حين تتوهم دبي أنها بدوية!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مشكلة مدينة دبي أنها تشابه الصحوة وثقافة القبائل الأممية في احتواء الجميع ما قد يسبب خسارتها للكل فتنحسر تجربتها المميزة من غير أن تحقق امتيازاً خاصا.
مدنياً تمثل دبي نمطاً فريداً في الثقافة الخليجية ( بمعنى جوهرها البدوي) لأنها تحررت من إشكالات الولاء البدوي وانفتحت على الآخر فعلياً دون قلق البداوة التقليدي، وحققت صورة تواصلية استثنائية مع العالم الآخر باعتبار أن تجربتها التاريخية جاوزت الذات من أجل الآخر استناداً إلى شخصية بانيها ومؤسسها.
إشكالية دبي هي ذاتها مشكلة الممارسة الخليجية في أن جميع تجاربها فردية وأياً كان تميزها فإنه عرضة للإنكسار لأنه يجسد مزاجاً فردياً لانسقاً ثقاقياً أصيلاً.
من حيث التجربة تشابه دبي كل الثقافات العرضية بدءاً من هونج كونج مروراً بالبحرين وانتهاءاً بها؛ جميعها نشأت من الآخر وانتهت إليه فلم يكن لها أصل في ذانها وإنما هي معبر ثقافي وتجاري للآخرين مجتمعين فإن انتفعوا منها تمسكوا بها، وإن خذلتهم نبذوها مثل طريق الحرير التاريخي حيث لاتملك حق تقرير ذاتك وإنما تعكس صورة الآخر فقط!
الكارثة التي تنتظرها دبي تتمثل في أن استقلالها عن النمط الخليجي لم يكن وجودياً وإنما مزاجيا مايجعلها تجربة هشة وقابلة للإنكسار حال تصادمها مع أي قوة أخرى.
دبي حالة استنساخ وليست أصلاً فهي لاتمثل حضارة ولاتشكل نقلة في الشخصية الخليجية، بل لعلها تعبر، عميقاً، عن حالة القلق الخليجي في معظم تفاصليه وتشوشه الحضاري والمعرفي لأنها وإن تمردت عليه عليه فإنما تنتكس، لاشعورياً، إليه!
في السابق كانت دبي استثناءاً لأنها كسرت نمط الإنغلاق الخليجي المتلبس بالخوف والحذر والتشكيك في الآخر مهما كانت طبيعة العلاقة معه، أما الآن فإنها تستحضر الروح الخليجية محاولة تأكيد أنها الأبنة البارة والمخلصة كأنما يأكل الأب أبناءه!
أصبحت دبي مركزاً عالمياً نتيجة هذا الاستلال اللحظي إن لم يكن، في بعض جوانبه غيبياً، إلا أنها شعرت أن وجودها الحقيقي ينبع من هويتها البدوية، وبعد أن استراحت إلى إنجازها الحضاري المنفتح شكلاً ارتدت إلى جذرها الأساس لتعلن أنها مجرد قرية بدوية في منشأها ومن هنا استحدثت فكرة برنامج "الميدان" الذي يسعى في صورة بائسة لتكرار تجربة نبوة اليمامة؛ الجمع بين التمرد والنبوة في وقت واحد!
هذه الخطيئة حررت جارتها وخصيمتها المنكسرة "أبو ظبي" من حالة البداوة المشينة لتكتشف أنها الجين المشترك والمسيطر فابتكرت شاعر المليون، وهي تجربة رغم تخلفها وماتحدثه من انتكاس ثقافي، ورجعية حضارية، إلا أنها لاتعدو كونها مجرد انعكاس وردة فعل عنيفة لمغامرة دبي الطائشة.
تجربة دبي المرتدة والمنافقة والسطوية في الشعر الشعبي خلقت وهجاً بدوياً منغلقاً يعارض جوهر البداوة ذاتها بينما تمكنت أبو ظبي، عرضاً، من تأكيد بداوتها الأصيلة نظراً لأن هذا ماتتقنه وماتعرفه فعلاً لاادعاءا.
إشكالية دبي أنها ظنت أن مسلسل "جواهر" تجسيداً للثقافة الخليجية وهي إشكالية الصحوة حين ظنت أن القطبية نهاية الطريق وحقيقة المهدي!
التجدي الحقيقي والثابت، إن وجد، مرتهن بالوعي الحضاري ومدى عمق التجربة وحقيقة فعلها إن كان لها ذلك!
Jasser87@hotmail.com