كتَّاب إيلاف

إختلاس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

عدد المرات التي التقيت فيها بمي غصوب لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وكلها في مكتبة الساقي في لندن عندما أصل اليها (جائعة) للكتب وأتربع على أرض المكتبة وهي بقامتها النحيلة تمدني بما (لذ وطاب) من أحدث كتب الشعر والرواية الموجودة في المكتبة، وفي لقائي الأخير معها كنت أخبرها أنني أفكر بلملمة مجموعة من مقالاتي المنتقاة من أروقة الانترنت واخراجها من العالم الافتراضي والاحتفاظ بها بين دفتي كتاب، فكان ردها أن دار الساقي اتخذت قرارا بعدم اصدار هذا النوع من الكتب الذي يجمع مقالات صحفية متنوعة الا إذا كانت تدور حول موضوع معين، وان الدار تتجه الآن الى اصدار الروايات - ومن يلومهم؟ -، فقلت لها مازحة: "وهذا القرار يطبق على جميع كتاب الصحف باستثناء حازم صاغية (زوجها) أليس كذلك ؟" فضحكت.
آخر ما وصلني من مي رسالة الكترونية مختزلة - كحياتها - تقول فيها باللغة الانجليزية
nice review وذلك تعليقا على مقال كتبته عن رواية بنات الرياض، ويحزنني أنها اليوم لن تتمكن من قراءة مقالي عن رواية "اختلاس" وهي من اصدار دار الساقي أيضا.


اذا كان معظم الذين يكتبون الروايات يصرون على أن لا علاقة لها بواقعهم وأن حياتهم شيء وحياة أبطالهم شيء آخر، فان هاني نقشبندي على العكس من ذلك، فهو يؤكد أنه هو بطل روايته (هشام)، وبكل تفاصيل هذه الشخصية، مما أثار شهيتنا للتلصص عليه وعلى أسراره وعالمه الداخلي.
رواية اختلاس باختصار تحكي قصة رئيس تحرير مجلة نسائية شهيرة يعيش في لندن - وان كان يحلم دومابصحافة سياسية، ويعترف أنه رغم بقائه عشر سنوات لم يقرأ صحيفة انجليزية واحدة !-.. تأتيه رسالة تلوالأخرى من قارئة سعودية اسمها سارة تحكي له حكايتها وحكايات صديقاتها، وتكنيك الرسائل هنا كما في رواية بنات الرياض، تكنيك سهل يسرد على القارئ الأحداث والتفاصيل بأوضح وأبسط طريقة ممكنة، فالرواية تقوم على حكايتين حكاية سارة التي تعيش في السعودية وحكاية هشام الذي يعيش في لندن دون أن يكون هناك أي لقاء بينهما.


الرواية تشدك من أول صفحة الى آخر صفحة ولن تأخذ منك أكثر من يومين رغم أنها تقع في ما يقارب الأربعمئة صفحة، وهذا بحد ذاته نجاح يحسب للرواية، في رأيي أن الجزء الخاص بهشام وحكايته كان أقوى بكثير من الجزء الخاص بسارة، ففي قصة سارة وتفاصيل حياتها وعلاقتها مع نفسها وزوجها كنت أشعر أن الذي يتحدث رجل، وذلك يذكرني بالمستشرقين عندما يتناولوننا وهم على ثقة بمعرفتنا في حين ما يصورونه ليس أكثر من صورة كاريكاتيرية تختلف عن الواقع، بينما جاءت حكاية هشام صادقة وحقيقية واتسم الكاتب بجرأة كبيرة في تصوير نقاط ضعفه وازدواجيته وبدا ساخرا من نفسه، فهولا يريد المرأة تتحدث في السياسة والدين لأن ذلك يفقدها جاذبيتها، ولا يرى من المرأة سوى تضاريس جسدها، وعندما أرسلت له سارة أول رسالة لم يلفت نظره من كل الرسالة سوى عبارة ( أنا امرأة على قدر من الجمال ) فهذه الكلمة هي التي دفعته للاهتمام بها وبرسائلها
أما سارة في الرواية فهي شخصية تستفزك بسلبيتها، وفراغها، فنراها تئن وتتشكى لكننا لم نرمنها أي مبادرة ايجابية منها ( لاختلاس ) الحياة، فهي تحمّل زوجها مسؤولية ما هي فيه دون أن تبادر لاصلاح وضعها فليس لديها طموح لعمل أو حياة أو حتى مواجهة مع الزوج لانقاذ العلاقة، بل نجدها سلبية وميتة حتى في مواجهة المرض الذي لم تذكر منه الرواية سوى آلام في الحوض ثم مرض خبيث ثم وفاة مفاجئة دون أن نلمس أي صراع حتى مع المرض؟


في الكتاب مقاطع جميلة تقترب من الشعر مثل مرور الوقت ببطء على سارة فتقرر شراء ساعة أكثر سرعة، ولم يخل من المغالطات أو لنقل الأخطاء مثل أن كتاب طوق الحمامة لابن حزم ممنوع في المملكة والحقيقة أنه يباع بعشرة ريالات أي أقل من ثلاث دولارات، وقد تكون رواية (اختلاس) غائبة في الرياض أما (طوق الحمامة) فموجود، وككل عمل فني سعودي لم تخل الرواية من تناول أهل الحسبة أو ( المطاوعة ) بشكل نمطي رغم تراجع دورهم وحضورهم في السنوات الأخير وبشكل كبير.
تبلغ الرواية ذروتها عندما يصل هشام الى مواجهة مع نفسه ليكتشف أنه ليس سوى نسخة أخرى من خالد زوج سارة - الذي ينتقده - وأنه يحمل نفس الارث الهائل في دمه في موقفه من المرأة
اختلاس.. و رغم بعض هناتها رواية جميلة، تستحق القراءة.

thepuzzle3@hotmail.com.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف