القدس فلسطينية قبل مملكة داود بألفى عام...
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
... وفى التوارة هى أرض الكنعانيين، وأبوها عمورى
وأمها حثية، وحاكمها الملك "ملك يصادق الكاهن عند الله تعالى "
بإتصلاتى الدائمة مع الرئيس محمود عباس، تطرقت مع الرئيس حول القمة العربية فى الرياض، وكان اكثر الهموم مع الاخ أبو مازن حول عروبة القدس والاسرى، وخصوصا ما تقوم به أسرائيل من حفريات بدأت منذ أحتلال القدس سنة 1967.
وقد أبدى الرئيس أهتماما خاصا حول هذه القضية وكان مدركا أن يكون مجموعة فلسطينية عندها الوثائق الدامغة لما تقوم به إسرائيل من حفريات تهدد هذا الصرح الاسلامى والذى بدونه لن تكون دولة فلسطين وخصوصا أن أسرائيل اليوم تبنى مدينة كاملة تحت المسجد الاقصى.
ولقد رأيت أن أقدم للزعماء العرب والقارىء العربى تاريخ ملخص عن القدس، والمسجد الاقصى المبارك. وحاولت الاختصار قدر الامكان ولكن أهمية هذا الموقف جعلنى أختصر فقط بحدود معقولة، وأرجو أن يسامحنى رئيس التحرير وأن لا يقططع أى شىء من هذه الدراسة.
الحقيقة أن زعم إسرائيل بأن القدس يهودية أبا عن جد هو مغالطة تاريخية وانسانية وسياسية لا يمكن أحتمالها. والمؤسف فى هذا المجال أن الرأى العام - كعادته على مر العصور - يتأثر بما هو حاصل أكثر مما يتأثر بالحقيقة، ذلك أنه ليس ممكنا لجميع الناس أن يعرفوا جميع الحقائق فى جميع المراحل والظروف. وهذا واحد من الاسباب الرئيسية التى جعلت القوة - على مر العصور - أصدق أنباء من الكتب. ومن النقائض البشرية المعروفة أن الانسان لا يزال بدائيا بعض الشىء أمام عنصر القوة. فعدد الذين يخافون القوة يبدو هائلا أمام عدد الذين يصمدون أمامها، فالصمود فى وجه القوة يعنى تعريض الحياة للخطر، والحياة هى الشهوة الكبرى التى لا يستغنى عنها الانسان بسهولة.. وذلك لأسباب لا مجال لذكرها هنا.
وأنتحال إسرائيلية القدس هو شىء من نتائج القوة العسكرية والاعلامية التى تتمتع بها إسرائيل وتتفوق على العرب وعلى كثير من المجتمعات الدولية. غير أن الحقيقة ليست كذلك لا بالنسبة للعرب أصحاب القدس، ولا بالنسبة للتاريخ، ولا حتى بالنسبة للتوراة نفسها التى يمرر الاسرائيليون بواسطتها مزاعمهم بملكية القدس وفلسطين.
وقد كان هذا الموضوع بالذات، الى جانب المسألة الفلسطينية بمجملها شغلى الشاغل طوال السنوات العشرون الماضية. وكان دافعى الى هذا الشغل أننى كنت أسأل نفسى أبان أشتداد المعركة الحربية والاعلامية بين العرب وأسرائيل:
-هل أنا فلسطينى حقا ؟ فاذا لم أكن فلسطينيا كما يزعم الاعلام الاسرائيلى، فماذا أكون أذن؟
-ومن دون عناء عظيم، وقفت على الحقيقة من خلال سبعين أو ثمانين مرجعا وكتابا فى تاريخ فلسطين والقدس، لكتاب أجانب وعرب، عكفت على قراءتها ودراستها ومراجعتها طوال السنوات الماضية.
وقبل أن أفند مزاعم إسرائيل فى القدس وفلسطين أيضا، أود أن أطرح على السلطة الفلسطينية فكرة تخصيص يوم، أو أسبوع أو سنة معينة لجعلها عيدا وطنيا وقوميا يدل على ان القدس مدينة فلسطينية عربية منذ 5... عام على الاقل.
وأقترح أن يكون هذا العيد عيدين :
-واحد لعروبة القدس
-والثانى لاثبات أنها فلسطينية قبل مملكة داود بألفى سنة على الاقل، وقبل أن يدخلها الخليفة عمر بن الخطاب بألفين وخمسمئة عام على الاقل، فاذا أرادت السلطة الاحتفال بفلسطينية القدس، فلها أن تختار واحدا من المواعيد التالية :
-قبل خمسة ألاف عام من اليوم ولدت القدس على أيدى أجدادنا الكنعانيين وذلك فى العصر البرونزى ( 3... ق.م )
-* كان أسمها أورو سالم أو أورو شالم ( أى : مدينة سالم )
ولقد ورد لأول مرة معروفة فى " نصوص اللعنة " ( Execration testes ) التى أكتشفت فى مصر وترجع الى عهد الملك سنوسرت الثالث ( من 1879 ق.م الى 1842 ق.م ).
bull;أسس المدينة الشعب الامورى، أو : العمورى. والعموريون كنعانيون جاؤوا من شبه سهل البقاع ( اللبنانى اليوم ) كلمة أمور. وكانت عاصمة الاموريين مارى ( تل الحريرى اليوم الواقع على نهر الفرات شمالى سوريا ).
bull;ونقرأ فى التوراة فى نبوءة حزقيال ( الفصل 16 ) مايل " وقل هكذا قال الرب لاورشليم، معدنك ومولدك من أرض الكنعانيين وأبوك عمورى وأمك حثية.. "
bull;بعد العموريين، أطلق على القدس أسم " يبوس " نسبة الى اليبوسيين أبناء الكنعانيين وأخوتهم. والملفت أن فى البقاع البنانى اليوم على حدود لبنان وسوريا منطقة أسمها جديدة يبوس، أى : يبوس الجديدة. ولست أملك معلومات موثقة كافية تجعلنى أزعم أنها قدس جديدة بناها البقاعيون، أى العموريون - اليبوسيون تيمنا بالقدس الفلسطينية.
bull;بنى اليبوسيون هيكلا فى القدس لأهلهم " شالم " قبل مملكة داود وهيكل سليمان بالف عام.
bull;ونقرأ فى سفر التكوين ( الفصل 14 ) " وأخرج ملكيصادق ملك شالم خبزا وخمرا لانه كان كاهنا لله وباركه.. وقال مبارك أبراهم ( أى : أبراهيم ) من الله.. "
bull;وفى سفر القضاة ( الفصل الاول نقرأ ما يلى :
" وأما اليبوسيون المقيمون فى أورشليم فلم يطردهم بنى بنيامين، فأقام اليبوسيون مع بنى بنيامين فى أورشليم الى اليوم ".
bull;وفى سفر القضاة ( الفصل 19 ) : " وفيما هم عند يبوس وقد مال النهار جدا قال الغلام لمولاه : مل بنا الى مدينة اليبوسيين هذه فنبيت فيها ليلتنا، فقال له مولاه : لا نميل الى مدينة غريبة ليس فيها أحد من بنى اسرائيل "
يستفاد من هذه المراجع أن القدس كانت كنعانية عمورية، يبوسية طوال ألفى سنة على الاقل قبل أن يدخلها النبى داود أبو الملك سليمان صاحب الهيكل الشهير. وذلك بشهادة التوراة نفسها.
bull;سنة 1... ق.م أقام النبى داود فى القدس وجعلها مدينة لليهود. وبعد 414 عاما دخلها الملك نبوخذ نصر ودمرها وسبى يهودها الى بابل.
bull;سنة 33 ق.م فتحها الاسكندر المقدونى.
bull;ثم الرومان سنة 63 ق.م، وفى العام 132 بعد المسيح حول الامبراطور الرومانى أوريانوس أسم المدينة المقدسة الى أسمه الاول أيليا وبقى هذا الاسم يطلق عليها الى أن دخلها الاسلام.
bull;ومن الممكن أيضا أختيار عام 636 عندما دخل الخليفة عمرو بن الخطاب أورشليم التى سماها مدينة أيلياء فى الاتفاقية التى عقدها مع الورمان. ومنذ ذلك العام أصبحت القدس مدينة أسلامية مقدسة لها فى الاسلام مكانة ليست لمدينة أخرى أسلامية بأستثناء مكة المكرمة، والمدينة المنورة.
bull;فهى القبلة الاولى فى الاسلام. وهى المكان المقدس " الذى أسرى بالنبى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) اليه. ومن القدس كان معراجه. والقدس مدينة الانبياء والرسل".
" نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه، وأنزل التوارة والانجيل من قبل هدى للناس. ونزل الفرقان " ( سورة أل عمران ).
هذا من الناحية الدينية، حيث يتبين جليا أن تاريخ أورشليم يعدو الى ألفى سنة على الاقل قبل النبى داود. ومن حيث التاريخ يصل عمرها الى خمسة ألاف عام على الاقل.
فإذا أردنا تحكيم المنطق فقد حكمها اليهود فى فترات متقطعة بلغت فى مجموعها حوالى 5.. عام. وحكمها الرومان فى حدود 7.. سنة والفرس حوالى 25. سنة والصليبيون 88 سنة فيكون مجموع الحكم الاجنبى فيها حوالى 12 قرنا ونصف القرن. والباقى وهو حوالى 5... عام كانت فلسطين بما فيها القدس ( لاحقا ) حكومة ومسكونة بالفلسطينيين الذين أصبحو جزءا من الاسلام، وكانوا هم وباقى العرب جزءا من الشعب السامى الذى عاش وحكم فى منطقة الهلال الخصيب منذ عشرة ألاف عام حتى اليوم، وقدم للانسانية أعظم الحضارات وأكثرها رقيا.
وأما من الناحية السياسية، فلابد أن نطرح على الاسرائليين الاسئلة الاتية :
-لو أن المؤتمرات الصهيونية التى بدأت فى النصف الثانى من القرن الماضى، أختارت الارجنتين أرضا لاقامة الدولة اليهودية عليها خصوصا وأن اليهود أشتروا فى الارجنتين أراضى شاسعة لهذه الغاية ؟
-ولو أن المؤتمرات الصهيونية أختارت أن تكون الدولة اليهودية فى الولايات المتحدة كما كان واردا، أو فى البرازيل أو مدغشقر أو قبرص، أو أوغندا، أو موزامبيق، أو المكسيك، أو ليبيا، أوالعراق ( على خط الحديد بغداد - برلين ) أو شمال سيناء ( مشروع العريش ) كما هو مدون ومعروض، فهل كان عام 2... سيشهد أحتفال أسرائيل بمرور 3... عام على مملكة داود ؟
-وهل كانت القدس ستعتبر عاصمة أسرائيل الابدية ؟
-يقول يهودا بينسكر أحد أبرز دعاة الفكرة الصهيونية فى كتابه " التحرير الذاتى " اننا لا نطلب شيئا سوى قطعة أرض من بلاد كبيرة لأخواتنا الفقراء والى هنا سنحضر معنا أقدس أقداسنا الا وهو فكرة وحدانية الله والكتب المقدسة لأن هذه فقط - وليس الاردن أو فلسطين - هى التى جعلت وطننا القديم بلادا مقدسة.
-ويقول هرتسل أبو الصهيونية الفعلى : " لم يخطر لأحد أبدا أن يبحث عن الارض الموعودة حيث توجد بالفعل. أن الارض الموعودة تقوم هنا فى داخل نفوسنا وحيث نحمل أفكارنا ومثلنا.. "
قبل أعلان بالفور وأصرار بريطانيا على نقل اليهود الى فلسطين بالقوة، كانت الصهيونية تبحث عن أرض يقيم عليها فقراء اليهود وشتاتهم. فما الذى طرأ وجعل فلسطين أرض الميعاد، والقدس مملكة داود، وكأن أحدا فى الدنيا لم يكن فى القدس وفلسطين إلا هم.
القوة البريطانية والاوروبية، والتفكك العربى، ووحدة الصف اليهودى هى التى أدت الى قلب التاريخ رأسا على عقب، لكن ثمة فارقا كبيرا بين الحقيقة والواقع. ولو أن الواقع كان ينتصر دائما، لكانت الكرة الارضية اليوم خارطة مشوهة عديمة الفحوى.
-فاذا كانت 5.. سنة يهودية فى القدس تجعل منها مدينة يهودية الى الابد، فإن 5.. سنة عربية فى أسبانيا من حقها أن تجعل غرناطة او أشبيليه مدينتين عربيتين، ففى المدينتين من الاثار العربية أضعاف ما فى القدس من أثار اليهود مثلا.
-ومن حق بريطانيا أن تمتلك الهند. ومن حق تركيا أن تمتلك العالم العربى كله وثلث أوروبا.
-وكان الامر سيكون مداعاة للسخرية لو ان روما تطالب اليوم بممتلكاتها الواسعة قبل 2... عام. او ان تطالب أثينا بمستعمراتها العديدة قبل ثلاثة ألاف عام، والفراعنة بممتلكاتهم قبل 4... عام الى أخره الى أخره.
ومادام أن الهدف الاسرائيلى من كل هذه الهيصة هو هدف أعلامى يرمى الى جعله هدفا سياسيا وتاريخيا، فحرى بالسلطة الفلسطينية أن تفعل الشىء نفسه. وهى تملك من التاريخ وثائق وحقائق تجعلها جديرة بالاحتفال بالقدس كواحدة من بين ثلاثة مدن شرقية عربية، كانت أول جدار يبنيه الانسان فى التاريخ بعد انتقاله من العيش فى الكهوف الى أختراع المنزل المبنى من الحجر، وهو أختراع كنعانى فينيقى لا شك فيه.
وإذا كان للسلطة الفلسطينية أن تحتفل بعروبة القدس، فعندها ذكرى دخول عمر بن الخطاب فاتحا سنة 636.
-وعندها تاريخ بناء قبة الصخرة المشرفة على يد الخليفة عبد الملك بن مروان سنة 691.
-وعندها معركة حطين وأستعادة القدس من الصليبيين سنة 1187.
-أو أستعادتها ثانية على يد الملك الناصر داود سنة.1239
-او أستعادتها مرة ثالثة عام 1244.
المهم أن ينتبه الفلسطينيون من الان وصاعدا الى أن المعارك فى هذا العصر يمكن ربحها بحربين : حرب المدفع، وحرب الاعلام. واما المدفع فقد بدأنا نشهد ضعف فعاليته وأرتداد المدينة عنه.
واما الاعلام فما زال السلاح الوحيد القادر على الدخول الى العقول والقلوب والعواطف معا. وأذا نحن امعنا الفكر قليلا نجد أن الانبياء جميعا أنما دخلوا قلوب الناس بالكلمة. وأسرائيل تستند الى هذه الكلمة بالذات، وفقط، كى تثبت يهودية القدس.
وأما نحن فعندنا التاريخ، والتراث، وشهادات الحضارات التى قامت على أرضنا. وعندنا فوق كل ذلك كتابان مقدسان : الانجيل والقراَن. وعندنا رسائل القديسين والصالحين. وما أحوجنا اليوم الى التمسك بمبادىء الدين، فنفعل ما أمرنا به وننتهى عما نهانا عنه.