هل يُصلح المليار ما أفسده العطّار؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عجيب أمر حماس، وأمر السياسيين الفلسطينيين عموماً هذه الأيام.
حماس وفتح ما زالتا مختلفتين على تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية. وكل همِّ الفلسطينيين هذه الأيام هو تشكيل حكومة وحدة وطنية.
مولود حكومة الوحدة الوطنية التي (يطلق) به الساسة الفلسطينيون منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لم يولد بعد، بل تبدو ولادته عسيرة، وهو إن وُلد من رحم التآلف والتفاهم السياسي الفلسطيني المستبعد، فهل سيوفر حلّ ما انعقد، والاتيان بما لم يُؤتَ، واطعام من جاع، وايواء من كان في العراء، وتوفير الأمن للخائفين، وهداية التائهين، ونشر السلام والرخاء في ربوع فلسطين؟
نرجو أن لا يكون نتيجة هذا المخاض العسير مولود مشوه، وأن لا يكون الفلسطينيون كالجبل الذي تمخّض فولد فأراً.
فالخلاف بين الفصائل الفلسطينية أعمق كثيراً من مجرد (بوس اللحى) والضرب على الصدر بالوفاق، ومسك الشوارب والقسم بالتآلف، وشرب القهوة المرة علامة المصالحة. فهذه عشائرية سياسية في مضارب البادية السياسية، ولا تصلح لمواجهة مؤسسات العالم السياسية بها.
حكومة مجهولة الخطاب!
لا أحد يدري حتى الآن شكل حكومة الوحدة الفلسطينية، ولا أحد يدري ما هو خطابها السياسي، وما هو برنامجها، ورغم هذا، فالسياسيون الفلسطينيون سواء من فتح أم من حماس، يهددون ويتوعدون أوروبا وأمريكا بعدم الوقوف في وجه هذه الحكومة، ويطالبون العالم الاعتراف بها، وهي لم تولد بعد! وكأنهم يتوجسون بأن خطاب هذه الحكومة سيكون ضد الشرعية الدولية، وضد القرارات الدولية، وضد التسوية الفلسطينية، والاعتراف باسرائيل.
فلأول مرة نسمع ونشهد جهة سياسية، تطالب العالم بالاعتراف وبمساعدة حكومة، ما زالت مجهولة الهوية والخطاب والبرنامج، وما زالت في عالم الغيب.
بوزات خالد مشعل
ما الذي يعيق تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية حتى الآن، تقوم بالاعتراف باسرائيل، وبمبادرة القمة العربية لعام 2002، وبكافة الاتفاقيات التي وقعتها السلطة الفلسطينية منذ 1994 حتى اليوم؟
هل ننتظر اكمال زيارة خالد مشعل لدول مختلفة ووقوفه أمام مايكرفونات الاعلام وكاميراته ببوزات مختلفة، وحوله حراسه، يتلفت على جانبيه، وكأنه يقول لنا (شوفوني) أنا الزعيم لا كذب، والبليغ في الخُطب؟
هل ننتظر أن تعطي إيران وسوريا الضوء الأخضر لحماس وبقية الفصائل الإسلاموية المسلحة، فيما تبقى من أشلاء فلسطين، وهاتان الدولتان تنتظران أجوبة من أوروبا ومن أمريكا على طلبات وأثمان وأتعاب مادية وسياسية؟
هل يكفي تأكيد خالد مشعل وغيره من صقور حماس وحمائمهم من أنهم ملتزمون بقرارات مؤتمر مكة المكرمة، لكي نضع أيدينا في الماء البارد، ونضع (بطيخة صيفي) في بطوننا؟
"تمثيلية حماس" من تأليف إيران واخراج سوريا
زعماء حماس ما زالوا أطفالاً في السياسة. فلا تغرنّك هذه الذقون وهذا المشيب. فكلهم تخرجوا من مدرسة الإخوان المسلمين السياسية السيئة الصيت والمتدنية المستوى، التي تميزت بالتقيّة، والمداورة، والمحاورة، والاخفاء، والإظهار، والتحوصل، والتلون، والمماطلة، والتسويف، وكسب الوقت، والتحايل، والتخلّي، والممانعة، والرضا، والنزول تحت الأرض، والظهور فوق الأرض، وغيرها من ألاعيب السياسة فيما قضى وانقضى.
فهل تلعب حماس الآن على المسرح السياسي الفلسطيني تمثيلية المراوغة والمماطلة، كما فعلت طيلة الشهور الماضية، وهي تمثيلية من تأليف إيران واخراج سوريا، لتضييع الوقت، بانتظار مفاجئة سياسية جديدة لصالح هاتين الدولتين.
حماس تعيش فلسطين 1948 فقط
زعماء حماس جاءوا من المخيال الديني إلى السياسة، ولم يأتوا من الواقعية العقلانية إلى السياسة.
وجاءوا من تفسيرات دينية سياسية خاصة بهم وبالإخوان المسلمين، الذين خرجوا من عباءتهم. لذا فهم يعالجون القضية الفلسطينية كما يفهمونها في عام 1948، وليس كما يفهمها العالم اليوم. ويريدون حقهم في أرضهم، كما يوسْوَسُ لهم من قبل جهات اقليمية، وليس كما تفرض اليوم المعادلات السياسية القائمة، التي اختلفت تماماً عما كان قائماً في 1948، وما بعد ذلك.
اليوم، هذه السياسة الحربائية لا تفيد.
فلسطين اليوم، لم تعد قضية عربية أو إسلامية خاصة، يتصرف بها أهلها كما يشاءون.
فلسطين اليوم، أصبحت تحت الفك الدولي، لعلاقتها المباشرة والعضوية بوجود دولة علمانية شبة أوروبية، ذات قيم ديمقراطية خاصة، وانتاج علمي وصناعي وثقافي، هو جزء من الانتاج الغربي، ومن الحضارة الغربية، ومعترف بها شرعاً من قبل معظم دول العالم، وهي اسرائيل.
ترديد ترهات وحماقات أحمدي نجاد السياسية، من قبل بعض زعماء حماس سراً وجهراً ، لن يفيد فلسطين بقدر ما يفيد ايران أحمدي نجاد وخامنئي.
لم يتعلم الفلسطينيون الدروس المفيدة طيلة أكثر من نصف قرن مضى. ولم يدركوا إلى أي مدى استعملت الأنظمة العربية والإسلامية فلسطين كمطيّة للوصول إلى غاياتهم ومصالحهم.
لم يقرأ الفلسطينيون تاريخ كيفية اقامة الدول في العصر الحديث وأقربها جيرانهم من اليهود، وكيف اقاموا دولتهم دون أن يسمحوا لأحد باستعمالهم مطايا لتحقيق اغراضهم من الشرق أو من الغرب، إلا بما يخدم مصلحتهم في اقامة دولتهم.
متى يأكل الفلسطينيون أصابعهم؟
بأي حق ترهن حماس كل القضية الفلسطينية، وتبهدل الفلسطينيين على هذا النحو، وتجوعهم وتزيد من تشريدهم وعذاباتهم من أجل الاحتفاظ بميثاقها السياسي/الديني الأسطوري، الذي لا يُمسًّ ولا يُجسّ، وكأنه الكتاب المقدس؟
ومتى يأكل الفلسطينيون أصابعهم ندماً على كلمة "نعم" في الانتخابات التشريعية، التي جاءت بحماس إلى الحكم، ليصبح حال الفلسطينيين على هذا النحو الذي هم فيه الآن؟
وماذا عن الكلام الناعم الذي سمعناه من الفلسطينيين في مكة و (بوس اللحى) المخضبة بالبخور، ودهن العود؟
وهل يمكن للمليار التي وعدت به السعودية للفلسطينيين - شرط أن يتفقوا - أن يُصلح ما أفسده العطار السوري والإيراني ومن ورائهما الأخوان المسلمون؟
السلام عليكم.