كتَّاب إيلاف

الطير المغرد... وحدة الأمة والتجربة اليابانية

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

من مفكرة سفير عربي في اليابان

كتب وليم بفاف في جريدة اليابان تايمز بتاريخ 25 مارس 2007 مقالة بعنوان، نصف قرن من السلام في الاتحاد الأوربي، يقول: "هذا الأحد سيحتفل الاتحاد الأوربي بخمسين عام منذ أنشاء معاهدة روما عام 1957 لشراكة أوربية باتحاد جمركي وسوق مشتركة ومؤسسة للتعاون الاقتصادي، وكانت مكونة من ستة دول أوربية وزاد عددها اليوم لتصبح سبعة وعشرين دولة. وهو تطور طبيعي لمعاهدة باريس عام 1951 التي تمت بتحرك فرنسي فاتفقت ألمانيا وبلجيكا وهولندا ولكسمبرج وايطاليا وفرنسا بوضع صناعتهم الحربية تحت تصرف المعاهدة المشتركة وكان الهدف من ذلك خلق سلام ابدي في أوروبا. وقد تشكل قبل ذلك وفي عام 1949 حلف الناتو وبنفس الهدف لدمج الولايات المتحدة وكندا وأوربا ضمن تعاون دفاعي مشترك."
تلاحظ عزيزي القارئ كيف كان نجاح التجربة الأوربية بالتعاون الأمني والاقتصادي والتجاري سببا للتنمية وانتشار الديمقراطية واستقرار السلام بعد الحروب المدمرة. ويسترسل الكاتب ليوضح أثر تلك التجربة على العالم أجمع، "لم تكن آلة الحرب الأمريكية سبب الهزيمة للاتحاد السوفيتي، بل الاتحاد الأوربي كان هو العامل الوحيد للهزيمة في الحرب الباردة.....فقد توضح أخيرا بان الحادثة الفعلية الوحيدة لإنهاء الحرب الباردة هي زيارة الرئيس غورباشوف مع زوجته في عام 1990 لشمال فرنسا حينما لاحظ حقيقة أوربا المتعاونة والمتطورة والمتمتعة بالأمن والسلام، فحينها حس بهزيمة الاتحاد السوفيتي وانتصار الغرب." فهزيمة السوفيت تمت من خلال انتصار الديمقراطية الأوربية في التنمية والسلام، لا باستعمال أسلحتها المدمرة. وقد يكون أيضا انتصارا للسوفيت ليكتشفوا بأن الديمقراطية قد تجلب الأمن والسلام والسعادة لشعوبهم، لا الحرب الباردة ولا الصواريخ المدمرة النووية. ولنتذكر عزيزي القارئ فليس هناك انتصارا في الحروب بعد اليوم، في قرية العولمة الصغيرة، بل دمار وخراب وإفلاس اقتصاديات قوية. ومن الجدير بالذكر بأنه قد بدأت مشاورات بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وأستراليا والأتحاد الأوربي والهند لدراسة شراكة أمنية وأقتصادية جديدة. فدول العالم تعمل لوحدة عملها لتنمية الاقتصاد واستباب الأمن والسلام في سوق العولمة الجديد.
لقد لفتت نظري هده التطورات وأنشغل عقلي بسؤال محير وهو كيف تحولت أوربا المتقاتلة والمتناحرة وخلال خمسين عاما إلى وحدة من سبعة وعشرين دولة قوية ومتطورة ومسالمة وأمنه، لا بل تحاول أن تخلق شراكة أمنية وأقتصادية مع اليابان وأستراليا وأمريكا وربما الهند أيضا؟ فهل لنا الحق أن نحلم كأبناء أمة عربية اسلامية بحلم الأمن الدفاعي المشترك، والاتحاد الجمركي والسوق العربية المشتركة، ومؤسسة للتعاون الاقتصادي المشترك؟ ويقول المثل الأمريكي إذا أردت أن تحلم فأحلم بحلم كبير. ويذكرني ذلك بمقال قرأته في مجلة الايكونومست البريطانية في افتتاحيتها بإحد أعدداها في عام 2003 يقول فيها الكاتب، مع أن الدول العربية تجمعها التاريخ والثقافة واللغة والموارد الطبيعية والبشرية، وهي مهبط الأديان السماوية الثلاث ومهيأة لبناء الولايات العربية المتحدة، ولكن ومع الأسف تجدها تتخلف من سيئ إلى أسوء. ويتساءل الكاتب، فهل تتصور بأن ما أنتجته هذه الدول جميعها ومنذ ألف عام وحتى الآن من الكتب لا يعادل ما تنتجه اسبانيا في سنة واحدة. فماذا يعني الكاتب بذلك؟ هل يعني بأننا أمة لا تقرأ، أم أننا أمة لا تكتب، أم أمة لا تفكر؟ أم أمة لا تسجل حضارتها وتبرز ابداعاتها؟
لندرس التاريخ الياباني، فقد يخلق لدينا الأمل، لنستفيد من تجربتهم ونتجنب أخطائهم، لتنمية أوضاعنا. كتب كنيث هنشول في كتابه تاريخ اليابان، "في شهر سبتمبر من عام 1543 ضلت سفينة صينية خشبية طريقها للوصول إلى ننجبو في الصين، ورست على شواطئ تانجاشيما جنوب كيوشو في اليابان. وكانت على ظهر السفينة بحارة صنيون وثلاثة بحارة برتغاليون. وقد جلبوا معهم بنادق متطورة عن البنادق المغول السابقة المستعملة في اليابان. وقام اليابانيون بتطوير تصنيعها للوردات الحرب اليابانية....وقد وجد هؤلاء الاوربيون اليابان بلد منقسمة بالحرب الأهلية، بلد لوردات الحرب الدين لا يعترفون بأية حكومة مركزية، ويستولون على ما تصل له أيديهم، بالغدر والخيانة او بالقوة. وقد وجد في دلك الوقت في ملفات الموتى بيت شعر كتب في حوالي عام 1500 خلال عهد سنجوكو، يقول فيها، الطير ...بجسم واحد...ولكن بمنقارين...ينقر جسمه....حتى الموت."
هذا هو واقع تاريخ اليابان، طير بمنقارين ينهش في لحمه وحتى الموت، وقد تتساءل عزيزي القارئ، وكيف تغير دلك الوضع. يرجع الفضل لوحدة البلاد لثلاث من قيادات عساكر السموراي وهم اودا نوبونجا وتويوتومي هديوشي وتوكوجوا اياسون. ولكل منهم شخصيته الخاصة، وهناك قول ياباني مشهور " ادا لم يغني الطير المغرد فنوبناجا سيقتله وهيديوشي يقنعه ليغني وأياسو سينتظره حتى يغني." فبالقوة والحكمة والصبر أستطاع هؤلاء الثلاثة أن يوحدوا اليابان ويوجدوا الاستقرار، لتنتقل لعهد نهضة الاودو، عهد التعليم، من عام 1600 حتى عام 1868، ثم تلاها عهد التعليم والتصنيع وهو عهد الميجي من عام 1868 حتى عام 1912. وخلال هذه الفترة تطور التعليم والصناعة التكنولوجية وازدهر الاقتصاد. وبعدها زادت الثقة بالنفس وأنتشرت فكرة التوسع للدول المجاورة، وفعلا توغل عساكر اليابان في الدول الاسيوية حالمين بإمبراطورية شاسعة من أستراليا حتى روسيا، ولكن انتهت هده الطموحات والثقة الزائدة بالنفس لدمار اليابان واستسلامها في نهاية الحرب العالمية الثانية.
فهل من الممكن أن نستفيد من التجربة اليابانية ونتجنب أخطائها؟ فنحن في أمس الحاجة لوحدة العمل والتخطيط، لسوق عربية مشتركة، واتفاق أمني موحد، ومؤسسة اقتصادية متجانسة. لنستطيع التفرغ بعدها لتطوير التعليم والصناعة التكنولوجية وتقدم الثقافة العربية المشتركة، بعيدة عن الطائفية الدينية والمذهبية والشوفونية العرقية، وللعمل ضمن بوتقة الحضارة الانسانية لتنمية البشرية وسعادتها، ومعرفة التعامل مع تحديات العولمة الجديدة. وقد خفق قلبي بالأمل حينما قرأت كلمة خادم الحرمين الشريفين في القمة العربية الذي أنعقد في الرياض يومي 28-29 مارس 2007 حيث خطب يقول، "منذ أكثر من ستين سنة أنشئت الجامعة العربية، لتكون نواة للوحدة العربية، وحدة الجيوش، ووحدة الاقتصاد، ووحدة السياسة، وقبل ذلك كله وحدة القلوب والعقول." فقد أكد جلالته أهمية الأمن العربي المشترك، ووحدة السوق والاقتصاد، وأهمية سياسة عربية دولية متوافقة. ثم شخص جلالته وبصراحة فائقة داء ضعفنا فقال، "أننا اليوم أبعد عن الوحدة من يوم أنشئت الجامعة...والسؤال ماذا فعلنا طيلة هذه السنين لحل كل ذلك(من النكبات؟ ...إن اللوم الحقيقي يقع علينا نحن قادة الأمة العربية، فخلافاتنا الدائمة، ورفضنا الأخذ بأسباب الوحدة، كل هذا جعل الأمة تفقد الثقة في مصداقيتنا، وتفقد الأمل في يومها وغدها." فتفرقنا وخلافاتنا أدت لفقد الثقة في بعضنا البعض، وأعطت الفرصة لنا وللغير لننهش في جسم أمتنا العربية الإسلامية، وأدى ذلك لتقاعسنا ولفقد شبابنا الأمل بالمستقبل. وأكمل جلالته في كلمته بالقول، "إن الفرقة ليست قدرنا، وان التخلف ليس مصيرنا ...إنني رغم اليأس مليء بالأمل، ورغم أسباب التشاؤم متمسك بالتفاؤل، ورغم العسر أتطلع إلى اليسر...واني أدعوكم، وأبدأ بنفسي إلى بداية جديدة، تتوحد فيها قلوبنا، وتلتحم صفوفنا، أدعوكم إلى مسيرة لا تتوقف إلا وقد حققت آمالها في الوحدة، والعزة، والرخاء.." وما أجمل ما انتهت به كلمة خادم الحرمين الشريفين الوحدة والعزة والرخاء، وهو حلم كل إنسان عربي. وطبعا الرخاء كلمة شاملة تعني الثروة الاقتصادية والعدل الاجتماعي والصحة الجسمية والعقلية والروحية، وسعادة القلب والنفس.
وقد كان إعلان الرياض للقمة العربية والتي ترأسها جلالته يوم التاسع والعشرون من مارس 2007 إضاءة أمل ينتظرها المواطن العربي منذ عقود. فأكد الإعلان على تحصين الهوية واللغة العربية في عقول شبابنا، بمفهوم عصري ثقافي، يثريه التعدد والتنوع ألفسيفسائي الجميل، وبانفتاحه على التقنية والاقتصاد العالمي. كما أصر على أهمية تطوير التعليم بتحديث شامل، وبترسيخ الحوار والإبداع، وتكريس مبادئ حقوق الإنسان والمشاركة الفاعلة للمرأة. وأوضح الإعلان أهمية نشر ثقافة الاعتدال والتسامح والحوار والانفتاح، وترسيخ التضامن العربي الفاعل وتنمية الحوار مع دول الجوار، وحماية الأمن العربي الجماعي. كما أكد على الخيار الاستراتيجي للسلام العادل والشامل، وأهمية خلو المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وحق الدول في امتلاك الطاقة النووية السلمية وفقا للمرجعيات الدولية.
فهل تمر أمتنا العربية الإسلامية بمرحلة جديدة لبدأ الصعود، وبوحدة التنمية والمصير، لتشارك مع الركب الإنساني لاستمرارية تقدم الحضارة البشرية؟ وهل سيعيد التاريخ الياباني نفسه في وطننا العربي؟ وهل سيكرر تاريخنا يوما هذه المقولة "إذا لم يغرد البلبل، فصاحب المطرقة المخملية، خادم الحرمين الشريفين، سيقنعه وينتظره حتى يغني." والى لقاء وحدة ورخاء.

سفير مملكة البحرين باليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف