كتَّاب إيلاف

المعتقلون الأردنيون في السجون السورية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تجرأت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الأردن أخيرا بفتح ملف المعتقلين الأردنيين في السجون والزنازين السورية، فقد أعلن المحامي هاني الدحلة رئيس المنظمة في مؤتمر صحفي يوم الثاني والعشرين من فبراير 2007 أسماء (52) معتقلا، من بينهم من مضى على اعتقاله أكثر من ثمانية وعشرين عاما مثل (عبد الواحد محمود اسعيد - أبو علاء)، ومنهم من مضى على اعتقاله واحد وعشرون عاما مثل الأخوين (وفاء وماهر عبيدات). وكان ينبغي على المنظمة الأردنية فتح هذا الملف منذ سنوات طويلة فهي تعلم علم اليقين بهؤلاء المعتقلين منذ زمن اعتقال أغلبهم، خاصة أن هناك حالات صارخة كحالة الأخوين (وفاء وماهر عبيدات) اللذين اعتقلا في أكتوبر من عام 1986 وكانت (وفاء) آنذاك طالبة في كلية طب الأسنان وعمرها لا يتجاوز العشرين عاما، أي أنها اليوم وأخيها (ماهر) في نهاية الأربعينات، إن كانوا مازالوا أحياء، وأركز على هذه الحالة لأنني كنت في دمشق أيام اعتقالهم، وعرفت من بعض أصدقائهم الأردنيين بذلك، وحاولت مع عدد من الأصدقاء البحث عنهم، وكان ممن راجعتهم المقدم مروان بنورة في فرع فلسطين، وكان جوابه بالحرف الواحد (....نصيحتي إنسى هالموضوع وما تسأل مرة ثانية..سيبك من وجع الراس). من بين هذه الأسماء التي تم إعلانها من الفتيات بالإضافة ل (وفاء عبيدات): (سمر الخطيب و نسرين صمادي و ميسر جميل العيساوي). ومن المهم في هذا السياق أن نتذكر أن القيادي البعثي الأردني (حكم الفايز) أمضى في سجون البعث السوري بالتمام والكمال ثلاثة وعشرين عاما قبل أن يفرج عنه في يناير من عام 1993، بعد وساطات مضنية من شقيقه المرحوم عاكف الفايز رئيس مجلس النواب الأردني الأسبق لعدة دورات، والمعيب في هذا الملف المبكي عدة أمور:

أولا: عدم تجاوب النظام البعثي السوري مع كافة المناشدات لذوي السجناء ومنظمات حقوق الإنسان العربية والدولية للكشف عن مصير هؤلاء السجناء الذين أؤكد أنهم أكثر من هذا العدد المعلن، وبالتالي يبرهن هذا النظام أنه (نظام مارق) على كل القوانين والأعراف الإنسانية، ولا أدري كيف يخلد رموز هذا النظام للنوم والراحة دون أن يقضّ مضاجعهم بكاء ودموع وأحزان أمهات وآباء وأطفال هؤلاء السجناء المغيبين منذ عشرات السنوات دون معرفة إن كانوا أحياء أم أمواتا؟؟. ليت هؤلاء المسؤولين إن توفرت عندهم ذرة من إنسانية أن يخبروننا ما هو ذنب الطالبة (وفاء عبيدات) التي تم خطفها للسجن وهي تدرس طب الأسنان بجامعة دمشق؟ هل هددت الأمن القومي وهي التي كانت لا تعرف في دمشق سوى الطريق من شقتها إلى الكلية ؟ وما هو ذنب شقيقها (ماهر) وغيره أمثال الفتيات المذكورات في القائمة المعلنة؟. هل يقرأ هؤلاء فقرات من حديث والدتهما (أم هاني) ل (عمان نت) في الحادي عشر من كانون أول 2006، علّ خلية واحدة في ضمير واحد منهم تتحرك: (جننت وأصبحت أعيش على المهدئات وأهذي باستمرار منادية بإسمهما على المارة في الطريق. أصبت بهشاشة العظام، أصبحت ضعيفة القوى، عيوني لا تعرف النوم، أما زوجي فقد أصيب بنزيف في دماغه انتهى به إلى الشلل النصفي ثم فارق الحياة بعد رحلة طويلة من الألم والمرض.....لا تصلنا رسائل منهما إلا بعض الاتصالات من أشخاص سوريين أجهل هويتهم ويطلبون مبالغ طائلة كنا غير قادرين على تحملها تصل إلى 50 ألف دينار أردنيا من أجل أن يفرج عنهم).

