كتَّاب إيلاف

رسالة الى وزير الداخلية العراقي

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

مع أن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان وفضله على كثير من المخلوقات تفضيلا، الا إن حكام العراق البائدين رفضوا هذا التكريم وصنفوا البشر وفق رغباتهم وعقولهم ، وصار تصنيفهم للإنسان في العراق وفقاً للقومية والمذهب، بدرجات وفقاً لقومية ومذهب الحاكم.
وعكست القوانين العراقية البائدة صورة بائسة لامتهان الناس حين صار أهل العراق من التابعية العثمانية ( عراقيين أصلاء )، بينما صار أهل العراق من التابعية الفارسية ( عراقيين دخلاء )، مع أن كلا الدولتين الفارسية والعثمانية احتلتا العراق في أزمان متفاوتة وظروف مختلفة، كان فيها أهل العراق تحت نير احتلال تلك الدولتين متمسكين بعراقيتهم.
وجميعنا نعرف أن ذلك التصنيف لم يكن الا لأسباب طائفية مقيتة، ولأسباب شوفينية مرفوضة، وبقي الأمل في صدور أهل العراق أن تلتفت حكومة عراقية وطنية لهذه الشروخ العميقة التي وضعتها تلك القوانين في التصنيف الأثني وتزيلها وتلغيها وتحرر العراقيين من قيودها، وتعيد لهم الاعتبار الوطني والإنساني، وان يعاد النظر في العودة الى تكريم الإنسان الذي فضله الله على الكثير من المخلوقات.
وتأريخ العراق القديم والحديث غير خافيا على أحد، وسكان العراق الأصلاء معجونين في تراب العراق ، وجزء لايتجزأ من تأريخه ونضاله الوطني، ولهذا فأن تصنيف العراقيين درجات لايمكن أن يستمر في عهد سقط فيه أخر الطغاة وانتهت معه حقبة مظلمة من تأريخ العراق.
وإذا كانت بعض شرائح العراق عانت مرارة تلك القوانين الجائرة ، فأن قانون الجنسية وشهادة الجنسية العراقية كانت الخنجر المسموم الذي ذبح مئات الآلاف من العوائل العراقية ظلما وبهتانا تحت تلك الذريعة الواهية.
وجاء الدستور العراقي وهو أعلى القوانين ورأسها الهرمي ليؤكد في باب الحقوق والحريات بأن العراقيين متساوون إمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العراق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي، وخلاف ذلك النص لايعدو الا باطلا ومخالفة صريحة للدستور.
وللحقيقة فأن جميع العراقيين متساوون إمام القانون باستثناء ( الكورد الفيلية )، فلم تشملهم المساواة لأسباب قد تدركها القيادة السياسية سواء مجلس النواب منهم أو الوزارة أو الأحزاب التي تشترك في العملية السياسية أو التي تعارضها.
الكورد الفيلية الذين ذاقوا مرارة الهوان والعذاب، وخصص لهم صدام مؤسسات متخصصة في تعذيبهم وقتلهم وتسفيرهم وتجريدهم من ممتلكاتهم، لم يشعروا أنهم قد تساووا مع العراقيين ضمن هذا النص، مع أنهم من العراقيين الأصلاء دون غبار، ومع أنهم قدموا لهذا العراق دون أن ينتظروا مكافأة من أحد، ومع أنهم في صلب الحركة الوطنية في كل أصنافها الا أنهم أضعف الشرائح في نيل ابسط حقوقهم الإنسانية.
الجنسية حق لكل مواطن عراقي وهي أساس مواطنته باستثناء الكورد الفيلية، فهم من طينة غير طينة العراق، وشريحة كانت غافية لاجنسية لهم ولاوطن ولاتاريخ ، بدليل إن وزارة الداخلية تطالبهم حتى اليوم بإثبات عراقيتهم وفقا لشهادة الجنسية العراقية، تلك الوثيقة التي استعملتها السلطات البائدة خنجرا مسموما للطعن في وطنية وإنسانية العراقي، وبدليل أنه تتم أحالة الكوردي الفيلي على مديرية الإقامة باعتباره مقيما في العراق وتنطبق عليه ما تنطبق على كل مقيم ( أجنبي ) في العراق لإضفاء الشرعية على وجوده في العراق.
رسالتي هذه الى السيد وزير الداخلية أن يتمعن في تاريخ العراق مليا ويعالج وضع الكورد الفيلية وفقا لهذا التأريخ، وأن يقرأ ما جرى على الكورد الفيلية ويقرر وفقاً لذلك، وأن يتعرف على الأوضاع المأساوية التي تحصل لهم حتى اليوم، وبعد مضي اربع سنوات على سقوط حكم الصنم، لم تستطع وزارة الداخلية ولا مديرية الجنسية والإقامة أن تستوعب عراقية الكورد الفيلية.
رسالتي هذه الى السيد وزر الداخلية من إن الكورد الفيلية لايستجدون الجنسية العراقية وإنما يريدون أيمانا مطلقا بدولة تعتمد معايير القانون وتحترم دستورها، وان لايتمسك بعض بقوانين صدام حتى اليوم، وأن الدستور يمنح الحق لكل من أسقطت عنه الجنسية العراقية أن يستعيدها، وانه لايمكن إن تسقط الجنسية العراقية عن العراقي بالولادة، فكيف بالكوردي الفيلي الثابت التاريخ والقومية والدين والمذهب والأنتساب الوطني ؟
وإذا كانت حالة اللاجنسية التي حصلت للكورد الفيلية وحدهم في هذا العالم ، فأن قرارات الأمم المتحدة وقبلها الشرائع السماوية منعت تجريد أي شخص من الجنسية أذا كان هذا التجريد يجعله عديم الجنسية ( المادة 8 من قرار الجمعية العامة 896 في 4 كانون الأول 1954 )، كما منعت إسقاط لجنسية التي مارسها صدام ضد الكورد الفيلية ضمن مخطط بعيد عن الوطنية والمروءة والشهامة حين سلط قدرات المؤسسات الأمنية للانتقام منهم.
واليوم ياسيادة وزير الداخلية حل الدستور الذي يعيد الاعتبار لكل عراقي وفقا للنصوص التي تضمنها باب الحقوق والحريات، ليس من الأنصاف ولا من العدالة إن يتم إحالة الكوردي الفيلي الى مديرية الإقامة لأجراء معاملة تجنس الأجانب، لأن الكوردي الفيلي ليس أجنبيا، ولأن الكوردي الفيلي سلب حقه القانوني والدستوري، ولأن السلطة البائدة تجاوزت على حقوقه الاعتبارية والمادية، ولذا يترتب على كل صاحب ضمير وطني وعراقي أصيل أن يساهم في أعادة الاعتبار لكل كوردي فيلي أسقطت عنه الجنسية، وان تساهم مؤسسات وزارة الداخلية في الإسراع بإعادة تلك الوثيقة للكورد الفيلية بأسهل الطرق وأقصرها، وأن تمنح الجنسية لأولادهم المولودين ضمن فترة التهجير القسري الصدامي، وأن تنظر لهم السلطة الحالية التي نفترض أنها تطبق القوانين وتعتمد الدستور على أساس مواطنتهم وإنسانيتهم كعراقيين ضحايا، والضحية ياسيادة الوزير لايطالب بأن يثبت عدم صحة الأجراء الظالم القسري، لأن الأمر سيؤدي الى إن تكون السلطة معترفة ضمنا بصحة تلك الإجراءات .
ياسيادة الوزير أن أحالة الكورد الفيلية الى نفس الإجراءات الظالمة يشكل ظلما آخر يتحمله أبناء الكورد الفيلية، وهؤلاء لم تزل عوائلهم حتى اليوم تسكن مخيمات اللجوء في دول الجوار، وفي ذلك
ليس فقط مخالفة دستورية وإنما امتهان للكرامة والحقوق، كما أن منح الكوردي الفيلي وثيقة أقامة مؤقتة تدلل على عدم قناعة السلطة التنفيذية بعراقية هذه الشريحة، وهذا الأمر يتطابق مع نظرة المؤسسات الأمنية الصدامية الظالمة وقوانين صدام التي اعتقدنا أنها رحلت مع الطاغية .
