كتَّاب إيلاف

كنتُ رئيساً للكتاب العرب

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الثورة تأكل أبناءها. كم كان مُصيباً، صاحبُ هذا القول. وكم مَصيبة ومصيبة، ومصائب !، حينما إنحرفنا عن مباديء ثورة البعث العربي الإشتراكي؟ آخر تلك المصائب ـ أو بالأحرى، أشنعها ـ كان قرار إعفائي من رئاسة إتحاد الكتاب العرب، السوري. ثلاثة عقود من عمر الثورة، وأنا في منصبي ذاكَ، أقود الثقافة القومية نحوَ أهدافها في الوحدة والحرية والإشتراكية. والآن، بعدما أقالوني ورشحوا غيري للمنصب الخطير؛ الآن أعرفُ، وتعرفون أيضاً، أنه لا وحدة عربية تحققتْ، بل وحدة حال مع العجم ! ماذا سأفعلُ الآنَ بعد تقاعدي.. الآنَ الآن، وغداً: هل أشغل وقتي، مع الخادمة مثلاً، بتنظيف الفيلا؟.. هل أشغله، بمساعدة الطباخة.. أم بمسامرة سائق سيارتي، الخاصة؟ لو بقيَ لديّ سكرتيرة، على الأقل، لكي تصنف ما كانت تكتبه الصحافة عن أخبار نشاطاتي وإبداعاتي، المتنوعة. ولكن اللعنة، يبدو أنّ الخبرَ الوحيد، الذي سيتكرمون غداً به عليّ، لن يكون سوى خبرَ وفاتي. إنني ميّتٌ، فعلاً. فلم لا يأتون ويشيعوني، ويكتبوا في الصحف عني؟ لم ينسَني أهلُ الفضائيات، كما فعل معظم الصحافيين والنقاد الأدبيين، الجاحدين. أحمده تعالى، أنه بقيتْ لي الفضائيات، المقاومة، من خليجية وإيرانية.. أقصد، لبنانية ! نعم، فكل أسبوع لديّ ظهورٌ واحدٌ، أو أكثر، على الشاشة الصغيرة. فأصرخ عبرها بملء فمي، مندداً بالتطبيع ومعاهدة كامب ديفيد وإتفاقية سيناء الأولى والثانية وو.. الخ. لا، لستُ ميتاً تماماً. هل تموت أمة قائدها أسدٌ ومنشدها ديكٌ، هاااا!؟ هذا الأخير، لا أحد يجهله. إنه صديقي، بالمناسبة. كنتُ السبّاق قبل أربعة خمسة أعوام، بنشر أغنيته، العلوشية، على حقول الثقافة، المختلفة، وحتى قبل أن يصلنا قرار القيادة بذلك. منذئذٍ، صرنا نرقص على أنغام وكلمات هذه الأغنية؛ في الأفراح كما في الأتراح. حتى الرفيق وزير الأوقاف، أصابته عدوى الحماسة لمطربنا، وهوَ بصدد تعميم فتوى على المساجد، يتمّ بموجبها رفعُ الآذان بصوته، الملائكيّ.

الحديث عن الأسد والديك، لا بدّ أن يودي بنا إلى فصيلة اخرى: "الثورُ إذا سقط، تكثر السكاكين حول رقبته ". إنه مثل معروف، ينطق بحالي مع أصحاب الإفك، من مدعي الإصلاح والحداثة. إنه حديث طويل، يحتاج لوقفة متأنية. بيدَ أنني هنا، لن أشغل وقتكم كثيراً بالترهات. أكثرَ ما تناقله هؤلاء ضدي، مسألة الإعتقالات التي طالت الكثير من الكتاب، على عهدي الميمون، الدهري، كرئيس للإتحاد. وأصفهم بـ " الكتاب "، تجاوزاً: لأنني عند مراجعة سجلاتنا، في حينه، تبيّن لي أنّ أولئك المعتقلين وأضرابهم لم يكونوا مسجلين لدينا كمخبرين.. أقصد، كموظفين ! من جهته، فضابط أمن الإتحاد ( وهوَ أكفأ موظف عندنا، بالرغم من أنه شبه أمّي )، أكدَ لي شخصياً بأنه حتى منتقدي حضرتنا ليسوا كتاباً متاباً. ثمّ كانت الفضيحة المدوية، مؤخراً، التي ربما قرأتم جميعاً عنها: أعني إنكشاف حقيقة أكبر كتاب المسرح في سورية ـ رحمه الله، على كل حال. ألا تقول أنه، أيضاً، لم يكن كاتباً في يوم من الأيام. إذ وبالرغم من تأليفه تلك المسرحيات، العديدة، المنسوبة له، تبيّن لنا عند مراجعة السجلات أنه ليسَ عضواً في العصابة.. أقصد، في النقابة ! السيدة الفاضلة أرملته، رفعت علينا دعوى تطالب بحقوقه التقاعدية، وربحتها. ولأنه في أواخر أيامه لم يدفع إشتراكه السنوي، كعضو نقابيّ، فنحن بدورنا سنستأنف الحكم. وبذلك نعطي الدليلَ على نزاهتنا، قدّام الشعب والقيادة؛ على أنّ ماليّة الإتحاد ليست مشاعاً لأيّ كان؛ على أنّ زمنَ هدر المال العام قد ولى إلى.... ها، ماذا كنتُ أقول !؟.. نعم، نعم، تذكرت !.. على أنّ مسيرة الإصلاح والحداثة والسلاسة والشفافية، مستمرة؛ على أننا مع قائدنا الشاب إلى.. الأبد.

حديثنا عن الأسد والديك والثور، سينقلنا بدوره إلى فصيلة جديدة؛ وهذه المرة، إلى خليفتي في رئاسة الإتحاد: إنه ناقد، مبدع ( مع أنني لا أعتقد أنكم سمعتم بإسمه، قبلاً )؛ من قدّم دراساتٍ مستفيضة عن أثر الحيوان في الشعر الجاهلي والأموي والعلـ.... والعباسي، نعم ! لا أخفي عليكم، أنّ من رشحه للمنصب المهيب كان ضابط الأمن، ما غيره: " نحن نحتاج إلى مسؤول مثله، متفهم لأهمية الحيوان في غابة الصمود والمقاومة والممانعة، هذه ! "، أكدَ لي الرفيق بتصميم. لن أضيّع وقتكم، الثمين، في تفصيلات مملة عن إنتخابات الإتحاد. بجملة واحدة، عندنا ديمقراطية شعبية، وكفى ! ولن أعيد عليكم المناحة، بخصوص إجباري على الإستقالة من المنصب. فهذا كله، أضحى الآن ورائي. دعوهم يتكلمون عن سلبيات مرحلتي، ما شاءَ لهم التجني والحقد. يكفيني فخراً، أن 16 شخصاً قد تداولوا منصب رئاسة إتحاد كتاب السويد ـ بلد نوبل الآداب ـ في الفترة نفسها، تحديداً، التي شغلت فيها، لوحدي، منصب رئيس إتحاد الكتاب العرب في سورية. وكان لي الشرف، فضلاً عن ذلك، بأنه في الفترة عينها، فإنّ عضوية الإتحاد لدينا أضحت تفوق بعدة أضعاف ما لدى إتحاد كتاب فرنسة من أعضاء، على سبيل المثال. من حقكم التساؤل، والحالة تلك، ما لو صارت دمشقُ بيروتاً اخرى؟ كلا، لا سمحَ الله ! قبل معرفة السبب في بقائي بالمنصب، شبه المؤبد، وكذلك في تضخم إتحادنا، يجب العودة إلى إلى مسألة اخرى: إنها تخرصات " ذلك البعض "، المتناهية في قحتها، عما يزعمون أنه هجرة وهروب المبدعين، السوريين، إلى منافي الله الواسعة. لم ننكر يوماً عندنا، هذه الظاهرة السلبية بحق. ولقد عهدنا إلى لجنة في الحزب، تابعة للقيادة القطرية، مهمة معالجة الوضع وفق المتطلبات القومية. ترررن، يرن جرس هاتف مكتبي، على مدار الساعة: " ألو، مرحباً رفيق ! والله عندي إبن خيي، رسبَ هذه السنة بالبكالوريا العلمية وجاءَ إلى العاصمة مكتئباً فمتوحداً فشاعراً كبيراً ! ". أقولُ للمتصل، على عيني، ثمّ أضمّ قريبه ذاكَ لعضوية الإتحاد. ترررن، مكالمة اخرى: " ألو، يا أغلى رفيق ! عندي هذه البنية، أمورة ومدللة.. نعم، الله يخلي أولادك ! جميع صديقاتها في الضيعة نجحن في البكالوريا الأدبية، ودخلن معهد التمثيل في الشام. إبنتي رسبت، وصار عندها عقدة نفسية. ولن يشفيها سوى كيد هاته الصديقات، بأن تصبح أديبة فروائية فكاتبة مسلسلات سورية ! "..

Dilor7@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف