد هرب من سوريا في أعقاب ملاحقة النظام السوري للإخوان المسلمين ويعتقد بإنه أحد مؤسسي حزب التحريرالمحظور في كافة البلدان العربية. لجأ هذا الشيخ الى بريطانيا مع عائلته المكونة من زوجة وسبعة أطفال وعاشوا جميعاً على نفقة الضمان الإجتماعي البريطاني الى حين طرد الشيخ من بريطانيا سنة 2006 (لكن عائلته ما زالت تسكن في لندن على نفقة دافع الضرائب البريطاني). خلال وجود الشيخ في بريطانيا قام بالتعاون مع عدد من المتطرفين الإسلاميين كأبو حمزة المصري الذي حكم لاحقاً بتهم تتعلق بالإرهاب، بتشكيل منظمة المهاجرون الإسلامية المتطرفة والتي بشرت بضرورة الجهاد المسلح بما فيه التفجيرات الإنتحارية. وقد رثى الشيخ الإرهابيين التسعة عشر الذين فجروا البرجين في مانهاتن ناعتاً إياهم بالشهداء الأبرار. وقد قام العديد من أتباع الشيخ بعمليات إنتحارية خارج بريطانيا وبعض التقارير تشير الى أن الإنتحاريين الذين فجروا قطارات الأنفاق في لندن كانوا على إرتباط بأعضاء من منظمة المهاجرون. والطريف، حسب تقارير الصحف البريطانية، أن هذا الشيخ الذي يدفع الشباب المضلل الى الإنتحار الجهادي (ولكنه لم يرسل أي من أولاده السبعة لإرتكاب هكذا أعمال) عندما طرد من بريطانيا وإستقر في بيروت حاول الركوب في باخرة إنقاذ بريطانية هرباً من القصف الإسرائيلي على لبنان لكن دون أن يسمحوا له بذلك.
والحالة الثالثة التي أود أن أذكرها هي لمسلم بريطاني من أصل باكستاني هو محمد صديق خان. ولد و ترعرع خان في ديوسبري شمال إنكلترا ودرس في مدارسها ثم درس في جامعة ليدز. لقد وفرت بريطانيا لهذا الشاب كل ما يمكن توفيره لأي شاب من فرص دراسية الى فرص للعمل وكان جزاء بريطانيا على كل هذا هو أن إنتمى خان الى جماعة إرهابية عن طريق الجامع الذي كان يرتاده ومن ثم أقام إتصالات مع جماعات مماثلة في باكستان. ثم قام هذا الشاب الذي كان لديه من الفرص في الحياة وفي عمل الخير (إن كان ذلك ما يريده) ما لم يتوفر للكثيرين من أبناء جلدته في الباكستان بقيادة شلة من الشباب المضلل المليء حقداً أسوداً على البلد الذي وفر لهم ولعوائلهم سبل الحياة الكريمة للقيام بتفجير قطارات الأنفاق في لندن يوم 7 تموز 2005. لكن قبل أن يقوم بهذا العمل الإرهابي ترك فيديو يشرح فيه أسباب قيامه بهذه الجريمة الشنعاء وهو فيديو يقطر سماَ وفيه ردد ما تعلمه من الأئمة والمشايخ، دعاة الإرهاب في جوامع بريطانيا والباكستان (شريط الفيديو موجود على الإنترنت ومن الممكن إيجاده بسهولة عن طريق البحث بإستخدام غوغل).
من الواضح من الأمثلة التي أوردتها وهي غيض من فيض وهناك الآلاف من الحالات الأخرى في مختلف البلدان الأوروبية هو أن المسلمين في البلدان الأوروبية يستخدمون الحريات المتاحة لهم في ظل النظام الأوروبي المتسامح والديمقراطي العلماني إستخداماً كاملاً في ممارسة دينهم وطقوسهم وشعائرهم والتبشير بها لمن يريدون بما في ذلك الشتم و التهجم وإشهار إحتقارهم للأديان الأخرى دون حساب أو عقاب. وهم في نفس الوقت ينكرون على الأوروبيون التعبير عن رأيهم إذا ما تعرضوا بالنقد للدين الإسلامي. أليس هذا كيل بمكيالين؟ وعلى أية حال لو أردنا أن نقارن معاملة غير المسلمين في البلدان الإسلامية مع معاملة المسلمين في الغرب فماذا سنجد؟ ولنطرح بعض الأسئلة لكي تتوضح الفكرة:

أولاً : هل يتمتع غير المسلم (المواطن بالولادة) بالمساواة في الحقوق مع المسلم في أي بلد إسلامي؟

ثانياً : هل بإمكان الوافد غير المسلم (اللاجيء أو الوافد...الخ) أن يحصل على الجنسية في أي بلد إسلامي مهما طالت مدة إقامته؟

ثالثاً: هل يتمتع غير المسلمين من المهاجرين (الوافدين أو اللاجئين...الخ) بحقوق ممارسة شعائرهم الدينية والتبشير بها علناً لمن يريدون في أي بلدٍ إسلامي؟

أعتقد أن الإجابة على كل هذه الأسئلة هي "لا" دون أدنى شك. فتخيل للحظة أن مجموعة من السيخ أو البوذيين تدفقوا على بلاد الإسلام بحجة الإضطهاد في بلادهم الأصلية ثم ما أن إستقروا في بلاد الإسلام حتى بدأوا يطالبون بإن تصرف الحكومة إعانات لهم ولإطفالهم وأن يسمحوا لشبابهم دخول المدارس والجامعات مجاناً وكذلك يطالبون الدولة الإسلامية أن تسمح لهم أن يبنوا معابدهم في مراكز المدن وبمعونات حكومية وأن تقدم لإطفالهم وجبات غذائية على الطريقة السيخية (أو البوذية) وعندما لا تعجبهم السياسة الخارجية للبلد الإسلامي الذي إستقروا به ولجأوا اليه يخرجون في مظاهرات عارمة في عاصمة ذلك البلد ويشتمون رئيس الحكومة علناً وعلى رؤوس الأشهاد. ثم لنتخيل أن في معابد هؤلاء السيخ أو البوذيين رجال دين يشتمون الإسلام ليل نهار وينعتون المسلمين بأقبح النعوت و يحثون شباب طائفتهم على تفجير أنفسهم بواسطة أحزمة ناسفة في وسائط النقل في عاصمة البلد المسلم الذي لجأوا إليه لأنهم غير راضين عن السياسة الخارجية لذلك البلد.
فهل من الممكن أن يحصل أي من هذا؟؟؟ هل سيتسامح المسلمون مع جالية كهذه؟ أم إنهم سوف يطردون من البلاد شر طردة إن لم يبادوا عن بكرة أبيهم من قبل قوات الجيش والشرطة أو حتى من قبل الغيورين من عوام المسلمين؟
أليس هذا إذن كيل بمكيالين؟ لماذا يتوقع المسلم أن يعامل في البلد الغربي بغير ما يعامل هو غير المسلم (العربي أو الأجنبي) في بلاده؟ أليس هذا هو قمة إزدواجية المعايير؟
لذا أليس من المنطقي أن نسأل كل مسلم يطالب بحقوقه "المشروعة" في بلاد الغرب سؤالين هما: هل تتوفر هذه الحقوق التي تطالب بها في أي بلد إسلامي لغير المسلم؟ والسؤال الثاني هو: هل يستطيع المسلم أن يفهم أن حريته في التعبيرفي بلاد الغرب هي جزء لا يتجزأ من حرية غير المسلم في نقد الإسلام وإن هذا هو ثمن التمتع بهذه الحرية والديمقراطية؟
إن التقاليد الديمقراطية الغربية التي هي حصيلة نمو وتراكم حضاري مضني تكون عبر عدة أجيال جعل المواطن الغربي يعي غريزياً بإن الحرية التي يتمتع بها لا تأتي دون ثمن. وإن ثمن هذه الحرية هو القبول بحق الآخرين في نقد معتقداته دون أن يؤدي ذلك الى التهديد بالقتل أو الى ممارسة العنف. إن هذه المعادلة البسيطة يجدها المسلمون عصية على الفهم وذلك لغياب الديمقراطية تماماً من موروثهم الحضاري. وهذا هو السبب في فشل البلدان الإسلامية جميعها في بناء نظام ديمقراطي في أي بلد من بلاد المسلمين.
إن المسلم يستطيع بسهولة أن يفهم و أن يمارس حقوقه وحرياته وهو يفعل ذلك بنشاط وهمة ولكن يجد صعوبة بالغة بإن يقبل بحرية الآخر.
أي أن المسلم يريد أن يعيش في عالم له فيه حقوقاً دون واجبات وهو يرحب بالفرصة لنقد الآخرين لكن دون أدنى وعي بحاجته لنقد الذات. وهنا يكمن لب الإشكال الحضاري للمسلم في العالم الحديث.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف