كتَّاب إيلاف

بوتين والولاية الثالثة؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تجري هذه الأيام، في موسكو وسائر الاتحاد الروسي، مظاهرات شعبية صاخبة تدعو بوتين لولاية ثالثة. إن الدستور الروسي يحظر أكثر من ولايتين، وبوتين صرح مرارا في 2005 وفي 2006 بأنه لا يسعى لولاية ثالثة.
إن ما يجري مؤخرا لا يعقل أن يكون بعيدا عن إشارات من الكرملين نفسه، لكي تبدو أية ولاية ثالثة "خضوعا" من بوتين "للضغط والإرادة الشعبيين". إن هذا تكتيك ليس الأول من نوعه برغم التباين التام في الظروف والأشخاص والأهداف. نحن نتذكر استفتاءات "الولاء" لصدام والقذافي وغيرهما مع تأكيدنا مرة أخرى على أن الحالات متباينة جدا رغم أن الهدف المباشر هو بقاء الحاكم في منصبه.
لماذا نرى الصخب الروسي الحالي كتكتيك من الكرملين نفسه؟
إن المؤشرات لهذا الظن كثيرة، ولعل من أبرزها ما نشرته عن الحركة الشبابية الجديدة صحيفة الفيجارو الفرنسية القريبة من الحزب الحاكم في عدد 27 مارس الماضي تحت عنوان " انحراف السلطة الروسية قوميا وفي معاداة أمريكا ". إن هذه الحركة الشبابية قامت كمنظمة قبل عامين وهي تقوم بنشاط محموم لصالح الولاية الثالثة. إنها منظمة تذكرنا بالكومسمول السوفيتي، وهي تعلن جهارا أنها شباب بوتين، و"جهاز الاتصال" مع الرئيس. إن هذه المنظمة التي تسمي نفسها "ناشي" [ أي "لنا"] أنزلت يوم الأحد 25 مارس المنصرم 15000 من أعضائها لشوارع موسكو، وقد لبسوا زيا موحدا أبيض، وعلى رؤوسهم خوذ لعبة البزبول حمراء، تحمل رمز العقاب القديم، داعين المواطنين لإرسال التهاني لبوتين في الذكرى السابعة لتوليه السلطة على رأس الاتحاد الروسي؛ وخلال المظاهرات الاستعراضية وزعوا على لمواطنين "الجيدين" أو "الصالحين" عشرة آلاف بطاقة ألكترونية للتلفون النقال وذلك ليطلعوا على برنامج المنظمة ولكي يمكن استدعاؤهم للعمل. أعلنت ناشي أنها بحاجة إلى 100000 نصير لينزولوا للشوارع عند الطلب.
إن الأكثر ظاهرة بوتينية اليوم هي استخدام الأساليب السوفيتية في عهود الحرب الباردة بالنفخ في بوق معاداة أمريكا مع النفخ في بوق الغرور القومي الروسي. إن هؤلاء المجندين من ذوي الخوذ الحمر قرءوا في المظاهرات استبيانا من خمس نقاط لغرض لغرض لختيار "عناصر اتصال." وهذه بعض تلك الأسئلة كما أورتها الصحيفة الفرنسية:
" ما هو موقفك من الخطة الأمريكية لنشر الدروع الصاروخية حول روسيا مما "يخلق التوتر؟"
""هل الدول الغربية، والولايات المتحدة على الخصوص، تمارس سياسة عدائية أم ودية تجاه روسيا؟"
"هل الولايات المتحدة، ذلك الوحش النهم، ستكف عن خططها للاستيلاء على مواردنا؟"
في مقالنا بتاريخ 26 فبراير الماضي تحت عنوان "هل تعود الحرب الباردة؟" علقنا على مقال صحيفة لوموند اليسارية التي نشرت تقريرا ضافيا عنوانه "الحنين للحرب الباردة"، كما نشرت الفيجارو في نفس الوقت تقريرا على صفحة كاملة عنوانه "حرب باردة حول الدرع المضاد للصواريخ." الصحيفتان كانتا تعلقان على تصريحات وخطب لوتين تهاجم الولايات المتحدة بعنف ملحوظ وتتهمها "بتهديد الأمن الروسي". حقا كانت تلك الخطب والتصريحات تذكرنا بأيام الحرب الباردة بين المعسكرين [ عهد ذاك]. وأسئلة "ناشي" انزلاق أكثر نحو تأجيج العداء لأمريكا وعرضها للروس كمهدد للأمن الروسي. إن كلا من الانزلاق نحو العصبية والغرور القومي الروسيين والانزلاق في تأجيج حملة معاداة الولايات المتحدة باستعارة الخطاب السوفيتي زمن الحرب الباردة يصبان في هدف تعبئة الجماهير حول سياسة بوتين وخلق جو وكأن البلاد مهددة، وهي بحاجة لرجل قوي ومجرب للدفاع عن الأمن الروسي، أي بوتين نفسه. كما يمكن القول إنهما أيضا يستخدمان كسلاح لقمع أية معارضة داخلية بعد اتهامها بالانحراف نحو الغرب.
في مقالنا المذكور ذكرنا أن يوتين يعرف جيدا أن الولايات المتحدة لا تهدد أمنها، وأن هناك نقاط التقاء بينهما على الساحة الدولية برغم حرب المصالح بين الدولتين. فرغم أن روسيا هي الشريك النووي الأول لإيران فإنها اضطرت على مضض للموافقة على قرارات لمجلس الأمن تفرض العقوبات على نظام الملالي وإن كانت عقوبات غير حازمة بما يستعديه الخطر النووي الإيراني.
هل هي حقا عودة للحرب الباردة؟ لا نعتقد ذلك رغم تكرر الخطاب السوفيتي لأيام الحرب الباردة. وعدا نقاط الالتقاء بين الغرب وروسيا، فإن "المعسكر الاشتراكي" السابق قد انهار والدول الشرقية بمعظمها مالت للغرب وانضمت إلى الاتحاد الأوروبي أو في الطريق، والاتحاد السوفيتي نفسه قد تفكك، حيث استقلت عن روسيا الجمهوريات التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي. إن الاتحاد الروسي رغم قوته النووية، ورغم أنه دولة نفط وغاز تعتمد عليهما أوروبا، ويستخدم سلاح النفط والغاز للابتزاز السياسي، ليس بالوزن الذي يجعله "تكسر العظم" مع الولايات المتحدة وتحدي الغرب. كما له مشاكله الداخلية ووجود معارضة لبوتين يمارس بوتين نحو عناصرها الأساليب الستالينية في اغتيال المعارضين بالسم.
إن أغلب التقدير أن ولاية ثالثة لبوتين قيد التحضير، والمؤشر الجديد الأكبر اقتراح رئيس مجلس الشيوخ الروسي بمناقشة تعديل الدستور بما يمكن بوتين من ترشيح نفسه لولاية ثالثة. وقد برر اقتراحه بأن روسيا تمر في مرحلة انتقالية ستكون طويلة وأن فترة أربع سنوات وولايتين "غير كافية."
إن مصلحة روسيا هي في المساهمة في حماية الأمن الدولي ووقاية العالم من الأخطار المشتركة الجديدة ممثلة في الإرهاب الإسلاموي والدول التي تصدر الإرهاب وتمارس إرهاب الدولة، وفي مقدمتها إيران الساعية للسلاح النووي، والتي تهدد أمن لبنان والعراق والحلول السلمية للقضية الفلسطينية. إن أي تصعيد في الحملة الروسية العدائية الصاخبة ضد الغرب والولايات المتحدة لن تكون لا لصالح الأمن الدولي، ولا لصالح شعوب الاتحاد الروسي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف