حماية الإصلاح أولا ثم العزاء للحالمين بالوزارة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
العزاء والمواساة للحالمين بالوزارة!
قبل كل تشكيل وزاري تتحول مجالس السعوديين إلى مصنع يفرز مختلف الشائعات، وتعيد تدوير الأسماء ناثرة خطوطاً عدة من الترشيحات المختلفة. ونظراً للطبيعة السرية المتصلة بالتشكيل تكتسب هذه الشائعات فعالية قوية، وتقترب كثيراً من ملامسة الحقيقة خصوصاً أن مطلقيها يراهنون، بثقة لافتة، على مصادرهم المطلعة، ومعلوماتهم الموثوقة.
هذه المرة رفع الانترنت من حرارة التوقعات، وأضفى عليها مايشبه قيمة النص المكتوب، وبدا لكثيرين أن أكثر الأسماء دوراناً ستنال نصيبها، إن بعداً وإن قرباً، وكلما تمتنت درجة التواتر استأنس الحائرون بهذه المعلومات المتناثرة، وربما بدأوا التعامل معها على أنها بنية المستقبل، وحقيقة القرار.
مع أن التجربة أظهرت أن التشكيل غاير، دائماً، التوقعات الشعبية، إلا أن حالة القلق والترقب تجعل منها الخيار الوحيد المتاح لبناء الحسابات. ورغم الخيبات التي اتعبت الحالمين الخاسرين، وعرضتهم لانتكاسات نفسية شتى، إلا أن دورة الخطأ تتكرر استناداً إلى أن الأحلام الهشة تتعلق، كثيراً، بحوافز واغراءات خادعة ومضللة بحثاً عن معالم تمنحها مبررات الصمود والاستمرار.
كثيرون أمضوا ليال طويلة أمام المرآة يتدربون على طريقة مميزة لإلقاء القسم، وأجهدوا أنفسهم في حسابات الدخول والخروج، وكيفية السلام وحفظ العبارات اللائقة. بعضهم جهزوا سيراً ذاتية تكشف عظمة انجازاتهم، وأن الدولة لم تخطيء حين اختارتهم بل خير من استأجرت القوي الأمين، وربما أمدوا الصحف بصور حديثة لهم مع عبارات الامتنان متضمنة أنهم يعتبرون المنصب تكليفاً لاتشريفا، والأيمان المغلظة بأنهم سيحدثون نقلات لصالح الوطن والمواطن. المؤسف أن الصحف تخطيء، أحياناً، فتنشر مثل هذه التصريحات لمرشحين لم يتمكنوا من الوصول، وإن كانت هذه الأخطاء لم تحدث، حتى الآن، في حالات التشكيل الوزراي لكنها تكررت في تعيينات مجلس الشورى!
من جهة أخرى ينشغل مرشحو الشائعات بدراسة طرق التعامل مع قائمة الهاتف، وتحديد ما يستحق منها البقاء ومايجب نفيه لصالح المرحلة الجديدة، وأسلوب الرد على مكالمات التبريك والتهنئة، وهل يقوم بها شخصياً أم يوكل الأمر لبعض أبنائه أو معاونيه. المتفائلون كثيراً مضوا عميقاً في هذا الاتجاه فاتفقوا مع بعض المطاعم لتوفير وجبات تكفي حجم الحشود المنتظرة، كما استأجروا "صبابين" لتغطية النقص الحاصل وفق الإمكانات العادية، وعينوا متحدثين رسميين لامتصاص الهجمة الإعلامية المفترضة.
أكثر المتضررين هم طبقة المنتفعين والمتوددين الذين انساقوا مع موجة الشائعات فبدلوا ولاءاتهم، وغيروا طبيعة علاقاتهم فكان نصيبهم الخسارة والخذلان، وقد تفشل جميع محاولاتهم اللاحقة لتبرير موقفهم، وشرح أسباب تنكرهم!
أيام طويلة من الأحلام والحسابات والانتظار كشفت لبعض المعنيين جوانب من التلون الاجتماعي إلا أن حصيلتها كانت برداً وسلاماً على الوزراء الحاليين، ومرارة ونكداً على المرشحين المفترضين، وأحزاناً على أسرهم وأقربائهم، ونقمة على أهل المنفعة المستعجلة والحسابات المرتبكة.
عندما لايحسن المرء الاستفادة من دروسه فإنه يكرر أخطاءه باستمرار!
التشكيل الوزاري وحماية الإصلاح
فاجأ التشكيل الوزاري الجديد جميع المراقبين إذ أن الملك منح ثقته الكاملة في طاقمه الحالي دون أي تغيير باستنثاء بعض وظائف المرتبة الممتازة.
كانت التوقعات تصب لصالح تغييرات كبرى خصوصاً أنها أول حكومة يشكلها الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ توليه مقاليد السلطة رسمياً. وفي كل الأحوال انحصرت التوقعات في تغيير محدود إلا أن الأمر الملكي إرتأى البقاء على الوضع ذاته، والتمديد للوزراء دورة ثانية.
ظاهرياً يبدو أن السبب الرئيس لهذا التمديد الشامل هو أن الموازنات الضخمة التي دعمت بها الحكومة معظم الوزارات لم يتح للوزراء الحاليين اثبات قدرتهم على الاستفادة منها، وتوظيفها إيجابياً لصالح المواطن باعتبار أن الشكوى الثابتة كانت نقص الإمكانات مايعيق أي محاولة للتطوير والتحسين، إضافة إلى أن التمديد ليس التزاماً مطلقاً بأحقية الوزير البقاء في منصبه لسنوات أربع قادمة إن ثبت عجزه عن الاستثمار الفعلي للدعم المالي الضخم، وتسييله للخدمة العامة.
من جهة أخرى فإن الدولة تؤكد ثبات خطها السياسي، وتعمل، في المستقبل المنظور، وفق نتائجه المتحققة حتى الآن، ولأن العمل ترسمه الاستراتيجية وينفذه الرجال فإن للمرحلة رجالها.
المسألة الأكثر دلالة وأهمية في استمراية التشكيل هي أن الدولة أعلنت بوضوح وبقوة أنها ملتزمة، كلياً، بالخط الإصلاحي الذي صبغ الفترة الماضية وهي، تالياً، تحبط كل المحاولات التحريضية التي استهدفت طوال الفترة الماضية، وعبر الانترنت تحديداً، أهم وزريرين اتصلا بالمرحلة الإصلاحية، وطبقا أو حاولا تطبيق متطلباتها الاجتماعية، وهما إياد مدني وغازي القصيبي.
هذان الوزيران تعرضا لحملة بذيئة شنتها أطراف صحوية متشددة معارضةلمستقبل البلد، ومتضررة من انفتاحه لأن غايتها امتلاك مفاتيح الهيمنة كما فعلت خلال أكثر من ربع قرن، كما أن تغيير هذين الوزيرين تحديداً سيمنحها، تلقائياً، قوة السلطة، واستعادة الوهج حتى وإن جاء استبدالهما لمعايير مهنية ووظيفية لاتتصل، بأي شكل، بنوعية مطالبها، وصدقية اشكالاتها.
كانت أبرز ملامح الحملة، فضلاً عن سوء أدبها، يقينها أنها تملك مفاتيح التأثير على الحكومة، وأنها صاحبة القرار الفعلي وإن لم تكن في موقع السلطة عملياً، إلا أن التشكيل كان صدمة قوية، يزيدها قوة وصلابة ترافقها مع حجب منتدى "الساحات" بعد أن ظل لفترة طويلة مثل مسجد "الضرار" إن لم يكن أسوأ وأكثر أذى.
التزم الإعلام بتوجهات الخط الإصلاحي لخادم الحرمين الشريفين، وأفسح للمواطن مساحته اللائقة فكان، للمرة الأولى، صوته للدولة، ووسيطه معها محققاً دوره الغائب والمهمش سابقا. ويمكن الافتراض أن التمديد لإياد جاء وفقاً لهذا الأداء خصوصاً أن الملك يدعو، دوماً، إلى عدم حجب صوت المواطن وتهميشه، ويحق القول أن بعض وسائل الإعلام السعودية أصبحت متابعة من قبل المواطن بعد أن كان يلتقط صوته من أماكن أخرى بعيدة ومتفرقة.
القصيبي عانى هو الآخر من صعوبات كثيرة، وراهن خصومه الكثر على أفول نجمه، إلا أن استمراره اليوم يؤكد أن المسيرة الإصلاحية ثابتة وغير منقطعة لأن هدفها الأساس هو خدمة الوطن والمواطن، ومن المؤكد أن غازي سيتحرك اليوم بصلابة وثقة أكثر من المرحلة الماضية بعد أن تجاوز كل العراقيل المنصوبة أمامه.
التهنئة واجبة لكل الوزراء إلا أن أن إياداً وغازياً يستحقان تحية وطنية.
Jasser87@hotmail.com