دور المؤسسات المدنية في المرحلة الراهنة،لجنة دعم الديمقراطية في العراق نموذجا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لم يزل الحلم العراقي قائما في إن تكون لنا دولة مدنية تقوم على التوازن وتلتزم بأسس الدستور ويحكمها القانون، وتشارك فيها جميع مكونات المجتمع العراقي بما لايخل بتركيبة المجتمع العراقي، وبما لايغبن ولايهمش اية شريحة قومية أو دينية أو مذهبية، مهما كان حجمها، فالشراكة في الحياة لاتنسجم مع الحجم ولاتتطابق مع الواقع ولاتخدم عملية البناء، لم يزل الحلم العراقي في الدولة الفيدرالية والديمقراطية التي يتساوى فيها المواطنون العراقيون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو الدين أو المذهب أو المعتقد السياسي أو الرأي أو الوضع الأقٌتصادي أو الأجتماعي.
وإذا كان الدستور العراقي ينظم العمل بين السلطات ويؤكد على الفصل بينها، فأن المرارة تكمن في عدم أنسجام تلك النصوص مع التطبيق الواقعي، عدم تطابق النص مع الفعل، مع ما يظهر من سلبيات في الشارع العراقي، وإذا كان الأفتراض الدستوري يؤكد على إن الدولة للجميع، أي أنها تمثل جميع الأفراد بشكل يؤكد انه دون التمسك بنص يؤكد حق الفرد في الحياة الآمنة والحرية، والتمتع بالممارسة الديمقراطية بشكل تدريجي ومنسجم مع تطور وتطلعات المجتمع، وبما ينسجم مع عدم حرمان الإنسان من هذه الحقوق، أو تقييدها كما يحدث اليوم من ممارسات سلبية يمكن إن تجعل العمل بهذا النص متوقفا أو مجمدا، وبالتالي فأن المنطق يقضي إن يكون هناك توصيف لشكل الدولة في حالها الحاضر، فهل نحن في حالة مؤقتة أم نسعى لبناء دولة الحزب الواحد ( حزب الأكثرية )، أو أنها الدولة الدينية، مع بقاء الحلم العراقي قائما في أن نعيد للحياة الدولة المدنية الحديثة أسسها ومقوماتها بعد خراب وتجربة مريرة مر بها العراق، وان نجعل الحلم الديمقراطي الفيدرالي لكل العراق دون إن يتحدد تطبيقه في مساحة معينة أو أقليم معين.
في العراق قوى سياسية مختلفة، منها ما يقف في صف اليمين ومنها مايقف في الوسط المعتدل ومنها أخيرا ما يصف نفسه باليسار، جميعها تزعم أنها تعمل من اجل تحقيق الحلم العراقي، والجميع يدعو الى اقامة الدولة بالنهج الديمقراطي الفيدرالي أو السعي لقبول الدولة المدنية، ولايمكن إن نجد احدا ينتقد ممارساته السلبية أو مواقفه التي تتعارض مع مسيرة البناء التي باتت الحلم القريب البعيد.
أنتهت الدكتاتورية الى غير رجعة، غير أنها بقيت راسخة في عقول وسياسات وتصرفات تمارسها جهات سياسية ويتلبس بها أشخاص، وتمارسها شرائح واسعة من الجماهير، يمكن إن تكون فترة الهيمنة الدكتاتورية وطول سيطرتها الزمنية على عقول الناس، جعلت مسحها وأزالتها ليس بالأمر الهين من النفوس، ومن ردة الفعل والأنعكاسات التي تبرز في مواقف أو تصرفات ومناهج، بالأضافة الى الملابسات والأختلاط في المواقف الذي أحدثته قوات الأحتلال التي أسقطت سلطة الدكتاتورية غير أنها بقيت جاثمة فوق الصدور.
المظاهر السلبية برزت على السطح كظواهر مرضية، وأمراض يبدو أنها كانت موجودة في الجسد العراقي، وبقيت تحت تأثير الدكتاتورية غافيةأو مستترة، ثم برزت منتشرة في الجسد العراقي بشكل مرضي مرعب، وفي ظل ظروف معقدة وبالغة الخطورة في الوضع العراقي المتزامن مع هجمة الإرهاب الدولي، واستهداف قوات الأحلال ومن ثم أستهداف كل بنية العراق الجديد تحت وطأة الفهم الطائفي لقوى الإرهاب، والمظاهر السلبية برزت في رد الفعل الطائفي، وفي التشكيلات المسلحة التي شكلت كل منها دولة مستقلة داخل جسد الدولة العراقية، أو في بروز ظاهرة السعي نحو أقامة الدولة الدينية سواء منها الطائفية الشيعية أو السنية.
وتحت غطاء الفعل الديمقراطي الذي تم أستغلاله ابشع استغلال تم الدفع بهذا الأتجاه مع تأزيم الخطوات المتلاحقة، وتوالت الخطوات والمواقف التي جعلت العراق الجديد يراوح في مكانه متمسكا في بقاء قوات الأحتلال حتى لاتقع الحرب الشعبية بين مكونات العراق حسب زعم العديد من الجهات السياسية، وتحت غطاء الديمقراطية تم تمرير مواقف طائفية أضرت وستضر بالعراق مستقبلا وتعيده خطوات كبيرة الى الوراء.
وإذا كانت القوى والاحزاب الدينية تسيطر اليوم على مفاصل الدولة العراقية، فأن القوى الديمقراطية والعلمانية المنحسرة تحت وطأة المليشيات والسطوة المفروضة بأسم الدين، وتحت حماية حراب المليشيات التي تفتقدها تلك القوى، وتمارس القوى الدينية فهمها السياسي من خلال مناهجها ورؤاها الدينية مذهبيا أو طائفيا، وتلك مناهجها وبرامجها المعلنة والتي تريد تحقيقها، غير أنها تتناسى أو ربما لاتريد إن تعرف إن هناك قوى أخرى تريد تحقيق ذلك الحلم الديمقراطي الفيدرالي، وأن تجد الوسائل المشتركة للحياة والقواسم التي تنيط بكل منها مهمة البناء والتأسيس، دون أن يحل المنهج الأحادي والذي يصطدم بنتائج الأهداف التي تسعى اليها القوى الدينية بالأشتراك مع بقية الفصائل السياسية، أو ربما تتقاطع وتتعارض معها، وبالتالي لن تكون للقوى الديمقراطية الفرصة في إن تنشأ لها موقعا في العملية السياسية، ويتم سحقها تحت مظلة الديمقراطية المغلفة بغطاء شفاف من الطائفية والمذهبية.
القوى الديمقراطية والعلمانية نفسها تعاني من تشرذم بعكس القوى الدينية التي تجحفلت في معسكرين، اما القوى الديمقراطية فقد باتت يائسة وضعيفة ومتفرقة ومتفرجة أمام الأزمات الحاصلة في حياة المجتمع العراقي، وبالتالي تخليها عن المواجهة والنضال والسعي للتوحد وتشكيل الجبهة الوطنية لأستعادة الخطوات التي يمكن إن تعيد الحلم العراقي الديمقراطي الفيدرالي الى واقع الحياة العراقية، وان تجعل الأمل قائما في إن تكون للقوميات وللأديان والمذاهب العراقية الفرصة الكاملة في المشاركة لبناء العراق الجديد.
وإذا كان الدستور العراقي ينص على أن الأسلام هو دين الدولة الرسمي وبالتالي فأنه مصدر أساس للتشريع، فانه أيضا لايمكن إن يتم سن قانون يتعارض مع ثوابت المباديء الديمقراطية ولاضد حقوق وحريات الافراد الواردة في الدستور، ويضمن الدستور ايضا كامل الحقوق الدينية لجميع إفراد الشعب العراقي، ولهذا فأن التعارض القائم في المنهج العلمي للسلطة والذي يشكل دورا مهما وبالغ الأهمية في محاولة تأسيس الدولة الدينية والذي يتناقض حتى مع المنهج الديني الذي يؤكد على فصل الدين عن الدولة.
وأذ نبحث بين نصوص الدستور عن مكامن الخلل في العملية السياسية، فأن النصوص لايمكن إن تعبر عن حقيقة الممارسة مالم نحاول إن نجعل الحلول القائمة والمقبولة من جميع القوى السياسية ضمن جبهة سياسية موحدة ضامنة لبناء العراق الديمقراطي الفيدرالي، حلول مشتركة يسعى الجميع لتحقيقها على ارض الواقع، ونابعة من حرص كل القوى بما فيها الدينية على مستقبل العراق، وحريصة على أقامة سلطة المجتمع المدني الضمانة الأكيدة في بناء الدولة القانونية التي يتحقق فيها فصل الدين عن الدولة، ويتحقق ايضا فصل السلطات الثلاث.
وإذا كان تفعيل دور القاعدة الأجتماعية والسياسية ضمن الدولة الأتحادية يساهم بشكل فاعل في تأمين المشاركة الشعبية في أوسع مساحة ممكنة، كما يساهم هذا التفعيل في تشخيص الخلل في اداء السياسيين ومدى الأبتعاد عن تجسيد النصوص الدستورية، وبالتالي مدى واقعية بعض النصوص الدستورية ومطابقتها للواقع العراقي وانسجامها مع المستقبل، كما يكشف هذا التفعيل الظواهر المرضية التي خلفتها الدكتاتورية في عقول بعض منا وما تركته من آثار نفسية يمكن تلافيها ونقدها وتشخيصها وأيجاد البدائل التي تخدم المسيرة والبناء.
أن المشاركة في البناء لايحتاج الى محاصصة أو تقسيمات تخالف واقع العراق السياسي، وأنما يحتاج البناء الى مساهمة جمعية من كل القوى التي تريد المساهمة الوطنية بوضع اللبنات الأولى في أسس الدولة المدنية الأتحادية.
وبناء الدولة المدنية الأتحادية لايقوم بناء على رغبة مجموعة سياسية معينة، ولاحزب واحد، وانما يساهم الجميع دون استثناء في عملية التأسيس ضمن منهج موحد وطني مبرمج في قيام جبهة وطنية لمرحلة تعد من اخطر وأعقد مراحل الحياة العراقية في العصر الحديث، حيث يسعى العراقيون الى بناء الدولة المدنية واللحاق بمسيرة الدول التي عبرت وتجاوزت الزمن العراقي.
لعلنا لانجانب الصواب حين نقر بتدني مستوى الوعي السياسي والثقافي لدى العراقيين، كنتيجة منطقية لما احدثته الدكتاتورية من خراب سياسي وثقافي، ومن ابتعاد وتقاطع الفرد عن مناهج التطور والثقافة، وايضا بفعل حالة القمع وآلة الموت التي كانت تسيطر على مجمل الحياة العراقية، لذا فأن عملية نشر الوعي والتثقيف بأتجاه مؤازرة بناء الدولة المدنية سيكون شاقا ومتعبا ومهما، وامام تجربة السنوات الاربعة التي خبرت بها الجماهير العراقية مناهج وأفكار وأفعال لحركات سياسية، فانها حركت بعض الشيء وعيا سياسيا وأيقاظا لركود في الذاكرة العراقية السياسية والثقافية، وتبني موقف سياسي جريء من خلال التجربة القصيرة والمريرة، ولعل المتابع لكتابات بعض الشباب وتطلعات بعض التجمعات ونشوء بعض الكتل والأحزاب وتصريحات بعض الشخصيات السياسية يشكل مؤشرا على ذلك، ولعل ما اشارت له الدراسات والأحصاءات الأخيرة في بعض مناطق العراق من مواقف جديدة للجماهير في الأختيار والمساندة دليل أكيد على تحرك مؤشر الحياة السياسية بأتجاه السعي وتمسك الجميع بحلم الدولة المدنية الأتحادية.
الندوات والنشرات والكتابات التي تساهم بها تيارات منها لجنة دعم الديمقراطية في العراق على سبيل المثال لاالحصر، وشخصيات مفكرة وباحثة تساهم ضمن امكانياتها في نشر الوعي الدستوري بأتجاه قيام الجبهة الوطنية الشاملة، أو بأتجاه تنسيق وتوحيد قوى الديمقراطية في العراق.
وإذا كانت الطائفية قي استفحلت وانتشرت في العراق، فأن تحجيمها ودحرها يكون بتشكيل الجدار الصلب من المدافعين عن قيام الدولة المدنية والساعين لقيامها، وتجريد الميليشات من سلاحها العسكري الفتاك بأعتبارها الحالة المتناقضة معها، وبالتالي السعي لتأمين نشر الآمن بين الناس لأمكانية أن تتم أستعادة القدرة على وقوف الناس مع القوى الديمقراطية دون خشية أو خوف.
أن فعاليات وتحرك لجنة دعم الديمقراطية في العراق التي تتخذ من لندن مركزا لنشاطها، وسعيها الدائم من اجل عقد مؤتمر عام للقوى والشخصيات الديمقراطية والليبرالية في العراق، لتفعيل دورها وفق برنامج وطني وديمقراطي وآليات عمل مشتركة، يجسد ذلك الحلم الذي لم يزل موجودا في داخل ارواح من ناضل وضحى وقدم للعراق، والعمل المشترك لايعني سوى التوحد الوطني والشراكة في التأسيس والبناء، من أجل أيجاد السبل والرؤى التي من شأنها إن تضع الحلول والطرق التي تمهد الخروج من الأزمة والمآزق التي تعيشه الناس في العراق، والذي تعانيه العملية السياسية في العراق، والناجم عن السياسات الخاطئة التي مارستها ولا تزال تمارسها الولايات المتحدة الأميركية، وأعتماد مبدأ المحاصصة الطائفية في النظام السياسي الراهن والمفروض قسرا، وتدخل المؤسسات الدينية في شؤون الدولة، والسياسات والممارسات الحزبية الضيقة، والدور المتفاقم للميليشيات والجماعات المسلحة، والتدخل السافر لدول الجوار، وتحول العراق الى قاعدة للأرهاب العالمي، مما وضع البلاد في بدايات حرب أهلية.
وإذا كان تشخيص مجموع الديمقراطيين والعلمانيين من ان احد الاسباب الرئيسة لهذا المأزق وعواقبه، وجود خلل خطير في المعادلة السياسية يتمثل في ضعف وتراجع دور التيار الوطني الديمقراطي، خصوصاً العربي الذي يشكل مع نظيره من القوميات الاخرى، ولاسيما الكردي، الرافعة الحقيقية الأمينة للدولة المدنية الأتحادية، مما يستلزم بحث سبل إنهاض وتفعيل هذا التيار عبر تعزيز العلاقات بين قواه وشخصياته وفق برنامج وطني وديمقراطي وأليات عمل مشتركة، ودون تلك الرؤى والنظرة المشتركة يبقى الجميع يراوح في مكانه دون تفعيل لتلك الآلية ودون إن نلمس أي تكاتف أو تعاضد للبدء في البناء المشترك لأن اليد الواحدة لايمكن لها إن تصفق ابدا.