حكايتي مع الحجاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ربما جازَ لكم الإعتقاد، بأنني لم أتب إلى ربّي من معصية الفنّ، إلا بعدما مضى صبا جسدي وخبا لهيبه؛ بعدما قل الطلب على أدواري السينمائية، المثيرة، وكاد أن ينضب معين رزقي. كلا، السبب ليس هذا وذاك. بل قل يهدي الله من يشاء. الشيخ " حرباوي "، من يجهل إسمه ومقامه ؟ تبتُ على يديه المباركتين. بإختصار، وصلني مرسالاً يشرفني بالمثول في حضرته. لن أصف لكم ما كان عليه حالي، قبيل لحظة اللقاء تلك، الفاصلة. كنت في غاية التعاسة، ألعن الوسط الفني وأهله؛ نميمتهم وجحودهم وقرفهم. عند سماحته، رأيتني في نور على نور. أجلسني بمواجهته على الشلتة، وراح يتفحصني بتمل ورويّة. لم يخفِ إعجابه بي. لا بل وأكد أن الشعور هذا، الدافيء، كان ينتابه مذ بدء عهدي بالسينما. أدهشتني معارفه الفنية، أكثر من تلك الدينية، والتي لا ريب في كمالها : " صدقيني، أنا أصغر سناً من زوجك الأول، الأمير الخليجي! "، قال لي وبصره يتغلغل في كل شاردة من جسمي الملموم بفستان ضيّق. كانت نظرته تبث الرضا والسكينة، ثمة أينما حلت. وأعترف بقلة لياقتي، حينما ذهبت إليه دونما حيطة لواجب الحشمة، المطلوبة في هكذا موقف. ويبدو أن الشال المغطي جانباً من شعري الأشقر، الكثيف، لم يوفر جوّ الوقار المناسب. فلا غروَ إذاً أن يكون حديث الحجاب، الشرعيّ، هوَ الغالب على الجلسة الاولى تلك، مع شيخي. وتأكيدي على الكلمة الأخيرة، مبعثه أنني ومنذ جلسة الهداية، حتى اليوم، ما فتئت مريدة في مسلك " الحرباوي "، الرباني، لا أخرج عن طوعه وإرشاده ونصحه.
إشارة سماحته إلى زوجي الأول، سالفة الذكر، جعلتني يومئذٍ أتساءل في سري، عما إذا كان لهذا صلة ما، محتملة، بموضوع هدايتي. إذ سبق لطليقي المذكور، ومباشرة بعيد شهر العسل، السويسري، أن أصرّ على تركي التمثيل والتفرغ للفراش.. أقصد، للمنزل. كنت في قمة نجوميتي، فرفضت ذلك طبعاً. في تلك الأثناء، شاعت شبهة في وسطنا الفني، عن رجال أعمال سعوديين، مقيمين في القاهرة، يمولون مشروعاً خيرياً لنصح الفنانات بالتحجب تمهيداً للإعتزال. إلا أنني إستبعدت أن يكون طليقي الأمير، وراء المشروع. لقد كف عن تأليف الأشعار، التي كانت منذورة لكبار المطربين. ولكن رغبته في تجديد حياته لم تنطفيء أبداً. فبحسب الصحافة، أنهى الأمير قبل شهر إجراءات طلاقه رقم 77. حياتي معه، لم تستمر أكثر من أيام شهر العسل. كنت وقتذاك صبية مراهقة، فيما الرجل يتخطى الخمسين. أغرقني في الترف، الحق يقال، وجعل منامتي بين الرياش والحرير. من جهته، كان يأبى كل ليلة إلا أن يتوسّد مرتفع الحوض، مريحاً ذقنه الملتحية في طريّ الأعكان وسلسبيل الخلجان. كان متديناً، فوق ذلك، ولا يحيد في الفراش عن السنة وحكم الشرع.
قد يظن أكثركم أنّ الممثلة المحجبة، المعتزلة، تضرب على حياتها الإجتماعية حجاباً قاتماً، كامداً. الواقع على عكس ذلك، صدقوني. أن تستر المرأة شعرها، ليسَ معناه أن تغيّب فتنتها : " الله جميل يحبّ الجمال "، يردد شيخي دوماً، نقلاً عن حديث نبويّ، معروف. كنتُ أسأله عن التبرّج والموضة، وحتى عمليات التجميل، فيجيبني بكلمة مقتضبة، أن لا بأس عليكِ ولا جناح! وأقول له، أنه في سياحاتي الكثيرة خارجاً، أكون سافرة منذ لحظة نزولي من الطائرة، فيقرظ حكمتي وواقعيتي : " ما دام الغرب الكافر مكان عبور لا مقام إستقرار! ". ولا أخفيكم، أنني وقعتُ مرة ً في خطيئة المظنة بشيخي. كان ذلك حينما قادَ، عبرَالأثير، معركة الحجاب الفرنسي، رفقة زميله الشيخ " القبراوي ". هذا الأخير، على فكرة، هوَ من إهتدت على يديه " فتونة بن طاطا "، مذيعة قناة " الجعيرة ". إنها الآن صديقتي، نتبادل الزيارات ونسخ أحاديث الدعاة، المطبوعة والمسجلة. وقد أخبرتني ببداية علاقتها مع شيخها، حينما دعاها إليه بمناسبة معركة الحجاب ضد الحكومة الفرنسية : " أنتِ مغاربية، وسيكون حجابك، إن شاء الله، قدوة لبنات جنسك في الغرب الكافر ". ثم كرّمها الشيخ، عندما تحجبت، بأن جعلها مقدمة برنامجه المشهور " الحياة الآخرة ". ويبدو أنها كانت حساسة، أكثر من اللازم، مع فضيلته : في الحلقة الثانية من البرنامج، نأت بنفسها جانباً، وبدت كالمنكمشة في حضرة الشيخ. أما في الحلقة الثالثة، فقد إستطال حجم الطاولة، الفاصل بينهما. ولكن مذيعتنا إختفت فيما جدّ من حلقات، وتم إستبدالها بزميل شاب..
في رمضان الفائت، قلت لشيخي : " يا مولانا، نفسي إشتاقت للأستديو، وأرغب في العودة للتمثيل ". تمعّن فيّ بهدوئه المأثور عنه، ثم تنحنحَ مجيباً : " كل عمل شريف، فهوَ محلل.. بشرط الإلتزام بالحجاب ووجود شخص مُحْرَم معك! ". تساءلتُ إذاك، ما إذا كان المنتج ينفع كـ " محرم "، فهزّ فضيلته رأسه موافقا. ولكنه أعقبَ ذلك، بإقتراحه أن أعمل في المسلسلات الدينية. " الطريق إلى تلك المسلسلات صعبة، بسبب تراكم الممثلات المتحجبات والممثلين الملتحين، الحاجين! "، قلتُ له متأففة. وعلى كل حال، رأيتني مرة اخرى في الأستديو، بعد إنقطاع طويل. أديتُ دورَ أمّ متفانية، في مسلسل إجتماعي. لا أخفيكم، أنه حزّ في قلبي هكذا دور بعد سيرتي الأولى، الحافلة، كنجمة إغراء. ولكن حجابي، أؤكد لكم، لم يحُل دون إحتضاني، المرة تلو الاخرى، للشاب الجميل الذي مثل دور إبني الحبيب. حتى أنني كنت أنهال عليه، بمناسبة وبدونها، بقبلات الأمومة الحميمة، الطاهرة. لاقى المسلسل نجاحاً باهراً، ككل عمل تتولى بطولته ممثلة محجبة. دعيتُ للمهرجانات أيضاً، وتألقتُ فيها بزينتي وشياكتي. كتبت الصحافة القومية عن حجابي، الذي غطى على كل شيء، بمسحة من الوقار والورع.
نجاحي ذاكَ، الموصوف، دفعَ ممثلة مشهورة، شابة بعد، إلى الحجاب. كانت المسكينة سابقاً، وعلى مدى مشوارها الفني، ضحية إشاعات وإختلاقات، سافلة، تتعرّض لحياتها الخاصة. إنما بعدما تابت لله تعالى، وحجّت لبيته المعمور، راحت الصحافة ـ بما فيها الإخوانية ـ تثني على سيرتها العطرة وأخلاقها الحميدة. صرنا حبايب، أيضاً. ثم إنضمت إلينا ممثلة اخرى، معروفة، شاءت العودة للتمثيل بعدما تحجبت وإعتزلت. تعرفونها، إنها بطلة مسلسل " كوكب الغرب "، الذي لاقى نجاحاً عظيماً عند عرضه. وكان من أصداء ذلك النجاح، أنّ المؤرخين عقدوا مؤتمراً عالمياً، في القاهرة، راجعوا فيه مرحلة الرئيس عبد الناصر مراجعة شاملة، إعتماداً على معلومات السيناريست في ذلك المسلسل : إذ تبيّن أن خطة الضباط الأحرار، للإطاحة بالملكية، قد وضعت في فيلا مطربتنا العظيمة؛ أنّ خطاب الزعيم، لدى تأميم القناة، المدوي، كتبَ في ذلك المكان أيضاً؛ أنّ زعيمنا كان يستمع للحن جديد من سيدة الغناء تلك، حينما وصله خبر هزيمة حزيران، فصرخ وهوَ ينتتر واقفا : " يا خبر أسود! "، ثمّ ذهب من هناك إلى التلفزيون مباشرة وقدم إستقالته.. الخ الخ. فعلاً إتقنت صديقتي هذه دورها، وبدت في شخصيتها الرائعة الجذابة كتمثال من الشحم.. أقصد، من الشمع! ربنا يتمم نجاحاتنا، نحن الفنانات المحجبات، فهذا يمهد الطريق لفن إسلامي، هادف وملتزم. ويؤكد مولانا، من جهته، بأنه بعد عقد واحد من الأعوام، لن يبقى فنانة في مصر بدون حجاب؛ بما فيهن القبطيات واللبنانيات والعلويات.