ياسيادة الوزير من الغريب أن تستكمل محكمة التحقيق في المحكمة الجنائية العراقية العليا الخاصة قضية جنائية تخص الكورد الفيلية باعتبارهم عراقيين من ضحايا النظام البائد، في حين لاتتم مساواتهم مع العراقيين بالفعل في الجنسية، ترى هل فكر أحد منا بحجم قدسية ( شهادة الجنسية ) التي تمنح المواطنة من الدرجة الأولى وتميز العراقيين وفق الأسس المذهبية ؟ وهل نهجت دولة أخرى في العالم تقوم بإصدار هوية الأحوال المدنية لمواطنيها، أن تقوم أيضا بإصدار شهادة لصحة تلك الهوية أو أن الأمر مقتصر على شريحة من شرائح العراق ؟
لنضع كل القوانين والنصوص الدستورية النافذة والقرارات التي أصدرتها الجمعية العامة والاتفاقيات الدولية جميعها على جهة، ونحتكم الى ضمير العراق وتأريخه، حتى يمكن إن نقرأ ما للكورد الفيلية وما عليهم ، ولماذا تتحمل هذه الشريحة كل هذا العذاب البشري دون إن تجد من ينتصر لتأريخها ووطنيتها وإنسانيتها في الإقرار بحق المواطنة الذي هم أحق من غيرهم به، فهم أهل العراق وبناته وفدائييه والمضحين في سبيله، وهم شهداء العراق وخيرة رجاله والسباقين لرفع المعارضة ضد كل الأنظمة الظالمة والدكتاتورية التي مرت على تاريخ العراق، هل يمكن لهؤلاء إن يحملوا كل تلك الإسهامات الإنسانية من أجل العراق ليقفوا أذلاء إمام موظفي الجنسية يثبتون عراقيتهم ؟؟
كنا نأمل من مجلس النواب أن يلتفت لكل هذا ويشرع قانونا بإعادة الاعتبار لكل الكورد الفيلية، وان يعيد لهم حقوقهم المادية وما سلبه منهم الطاغية وما أستغلته من أملاكهم المؤسسات الأمنية والحزبية، وأن يشرع قانونا يضمن لهم التعويض الاعتباري المعنوي لما فقدوه من حياتهم وما أصابهم من ضرر نتيجة ما حصل لهم من مأساة لم تزل مستمرة حتى اليوم.
كنا نأمل من مجلس النواب أن يلتفت الى وجع العراقيات من الكورد الفيلية الساكنات في مخيمات اللجوء يتحسرن على قنينة النفط حتى اليوم ويعيد لهم الاعتبار في إعادتهم لوطنهم وأهلهم، وكنا نأمل كثيرا ولكن وجعنا يزداد حين نعلم من إخوتنا الكورد الفيلية أنه تتم أحالتهم على مديرية الإقامة، وتمنح لهم بطاقات هوية مؤقتة لاتليق بالعراقي.
ومن الغريب أن تقوم وزارة الداخلية في الزمن الصدامي البغيض بتحمل وزر تنفيذ الجريمة ضد الكورد الفيلية، وان تقوم وزارة الداخلية في زمن العراق الجديد بتدقيق عراقيتهم التي سلبها صدام وتشك في أصالتهم بعد كل هذه المرارة.
للكورد الفيلية حق ومن يسلب هذا الحق سيحاكمه التاريخ قبل إن تحاكمه جماهير العراق، وقد مضت فترة طويلة كانت المرارة تملأ القلب، ونحن ننتظر أن يلتفت ضمير أو ينتفض حر ليعيد لهم ما سلبته الدكتاتورية وسلطات الطغيان الشوفينية.
لذا نأمل منكم التفاتة في إن تجسدوا نصوص الدستور وهي أعلى من القوانين ولا يجوز مخالفتها، ونأمل أيضا إن تقدموا على ما يعيد الاعتبار لتلك الأعداد من العراقيين بما يجعل عملكم هذا مسجلا كموقفا وطنيا ضمن فترة عملكم كوزير للداخلية، فالوزارات متغيرة والمراكز متغيرة وهي فرصة أخي الكريم في أن تتفحص معهم الألم الذي يشعر به الكوردي الفيلي حين يتم التعامل معه حتى اليوم وفق الأسس الخاطئة، وان تتمسك مؤسسات وزارتكم بكل النصوص التي حرص عليها الطاغية بقصد إيقاع أكبر الأذى بهم .
وأخيرا تقول مقدمة الدستور انه نحن أبناء وادي الرافدين عقدنا العزم على نصنع عراق المستقبل دون نعرة طائفية ولا نزعة عنصرية ولا عقدة مناطقية ولاتمييز ولا أقصاء ، فهل يمكن إن نحقق ذلك مع الكورد الفيلية ؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف