كتَّاب إيلاف

مكاشفة مؤتمر خطير يصارع الاضداد!!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مدخل : بين المعرفي والسياسي

احكي لكم اليوم قرائي الاعزاء بعض انطباعاتي عن مؤتمر شاركت فيه مؤخرا، ولا اريد ان اذكر عن اسمه وعنوانه، اذ كتب عنه الكثير، وبرغم كل ما كتب من مقالات وتعليقات لا يخرج بعضها عن اضفاء المديح والتهليل له، في حين لم يخرج بعضها الاخر عن تعليقات خطيرة وشتائم مقذعة واتهامات لا اساس لها من الصحة.. اعذروني ان اتكلم بروح نقدية صادقة في " ملاحظات " أزعم انني سجلتها بضمير حي وبروح اكاديمية حيادية.. وهدفي منها خدمة اي مؤتمر قادم والاستفادة من التجربة، فضلا عن توضيح ما اراه امام كل المؤتمرين المشاركين وليس تقليلا من شأنهم او التقليل من شأن المؤتمر.. واقولها صراحة انني قد تعلمت من تلك المناسبة الكثير سلبا وايجابا، ففي كل يوم يتعّلم الانسان الكثير من طبائع الاشياء، ويعاين كيف يفكر الناس وكيف يتصرّف المجتمعون..
وبرغم كل الذي جرى في ايام المؤتمر يدخل باب السياسة، وهو لا يمس المعرفة بأي شيئ من الاشياء.. والفرق كما يعلم الاكاديميون الحقيقيون كبير بين مؤتمر علمي صرف يشارك فيه اساتذة وعلماء وخبراء ومختصون وبين مؤتمر سياسي او اعلامي يشارك فيه اعلاميون وسياسيون ومثقفون.. ولما كنت قد شاركت على امتداد حياتي العلمية في عشرات المؤتمرات وبدول مختلفة، فانني اقول بأن الروح العلمية والاصول الادبية والمعلومات المؤكدة تفتقد دوما في المؤتمرات السياسية التي كثيرا ما تنقلب الى ميدان استعراضات او الى سوق هرج ومرج.. بل وتزداد في المؤتمرات السياسية والدعائية الشتائم والسباب والجدالات الرادحة ! في حين تسود المؤتمرات العلمية النقاشات النقدية والحوارات الجادة والمعلومات الموسوعية الدقيقة.. ناهيكم عن كون اي مؤتمر اذا افتقد التنظيم ووقع تحت سطوة قوى معينة او ارتهن ضمن سلطة معينة سيكون مصيره الفشل لا محالة، لأن المشاركين سيتحركون ضمن اجندة معينة ولا يمارسون حريتهم ابدا.. خصوصا اذا افتقد المؤتمر " ورقة عمل " تتضمن جدول اعماله في اطار القضية التي سيعالجها المؤتمرون بشكل جدي ومستفيض، اما ان دخل المؤتمرون مؤتمرهم وخرجوا من جلساتهم من دون اي جدول للاعمال.. ولا اي ورقة حقيقية متكاملة، فان كل مشارك سيخرج علينا بمقالة يقرأها على هواه من دون اي فحص وتدقيق او تقويم لمعلوماته ومداخلاته.. وعليه، فان المؤتمر سيغدو طبخة تجمع كل الالوان الرخوة من دون اي طعم ولا اي ذوق.. وسوف لن يستطيع المؤتمر الخروج ببيان ختامي رصين متفق عليه من قبل الجميع.

التشنجات تأكل كل الاهداف
ان من يسعى لمعالجة ظاهرة خطيرة في واقعه او تاريخه.. عليه ان يلتزم بها ويعالجها معالجات ذكية وغاية في الامانة والانفتاح بعيدا عن التشنج وبعيدا عن القدح والذم وممارسة تدفق سيل من الشتائم والسباب التي سوف لا تخدم القضية التي من اجلها اجتمع الناس من اصقاع الدنيا.. ومن اجلها انفقت اموالا طائلة.. ان " الكلمة الطيبة صدقة " وان السماحة اعلى درجات الاخلاق عند الانسان.. بل وان طريقة التعامل بين المشاركين لابد ان تنم عن اعلى درجات الحلم واحترام حق الانسان في الرأي ووجهة النظر.. ان الالتزام باصول المعاملة يمنحنا الفرصة لأن نتقدم بقضايانا الى كل العالم.. وبعكس ذلك فاننا نفتقد ليس اوراقنا، بل نخسر كل الذين يؤمنون بقضيتنا او مجموعة قضايانا الانسانية.
لا يمكن ان يفاجئ المؤتمرون باناس لا يعرفون غير السب والشتم والصياح والانفعال وممارسة الاهانات بحق دين او شعب او مجتمع او اقلية او اكثرية او حكومة او زعيم دولة.. ربما كنت اختلف اختلافا جذريا مع سياسة هذا او فلسفة ذاك او ايديولوجية قوى معينة او سياسات سلطة ما.. ولكن البحث عن حلول لمشكلات معقدة وتقاليد متوارثة لا يمكن ان تنفعها ابدا الخطابات الساخنة وسيضرها حتما توزيع الاتهامات واطلاق الاهانات.. وربما اقبلها من اي انسان مضطهد يشعر بالغبن والظلم طوال حياته او من سيدة متمردة على كل التاريخ وخارجة عن كل الاطواق، ولكنني لن اقبلها ابدا من رجل مجّرب او من قبل استاذ اكاديمي او من صاحب قضية يحملها على الملأ كله !
اذا كان موضوع المؤتمر او شعاره قد اعلن عن موضوع معين او ظاهرة لها خصوصيتها.. وان اغلب الاوراق والمداخلات قد صبّت اهتمامها في هذا السبيل، فكيف يمكن ان تضاف في ساعة الختام قضية اخرى لا علاقة لها بالاولى ابدا، بل انها قضية عامة تخص نصف المجتمع ؟؟ وهل من الاصول ان تغدو القضية مزاجية، ليضيع الهدف الاسمى والقضية الحقيقية، فلم يفلح المؤتمر لا بما هو معلن عنه ولا بما اضيف اليه ! واذا كانت هناك وجهة نظر مخالفة، فان ذلك ظاهرة صحية.. اذ لا يمكن ابدا ان نتشدق بالديمقراطية، ولكننا نصادر الرأي ونستبد برأينا، بل ونفرضه على الاخرين رغما عن انوفهم ! لا يمكننا ان نفتح صفحات جديدة ازاء المستقبل ان كان هناك تأجيج للكراهية والاحقاد بين الناس. ومن جانب آخر، لا يمكن السكوت ابدا عن ممارسات خاطئة ترتكب بحق المجتمعات من قبل السلطات في كل من الدولة والمجتمع. لقد كان المؤتمر برغم كل مشكلاته ظاهرة حيوية لابد ان يتطور نحو الافضل.. وكم تمنيت وانا اشارك كل جلساته وما وراء الجلسات ان تنتفي من صدور البعض كل الاحقاد وكل الكراهية التي لا تضفي معالجة ولا تفسح الطريق للتعايش السلمي في المستقبل.. كما اتمنى مخلصا من البعض ان يصحح معلوماته ويعيد النظر في الارقام التي ذكرها والاحصائيات التي لا اساس لها من الصحة !

الخطة وجدول الاعمال
ان تنفيذ اي خطة لانجاح مؤتمر معين يمُثل درجة من الخطورة والحساسية ينبغي ان يكون مسؤولا عنها شخص واحد فالسفينة لا تبحر ابدا ان كثر الربابنة فيها، وان اي مؤتمر لا يمكن ان يتداخل عمل راعيه ومنظّمه مع واجب رئيسه مع اجندة المشرف عليه مع مهمة المقرر له.. ان المؤتمرات كثيرا ما تفشل في حياتنا بسبب وصاية من هنا او اجندة معينة من هناك.. واتمنى على اي مؤتمر من مؤتمراتنا النجاح في تحقيق الاهداف التي تسعى من اجلها.. اذ انني وجدت كم من المخلصين الذين يطمحون لابداء ارائهم وعرض افكارهم والكشف عن الامهم ومعاناتهم.. وكلها بحاجة الى ان يترجمها المؤتمر الى العالم.
ان من ابسط ما يعرف عن المؤتمرات السياسية التي لا علاقة لها بالمعرفة والعلم، بل تلك التي تقع في حزام السياسة والدعاية وحقوق الانسان انها تمارس دورها بما له علاقة بالسياسة والدين والمجتمع.. اذ لا يمكن تجريد اي مشارك من هذه الميادين. اما ان يعلن " المؤتمر " عن عدم مزاولة السياسة والدين، فاننا بذلك انما نضحك على انفسنا.. فكل ما عرض في المؤتمر كان سياسيا يتضمن هجوما او يحتوي سبابا او يطلق تهما على قوى وتواريخ وجاليات واكثريات ودول وحكومات وزعماء.. ان مؤتمرات كهذه التي تنعقد في ارجاء متعددة من العالم لا ضير ان عالجت سياسات وافكار ومؤدلجات.. ولكن ضمن حدود معينة.. اذ ليس من المعقول ان نسخر احدى الجلسات لشتم دين معين واتهامه باشنع الصفات وقد استأنس الجميع منصتين ومستهزئين.. ولكن يحرم التكلم عن دين آخر كون ذلك يلهب المشاعر ويسيئ لآصحابه !!
ان مجتمعاتنا في الشرق الاوسط قد بلغت درجة كبيرة من التردّي بفعل عدم تقديرنا للمواقف، بحيث ازدحمت فيها التناقضات الى درجة لا يمكن تخيلها ابدا.. ربما كنت انت ملحدا ولا تهتم بالاديان، ولكن ليس من حقك ابدا ان تعلن بكل فجاجة طعنك وشتمك لأي دين امام الاخرين !! ان الاخرين مهما كان جنسهم او لونهم او فكرهم.. لا يقبلون ان يشتم دينهم لا امامهم ولا من ورائهم.. وسواء كان دينك ضالا او دينهم هاديا فليس من الذوق ابدا ان نتقدم لنقرأ جملة من الشتائم والسباب !! احكي لاصدقائي دوما حكايتي مع احدهم، اذ كنت اعرف زميلا بريطانيا لي قبل ثلاثين سنة على مقاعد الدراسة ببريطانيا وشاركني العيش في نفس القسم الداخلي.. كان ملحدا صرفا، ولكنه كان يلبس افضل ما عنده ايام الآحاد ليذهب الى الكنيسة. سألته يوما : اذا كنت يا صديقي ملحدا، فلماذا تذهب للصلاة في الكنيسة كل اسبوع ؟ أجابني بسرعة ومن دون تفكير : لأنني احترم ديني حتى وان لم اقدّسه !! واستطرد قائلا : انها رغبة شخصية في احترام الرمز حتى وان خالفته واعتز بالتاريخ برغم كل شناعاته !!

ان اي دين بكل تجلياته وهيبته ووقاره ورموزه.. يدخلونه باب السياسة وقذاراتها، فسوف يتأثر ويفتقد يوما بعد آخر مكانته السامية.. وربما لا اعتب ابدا على قوى دينية تعمل جاهدة من اجل بلوغ اهدافها سياسيا فالمجتمع قد يبارك خطواتها او يسحب ثقته منها، وانها ستحاسب سياسيا على ما تقترفه من اخطاء.. ولكن نعتب على استاذ اكاديمي يحتل اسمه مكانة كبيرة نظير مواقفه السياسية ونظير ثلاث سنوات قضاها في السجن واطلق سراحه بارادة امريكية وهو يغازل اليوم قوى دينية علنا، ويريد مشاركتها ديمقراطيا !! ان الرجل يعرف من مواقفه القوية وثوابته الاخلاقية فلا يمكن للرجل ان يلعب على الحبال، بل باستطاعته ان يعلن تخليه عن تاريخه السابق واعتناقه الفكر السياسي الديني الذي يغازله ! كنت اعرفه في السابق صاحب قضية يدافع عنها، وبقيت احترم ارادته حتى بعد سجنه، ولكنني اليوم اسجل عليه اخطاء ما كان عليه ان يفعلها، بل ويريد تسويقها في " مؤتمر" كالذي تحدثت عنه ! وكم كنت احترم ثقافته العلمية، اذ يبدو ان سنوات السجن ومشكلات الرجل الصحية قد جعلته يبتعد عن القراءة والمتابعة وفهم المتغيرات الجديدة.. فبدا لي انسان من نوع آخر، وقد ضعفت ثقافته مع الاسف !

وأخيرا أقول :
انني برغم كل هذه " الملاحظات " التي يبدو بعضها قاسيا، فأنني لابد ان اسجّل اعتزازي بجميع المشاركين وبكل ما قدموه في اوراقهم الى رواق المؤتمر.. متمنيا ان تدرك مجتمعاتنا في المنطقة كلها كم من المشكلات والمعضلات التي تجتاحها.. وكم نحن ابناء كل تلك المجتمعات بحاجة ماسة الى التحديث والتغيير في الدساتير والقوانين والتربية والتعليم والتعامل على اساس مدني مع الجميع.. كما اننا بحاجة الى اساليب التنظيم واساليب اللياقة واساليب الخطاب واساليب التعامل من اجل ايصال قضايانا الى كل العالم. واعيد واقول بأن على المؤتمر ان يحاول اعادة اللحمة والصلة القوية بين ابناء مجتمعاتنا.. ان مجتمعاتنا ستبقى مشاركة بعضها البعض نفس المصير، فلا يمكن لأي طرف الغاء الطرف الاخر مهما كلف ذلك من امر.. اتمنى ان تغدو منطقتنا بكل مجتمعاتها منسجمة ومتواصلة ومتفاهمة على اسس مشتركة وان تحميها دساتير دولها بحيث تغدو تلك الدول في خدمة المجتمعات.. الشكر كل الشكر لمن يقّدم رعايته وماله ووقته لعقد مؤتمر او ندوة او مائدة مستديرة تخدم مجتمعاتنا.. اتمنى ان تفّعل نتائج المؤتمر في الاعلان الذي صدر عنه وتفعيل بنوده.. وصولا الى ان لا يشعر احد في تلك المجتمعات بأي ضيم او ظلم. فهل ستتحقق اهدافنا بمثل هكذا طرائق وبمثل هكذا اساليب ؟ انني اشك في ذلك.

www.sayyaraljamil.com


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف