كتَّاب إيلاف

حرب على الكتاب في العراق... ولبنان وفلسطين!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
فجّر الأرهابيون سوق المتنبي، سوق الكتب في بغداد. حوّلوا الحبر ألى دمّ في عاصمة العراق التي كانت ألى ما قبل فترة قصيرة مدينة تسعى ألى التواصل مع تاريخها العريق وأستعادته. كانت تطمح ألى ذلك بعد التخلّص من نظام عائلي- بعثي مكّن ثقافة الريف ذات الطابع البدائي من أجتياح المدينة. واضح ان المطلوب الآن، بعد الأحتلال الأميركي لبلد عربي،سابقاً، تجاوز أغتيال الأنسان ألى أغتيال كلّ ما هو حضاري في العراق. المطلوب أوّلاً تدمير المدينة التي صمدت في وجه هولاكو وأستعادت دورها التاريخي قبل أن يجتاحها الظلم والظلام والظلامية أبتداء من يوم الرابع عشر من تمّوز- يوليو 1958 عندما وُجد من يُسقط الحكم الملكي الذي كان رمزاً للعراق الحديث والديموقراطي القادر على التطوّر على كلّ الصعد والقادر قبل أيّ شيء آخر على أن يكون على تماس مع العالم ومع كلّ ما هو حضاريّ فيه.
لم يعد مسموحاً أن يكون هناك كتاب له شأن وقيمة في العراق. بات مطلوباً ان يكون العراق مرتعاً للميليشيات المذهبية التابعة للأحزاب الشيعية الكبرى من جهة وللأرهاب الذي تمارسه تنظيمات سنّية متطرّفة من جهة أخرى، تنظيمات تعتبر أرهابياً من نوع أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري مثلها الأعلى...
كلّ شيء يسير ألى خلف في العراق. كان الأمل بأن يؤدي أسقاط نظام صدّام حسين الى قيام نظام ديموقراطي محوره الأنسان والثقافة الحقيقية ذات الطابع العالمي، ألى أن تبيّن أنّ في الأمكان الآن الترحّم على نظام "المقابر الجماعية" الذي حصر همّه في نقل العراقيين من كارثة ألى أخرى. حتى الكتاب، لم يعد مسموحاً به في العراق. كلّ ما هو مسموح به أن تتفلّت الغرائز البدائية من عقالها وأن لا يكون هناك مكان سوى لتجمّعات سكانية متجانسة مذهبياً لا متسّع فيها سوى لرأي واحد يغلب عليه الغلوّ في التعصب تجاه الآخر.
هذا الكابوس لم يعد محصوراً بالعراق. أنتقل ألى لبنان وفلسطين أيضاً. كما في العراق، كذلك في لبنان وفلسطين.
يشهد لبنان حالياً محاولة لأعادته سنوات ألى خلف عبر "حزب الله" الذي اختار أستكمال الحرب الأسرائيلية على اللبنانيين وعلى عاصمتهم. تلك الحرب أفتعلها الحزب عن سابق تصوّر وتصميم من أجل أنقاذ النظام السوري من المحكمة ذات الطابع الدولي والسماح له بأعادة وصايته على لبنان عن طريق تدمير السلطة الشرعية اللبنانية الممثّلة بالحكومة التي يرئسها فؤاد السنيورة والتي تحظى بدعم الشرفاء في لبنان، أي بأكثرية الشعب اللبناني بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية الكريمة الذين هم في أساس التركيبة اللبنانية وأكثر اللبنانين حماسة للبنان العربي الحرّ المستقلّ من نير المحور الأيراني- السوري الذي يعتبرهم رهينة لديه. كان معرض الكتاب الذي تستضيفه بيروت كل سنة بين الضحايا التي تسبب بها التحرّك ألأخير ل"حزب الله" في أتجاه وسط المدينة. الهدف واضح كلّ الوضوح ما دام وسط بيروت يجمع بين اللبنانيين من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الأجتماعية. المطلوب أن يعود كل مواطن ألى طائفته ومذهبه ومنطقته. تماماً كما يحصل في العراق. المطلوب ألاّ يعود هناك تواصل بين اللبنانيين. المطلوب أغلاق بيروت وألغاء المدينة وتسكيرها بالشمع الأحمر على غرار بغداد. ليس مسموحاً بأن تكون بيروت عاصمة للثقافة والكتاب. المسموح فقط، بأسم محاربة الحكومة اللبنانية التي تحظى، ألى أشعار آخر، بدعم المجتمع الدولي، أن تنشأ حواجز بين اللبنانين، حواجز طائفية ومذهبية ومناطقية وأن يمتنع أي عربي أو أجنبي عن زيارة لبنان وعاصمته، أكان ذلك من أجل شراء كتاب أو من أجل أيّ شيء آخر...
أنتقلت العدوى ألى فلسطين أيضاً. في فلسطين، تشنّ "حماس"الحليف السنّي للمحور الأيراني -السوري، حملة على الثقافة والكتاب. قررت الحركة التي تسيطر على الحكومة الحالية التي يرأسها السيّد أسماعيل هنية منع كتب "قول يا طير" في المدارس الموجودة في قطاع غزّة. رأى وزير التربية، الحماسي جدّا في ما يبدو، والذي أضطر لا حقاً ألى التراجع عن قراره، أن الكتاب الذي يتضمن خمس وأربعين قصّة من التراث الشعبي الفلسطيني "مليء بالتعابير الجنسية". وأعتبر، أستناداً ألى تقرير وضعته أحدى اللجان" أنّ من الصعب علينا أبقاء كتاب من هذا النوع بين أيدي الطلاّب". صار التراث الشعبي خطراً على الطلاب في فلسطين. هذا ما يفترض أن تعترف به حركة مثل "حماس" تخاف الكتاب وتسعى عمليّاً ألى أنتاج أجيال جاهلة كي يسهل السيطرة عليها عبر ثقافة السذاجة التي تبثّها في الأراضي الفلسطينية. ربّما من حقّ "حماس" أن تفعل ذلك وان تحارب الكتاب من منطلق أنّه يهدد مستقبلها... هي التي تريد تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وليس تمكين الشعب الفلسطيني من الحصول على حقوقه المشروعة.
من العراق، ألى لبنان، ألى فلسطين. العدو واحد أنّه الكتاب. في بغداد، دمّر الأرهابيون سوق الكتاب. وفي بيروت، هناك من عمل على ألغاء معرض الكتاب وسط بيروت وعمل على تعطيل الحياة في المدينة والبلد. وفي فلسطين، هناك من يحارب الكتاب، أي كتاب يمكن أن يذكّر بالتراث في المدارس التي ينشأ فيها الجيل الجديد ويتربّى على ما يفترض أن يكون ثقافة الأنفتاح...ثقافة الحياة. أنّها حرب على ثقافة الحياة أكان ذلك في العراق أو لبنان أو فلسطين. من قال أن المعركة في مواجهة الجهل والجهالة والجاهلية والتعصّب المذهبي والطائفي ليست واحدة؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف