تعليقات البابا شنودة حول تعديل الدستور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أثارني مقال لرجب رمضان في صحيفة (المصري اليوم) بتاريخ 19/2/2007 التي يَصِفُ فيها ملاحظاتَ البابا شنودة الأخيرة على التغييراتِ المحتملةِ للمادة الثانيةِ من الدستورِ المصري. حيث تنص هذه المادة أنّ الإسلامِ هو الدينُ الرئيسيُ للدولة وأنّ الشريعةِ الإسلامية هي المصدرُ الرئيسيُ للتشريعِ. ولسوء الحظ، فإن السيد رمضان لَمْ يُقدّمْ الحقائقَ كما ينبغي عليه كصحفي محترف، بطريقة واقعية لا تحمل أي تحيز. ولكنه رغما عن ذلك قام بتحوير تعليقاتَ الزعيمِ القبطيِ على أنها تُشيرُ ضمناً إلى أنَّ الأقباط لا يُريدونَ أيّ تغييرات. وعلى الرغم مِنْ هذه الأخطاءِ الصارخةِ، انتشرت هذه المقالة كالنار في الهشيم عبر صفحات الإنترنت، جاعلا بَعْض المسلمين يظهرون شَماتَتهم ومؤديا لإحراجِ العديد من الأقباط.
أنا أعلم جيداً أنّ البابا شنودة لا يَدْعمُ جبهة عدوانيةَ ومضادة للحكومةِ. فهو زعيم ديني، ولَيسَ سياسيا، ولذلك فهو يعلق فقط على روحانيةِ التغييرِ، ولَيسَ على الجدال السياسيِ المتأصّلِ عن المطالبة بالتغيير. وانطلاقا من موقعِه كزعيم ديني، فقد صرح ببساطة بأنّ الأقباط إذا كانوا سيطالبون بالتغيير فإن ذلك سوف يتم على نحو سلمي. تعليقاتُ البابا شنودة أظهرت أيضاً أهمية تدخّلِ المسلمين في هذا النِقاشِ. كما أكد في حديثه على أن مسألة تغيير المادة الثانية من الدستور لا تُعَد قضية قبطية - وإنما قضية مصرية.
تصريح البابا يتوافق مع تقليد طويل المدى للأقباط اللذين على استعداد للتضحية دائما من أجل الوحدة الوطنية. فقد أظهر الأقباط تعهدهم من أجل حِماية مصرهم العزيزةَ. لذلك دعونا نَفْحصُ بَعْض أمثلةِ التضحيةِ القبطيةِ من أجل الوحدةِ الوطنيةِ:
عام 1907، تَظاهر الأقباط انطلاقا من إيمان عظيم بالجُهدِ الوطنيِ وذلك بالانضمام إلى حركةِ الوطني، الإسلامية الولاء، للدَعوة إلى إزالةَ الاحتلال البريطانيِ. وعلى الرغم من ذلك، تَغيّرتْ قيادات الحزبِ وأهدافِه واتجهت نحو التَرويج للسياساتِ الإسلاميةِ الصارمةِ، مما دفع الأقباط البارزون إلى ترك قيادة الحزب الوطني.
كرد فعل لهذا التغييرِ، قام الكثير من المسلمين والمسيحيين المعتدلين بتشكيل حركة الأمة للترويج للوحدة الوطنية. وقام أحمد لطفي السيّد، مؤسس حزبِ الأمة، بالترويج لشعارِ ldquo;مصر للمصريينrdquo;. ونَجحَ الحزب في تَعريف الهويةِ المصريةِ باعتبارها منفصلة عن الهويةِ العُثمانيةِ. صرّحَ أحمد لطفي السيّد بشكل خاص بأنّ الحركةَ الوطنيةَ كَانتْ مساندةً للأقباط لأن الحركةَ ساندت كُلّ المصريين - مسيحيين ومسلمين.
وعلى الرغم مِنْ ذلك، فإن العلاقات القبطية الإسلامية ظلت تعاني تحت وطأة الضغوط المشتركة من قبل المحتل البريطاني والسياسات الإسلامية الخديوية. وفي عام 1911, عقد مؤتمر قبطي بزعامة أسقفِ أسيوط كرد فعل على اغتيال بطرس غالي. وتعالت في المؤتمر المطالب العامة بتقرير حقوق الأقباطِ، وما لبث أن نشاء رد فعل طائفي إسلامي
التَوَتّرات تَحسّنتْ بثورةِ 1919 وتأسيس حزبِ الوفدَ. وكان زعيم حزبِ الوفدَ، سعد زغلول، حسّاسَ جداً بالنسبة للمطالب القبطيةِ وطلب أن يتم ترشيح ثلاثة أقباط لحزبِه. وأعلن سعد زغلول أيضاً أنّ الأقباط لديهم نفس الحقوقِ والالتزامات مثلهم مثل المسلمين. وهو ما أدى إلى قيام الأقباط بإلقاء أنفسهم في الثورة بكل إخلاص.
وفي عام 1920، استمر البريطانيون في إتباع الوسائل القديمة القائمة على سياسة فرق تسد وذلك عن طريق تعيين أحد الأقباط كرئيس للوزراء. و لإبراز الوحدة - ولرَفْض أيّ انقسام طائفي - اجتمع أكثر من 2,000 شخصِ في كنيسةِ المرقصية العظيمة للاحتجاج على حيل التفريق التي يتبعها البريطانيينِ. وقد حاول أحد الأقباط اغتيال القبطي، يوسف وهبي، الذي رشح لمنصب رئيس الوزراء. وهذه الحركةِ الاحتجاجية أظهرت رغبةَ القوية لدي الأقباط ببقائهم ملتزمين بالوحدةِ الوطنيةِ، حتى ولو على حساب فقدهم لمناصب خاصة محتملةِ في الحكومة.
رَفضَ الأقباط أيضا سياسات التمثيلِ الاعترافي البريطانيةَ (السياسة التي وَضعتْ حصة للجماعات الدينية فيما يتعلق بمقاعد البرلمان وتولي المناصب الأخرى) في الدستورِ المصريِ. كما رَفضَ كل من الحزب الوطني والوفد إدراج التمثيلِ الاعترافي على أساس أن هذا لا يعد أفضل طريقِ لتَمْثيل حقوقِ الأقليةِ، ولكنه ليس إلا وسيلةَ لإشاعة الفرقة داخل المجتمع.
وهذه الأمثلةِ التي ذكرناها سلفا جرت على نحو مخالف تماما من قبل المسيحيين و الاقباط في البلدان الأخرى في الحالات المماثلة. فعلى سبيل المثال، قَبلتْ لبنان الحِصَص التي عَرضتْ عليها مِن قِبل الفرنسيين، والآن تلك البلادِ تُمزّقُها الحرب الأهليةِ؛ والنزاع الطائفي والعنف منتشرُ في جميع أرجائِها. والسبب الوحيد في اختلاف مصر عن البلدانِ الأخرى أمثال لبنان والعراق وباكستان أن المسيحيين المصريينَ واصلوا الكفاح من أجل ما هو أفضل لمصر، حتى ولو على حساب حقوقِهم الخاصةِ.
قبل انقلاب الجيشِ عام 1952، أَخذَ المسلمين المعتدلينَ خطواتَ إيجابيةَ في الكفاح من أجل المساواةِ لكُلّ المواطنين. ولسوء الحظ، فمنذ قيام هذه الثورةِ واصل الأقباط تَضْحِيتهم، بينما المسلمين المعتدلينَ توقفوا عن دعمهم والتزموا الآن الصمت الكامل تجاه كل أعضاء المجتمعِ.
ناصر والسادات ومبارك نظموا ودعموا أعمال تمييزية خطيرة ضدّ الأقباط. وأصبح الأقباط الآن منعزلين في طبقة منفصلة وأدنى درجة من المواطنين الآخرين. وقد حَدثَ هذا دون أدنى احتجاج تقريبا من المسلمين المعتدلينِ. ونسرد فيما يلي بضع أمثلة عن أَفْعالِ الحكومة التمييزية.
تطبيق أحكام القانونِ الهمايوني القديم، الذي يقيد إلى حد كبير بناء وإصلاح الكنائسِ والأديرةِ.
قلة الترقيةِ أَو التعيينِ للأقباط في المواقعِ الحكوميةِ العليا والجيش والجامعات.
المعاملة المختلفة للمسيحيين ممن اعتنقوا الديانة الإسلامِية بالمقارنة لأولئك ممن اعتنقوا الديانة المسيحيةِ. فالحكومة تدعم سياسة تؤدي إلى تحول عدد كبير من الرجال والنساء الأقباط إلى الإسلام .
تعزز الحكومة الوسائل التعليمية والإعلامية المتطرفة ضد الأقباط.
وعلى الرغم مِنْ هذا الظلمِ الجائر، فقد أظهر الأقباط المصريينَ مدى الحاجةَ للسلوكِ والاعتبار السلميِ لتحقيق الوحدةِ الوطنيةِ. حيث يُدركُ البابا شنودة جيداً أنّ أيّ احتجاج مِنْ الأقباط يُمْكِنُ أَنْ يفتت روابطَ الوحدةِ الوطنيةِ، لهذا السبب جَعلَ مثل هذه التعليقات إلى المصري اليوم.
لقد كان يعلم البابا شنودة جيداً ما يقوله أثناء حديثه مع المصري اليوم. فقد كَانَ حديثه دعوة للأقباط للتَصَرُّف بطريقة سلمية في حالة رغبتهم للتغيير. وعندما تحدث عن المادة الثانية للدستور قال؛ أن المسلمين - ولَيسَ المسيحيين - هم المعنيين بمناقشته، لأنه لو عارضها المسيحيين فقط وطالبوا بتغييرها فسوف يؤدي ذلك إلى انقسامات طائفية. وقد تَصرّفَ البابا بحكمة في اختيار كلماتِه.
ونحن نرى أن المادة الثانية للدستورِ لَيستْ جيدةَ للمصريين وذلك للأسباب الآتية؛
المادة الثانية للدستور مضرة لكل المواطنين المصريين لأن من شأنها تحطيم مفهومَ الوحدةِ الوطنيةِ، حيث تمْنعُ شمول كُلّ المواطنين للفَخْر ببلادِهم، ومشاركة جيرانِهم هذا الفخرِ، بغض النظر عن دينِهم.
المادة الثانيةَ للدستورِ غامضة جداً، خاصة عندما يتعلق الأمر بتشريعَ حاسمَ يستند إلى الشريعة الإسلامية. فهو لم يُحدّدُ أَيّ طائفةَ أَو عشيرة إسلامية واجبة الأتباع - وكلنا نَعْرفُ أن هناك الكثير. وهو ما سوف يؤدي بشكل خطير إلى وجود تفسيرات متعددة وواسعة النطاق، مِنْ الراديكالي إلى المعتدلِ.
وبسبب الغموضِ المذكور أعلاهِ، أصبح الشيوخِ والمُلَّا مصدرَ السلطةِ لتفسير التشريعِ. وأضحت الآراء الشخصيةُ للشيوخِ تَحْملُ الكثير مِنْ الوزنَ فيما يتعلق بالقراراتِ الصادرة، وهو ما خولهم سلطة غير مسبوقة. وأصبحنا نواجه خطر الشيوخ الذين يديروا الدولة بينما تتبع الحكومة.
كلمات البابا شنودة درس لنا جميعا في معنى القوميةِ. فالأمثلة السالفة ذكرها تبرز مدى حاجة الأغلبية المسلمة للتحدث عاليا لتعزيز الوحدة الوطنية. وأنا على يقين ببيئة الخوف التي تسود مصر، ولكن مصر تتغير والأصوات المعارضة أصبحت أكثر قبولاً الآن ولا يستطيع أحد أَنْ يكبت الأصوات المعارضة المتزايدة إذا كانت واضحة ومسموعة.
إلى مسلمي مصر المعتدلينِ الذين يتحدثون بحرية للدفاع عن حقوق الأقباط، ومن بينهم فرج فوده الذي بذل حياته من أجل هذه القضية والدكتور أحمد صبحي منصور الذي نُفيّ من موطنه، وسعد الدين إبراهيم الذي سُجِنَ - نحن نتقدم جميعا بتوجيه الشكر لكم لنضالكم من أجل الوحدةِ الوطنيةِ في مصر.
إلى أصدقائِي، المصريون المسلمون المعتدلون، الملتزمون الصمت: تذكّروا آبائُكَم وأجدادُكَم، وكيف كانت ردة فعلهم تجاه الوحدة الوطنية منذ 80 عاماً مضت والتي أدت إلى صدور دستور 1923 الذي طالماً ما حلمنا به. لقد حان الوقت لرد التضحيات التي قام بها جيرانكم الأقباط لتعزيز الوحدة الوطنية.
* كُلّ أمثلة التضحيةِ القبطيةِ التاريخية أُخِذتْ مِنْ مقالةِ الأستاذة الدكتورة غادة تلحمي lsquo;lsquo;دروس مِنْ لبنانrdquo;. لقِراءة مقالتِها، الرجاءًانقر هنا.
كاتب المقال رئيس التجمع القبطي بالولايات المتحدة