أتمنى أن يقرأ الرئيس الشاب بشار الأسد هذه الكلمات!. أتمنى أن يشعر الرئيس الشاب لحظة واحدة بمعاناة الأمهات والآباء والأطفال وهو الطبيب أساسا ليسأل مسؤولي السجون عنده: بأي ذنب يستمر هؤلاء الشباب والفتيات والرجال في السجون هذه السنين الطويلة؟ وإن كانوا مذنبين فكيف يطلب من ذويهم هذه الرشاوي الباهظة؟. وحكاية الرشاوي والابتزاز الذي يتعرض له ذوي السجناء والمخطوفين الأردنيين ومن جنسيات عربية أخرى التي أشارت لها (أم هاني) حقيقة معروفة في سورية، وقد عايشت في عام 1987 قصة مماثلة، فقد تمّ اعتقال واحدا من معارف عائلتي القريبين (.....الحمايدة)، وقد كان اعتقاله أثناء دخوله للحدود السورية في (درعا) للمرة الأولى في حياته لحضور عرس أحد أقاربه، وفور الاعتقال طلب منهم موظف برتبة (ملازم) مبلغ مائتي ألف ليرة سورية للإفراج عنه، و إلا سيلفق له تهمة العمل مع المخابرات الأردنية. اتصل بي أهله وذهبت للمقدم (مروان بنورة) نفسه وكان جوابه : (ما دام تدخل في الموضوع ضابط آخر وطلب هكذا مبلغ فلا أستطيع مجرد السؤال عنه). وحتى عام 1996 ظلّ ذلك الشخص غائبا في السجون السورية ولم أسمع عن حالته شيئا بعد تلك السنة.

ثانيا: إن السجون السورية تعج أيضا بالسجناء الفلسطينيين واللبنانيين تحديدا، ومنهم من مات في السجن مثل المناضل الفلسطيني المعروف (عبد المجيد الزغموت)الذي اعتقل عام 1966 وظلّ في السجن 34 عاما حتى وفاته في فبراير من عام2000، وقد أرسل آنذاك فاروق القدومي (الحليف الاستراتيجي للنظام السوري حاليا) برقية للرئيس عرفات قال فيها: (أنعي لكم بمزيد من الأسى وفاة المناضل الشهيد عبد المجيد الزغموت بعد أن أمضى 34 عاما في غياهب السجن وجدرانه المغلقة. مضى عبد المجيد رحمه الله يحمل شهادة البراءة بعد أن حرره الموت من ظلم الإنسان وقسوته، بعد أن حرره الموت وأنقذه من حياة السجون). وقد رصدت الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان حتى يونيو عام 2000 أسماء 28 فلسطينيا ماتوا في السجون السورية منهم : (النقيب أبو الفخر، أبو رمزي قدورة، المقدم أحمد أبو عيشة، الرائد حسام االبعلبكي، الرائد علي فتحي كريمة، الدكتور محي الدين الأسطل، الرائد نبهان الشيخ، و علي يوسف زعيتر). وقائمة ألأسماء وبرقية فاروق القدومي منشورتان في العددين الخامس والسادس (يونيو 2002) من مجلة (النشرة) التي كانت تصدرها (الجمعية الفلسطينية لحقوق الإنسان)، وقد رصدت الجمعية حتى ذلك التاريخ عدد 494 سجينا فلسطينيا في السجون السورية، ونشرت أمام كل اسم تاريخ سجنه وعمره ومسقط رأسه وعنوان وهاتف أسرته للاتصال بها إن توفرت معلومات لدى أي شخص أو مصدر. ومن الحالات المعروفة العقيد توفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطينية في الضفة الغربية الآن، الذي اختطفته المخابرات السورية من بيروت في 23 يوليو 1986 وبقي في سجن المزة حتى 2 نوفمبر 1989، وقد خرج من السجن مصابا بكسور في العمود الفقري وضعف في البصر من جراء التعذيب، وحالة المناضل الفلسطيني المعروف اللواء أبو طعان (مصطفي ذيب خليل) قائد الكفاح الفلسطيني المسلح في بيروت الذي سلمّه أحمد جبريل و أبو خالد العملة للمخابرات السورية عقب انشقاق العملة وأبو موسى عن حركة فتح عام 1983 وبقي في السجن السوري 21 عاما حتى فبراير من عام 2004 حيث أفرج عنه بسبب تردي حالته الصحية ومخافة أن يموت في السجن، وهو يعيش اليوم في مخيم عين الحلوة بالجنوب اللبناني، ولا بد من توثيق تجربته المريرة لتبقى شاهدا على جرائم وطغيان هذا النظام.

ثالثا: أعجب من الكتاب والصحفيين والسياسيين الأردنيين تحديدا الذين يطبلون ويرقصون على أنغام الصمود الاستراتيجي للنظام السوري، ويجرؤون على نقد ما يرونه يستحق النقد في الحكومات الأردنية، ولا يكتبون كلمة واحدة عن أبناء شعبهم المغيبين في السجون السورية، وأخص بالذكر السياسيين من جبهة العمل الاسلامي والإخوان المسلمين الذين صفقوا في دمشق قبل شهور لمعزوفة (أشباه الرجال)، لماذا لا يتجرأوا بالمطالبة ببني أردنهم في سجون الرجال في دمشق، وهل من شيم الرجال هذا الظلم لفتيات وشباب مغيبين في سجون الرجال منذ عشرات السنين؟؟. ونفس الملاحظة للإخوان في قيادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفاروق القدومي، لماذا لا تطلبون من حليفكم الاستراتيجي أن يفرج عن السجناء الفلسطينيين أم أن بقاءهم في السجون من أسباب دعم صموده وتحديه لقوى الشر والطغيان.
إلى المدافعين عن النظام السوري

أيها الرفاق...أيها الإخوان...دافعوا كما تريدون في كتاباتكم وتعليقاتكم..فقط قولوا واكتبوا: هل يرضيكم ويريح ضمائركم هذا السجن والتغييب لهؤلاء الشباب والفتيات بالآلآف؟؟ما هو موقفكم بالله عليكم لو كانت (وفاء) أختا أو ابنة لواحد منكم؟. لا أتجنى على النظام فهذه حقائق بالأسماء والتواريخ، وأقسم لكم لو يبادر الرئيس الشاب بشار الأسد بتبييض السجون والإفراج عن هؤلاء المظلومين والمغيبين، سأكون أول من يشكره ويكتب دفاعا وتأييدا له...وليتكم جميعا تقرءون بضمير مستيقظ ما قالته (أم هاني) عن ولديها - وفاء و ماهر - : (أتمنى أن أراهم أحياء حتى لو ساعة قبل أن أفارق الحياة، هذا كل ما أريده...يكفينا عذاب وحرقة قلب، هما مسجونين عند العرب والمسلمين وليس عند اليهود، ألا يوجد في قلوبهم رحمة).
السيد الرئيس بشار الأسد..أتمنى من قلبي وعقلي أن تتذكر السيدة والدتك وكل الأمهات، وأنت تقرأ كلمات السيدة (أم هاني)، إن تجرأ أحد مساعديك ومستشاريك أن ينقلها لك!!. وثق تماما يا سيادة الرئيس أن الحرية والديمقراطية والعدالة ورفع الظلم من أفضل الطرق لدعم صمود سورية!.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف