كتَّاب إيلاف

العلمانية: نحو إعادة تأسيس قانوني (4)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

كما ذكرنا في مقالات سابقة، العلمانية لا يمكن اختصارها بمفهوم بسيط عن " دنيوية" الوظائف المدنية التي كانت مشغولة في الماضي من قبل السلطات الدينية. فرضية كهذه ستفترض في الواقع أن نفس الغايات ستبقى أو يحتفظ بها من خلال تحول Meacute;tamorphose في النماذج أو الأشكال. في الحقيقة ليس هذا هو الحال."العلمنة" Laiuml;cisation لا تقوم بأي تحول في المقدسات، ولا تؤسس أو توجد أي دين " دنيوي" أو "مدني": إنها تعيد تعريف،في نفس الوقت، غايات و أشكال السلطة السياسية، ووضعية الاختيار الديني، وتقود إلى بعدها الجوهري في حرية المسعى الروحي. فالمؤسسة الدينية ليست هي المؤسسة السياسية، و الله الذي تخلَّص من الانغماس و التلوث في السلطة الزمنية ليس هو القوة اللاهوتية/السياسية التي قامت بالشرعنة leacute;gitimation " العمودية " للسلطة الزمنية. حيث هذه الأخيرة حلت مكانها سيادة الشعب على نفسه.
العلمانية ليست فصل أو تحييد بسيط للطائفي confessionnelle. هذه الطريقة في التمييز، و التي هي سلبية بالمطلق، ليست إلا نتيجة للمقتضيات أو المتطلبات الإيجابية التي تعطيها معنى. هذه المتطلبات و المقتضيات تعود لما نستطيع أن نسميه تأسيس الحرية بشكل كلي و بشكل فردي: كلي لأن " المدينة أو الجمهورية" تتطلبه من أجل ممارسة المواطنة، فردي لأنه يؤدي للمساواة على صعيد الأخلاق كما السياسة.
بناء الاستقلال العقلاني للشخص من خلال المعرفة، هو الذي يضمن القدرة على تجاوز الوصاية و معها جماعات الضغط. فالعلمانية هي مرتبطة بالتعليم و المدرسة، إنها مؤسسة عضوية في " المدينة" وليس "خدمة" بسيطة. تحرير التقييم و قدرة المحاكمة الشخصية من كل أنواع الوصاية، إنه يسمح للمجتمع أن يقف أو يتمركز على مسافة من نفسه. و هذا ما يجعل بالإمكان خلق مرآة نقدية للثقافة الكلية أو الجمعية.
من أجل بناء مدنية سياسية حقيقية، تعنى بالمصلحة العامة، فكرة السيادة الشعبية يجب أن تترسخ داخل القلق في تعميم مرجعيات الدولة. فالفصل العلماني بين الدولة و الدين لا يعطي نفس المعنى بالنسبة لجمهورية أو "مدينة" ديمقراطية، حيث بدقة المجتمع السياسي كتلك " الدولة" هو مختلط مع الحكم. لهذا السبب آليات تقديس السلطات التقليدية " الزعيم الديني أو السياسي " مثلا، لا يمكن أن تتحول أو تنقل إلى بناء للمدينة السياسية أو بناء مدني. إنها أي " آليات التقديس " لا تستطيع أن تتطابق مع المدينة السياسية لا أن تقوم بوظائفها و لا أن تكون بنفس حالتها أو وضعها. المجتمع السياسي المضمون هو من خلال العلمانية و المساواة الأخلاقية للمواطنين في نفس الوقت كما الحرية في ممارسة معتقدهم، إنها " المدينة " هي التي تؤمن الحوار بين السيادة الجماعية و السيادة الفردية. إذا جلاء أو وضوح المواطن يتناسب أو يتكافأ مع العقل الذي ينقل إليه المعرفة و الثقافة، فإن عقيدته لن يكون مسيطرا عليها من خلال نفس العقيدة، المساواة الأخلاقية تعزز و تقوي الحرية الداخلية من خلال رفض إعطاء إي مميزات لاختيار روحي خاص. والدولة العلمانية تلحق أو تصل بالحيادية الطائفية قلق و هم التنفيذ الفعال لاستقلالية الحكم على أي أو كل مواطن. كذلك تعرَّف الدولة العلمانية: أنها لا تحتاج لأي شرعية خارجية، ولا لتقديس خاص لتبرير الشكل الذي تمارسه: حيث تأخذ قوتها الوحيدة من انتماء مواطنيها الذي يفهمونها كشكل موضوعي لسيادتهم الخاصة.ضمن هذا السياق، شعور الانتماء إلى نفس مجتمع القانون و الحقوق، ضروري من دون شك بالنسبة لتلاحمه، يتعايش مع الوعي العقلاني للمبادئ التي تؤسسه بشكل شرعي: إنه يختلف عن أشكال التضامن و التلاحم التقليدية في المجتمع.
العلمانية إذا لا يمكن فصلها عن مؤسسة تعمل بشكل صبور من أجل الفكر النقدي. هذا يعني تنفيذ و بشكل فاعل و في نفس الوقت ما يضع القوة العامة على مسافة من مختلف جماعات الضغط، و يعتق العقل عند الناس من كل هيمنة أو عقبة. إذا وفي وقت متزامن إنها العلمانية التي ترفع من القوة العامة وتعمم المبادئ، و المواطنين أيضا ترفعهم و ترتقي بهم للاستقلال العقلاني. فالعلمانية بهذه الحالة تعيد المواطنين أسيادا على أنفسهم، قادرين على عيش انتماءاتهم بشكل واضح ومميز لإعطاء معنى لعالم مشترك فيه يمكن الحوار بشكل أكبر وأفضل مع الآخرين الغير منغلقين أو مسجونين في مرجعياتهم الخاصة. هذا الحوار ليس له علاقة "بتوافق" بني كشكل من أشكال المخارج المشتركة أو تسويات بين المؤمنين بمعتقدات مختلفة: حيث هناك قلق في التفهم و الفهم المتبادل الذي يزيد من تفوق و تعالي " الخصوصية". كذلك ليس له علاقة " بالتوافق" الذي يؤدي للانغلاق ضمن الاختلاف أو المرجعية. ضمن هكذا سياق، العقيدة الدينية ليست منكرة أو أصبحت نسبية، ولكنها مدعوة أو منسوبة إلى لائحة من الوجود و من الحياة الروحية معترف بها في بعدها الخاص، من غير أي غموض. إنها رمز روحي من بين الرموز الأخرى، بلا خلط ممكن مع النزوع إلى البعد الكهنوتي، إلى تبشير غير متسامح، أو إلى تعصب و تزمت.
الإرساء أو الاستناد إلى تاريخ متفرد، بقايا و ترسبات إحساس أو شعور يطبع المتخيل و الذاكرة الإنسانية لمجتمع أو تجمع إنساني لا يدخل في تناقض مع إعادة التأسيس العلماني، و لكن يستطيع التوافق بشكل كبيرا معها إذا كانت "سجلات" الوجود هي واضحة و مميزة. العقائد المتعددة المتعايشة بشكل سلمي من غير شروط أخرى سوى احترام القواعد التي تسمح لكل واحد تقلد أو الانتماء إلى طائفته بحرية، و على قاعدة من المساواة الأخلاقية، والتي فقط الدولة العلمانية تستطيع بسبب حياديتها الطائفية ضمان ذلك: حيث لا يوجد أي اختيار روحي يمكن أن يكون لديه امتيازات على اختيارات أخرى، لا أحد يمكن أن يشعر بأنه ضحية للتمييز، هذا التمييز الذي سيكون في أقصى حالاته السيئة عندما نمأسس institutionnalisation مرجعية ما. القوة العامة في الدولة العلمانية ستعود إلى المثال المؤسس لها وهو الخير المشترك للجميع.

* ملاحظة: هذه الأجزاء الأربعة من محاولة إعادة قراءة العلمانية وهي " الجزء الأول" من قراءة المفهوم، اعتمدت على دراسات وكتب أوربية في هذا المجال وكان أهمها الكتاب الصادر بالفرنسية " Qursquo;est-ce que la laiuml;citeacute; " . بالإضافة للمراجع التالية:
- بيير هاييت،" العلمانية و السلطات، من أجل نقد للعقل العلماني"، باريس، دار نشر Kimeacute; 1998، بالفرنسية.
-جان بوبيرو،" تاريخ العلمانية الفرنسية"، باريس، دار نشر Puf 2000، بالفرنسية.
-جان بوبيرو، " الدين و العلمانية في أوربا"، باريس، دار نشر Syros 1994،بالفرنسية.
-جي كوك، " العلمانية و الجمهورية: الارتباط الضروري"، باريس، دار نشر Le Feacute;lin 1995، بالفرنسية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف