البربر والبحبح والقديس صدام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نشرت الصحف العربية الصادرة في 02/03/207 تصريحات للرئيس الليبي معمر القذافي وصف فيها الرئيس العراقي المعدوم صدام حسين بأنه "الشهيد القديس". ثم عرج على البربر، فقال إن " الامازيغية انقرضت وانتهت، وما سكان شمال أفريقيا إلا هجرات من اليمن وعبروا البر، لهذا تمت تسميتهم بربر".
إنه، والله، فتح انثروبولوجي ولساني مبين، وهو صفعة في محلها لكل أولاءك الحاقدين السفهاء الذين يهرفون هذه الأيام بما لا يعرفون، ويصرون على الدفاع عن حقوق الأقليات في الوطن العربي، ويطالبون بتطبيق حقوق الإنسان.
وفي هذا المقال فإن غرضنا الأكبر والأول والأخير، سيكون مناقشة هذا الفتح الانثروبولوجي واللساني المبين (نعم، نكرر ذلك ولا نمل) الذي أعلن عنه فخامة الرئيس الليبي حول تسمية البربر، لكننا، مع ذلك، لا يمكن أن نمر مرور الكرام حول وصف الرئيس الليبي لصدام بأنه "الشهيد القديس". فالرئيس الليبي لم يصف صدام بأنه "قديس" إلا بعد أن تأكد له ظهور كرامات القديس صدام، التي بدأ الناس الذين يسكنون بالقرب من قبر صدام، يلمسونها لمس اليد، كشفاء الجنون، وحل عقدة اللسان، وشفاء مرض التكبر والغطرسة. ويقسم بعض هولاء الناس أغلظ الإيمان، أنهم شاهدوا القديس صدام في إحدى المرات وهو يصيح بأعلى صوته "من رأى لحية جاره تحلق، سكب الماء على لحيته". ويقسمون أنهم شاهدوه، مرة أخرى، في ليلة ممطرة، وهو يتجول في المزارع القريبة، نائحا، صائحا "إياكم، إياكم من فتح منشئاتكم النووية للبرادعي، فان ذلك لن يجدي نفعا، ولكم في حياتي مثال، إن كنتم تعقلون". ويقولون أنهم شاهدوا صدام في غبش الفجر وهو يصيح بأعلى صوته " من استخلف أبنه على ملكه فقد خسر". وشاهدوه مرة وهو يمتطي صهوة حصان أشهب، وقد وضع على رأسه "عقال" مقصب، مرصع بالذهب، وأسدل "غترة" ناصعة البياض وارتدى عباءة عسجدية، وهو يصيح بصوت يقطع نياط القلب: أوصيكم بالعقال، أوصيكم بالعقال، أوصيكم بالعقال، وإياكم والملابس الفضفاضة الزاهية، فهي تبعدكم عن العرب، ولا تقربكم من أفريقيا السوداء. ويقول العراقيون، من غير سكنة المنطقة التي دفن فيها صدام، إنهم شاهدوه في منتصف ليلة من الليالي، وهو يقف في وسط ساحة الفردوس، يقبل ذي التمثال وذي التمثالا، وينادي: لا تشيدوا تماثيل تمجدني يعد موتي، ومن شيد تمثالا، فإنما شيده تحسبا لعاقبته ولسوء منقلبه، لو كنتم تفهمون. ولكن المشهد الأكثر إثارة والذي لا يمحى عن الذاكرة، كما يروي الرواة هو، ذاك الذي شاهدوه في اللحظة التي دفن فيها القديس صدام. إذ يقولون إن السماء بدأت تزخ دما قانيا غطى المزارع والحقول. وبعد أقل من سويعة توقف هطول الدم، وأشرقت الشمس، وانتشرت في الهواء رائحة أشبه برائحة غاز الخردل، وبعد دقائق انشقت الأرض وظهرت منها جماجم بشرية بملابس كردية، بينما لاحت في كبد السماء صورة القديس صدام، باسم الثغر، طلق المحيا، وهو يردد "هناك رؤوس كثيرة في العراق يجب أن تقطع بالسكين مثل الخيار( من كلمة لصدام عام 1977 عندما كان نائب لرئيس مجلس قيادة الثورة).
هذا فيما يخص كرامات القديس صدام. إما في ما يتعلق بالوصف نفسه (صدام شهيدا وقديسا)، فأنه يصلح أن يكون عنوانا لكتاب فذ في النقد الأدبي. وبما أننا نرجح أن يعمد الرئيس القذافي، خلال الأيام القادمة، على نشر كتاب بهذا العنوان، فأننا، وبدافع تجنب ما قد يحدث من إشكالات، نوضح للرئيس القذافي بأن "النقابة الوطنية الفرنسية للناشرين SNE" سترفع دعوى قضائية ضده، فور صدور الكتاب. إذ يعرف الجميع بأن عنوان كتاب الرئيس القذافي سيكون سرقة لعنوان كتاب سارتر الذي كتبه، قبل سنوات، حول جان جينيه وعنوانه ( جان جينيه، كوميديا وقديسا). وإذا حدث ذلك، ونشر الرئيس القذافي كتابه فأن ورثة سارتر ومعهم الناشرين الفرنسيين سيطالبون بتعويضات أين منها تعويضات لوكربي، وستساهم مطالبتهم بتعقيد قضية المواطنين الليبيين السجينين، الأمين فهيمة وزميله عبد الباسط المقرحي، وتؤجل إطلاق سراحهم من السجن. لهذا أقتضى التنويه.
والآن نعود إلى لب الموضوع، أي الشق الثاني في تصريحات الرئيس الليبي، التي اعتبرناها توا فتحا انثربولوجيا ولسانيا مبينا، ونعني تسمية البربر. فتأكيد الرئيس الليبي على "انقراض وانتهاء" الامازيغية، يتزامن مع الاحتفالات التي تقام هذه الأيام في مدن باتنة وتيزي وزو وبجاية وغرداية والبويرة والناطور والحسيمة والدار البيضاء والرباط، وفي فرنسا حيث تتواجد حشود من البربر، بمناسبة حلول الذكرى السابعة والعشرين لما يسمى (الربيع الامازيغي) عندما اندلعت في نيسان عام 1980 احتجاجات امازيغية ضد منع السلطة الجزائرية وقتها، محاضرة عن الشعر القديم الامازيغي. وتتزامن تصريحات الرئيس الليبي، أيضا، مع الذكرى السنوية الخامسة عشر لعرض أول فيلم ناطق باللغة الامازيغية وهو،فيلم (تامغرت)، أي امرأة من ذهب. وتصريحات قائد الجماهيرية تتزامن، أيضا، مع الذكرى السنوية الرابعة لصدور قرار تدريس اللغة الامازيغية في المغرب، عندما بدأت في 15/سبتمبر/2003 أكثر من ثلاثمائة مدرسة في المرحلة الابتدائية تدريس اللغة الامازيغية.
ولكن، ماذا تغير كل هذه الخزعبلات والأحداث من الحقائق الانثربولوجية العلمية الراسخة ؟ ومتى توقف علماء الانثربولوجيا واللسانيات من مواصلة بحوثهم وكشوفاتهم، لأن فلان وعلان قام بتظاهرة ؟
إن ما يقوله الرئيس القذافي عن تسمية البربر هو قضية لا جدال فيها، وهو بديهة لا تحتاج لنقاش. والمعروف أن الجزائريين، كل الجزائريين، لم تكن تسميتهم هي نفسها الحالية عندما وصلوا لأول مرة لهذه الأرض التي يسكنونها. ويؤكد علماء الانثروبولوجيا أن العرب الذين وصلوا إلى هذه الأرض قبل مئات السنين، كانوا يمتهنون جز الصوف، ويزأرون كالأسود. وكان كل واحد منهم يقول للأخر: جز وأزأر، فتمت تسميتهم بهذا الأسم. وبعد سنوات تم دغم المفردتين ونحت مفردة واحدة هي جزائريون، ومنها كلمة جزائر التي أطلقت على المكان الذي وصلوا إليه.
ومثل الجزائر، فأن ليبيا الحالية لم يكن أسمها كذلك قبل أن يصلها العرب. ويقول العلماء أن العرب عندما وصلوا، قبل مئات السنين، من صحراء الربع الخالي إلى ما يسمى بليبيا حاليا، فأنهم شاهدوا أمامهم، حتى قبل أن يحطوا رحالهم، قطعة من الأرض خضراء. وكلما كانوا يقتربون من المكان كانت الخضرة تزداد اخضرارا، فذهلوا وأصابهم العجب. وقبل أن ينصبوا خيامهم، تبين لهم أن الأرض كلها مزروعة بنبات اللوبياء الخضراء. فطفقوا يصيحون: لوبياء، لوبياء. وبسبب ذلك سموا هذا المكان لوبياء. لكن هذه المفردة طرأ عليها التصفيح والتغيير، وأصبحت بمرور الزمن تسمى ليبيا. ويقول العارفون أن تسمية "الكتاب الأخضر" تعود في أصلها لهذه الحقيقة الانثروبولوجية.
وبمواجهة هذه الحقائق العلمية الراسخة، فأننا لا نفهم، لا نفهم حقا، هذا "الهرج والمرج" الذي أصاب البربر وأخرجهم عن صوابهم، عندما أعلن الرئيس الليبي عن أصل تسميتهم.
وحتى إذا تفهمنا هذا الاحتجاج، فنحن نستغرب ما قام به أبناء وأحفاد كريم بلقاسم وديدوش وحسين آيت احمد، رواد التحرر من الاستعمار الفرنسي ومؤسسي جبهة التحرير، عندما قادوا وفدا في باريس لمقابلة الرئيس الفرنسي جاك شيراك للاحتجاج ضد ما قاله الزعيم الليبي. وفات هولاء ومن لف لفهم أن الرئيس الفرنسي نفسه عربي النسب، أب عن جد. وتقول مصادر قصر الاليزيه أن الرئيس شيراك وبخ أعضاء الوفد وطردهم شر طردة، وقال لهم بالحرف الواحد: كيف تسول لكم أنفسكم أن تشككوا بعروبتكم، قبل أن تتأكدوا. وأوضح الرئيس شيراك لأعضاء الوفد (قبل طردهم، بالطبع) أنه هو نفسه من نسل عدنان وقحطان. وبين لهم أن أسمه العائلي الحقيقي ليس هو الحالي شيراك، وإنما هو أشريك ( بسكون الهمزة وتشديدها وتشديد الراء وسكون الكاف). وسرد شيراك لأعضاء الوفد قصة أصله وفصله، فقال: إن أجداده الأولين كانوا يعيشون في اليمن السعيد (بالطبع، عندما كان سعيدا، أي قبل أن يحل البعثيون العراقيون في ربوعه، ويقيمون فاتحة على روح القديس صدام). وبعد انهيار سد مأرب هاموا على وجوههم حتى وصلوا أخيرا إلى الجزائر، ولكن ليس عن طريق البر، وإنما عن طريق البحر، لهذا تمت تسميتهم (بح بح). وعلى امتداد السنين عاشت قبائل البربر والبحبح بسلام ووئام. ولكن فجأة، ومثلما يحدث دائما بين القبائل العربية، نشبت حرب بين القبيلتين، على غرار داحس والغبراء. وعندها فر "اشريك"، الجد السابع عشر للرئيس شيراك، وظل هائما على وجهه، حتى عبر، أخيرا، البحر المتوسط، وسكن في مدينة مرسيليا الفرنسية. وبسبب تفشي التفرقة العنصرية وكراهية الأجانب، وقتذاك، أضطر أشريك أن يغير أسمه إلى شيراك.
وبالطبع، فأن البربر، وكعادتهم في ركوب رؤوسهم، لم يصدقوا هذه القصة، وذهبوا لمقابلة نيكولا ساركوزي، المرشح الحالي في انتخابات رئاسة الجمهورية الفرنسية. ولكن ساركوزي فجر قنبلة انثربولوجية بوجه البربر، عندما اخبرهم انه هو الأخر عربي من نسب عدناني. ولأن ساركوزي مشغول حتى إذنيه، هذه الأيام، بالتحضير للانتخابات الرئاسية، فأنه أوجز لهم قصة تسميته، فقال: إن جده الرابع عشر كان يدعى (يعرب اليعربي)، وكان يسكن منطقة عرعر في نجد، وكان يمتهن سقاية المسافرين. ولأسباب ما تزال مجهولة حتى الآن، فان يعرب اليعربي نزح عن دياره، وظل يتنقل من مكان إلى آخر، حتى وصل باريس، قبل مئات السنين. وحالما وطأت قدماه باريس، فانه شرع بمعاودة نفس مهنته السابقة، سقاية الماء. ويقول ساركوزي أن جده يعرب استأجر من احد الفرنسيين "كوز" ماء ليعيل نفسه عن طريق بيع الماء. وبعد سنة جاءه الفرنسي صاحب الكوز وقال له: لا أريد الكوز، وبإمكانك أن تعتبره ملكك الخاص. فابتهج يعرب ابتهاجا لا مثيل له، وظل يصيح" صار كوزي، صار كوزي"، أي أن الكوز صار ملكي. ومن هنا أطلق عليه الفرنسيون تسمية "ساركوزي"، لأنهم لا يستطيعون، مثلنا نحن أبناء الضاد، لفظ حرف الصاد.
وهكذا نرى، حتى الإفرنج لا يخجلون من أصلهم العربي، فلماذا يخجل البربر من أصلهم العربي.
ثم، هذه، ونكرر للمرة الألف، حقائق علمية، لا تتغير إن قبلها أو رفضها البربر.
وبهذه المناسبة فأننا نوصي البربر ومعهم الأكراد (هذا، إذا رغبوا) أن يتعلموا أكثر وأكثر لغتهم العربية. ونقترح عليهم أن يحفظوا عن ظهر قلب هذه الأبيات من قصيدة "اللؤللؤة المكنونة واليتيمة المصونة" للشاعر ضياء الدين القناوي (توفي سنة تسع وتسعين وخمسمائة هجرية) التي انشدها سنة تسعين وخمسمائة للهجرة (فوات الوفيات ج2 ص108):
وصفت الشعر من يفهم يخبرني بما اعلم
يخبرني بألفاظ من الإعراب ما الدهثم
وما الإقليد والتقليد والتهنيد والأهمم
وما الأوغال والأوغاد والأوغاب والأفصم
وما المنهوس والملسوس والملهوس والأثلم
وما التعريس والتغوير والشنتير والأشرم
وما الدعداع والمذياع والاقذاع والخلجم
وما الحوقاء والحلجاء والعضباء والأختم
وقد أنبأت في شعري بألفاظي الذي تفحم
فإن كنت الذي في قوله يأتي بما يزعم
فأخبرني بأوصافي عساني منك أن أعلم
وإذا لم تنفع هذه الأبيات في تعلم لغة الضاد، فنوصي البربر ومعهم الأكراد(إن رغبوا) أن يرددوا الأبيات التالية ثلاث مرات في اليوم، ويستحسن تردادها مع الأكل، وهي لمحمد بن عبد الواحد الملقب ب"صريع الدلاء" ت 412 هجرية (فوات الوفيات ج3 ص424 ) :
من لم يرد أن تنتقب نعاله يحملها في كفه إذا مشى
ومن أراد أن يصون رجله فلبسه خير له من الحفا
من صفع الناس ولم يدعهم أن يصفعوه فعليهم اعتدى
من ناطح الكبش تعجر رأسه وسال من مفرقه شبه الدما
من طبخ الديك ولا يذبحه طار من القدر إلى حيث يشا
من شرب المسهل في فعل الدوا أطال تردادا إلى بيت الخلا
من مازح السبع ولا يعرفه مازحه السبع مزاحا بجفا