كتَّاب إيلاف

وكيف يكون أبو سفيان إيزيدياً؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في مقاله المعنوَن ب"هل كان ابو سفيان أيزيديا؟"، المنشور في إيلاف(01.04.07)، يطرح الكاتب زهير كاظم عبود سؤالاً كثيراً وفريداً من نوعه، يمكن إدراجه في خانة "اللامفكر فيه" على مستوى الدراسات الإيزيدية.
الظاهر من بعض كتابات الكاتب القاضي عبود، المتعددة المنحى، ومن تصدر إسمه لقائمة كتاب المواقع المهتمة في شئون الإيزيديين وديانتهم، هو أنه حاول كل جهده(ولا يزال) أن يعاين الإيزيدية، عن كثب، بحثاً، وتاريخاً، وأسطورةً، واجتماعاً.
وعلى الرغم من بعض الزوابع الكلامية ال"دون إعلامية" التي أُثيرت حول مدى "صدقية" بحثه عن "خفايا وأسرار وأساطير" الديانة الإيزيدية، للنيل من مشروعه البحثي، الذي يسعى إلى تحقيق المزيد من "التنقيب في طبقات هذه الديانة"، تاريخياً، وأنثروبولوجياً، وميثولوجياً، إلاّ أنه لم يحد(على مستوى البحث/ النية)، عن المسار الذي أراد لمكتوبه أن يكون، فبقي هو يبحث ويُنقّب،، تاركاً الآخرين ليلتهوا بما يثيرون من حولهم من "كلام في الهواء". والمقصود بهذا "الكلام الهوائي" الذي شطح أهله فيه شطحاً مبيناً، هو ما جاء على صفحات مجلة الشيخان من "كلام ثقيل" بحق الكاتب عبود وجهوده الحثيثة في الكشف عن الإيزيديين وخفايا تاريخهم ومعتقداتهم، وهو الأمر الذي دفع به إلى الرد (12.01.0)، فاعتذرت أسرة تحرير المجلة إليه، بمسح المقال "الثقيل"، كاملاً، من ذاكرتها، وذلك تحت ضغط بعض الجهات والمؤسسات الثقافية الإيزيدية، ذات الشأن والعلاقة، وفي مقدمتها مركز لالش الثقافي والإجتماعي(يُنظر البيان التضامني مع الكاتب، 22.01.07).

بحسب اطلاعي ومعرفتي المتواضعة، وضع الكاتب زهير كاظم عبود حتى الآن، خمسة كتبٍ، بحث فيها عن "خفايا وأساطير ولاهوت وتاريخ" الديانة الإيزيدية، وهي: "لمحات عن اليزيدية، بغداد، 1994/لندن، ط2، 2000"؛ و"الأيزيدية حقائق وخفايا وأساطير، دار قنديل،2003" ؛ و "الشيخ عدي بن مسافر مجدد الديانة الأيزيدية، 2005"؛ و"طاووس ملك كبير ملائكة الأيزيدية، 2005" ؛ و"النبش والتنقيب عن التاريخ الأيزيدي القديم، منشور حديثاً، رقمياً، في بعض المواقع المهتمة بالشأن الإيزيدي".

على الرغم من أن الكاتب يفتتح المقال ب"العنوان السؤال"، مؤسساً إياه على "هلٍ" كبيرةٍ ومفتوحةٍ(أو التي من المفترض، منهجياً، أن تكون مفتوحةً) على قراءاتٍ واحتمالاتٍ عدة، إلا أنه سرعان ما يسعفنا بخاتمةٍ مغلقةٍ ومقفلةٍ، على جوابين مُحتمَلين لا ثالث لهما: ربما/إمّا amp; أو.
في محاولةٍ لتبني سؤاله الكبير الذي طرحه ب"هل" كبيرة، يجيب الكاتب عليه بجوابين مقفَلين، ختميين، بقوله: " ولكن ابو سفيان لم يكن يلتزم بدين معروف ومحدد قبل إن يدخل الأسلام عنوة، ولعله اعتقد بقدرة التمثال على التقرب الى الاله كما يعتقد الالاف غيره من ابناء الجزيرة قبل إن يحل الأسلام وينتشر، وربما جلبه معه أثناء سفراته التجارية ومروره بأقوام تعبد الاله وتقدس الطاؤوس ملك وتتخذ له شكلا رمزيا، أو انه حقا كان يعتقد بعبادة دين الايزيدية وتقديس طاؤوس ملك الذي لم يتسن له إن يحضر احتفالات السناجق السبعة في كل عام ومن ثم اسلم ظاهرا مذعنا لمنطق الخوف والخشية من أن تضرب عنقه في تلك اللحظات الحرجة، مخفيا ما يعتقد به من أيمانه بالأيزيدية".
فبحسب الجوابين الإحتماليين المقفلَين، إما أن يكون أبو سفيان قد "اعتقد بقدرة التمثال/تمثال طاووس ملك، على التقرب إلى الإله، فجلبه معه أثناء سفراته التجارية ومروره بأقوامٍ تعبد الإله وتقدس الطاووس ملك"، أو "أنه حقاً كان يعتقد بعبادة دين الإيزيدية وتقديس طاووس ملك".
وفي الحالتين، يمكن القول، وحسب الجوابين المغلقين، أن أبا سفيانٍ إما كان "معتقداً" بقدرة التمثال المجسد ل"طاووس ملك" وبالتالي "مؤمناً" بالدخول من خلاله إلى زمان الله،إيزيدياً، أو كان "معتقداً حقيقياً" بعبادة الإله الإيزيدي طاووس ملك، وبالتالي "مؤمناً إيزيدياً حقيقياً".

على مستوى السجود ل"الله الوثن"، لا شك أن عرب ما قبل الإسلام(عرب مايُسمى بالحقبة "الجاهلية"، وفقاً للمصطلح الإسلامي)، كانوا، كالكثيرين من أقوام وإثنيات الشرق "المجوسي" الكثير، عبدة أصنامٍ، من الطراز الممتاز.

فكان الله آلهةً، والصنمُ أصناماً، والكعبة كعباتٍ.
فعبدوا الإله أو "ال" "ايل"، في أشياء معروفة محسوسة، مثل "شمس" و "ورخ" بمعنى قمر، و "عثتر" و "الشعرى العبور" و "نجم" ة و "ثريا" وأمثال ذلك من أسماء تشير إلى أشياء مادية، هي كواكب ونجوم، يستدل منها على وجود عبادة الأجرام السماوية عند الجاهليين. كما عبدوا الإله، مجسدين إياه في نعوتٍ، لا تدل على ظواهر حسية وانما تعبر عن أمورٍ معنوية، مثل "ود-" بمعنى "حبّ" و "رض"،و"سعد"، و "حكم"، و "نهي"، و "صدق"، و "رحمن"، و "ر حم" "ها - ر حم" "الرحيم"، و "سمع"، "سميع"، و "محرمم" "محرم"( د. جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج3، ص707 )
كما عبدوا اللات والعزى والمناة،و ود، وسواع، ويعوق، ونسر، وهبل(إبن الكلبي، الأصنام).
وجاء في القرآن الكريم: "أفرأيتم اللات والعزى. ومناة الثالثة الأخرى"(النجم:19،20)؛ "وقالوا لا تَذَرُن الهتكم ولا تَذَرُون وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً"(سورة نوح:23).
ومن محجّات العرب وبيوتها المعظمة، قبل الإسلام، بيت عرف ب "بس" لغطفان، كانت تعبده؛ ومحجة صالح، ورضا، وديان، ورحيم، و بيت اللات، وبيت العزى، وبيت المناة، و بيت الصنم "ذو الخلصة"، ذكر أنه كان بتبالة، وكان يسمى ب "الكعبة اليمانية"، تمييزاً له عن الكعبة التي عرفت ب "الكعبة الشامية". وذكر أنه نفسه عرف ب "الكعبة الشامية"، كما دعي ب "كعبة اليمامة"، وكعبة ذي الشري، وكعبة ذي غابة الملقب بالقدس، وكعبة مكة(د.جواد علي: المفصل، ج3، ص 765ـ766amp;ج5، ص152ـ153، ص180،217،224 ) وكعبة نجران، وكعبة شداد الأيادي، وكعبة غطفان(الهمداني: الإكليل، ج8، ص48 ).

ومن بين هؤلاء العرب الوثنيين بالطبع، كان أبو سفيان(صخر بن حرب بن أمية القرشي بن عبد شمس بن عبد مناف)، حيث قيل فيه: كان رأس قريش وقائدها (يوم أحد) و(الخندق) كان له هنات وأمور صعبة حتى دخل الإسلام (يوم الفتح) فأسلم شبه مكره، وكان من الدهاة، وأهل الرأي والشرف، وقد شهد حنيناً، وأجزل له النبي - صلى الله عليه وسلم- العطاء ليأتلفه، وشهد قتال الطائف فقلعت عينه يومئذ، ثم قلعت الأخرى "يوم اليرموك"، وحسن إسلامه، وعُمِّر حتى رأى ولديه يزيد ثم معاوية أميرين على دمشق، وكان يحب الرئاسة والذكر، واختلف في عام وفاته بعد أن بلغ التسعين، والأقرب أنه توفي في عام 32هـ.(تاريخ خليفة: 1/24؛ أسد الغابة: 3/10، 6/148، سير أعلام النبلاء: 2/105؛ تهذيب التهذيب: 4/441؛ تاريخ الإسلام: 2/97.

أما في خصوص "إيزيدية" الرجل، واعتقاده ب"تمثال الطاووس" و"تعبده" له مع أهله، يقول الكاتب زهير كاظم عبود، بناءً على "مصادر" لم يثبتها، ما نصه:
"كان ابو سفيان(صخر بن حرب 57 هـ - ) من أسياد مكة وكان يعبد تمثالا يجسد الطاؤوس يضعة تارة داخل حجرة الكعبة، ويميز مكانه وموضعه، ويشرف على تنظيفة وتقديسه، ولطالما انسحب من بين الجموع التي تقف خاشعة أمام اللات والعزى وهبل ليدخل الى داخل حجرة الكعبة ويجثو على ركبتيه، أمام الطاؤوس رافعا كلتا يديه اليه، يرجوه إن يشفع له عند الله، وكان أحيانا ينقله معه الى حجرته في بيته يتعبده مع أهله، وحين شعر أن هجوم الجيش الاسلامي وشيك لفتح مكة، وحين تأكد له أن الرسول محمد ( ص ) وجيش المسلمين قادم لامحال، وانه سينتصر عليهم، قام بنقله بمعاونة ولده معاوية الى بيته القريب من دارة الكعبة، وبقي التمثال في بيته دون إن يتعرض له بالرغم من زعمه الدخول في الدين الجديد تحت وطأة الخوف من القتل".

بين ما طرحه الكاتب من سؤالٍ كبير، فيما لو كان أبو سفيان "إيزيدياً"، والجوابين المحتملين المقفلين(إما/أو)، وما جاء بينهما من سيرة "الطاووس" في حياة أبي سفيان الدينية، يمكن لنا أن نؤسس للسؤال التالي:
وهل هذا يكفي للذهاب إلى القول، بأن أبا سفيانٍ كان إيزيدياً؟
بناءً على طبيعة الديانة الإيزيدية المغلقة اللاتبشيرية والمنكفئة على ذاتها، ووفقاً لأبجديات المنهج المقارن لدراسة أوجه الشبه والإختلاف بين ظاهرتين، فإن الإجابة(في حدود معرفتي)، ب"نعم" على "إيزيدية أبي سفيان"، ليست بهذه السهولة.

حتى لو قدّس أبو سفيان "الطاووس الوثن"، على سبيل الفرض، وعبده، بإعتباره "صنماً إلهاً"، اعتقاداً منه، في كونه يحيّن زمان الله وجبروته، فإنّ ذلك لا يكفي لأن نحكم عليه ب"الإيزيدية"، لا كدينٍ ولا كدنيا. وذلك لإعتباراتٍ عدة:
1. عبادة الطير كإلهٍ وثن، والطاووس على وجه الخصوص، لا تقتصر على الديانة الإيزيدية وحدها. فمن قراءة العهد القديم، يتبين للمرء، أن عبادة الطيور المقدسة، كانت عبادةً منتشرةً، بين الأقوام القديمة عامةً، والأقوام الميزوبوتامية منها خاصةً: " لئلا تفسدوا و تعملوا لانفسكم تمثالا منحوتا صورة مثال ما شبه ذكر او انثى. شبه بهيمة ما مما على الارض شبه طير ما ذي جناح مما يطير في السماء.(سفر التثنية، 16:4amp;17:4). علماً أن هناك في الهند من يعبد كالإيزيدية تماماً، الإله ممثلاً في تماثيل الطاووس المقدسة. ويقال أن قبيلة هندية تدعى موري Mauri في أواسط الهند تعبد الطاووس الحي(د. سامي سعيد الأحمد: اليزيدية، أحوالهم ومعتقداتهم، ج2، ص43). وحسب قاموس الكتاب المقدس حيث وردت لفظة الطاووس فيه(1 مل 22:10 amp; أخبار 21:9)، فإنّ "الطاووس هو طائر هندي يوجد في الغابات ويهرب سريعاً إذا أزعج وحيث أن أهل البلاد لا يقبلون أن يُعامل بقسوة فإنه يشق طريقه إلى القرى".
2. على فرض أن أبا سفيان كان "إيزيدياً"، فلماذا لم نسمع أو أنقرأ في أمهات الكتب الإسلامية، التي حدثتنا عن الكثير الكثير عن أهل قريش، وأصنام و وثنيات قريش، وآلهة قريش، وأحزاب قريش، وخلافات وخصومات قريش، وكعبات ومحجات قريش، لماذ لم تخبرنا تلك الكتب عن معلومةٍ أو نصف معلومةٍ تُذكر، عن إيزيدية الرجل أو عبادته لآلهة الإيزيدية الأخرى(وما أكثرها)؟ ثم هل اقتناء الطاووس أو وثن الطاووس(الطاووس ملك كما يسميه الكاتب) يكفي لأن يُحكم على الرجل البعيد البعيد عن جغرافيا وتاريخ واجتماع الآلهة الإيزيدية، على أنه كان "إيزيدياً"، أو من المحتمل أن يكون قد عاش إيزيدياً قبل دخوله في دين محمدٍ الإسلام؟ حسب فرضية الكاتب، فإن احتمال "دخول" أبي سفيان إلى الإيزيدية وبالتالي تقديسه ل"الطاووس ملك"، ربما يكون قد جاء عن طريق "أسفاره إلى مدنٍ كانت تقدس الطاووس وتتبرك به إلى الله، ومنها مدينة تكريت، التي كان رجال الدين قد خصصوا لها سنجقاً/ أو طاووساً خاصاً بها"(كذا). على مستوى الدراسات الإيزيدية لم يُثبت حتى الآن "دخول" أية قبيلة أو أي فخذ ولا حتى أية عائلة، من شبه الجزيرة العربية، وفي مقدمتها عاصمتها الروحية مكة، لا سابقاً ولا لاحقاً، لم يُثبت أي "دخول" من قبيل ما افترضه الكاتب، في الدين الإيزيدي. ثم أن "الدخول"(وإن على سبيل الإفتراض) في الإيزيدية، كدينٍ ودنيا، هو في الأساس العقائدي لهذه الديانة، كما هو جليٌّ من قيام أتباعها وقعودهم، هو دخولٌ غايةٌ في الصعوبة،لا بل و غير ممكن(حسب العرف الإيزيدي)، لأن الإيزيديين منغلقون دينياً على أنفسهم، ولا يبشرون الآخرين بدينهم. فحسب عقيدتهم "لا دخول يُقبل في دينهم وأي خروجٍ منه هو خروجٌ مقفل، لا يحتمل دخولاً آخر". وربما هذا هو السبب، لا بل السرّ الرئيس في احتفاظ هذه الديانة، للآن، بخصوصيتها الكردية، على مستوى الأدب الديني(قه ول، به يت، دوعا، خه ريبوك، بايزوك...، حيث تُتلى باللغة الكردية/ اللهجة الكرمانجية البهدينانية)، والجغرافيا(مناطق سكنى الإيزيديين، تاريخياً، وجهة مكانهم الأقدس لالش ومحجاتهم الأخرى، متمركزة في وطنهم كردستان)، والتاريخ(يكاد تاريخهم في بعضه الكثير، من الحقبة القومية، أن يكون تاريخ مجمل كردهم، وربما لهذا تحديداً، نلاحظ ورود لفظة كردستان، في بعض نصوصهم الدينية)، والأنثروبولوجيا(عادات، تقاليد، أساليب المعيشة...الخ). وهو الأمر الذي أكّده غالبية من بحثوا في شئون هذا الدين من بحاثة، ومستشرقين، وعلماء أديان، وأنثروبولوجيين، وأثنولوجيين، ورحالة...ألخ. والجدير ذكره هو أن الكاتب زهير كاظم عبود نفسه، أكد في بعض كتبه التي بحث فيها عن الإيزيدية، وفي أكثر من موضع، على هذه الحقيقة. فيقول مثلاً: " وتشير خريطة الإحصاءات التي أصدرتها جمعية الجغرافية الملكية قبل الحكم الوطني في العراق والصادرة عام 1910 م من كون جنسيتهم كردية وأنهم قوم من الأكراد باقين على قدمهم وأكثر عاداتهم وتقاليدهم من الكردية "(من كتاب الأيزيدية حقائق وخفايا وأساطير، فصل حقيقة الأيزيدية/ النسخة الإلكترونية
http://www.bahzani.dk/services/book/chap2.htm ). ويضيف الكاتب في موضعٍ آخر من الكتاب ذاته: "أضف لكل هذا عدم وجود عشيرة عربية واحدة من بين كل العشائر التي تتشكل منها الطائفة الأيزيدية، وكل هذا يتناقض مع الدعوة التي تزعم بأن الشعب الأيزيدي من العرب وليسوا من الأكراد"(...)، وحتى لا أطيل عليكم ونصل لحد الملل في قراءة أسماء العشائر الأيزيديـة ألفت النظر الى عدم وجود أسم واحد لعشيرة عربية واحدة من بين تلك الأسماء المتوزعة على شتى بقاع الأرض التي يسكنها الأيزيديون "(ذات الكتاب، فصل حقائق وخفايا تاريخية). وهو مايتوافق و"صعوبة" هذا الدين، وبالتالي "صعوبة" لا بل "وعورة" الدخول ومن ثم الإندماج فيه، خصوصاً وأن الخريطة الإثنية على مستوى الإيزيدية قاطبةً(والمنتشرة في العراق، وسوريا، وتركيا، وأرمينيا، والمهجر من أمريكا إلى أوروبا)، تقول بذات المنبت، وذات الأصل والفصل الكرديين، وبذات التقوقع في الكرد ومن الكرد وإليهم، مثلما ذهب إليه أصحاب الشأن وأهل العلم، كما أسلفنا. وعليه، كيف يمكن التكهن بإيزيدية أبي سفيان (وهو العربي السيد) بإعتباره كان "رأس قريش وقائدها في يوم أحد والخندق"، وأحد أسياد مكة، و"أهلاً للرأي والشرف" فيها؟
3. على مستوى التأثر والتأثير المتبادلين بين الأقوام والجماعات البشرية(لا سيما تلك التي تتجاور أو تتداخل أو تحتك مع بعضها بعضاً)، يمكن لظاهرة التثاقف، أن تفعل فعلها، على امتداد الزمان والمكان، والقائمين على شئوونهما، ويمكن أن يُندرج بعض ما طرحه الكاتب من بعض سؤالٍ(هل كان ابو سفيان أيزيديا؟)، في هذا الإطار(أي الوقوع في ثقافة الآخر)، فالإحتمال(على صعوبته الكبيرة والكثيرة)، يمكن أن يظلّ مفتوحاً، لكن أن يُحكم على الرجل بهكذا جوابين مقفلين وصعبين(إما كان معتقداً بقدرة الطاووس التمثال للتقرب عبره إلى الله، أو كان معتقداً بعبادة دين الإيزيدية حقاً ـ كذا، حسبما ذهب إليه الكاتب عبود)، وبإيزيديةٍ أصعب، فهو ما يجعل من الصعوبة بمكان، اعتماده والركون إليه، ظناً مني أن المعلومة جاءت ببعضٍ من الشطح والشحة في اعتماد المصادر والإسنادات التاريخية الكافية.
أخيراً، إذا كان الكاتب زهير كاظم عبود، وفي سياق بحثه في شئون سؤاله الكبير الكثير(هل كان أبو سفيان أيزيدياً؟)، قد اكتفى بعبادة "تمثال الطاووس"، برهاناً وحكماً مقفلاً، على إيزيدية أبي سفيان، فإن السؤال الأكبر والأكثر الباقي، هو : وكيف كان أبو سفيان إيزيدياً؟

hoshengbroka@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف