نائبان ومجزرتان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ربع قرن مضى على مجزرة "حماة". كنا في القرن العشرين، الظالم، وها نحن في القرن التالي، المبشر بالديمقراطية والحرية والمساواة. في ذلك الوقت، كان لدينا رئيس للدولة، وكان له قرنـ.. أعني، نائبان! رئيسنا ذاكَ، إنتقل إلى الآخرة بعد حياة حافلة بالمجد. وقد خلفه وليّ عهده ـ وهوَ الإبن الأكبر، بطبيعة الحال. إنه الآن على خطى أبيه، يخطط لعمر طويل، حافل بالمجد. أما بالنسبة للنائبيْن، السابقين، فإنتقلا إلى المعارضة نشداناً للديمقراطية وو.. الخ! إذا كان رئيسنا السابق، المرحوم، يحيا الآن آمناً مطمئناً في جوار ربّه؛ فإنّ نائبيه، بدورهما، يقيمان حالياً في أوروبة بكل إطمئنان وأمن. سندَع سيرة الأموات، لأن الحيّ سيرته أجدى. وعلى هذا، نشير إلى عبث المقدور في أمور هذين النائبين السابقين، اللدودين: فهما يقيمان الآن في بلدين متجاورين، يفصل بينهما جبل "البيرينيه"، المشهور في عالم السياحة. قبلاً كان كلاهما، أيام السلطة والمسؤولية، يعيش في العاصمة متجاوراً أيضاً مع الآخر، يفصل بينهما جبلُ "قاسيون". تعرفونه، الجبل الأسطوري الذي خلدته مطربة ثورة 8 آذار، بإنشودتها التي تعانق فيها دمشق السحبا، فيما البعث ينثر فوقها الشهبا.. الخ. بالمناسبة، فمطربتنا هذه، الثورية، كانت في أواسط الستينات من القرن الفائت قد إلتجأت إلى عراق البعث التكريتي، هرباً من سورية البعث العلوشي. نرجو الله أن يفكّ ضيقتها مع رفاقها العالقين هناك حالياً، وأن يعودوا جمعاً من بغداد المعانقة الرعبا، إلى دمشق التي ما فتئتْ معانقة ً السحبا..
يبدو أننا نسينا موضوعنا، الرئيس، في تلك الحمأة من ذكريات الرؤساء ونوابهم وأضرابهم. فمن حق القاريء إذاً أن يسألنا، عما جرى من أمر "حماة"، وهل إنتقلت هيَ أيضاً إلى جوار ربّها راضية مرضية، أم أنها ربما إنتقلت إلى أوروبة..؟ قبل كل شيء، إنّ "حماة" هذه التي نتكلم عنها لا صلة لها مع حماتي، أطال الله عمرها، بل هيَ مدينة عريقة واقعة في وسط سورية.. أو بالأصح، كانت مدينة عريقة كذا وكذا. وبما أنها مكانٌ لا إنسان، على كل حال، فلا يمكن أن يكون مصيرها محدداً بفعل "إنتقلَ" أو تصاريفه! إذا نحينا الأفعال جانباً وعدنا للأقوال، فلا بدّ من إعادة ذكر تلك المجزرة، وضحاياها بعشرات ألوف المدنيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً. وبما أنّ سورية كانت وقتذاك مستقلة، وما زالت بفضله تعالى، فلا مبرر لجناب هذا المعلق، المصري، أن يزعق بنا من على ظهر تلك الفضائية الخليجية: "يعني هيّ الحالة دلوقت أرحم تحت الإحتلال الأمريكي.. يعني مش الناس حالياً بتنقتل عندكم بالآلاف شهرياً؟". لا يا أخي، لا إحتلال لدينا في سورية ولا قتلى ولا جرحى. لقد أطعنا دوماً الله ونبيه وأولي الأمر، فلا غروَ إذاً أن نحيا في سلاسة وشفافية وأمان.. وأمن دولة! سيعود معلقنا المصري، مجدداً، إلى الكرّ متسائلاً: "لمصلحة من، والحالة تلك، أن نعاود نبش الماضي وشجونه وأحزانه؟". هوَ سؤال وجيه، فعلاً. ولكنه يجب أن يوجّه إلى المعنيين بالأمر، وليسَ إلى كاتب هذه السطور الفقيرة. وهذا يقودنا، ثانية، إلى أوروبة؛ ثمة، حيث نائبيْ الرئيس، السابقين، والمعارضة وو.. الخ.
في واقع الحال، فما يفصل بين ذينك النائبين، السابقين، جبلٌ من الكراهية؛ مع إعتذارنا لجبل " البيرينيه "! نعم هذه هيَ الحقيقة، المرّة. سامح الله رئيسنا، الراحل. لأنه من خلق المشكلة، حينما شاءَ توريث إبنه السلطة، وليسَ فقط الثروة. سيخرج علينا معلق تلك الفضائية ثالثة ً، معقباً: "سورية كانت ملكاً حلالاً لرئيسكم ذاكَ، المرحوم، وهوَ بالتالي حرّ يورثها لمن يشاء". لا إعتراض لدينا في ذلك، طبعاً. ولكن كلمة "معارضة"، لا بدّ أنها مشتقة من ذلك الإعتراض.. أليسَ كذلك؟ النائبان السابقان للرئيس، أكدا بالفعل أنهما اليوم من المعارضة. الأول، يشارك في جبهة خلاص سني.. أعني، وطني! وها هوَ يجزم من منفاه الباريسي، بأنه الوريث الدستوري، الشرعي، لرئيسه الراحل. الثاني، الذي يقود من منفاه الإسباني تجمعاً إستهلاكياً.. أعني، قومياً!، ينتهره بغضب: "قِرْرر! أنا شقيقه من أمه وبيّه، فمن تكون أنتَ؟". ولكي يتناهى النكد والخصام في معارضتنا، فكل واحد منهما أمسك بطرف حبلها، وراح يشدّه لناحيته. طوال شهر شباط، الماضي، كانا هنا وهناك على الفضائيات يتبادلان التهمَ بخصوص المسؤولية عن مجزرة "حماة". ألا تقول أنه في هذه الأثناء شهر آذار يأتي، وتحلّ الذكرى الثالثة لمجزرة "القامشلي"! الأكراد، كما تعرفون، هم ضحايا المجزرة الجديدة. بعضهم راحَ يصرخ بأذن الأولين المعارضين: "نحن أيضاً، بمعظمنا، من المسلمين السنة!". فيما توجه البعض الآخر منهم بدوره إلى الجهة المقابلة من حبل المعارضة: "هل نسيتم أننا مواطنون سوريون، مع أنّ ربعنا بلا جنسية!؟". النائب الأول، كان في مناصبه المهيبة جميعاً، لما وقعت أحداث مدينة " القامشلي "، الكردية. وعلى هذا، لا يمكنه التنصل من المسؤولية. عليه بالإعتذار، فوراً : ولكن الرجل، لم يعتذر بعد عن مسؤوليته بخصوص أحداث " حماة "، فهل كثير على المدينة الكردية تلك أن تنتظر ربعَ قرن من الزمن؟ أما النائب الثاني، فعلى الرغم من أنه خلال أحداث " القامشلي " كان في منفاه، المخملي، إلا أنه شارك إعلامياً في المجزرة، عن طريق فضائيته "عائدون". حتى ويؤكد مقربون من الرجل، بأنه إتصل مساء 12 آذار 2004 مع سيادة الرئيس، وهوَ يغلي من الغضب: "يا إبن أخي! دعني أعود لسورية لمدة 48 ساعة وحسب، لتأديب هؤلاء الأكراد العصاة.. وأضمن لك أن أغادر بعدها مباشرة على أول طائرة مقلعة إلى أوروبة، وألا تشاهد وجهي إلا حينما تحصل مجزرة جديدة"..