العولمة وتأويلاتها؛ الطفولة بوصفها علامة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من التأصيل الاقتصادي حيث النزوع تحو التوحيد العالمي لمجمل الأنشطة والفعاليات المالية والتجارية والشركات العابرة للقومية، يكون مصطلح العولمة وقد اتخذ حضوره، بحساب البحث عن المصالح والسعي نحو جني الأرباح وتوسيع النفوذ، حيث الرواج الهائل لاقتصاديات السوق وحالة التواصل للتدفق المالي بين الشركات الكبرى والدور الذي تحصلت عليه البورصات العالمية، تواصلا مع ثورة المعلومات والتي تم تقديم منجزاتها عبر الإنترنت وقنوات التلفزيون الفضائية، وما أثمرت عنه من إلغاء للحدود والفواصل والمسافات، باعتبار الاستناد إلى التحديث والاتكال المتبادل بين الدول والمجتمعات. وبالقدر الذي يكون العامل الاقتصادي بمثابة الأصل الذي استندت إليه مجمل الفعاليات المرتبطة بالعولمة، فإن هجرة المعاني راحت تترسخ عبر القطاعات الأخرى، والتي باتت تتبدى في بروز مسألة الهوية والصراعات العرقية على الصعيد السياسي، أو حالة الزحف للنموذج الغربي على مجمل تفاصيل الحياة اليومية على الصعيد الثقافي.
أبرز واقع العولمة عن المزيد من حالات التقابل بين سياقين معرفيين ( الذاتي والحواري)، فيما توجهت البعض من الدعوات إلى التهليل نحو الاندماج بها والنهل عنها بوصفها حالة من السياق الباهر الزاخر بالقوة والقدرة على المبادرة، في الوقت الذي تبدت حالة الخواف والحذر من هذا الزحف، باعتبار التوقف الدقيق عند مرتكزاتها الاستهلاكية، حيث التطلع إلى تسويق العلاقات والمضامين والرؤى والرهانات، على الحد الذي تمكنت فيه من تقديم أيقوناتها ورموزها، عبر الحرص على تسويقها في سيل من الكرنفالات و الأنشطة الدعائية، والتي راحت تلتهم ساعات البث التلفزيوني، من خلال رموز إعلانية بعينها صارت بمثابة الوسائل التي لا يمن الاستغناء عنها، باعتبار ضغط الرسائل الإعلانية والحرص على تفعيلها من خلال اللون والصورة والشعارات الدعائية والتي راحت تنافس الرموز الوطنية، حتى أن إحدى الدراسات الميدانية أشارت إلى أن الطفل بات يعرف رموز محلات الوجبات السريعة، أكثر مما يعلم عن تفاصيل علم بلاده الوطني!
في تأويل العلاقة
تبرز العلاقة القائمة بين العولمة والطفولة عن احتمالات دلالية، حيث العلاقة التي لا يمكن لها أن تكون مجرد تجميع أعمى بين طرفين، بقدر ما تبرز أهمية البحث في موقع الطرف المقابل وآليات اشتغال الدلالة الخاصة به.وهذا ما يدعونا للتنبه إلى طبيعة البناء المضموني لمجمل النص والذي تمثله ( طبيعة العلاقة القائمة بين العولمة والطفولة)، حيث الانفتاح على الطريقة الممكنة التي يتم من خلالها تلقيه أو أشكال تداوله. الأمر الذي يقود نحو مسألة إنتاج المعنى من حيث ارتباطه بمضمون والإمكانية المتاحة نحو الإدراك.
ترى ما هو النسق الدلالي الشامل، الذي يمكن الوقوف عليه في طريقة قراءة العلاقة القائمة بين العولمة والطفولة؟ وما هون المعنى الذي يراد إنتاجه حول العولمة بكل التمويه والصراعية والتداخلات في المعاني القائمة عليها وفيها، وبين الطفولة المكتنزة بمعاني البراءة والنقاء والشفافية.طرفان متناقضان يصل حد الفصل بينهما إلى التمييز بين الأسود والأبيض، ولكن تمييزا من هذا النوع سيجعل من أمر الدرس والقراءة واقعة في إسار المسلمات والبديهيات، حيث الحقائق الثابتة النائية عن البحث والتقي، فيما يقود درس الدلالة عن الانفتاح على الاحتمالات الواسعة والتي لا يمكن أن تحدها حدود، بل أن التمعن العميق في الظواهر يقودنا إلى القول بأن أية ظاهرة تتفاعل في الواقع هي مشروع علامة.
أين يمكن رصد الفعل والتأثير وسط حالة الالتباس والتكثيف التي تحركه مسار العلاقة القائمة بيمن الطرفين، العولمة بكل ثقلها وسلطتها، والطفولة البريئة ذات التشكل الوجداني. فيما تكون الدلالة مرتبطة بطريقة الإنتاج وآلية الاشتغال وطبيعة موضوعها المستند إلى مؤولها.ومن هذا يكون مسار الفعل والتأثير وقد تركز عند أحد الأطراف والذي يقود إلى استحضار العولمة، تلك التي يمكن لها أن تقوم بفعل التمثيل الرمزي في اللغة المتداولة، وبالتالي العمل على صياغة الصورة الذهنية بحساب النزوع نحو السيطرة على الموضوع، والتطلع نحو تفريغ الوقائع من مضمونها الحقيقي.
المبادرة والتوجيه
لا يجد المراقب صعوبة في ترصد حالة الحصار لمفهوم العفوية، الذي تقوده المؤسسة الربحية - الاستهلاكية، والتي راحت تتوجه بكل ثقلها نحو إغراء غريزة الطفل، حيث الحصار الكثيف والبارز للعفوية، حتى ليكون المشهد وقد بات يقوم على الكم الهائل من الإغراء والهيمنة، من لون وصورة وموسيقى شائهة لا ترقى إلى مناجاة الروح ومداعبة الخيال، بقدر ما يكون المسعى فيه مرتكزا إلى كم الإغراء والتلقي السلبي، إنه التعقيد الساعي إلى إفراغ الواقع المعاش من البساطة، والتوجه إلى تكريس الشعور بدونية ما تملك، من خلال تقديم صورة لا تنفك تسعى نحو عقد المقارنة المباشرة بين النمط الاستهلاكي البراق، والذي تقوم على تقديمه مؤسسة عملاقة في الدعاية والإعلان والصور الخلابة، والنمط التقليدي الذي يتبدى مسكينا فقيرا يعاني من العوز والكرب والقتامة، ليكون الباب مشرعا نحو لعبة التقليد المباشر والاستهلاك المفرط، وفي هذا تبرز مقومات إدراك حفز العلامة، عبر انتقاء الحلقة الأضعف، ممثلة في الطفل، هذا الكائن الذي مازال في طور التكوين والنشء العاطفي، وهو عرض للتأثير والتلقي.بل يكاد الأمر يصل إلى التحريض في تقويض كل ماهو محلي، عبر تقديم شحنة مفرطة من الصورة العملاقة والمكتملة والمبهرة التي تقوم على إنتاجها المؤسسة الاستهلاكية، عبر توظيف فن الصورة السينمائية أو أفلام الكارتون، إلى الحد الذي يتم فيه ابتذال المضمون التراثي المحلي، ولنا في هذا أن نسأل عن مدى معرفة أطفالنا، بـ عنتر بن شداد أو الأميرة ذات الهمة والظاهر بيبرس، بإزاء مدى التباهي بما يملك الطفل المعاصر بكميات C D من ألعاب Play Station وما تحمله من مضامين عنف وقتل، أو الرموز السينمائية المستندة إلى مفتولي العضلات، حيث السيطرة على الرموز واستبدال المعاني عبر تقديم صورة البطل المستغرق في الوحشية، أو تعزيز حالة الوعي الزائف، من خلال تقديم جرعات من اللهو غير الهادف، والذي لا يثمر سوى المباهاة والمكابرة، وتقزيم حالة التنافس الحر والشريف، فيما يتم اللعب في حقل الوقت والذي يتم تقديمه من دون قيمة، وهذا ما يمكن ترصده في برامج الأطفال والتي راحت المزيد من الفضائيات المخصصة للأطفال تقدم برامجها على مدار اليوم، مما أفرزت حالة من الإشكال العائلي، حيث صعوبة تفرغ الطفل لإنجاز فروضه المدرسية، أو حالة اللهاث نحو شراء الرموز التي تقدمها المؤسسات التجارية في لهاث يومي، بات يمثل مشكلة عصية على الحل بالنسبة للمواطنين ذوي الدخل المحدود، في توفير متطلبات أطفالهم لاقتناء اللعب، مما بات يفرز حالة من الحرمان المصطنع بالنسبة للطفل، فحين يمتنع الأب عن شراء اللعبة الجديدة، يشعر الطفل بالعسف وبعدم أهمية ما يملك!
العولمة حين تؤول الطفولة
القراءة هنا تتوقف عند الشروط والخطوات والنسق الدلالي لإنتاج العلامة الدلالية.فعلى صعيد الخطوات لا تني العولمة عن التطلع نحو إنتاج متوالية من العلامات، تلك التي تكون بمثابة موضوع متواصل من البحث، حيث الانتقال من تمثيل إلى آخر في سبيل الوقوف على المعنى الجديد، الأمر الذي يجعل منها تكون دائرة في فلك إنتاج المعنى وتأويله.فالعولمة لا تتوقف عند الطفولة بوصفها هدفا مركزيا بقدر ما تكون علامة ودلالة من ضمن جملة واسعة وكبيرة من العلامات الكثيرة والتي تشكل مسعاها إلى بناء المعنى.
بين البناء والتحكم تتجلى مجمل فعاليات العولمة، سعيا إلى الربط بين العناصر، وهي في تحديدها للكل يكون منطلقها من الأجزاء، في سبيل الوصول إلى نتيجة.لكن من المهم التوقف عند الفرضيات الخاصة التي تبرزها طبيعة القراءة، فتأويل أية علاقة تنطلق من الإدراك وصولا إلى الفعل، والذي يستدعي وجود سياق يحدد أبعاده ومصادره وحجمه، الأمر الذي يبرز حالة من الاستبعاد للموقف المسبق حول العولمة في تفاعلها مع الطفولة، وهذا ما يجعلنا ندخل في مسألة النسق الدلالي وما يمكن ترصده من تقحمات تغلب على المعنى من حيث طرق انتشاره ونمطه حيث الإعادة القصدية لمجمل شبكة العلاقات القائمة، ومن هنا يبرز السؤال حول موقف العولمة من الطفولة، أو طريقة تأويلها لها، أو كيفية تداول معناها؟ فهل يمكن الاكتفاء بموقف مسبق ينطوي على ترصد الآثار السلبية الناجمة عن فعالية واسعة بإفراط كالعولمة وطريقة تعاطيها مع الطفولة، أم أن الأمر يستدعي التوقف عن جملة من المضامين الجديدة التي أبرزتها جملة من فعاليات المجتمع الأهلي غير الحكومي وطريقة التنسيق العالي والمكثف حول إبراز مجال التحالفات الاجتماعية والثقافية غير الرسمية وعلى الصعيد الدولي في سبيل ترصد ومعالجة المزيد من الظواهر المتعلقة بالطفولة، إن كان على صعيد عقد المؤتمرات واستخدام الشبكة الدولية للمعلومات للكشف عن استغلال الطفولة، إن كان في مجال الدعارة أو التجارة بهم أو تشغيلهم دون السن القانوني. والقدرة الواسعة على خلق وتوجيه رأي عام مساند وموجه للتنبه إلى تلك الظواهر، وبالتالي التأثير على صناع القرار.