كتَّاب إيلاف

صناعة المفاهيم البالية ـ القاتـلة؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

فنتازيا عربية

أن نختلق ونصطنع ونبتكر ونؤلف، مفاهيم ومصطلحات وشعارات، ما انزل الله بها من سلطان، ولا دليل يربطها بالواقع المـُعاش، ولا شاهد عليها غيرنا، فكل هذا شأننا وحدنا ( في العالم العربي سابقا، والعربي والإسلامي لاحقا). وان نكرر ونردد مثل هذه المفاهيم حتى نحفظها ونصدقها وتكون جزأً من أد بياتنا فهذا أيضا شأننا. وان نعمل بمثل بهذه المفاهيم لأنفسنا وعليها فهذا أيضا شان ثالث يهمنا وحدنا. ولكن أن نتجرأ و نتعامل مع الآخرين بمثل هذه المفاهيم فهذا قطعا شأن للآخرين فيه نصيب.

ما حدث في خلال العقود الثلاثة الماضية هو إننا أكثرنا من صناعة مثل تلك المفاهيم والمصطلحات، أي زودنا على ما عندنا و أضفنا إليه الكثير،كماً (أي زيادة العدد )،وكيفاً ( أي زيادة البعد عن الواقع ) ولكن المصيبة الأكبر هي أننا انتقلنا بهذه المفاهيم من، أماكنها المغلقة التي لا يسمعها منها أحد سوانا، إلى أجهزة الإعلام التي أصبحت تـُسمع وتُشاهَد في كل العالم في اللحظة و التو.
في السابق وقبل هذا الأوان كان يمكن فعل ذلك بلا تأثير، وكان يمكننا ان نقول ما نشاء،لأنه وبما إن إنتاجنا للحياة كله كلام في كلام ولا اثر للفعل فيه،وبما انه غالبا ما هو كلام خيالي ولا يربطه بالواقع أي رابط،إلا انه كان محصورا بيننا ولا يتخطانا إلى أحد، أو بمعنى آخر كنا نؤلف ونلحن ونغني ونسمع لأنفسنا. وطالما كان ذلك يُـسلينا ويُـطربنا،وطالما ارتضينا هذا الوضع لأنفسنا،وطالما عشنا في صورة خيالية وهمية صنعناها وارتضيناها لأنفسنا،وطالما كان ذلك محصورا بيننا ولا يتعدانا إلى الآخرين، طالما كان كل ذلك كذلك ورضينا به وسكتنا عليه- خوفاً أو جهلاً - لم تكن بالتالي توجد أي ملابسات أو إشكاليات، وكنا عايشين في امان وسبات (صيفي وشتوي) ومتفرغين لتفريخ الصبيان والبنات، من دون أن نسأل ماذا يأكلون؟، وكيف يترعرعون ؟، وماذا يكون مستقبلهم ؟.

ولكن أن نصحو من ذلك السُبات فجأة، ( كحشرة اعتقدت نفسها اسدا )، و ننتقل بتلك المفاهيم ـ التي ارتجلناها ـ للآخرين، وان تتحول مفاهيمنا من طور سرد،ورص،وتكرار الكلام، إلى الفعل، وان يكون ذلك الفعل اعتداء على الآخر وتحدياً له،فهذا قطعا ما لن يسكت عنه ذلك الآخر، ولن يحتمله، وقطعا سوف يواجهه بكل قوة وجبروت، وهذا هو ما يجري الآن بالفعل على ارض الواقع. وقد كنا في ذلك كمثل أطفال عاشوا في بيتهم (آخر دلع ) بسبب تهاون الوالدين معهم وعدم نصحهم وتوجيههم التوجيه الصحيح،وكانت تربيتهم لهم خاطئة، لذا هؤلاء الأطفال يسيئون السلوك والتصرف مع بعضهم البعض داخل بيتهم ومع والديهم وزوارهم، ويتصرفون داخل بيتهم بآخرعنجهية ولا مبالاة وقلة أدب من دون أن يقول لهم احد " عيب"، وعندما اشتد ساعد هؤلاء الأطفال وقويت عضلاتهم ـ أو هكذا ظنوا ـ صاروا يعتدون جسديا علي والديهم والزوار. كل ذلك لأن أحدا لم يزجرهم أو يردعهم أو ينهرهم على سلوكهم ذلك الذي شبوا عليه، لذا اعتبروا ان ما يفعلونه هو صحيح السلوك، لذلك عندما خرجوا إلي الشارع ـ بكل انتفاخ وفتونة ـ أرادوا ممارسة نفس السلوك على المارة في الشارع الذين لا يعرفونهم، وكان أن : ( عينك ما تشوف إلا النوووور )..... ولكن ولسؤ الحظ كان ذلك النوووور عليهم وعلى والديهم، ليحترق الجميع.... ولا أراكم الله مكروها في حشرة او اسد لديكم.
إنشاء الله في مقالات لاحقة سوف نناقش بعضاً من تلك المفاهيم التي سادت بيننا بلا مصوغات، وأوصلتنا إلى الدرك الأسفل وودتنا في داهية... ومن المفاهيم ما قتل.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف