قراءة مختلفة للقرآن
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
{ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } النور35.
ارتباطي بهذه الآية ارتباط جماليّ. وإقامة الآية في الجمال هي من إقامة الحب في الأمكنة المحسوسة. وهذه جمالية من جماليات الله والمكان. أين الله هنا ؟ إنه في اللغة، في الكلمات التي نقرأها بوصفها مكانات لإقامة الكائن المطلق المتعال الذي يقرّب لنا ذاته بالتمثيل والتشبيه ؛ لكي لا تمسى العقول المشدوهة بالميتافيزيقا في عتمة الجنون. ولكن، هل حافظت الآية، تماما، على مخاطبة ادراكاتنا بالصور الحسية، دون التجريدية ؟ في هذه المقالة أرغب بتقديم إجابة متواضعة على هذا السؤال، وفي خلفية الرغبة تظهر لي العبارة التالية كتحذير: " التفكير في ذات الله كفر، والتفكير في مخلوقاته عبادة ". ولا أعرف، هل التفكير باللغة أو تفكير اللغة في ذات الله يقود إلى كفر أم عبادة ؟ ولكني أعترف بأن هذه المقالة نَصّ رضا واحتجاج ؛ نص إيمان وتعبير عن حبّ يقودني إلى تفكير الغامض، ونص سياسة بالمعنى العميق. لذا أفكّرَ بطريقةٍ تبين عن حبي في اللغة (اللغة أنثى)، مستعينا بالتفاسير القرآن ومخرجها من كتلة النقل إلى حركة الروح في الأمداء والأشياء. لقد وَزّع الله الكونَ، مخاطبا إدراكاتنا القاصرة، على كلمتي: السموات والأرض. بحيث حين نقرأ: " الله نور السموات والأرض " نتصور النور وقد عمّ في كتلة الكون الدائرية. لكن، بودّي أن أسوق، في هذا المضمار، إجابة، تنسب إلى مزاح البعض باللغة، على سؤال: " ماذا يوجد بين السموات والأرض " ؟ يوجد أو توجد: (واو). هذا التبسيط والتلاعب المرح، لا يمكن أن نمر عليه دون التفكير في الشيء (القضية) المعلّق، في تصوراتنا، ككينونة بمعزل عن كونه مذكرًا و مؤنثا، إنها كينونة حرّة ولكنها معلّقة. فضلا عن أنها ارتباط بين بعدين هما: السموات (و) الأرض. تقول الآية 30 في سورة الأنبياء { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رتقاً ففتقنَاهمَا..} الفتق يعني الانفصال والتباعد، ولكن، لا يعني الاستقلال ؛ إنما الارتباط والتراسل والاستناد. نلحظ ذلك عند لجوء الآية لتجسيد البعدين: الأرض + السموات = شجرة + كوكب. الـ " شجرة " مجاز مرسل علاقته جزئية بالأرض التي أرسلت لها السماء مطرًا، منها وقود الـ " كوكب " في السماء. وهنا قد نفرح بحيازتنا الإدراك عبر التجسيد، غير أنّ الله لن يسعدنا بإدراكنا العيني للشجرة ؛ فسرعان ما يجعل الشجرة مطلقة: " لا شرقية ولا غربية "، أي حيادية. والحياد هنا مطابقًا لفكرة المطلق. ولا ينطبق معنى الحياد على ما ورد في سورة الإنسان آية 13، عندما وصف الله الجنة بقوله: " لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرا ". ما جاء في الجلالين من تفسير للآية السابقة أن المؤمنين لا يرون في الجنة لا حرّا ولا بردًا، وقيل الزمهرير القمر، أي أن الجنة مضيئة من غير ما شمس ولا قمر. وهذا إنما يدعو إلى القول بانعدام الظلّ، فلا ظل، إنما مثال. وجاء في الآية 57 من سورة النساء: " وندخلهم ظلاً ظليلاً " أي لا تنسخه شمس وهو ظل الجنة. أما في " شؤول " أي الجحيم أو الهاوية هناك عيش في الظلال. انظر الآيتين43-44 من سورة الواقعة: " وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم ". ورد في تفسير ذلك أن أصحاب الشمال سيخلدون في دخان شديد السود، لا بارد، كغيره من الظلال، ولا كريم، أي ليس حسن المنظر. فعند المسيحيين واليهود " شؤول " هو القبر أو الهاوية ؛ إنهم يتحدثون عن النوم في القبر أو بمعنى النفي في شؤول أو الهاوية. ولكن القرآن يتحدث عن ثواب وعقاب في عالم السماء لأصحاب اليمين وأصحاب الشمال.بمعنى أن أي تصور للعقاب مرهون لدى المسلمن بالصعود إلى الهاوية، وهذا التصور ذاته الآن ما ينعكس مبرّرًا وضع المسلمين على الأرض. وهناك، في الأعالي، بين الجهتين بين الجنة والهاوية جدار أو حجاب يطلق عليه " الأعراف " { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }الأعراف46. و" بينما هم كذلك إذ طلع عليهم ربك فقال قوموا ادخلوا الجنة فقد غفرت لكم ". هؤلاء الذين جُعلوا على الأعراف، في مكان أشبه بالمحايد، ليس من الحياد، ولا هو مصير معلق بالمطلق، نظرًا لكون القوم، على الانتظار، راجين وطامعين في أن يحسم أمرهم بالمغفرة. هؤلاء، بالنسبة لنا نحن الذين وعينا فلسفة الهاوية والعزم لدى هايدغر، هم أنفسهم حافز لعزيمة الحياة والنجاح فينا، من دون أن يتمكن العزم والنجاح من القضاء على القلق والانتظار والخوف الوجوديّ الرهيب، والعكس يقال عندما يفنى العزم لدى العرب والمسلمين. فلا يعودوا إلا محرومين من مكانتهم في الأرض والسماء !
قلنا إن المطلق على الأرض تجسّد في " شجرة " الآية. وهنا لا يجوز أن نقول (هذه) الشجرة ؛ لأن اسم الإشارة هذا يقود إلى مسك يدي شجرة الزيتون التي هي في بيتي الآن مزهرة ومثيرة ومحيلة على دفء الحياة وحميميتها. أنا، في الحقيقة، لا أمسك المطلق، إنما الظلّ، بالأحرى. دائما من بعيد (التباعد شرط التأليه) عندما أتأمل الظلّ يكشف لي عن جمال وكبرياء ميتافيزيقيين للشجرة، لا يخلو من حسرة الموت لي. ولكنه يكشف عن الشعر لي. ولعل هذا هو مثال الحب الأفلاطوني لدى العاشق الذي يطمح بتملّك العاشقة لا ليمسّها، كما يزعم، بل ليضعَها في " فترينا "، يتأمل ويقدّس جمالها وإشراق عريها من خلف الزجاج، تلك الإلهة الأيقونه الجميلة والمعذِّبة (بكسر الذال). لقد احتاجت هذه التجربة في عشق الاله، الاستعانة بالحسيّات. كما احتاج الله إلى الاستعانة ذاتها لتمثيل ووصف ذاته للعشاق. إذ يحضرني هذا البيت: " جاءت معذبتي في غيهب الغسق.... كأنها الكوكب الدرّي في الأفق ". بهذه الطريقة من طرق التأليه والعبادة، الحبيبة، كصورة حسية، هي الزجاجة، هي الشجرة ! وعن " ليلى " التي يتغني بها العرب، فقيل ما هي إلا دمية خشبية كانت بحوزة رجل، فلما أضاعها أو فقدها، راح يمشي في الأسواق والناس يغني على ليلاه التي ارتقت لمنزله الإله، بتحوّلها من جسد فاقد للروح مصنوع من غصن مقطوع ؛ إلى روح الفقدان ورمزيته لدى العرب الذين اشتعلت قلوبهم بحبها، وربما كانت من شجرة زيتونة شرقية ! وهذا الانحياز، إنما لأعبّر به عن أن الجنة كانت في شرق الأرض.
ولو تمعّنا أكثر في لغة ونظم آية النور ؛ سنلحظ أن الصورة تجزيئية، وفي الوقت نفسه، تركيبية، بل تكوينية. غايتها تتعالى لا سيما عبر التشبيه بما هو سماويّ. وتعود الغاية للأرض لتعزّز ذروة المطلق في " شجرة " ! لكن، تعالوا نتأمل، بشكل خاص، في هذه المنظومة الحسية الجمالية: " كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري.." إننا، قطعًا، نرى أنّ ثمة مقصدًا جماليًّا من عدم مجيء الصورة على هذا النحو: " كمشكاة فيها مصباح في زجاجة كأنها كوكب دري ". ذلك لأن إفراد " المصباح " و " الزجاجة " جاء بقصد التعريف وتمييز وتوزيع التجلّي ؛ بما هما مناطان بأبعاد كونية نرصدها في لغة ونظام كون الصورة. فـ" المصباح " معرّف بأل القمرية. و" الزجاجة "، معرفة بأل الشمسية، " كأنها كوكب درّي " ؛ نسميه " الزهرة "، أقرب الكواكب إلى الشمس. تعزيزًا للحقيقة الفلكية العلمية. أيضا، هناك حقيقة لغوية تنطوي على عدالة مطلقة في تقسيم الحروف العربية 28 على أل التعريف القمرية والشمسية بواقع 14 مقابل 14 حرفًا. الحروف القمرية: ] ء، ب، ج، ح، خ، ع، غ، ف، ق، ك، م، ه، و، ي [. أما الحروف الشمسية: ] ت، ث، ر، ز، د، ذ، س، ش، ص، ض، ط، ظ، ل، ن [. غير أن تعريفَ كلمةٍ تبدأ بحرف " ل " مثل " ليل "، " لغة " أو " لات "، إنما يجعلنا نقرأ كلمات: " الليل "، " اللغة "، " اللات " بوصفها قمرية وشمسية في آن واحد. " اللات " قبل الإسلام " الله " بالمعنى التوحيدي الآن. على أن الآية بجلال جمالها الحسي هي آية وقتية، بمعنى أن معناها المطلق والحسي يشعّ في مطلق الليل أو نسبيته. حيث المشكاة والمصباح كفكرة وكأشياء، في الآية، مرتبطة بالليل كمعنى. وبالقمر كلغة عند وصل أل التعريف بالحروف القمرية. كذلك، إلى جماليات الليل، كوقت، تنسب كلماتُ: " نور "، " زجاجة "، " شجرة " ؛ بغض النظر عن انتسابها كلغة عند وَصْل أل التعريف بالحروف الشمسية. لذا، ربما قصد الله من تمثيل ذاته بنور " الزهرة "، كمعنى حسي ؛ لأجل إحياء الحنين في الأرضيين وجذبهم إلى السماء بالمعنى الديني، بعد أن تمت دعوتهم لعبادة إله واحد هو الأجل والأعظم منها تلك الكوكب المخلوق الذي يشكل مع " القمر " مثالا للجمال الأنثوي في الأشعار ؛ وهما في الحقيقة الفلكية معتمان لولا الارتباط والتراسل والقرابة مع الشمس. وفي الميثولوجيا " الزهرة " هي " امرأة حسناء " لها قدرة على الإغواء، طلبت من الملكين هاروت وماروت أن يعلمانها الكلام لتصعد للسماء، فصعدت ومن يومها لم تستطع أن تنزل ؛ لأنها نسيت الكلام الذي تعلمته. هي ذاتها " عشتار " عند البابليين. هي ككلمة عبرية تعنى: " نجمة الصباح ". وعند الإغريق هي " افروديت "، كما يطلق عليها الرومان اسم Venus - " فينوس ". الرمز الذي يدلّ عليها في الخط المسماري وهو النجمة الثمانية التي تشير إلى كوكب " الزهرة ". وهي ذي ولادة بنت المستكفي، شاعرة ذائعة الصيت، تتغنى بجمالها الشخصي، أكثر من أي شاعرة، لدرجة أنها أقسمت بصلاح حسنها للمعالي أسوة بالمرأة الحسناء التي أمست "الزهرة " : " أنا والله أصلح للمعالي.. وأمشي مشيتي وأتيه تيها ". وهو البيت الذي كتبته بالذهب على طرازها الأيمن. والحال هذه، لم تباعد الشاعرة كثيرًا بين الأرض والسماء، سيما وأنها لجأت للكناية عن جمالها للشجرة والغصن المثمر، وكذلك لبدر السما ؛ وذلك حين ظهر لها من ابن زيدون - الذي خلع عذاره فيها - ميله لجارية سوداء له، بديعة القوام. فنظمت له هذه الأبيات: لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا... لم تهـوَ جاريتي ولـم تتخير.
وتـركت غصنًا مثمرًا بـجمالـه... وجنحت للغصن الذي لم يثمر.
ولقد علمت بـأنني بدر السمـا... لكنْ ولعتَ لشقوتي بالمشترى.
بكفاءة واكتفاء بنيوي، إذًا، تتحدث ولادة عن شجرة واحدة وبعدين بواقع غصنين: غصن مثمر بجماله، وغصن لم يثمر. وتتحدث عن بعدين بواقع كوكبين: القمر في منزلة البدر، والمشترى المعتم. وعند إجراء الاختزال، لما سبق، فإننا نعود إلى ثنائية: الأرض / السماء. وأنا على الأرض أرى شجرة الزيتون تجسيدًا لجمال وشجن كوني، مثلما يحدث ذلك عندما أتأمل سروة في مقبرة أو مدرسة أو مشفى. وما أن أمسك الشجرة بيدي وأوظّف حواسي لإدراكها ؛ سأجدها مسكنًا للغبار والطير والنمل والحشرات والغربان، وتؤلم حواسي شيخوخة جذعها، وجفاف ليلها وأطرافها.
إنه الله نور مطلق. ولكن نحن نسمّي بعض أولادنا ذكورًا وإناثا بـ " نور ". ثم أليس الواو من مكونات كلمة " كون "، وكلمة " نور " ! إن هذا يؤدي إلى عمل الكلمين : بوصفهما دائرة وإشراق وإشارة في فكرنا الوجداني. وثمة تناد وإشارات كونية وجودية بين كلمات الكشف والغموض: كون، نور، روح، نوم، موت، صوت،... ! حيث الواو مفصلة ومركزًا ثابتا، ساكنا في الكلمات. كما يمكن إدراج كلمات كثيرة تعمل كدوال في سياقات مختلفة صوفية، وجودية، سياسية، واجتماعية مثل: " جُوْع "، مقلوبها متحرك المركز " عَوَج ". و " توق " مقلوبها ساكن المركز " قوْت ". المركزية والوصل والارتباط في كلمات الكشف والغموض وتضامن العقل مع العاطفة ؛ لكل ذلك نقيض يقوم بدور عابثٍ وتفكيكيّ وإلحادي يتمثل في الإجابة المازحة على سؤال: ماذا يوجد بين السموات (و) الأرض ؟ فهذه الإجابة، في الحقيقة، تنطوي على عبث يناهض الميتافيزيقا بالعبث باللغة. هذه الإجابة التي لا بوصفها ارتباطًا ومركزًا ثابتًا شاكنًا، وإنما بوصفها قلقًا وجوديا عالقًا ومتحركًا ورخوًا ؛ هي، على أبلغ تقدير، السخرية وإجابات العدم والعجز أمام الميتافيزيقا ! ولكني أعود إلى الملازمة والارتباط بين التذكير والتأنيث في الآية، فكون " الله نور الكون "، تنقلنا حركة الدائرة إلى القراءة في إقامات الكائن في كلمات الآية بوصفها مكانات له ؛ التي هي موزعة، بشكل مقدّر وفذ، بين المذكر والمؤنث إفرادًا واندماجًا، دون استقلال ذاتي : مشكاة، مصباح، زجاجة، كوكب، شجرة. فالمشكاة أنثى أو (رحم). فيها مصباح. المصباح في زجاجة. والزجاجة أنثى. الأنثى كأنها كوكب درّيّ. الكوكب مذكّر. يوقد من شجرة (أنثى). ولأن الله في الشجرة هي حية بروحه أو به كماء أو نور، هو كوكب دري يوقد من زيتها. وكلما أقام الله في شيء كان الشيء كامل بتناقضاته: ماء، نار. إنّ النورَ سيغدو مؤنسنًا ومشيّئًا اسمًا وصفة. مؤنسنًا من حيث اطلاقه اسمًا على الذكر والأنثى. ومشيئًا من حيث وصفنا لأداة أو شيء بالإنارة. إنّ الله في الشجرة، والزيت عصارة خير، يضيء. ولو لم تمسسه نار. ويُقال أن النار شر وأنثى. ولم تصادفنا سجلات الأحوال البدوية ولا المدنية بمولود سُمّىَ نارًا، أكان ذكرًا أو أنثى. ولكن تستخدم كلمة " نار " كتقدير متبادل للطاقة الشبقية لدى الذكر والأنثى: أنت fire" ". وهنا، فإنني أؤكّد شبق الشجرة، شبق الكوكب. شبق الطبيعة بكلمة أشمل. وأنا أتأمل حرف الشين في كلمة " شبق " أجده من أغراض النور والنار معًا، فهو موجود كوجود رسمًا وصوتًا، على تنوع مخارجه وتشكيلاته، في الكثير من كلمات ذات العلاقة بولادة الكشف والظلال معا: شمس، شمعة، شَرّ، شعلة، شروق، شرر، شعاع، مشكاة، شيطان، شِعر، شَبَق، شَفَق، شهب، الشعرى، شواظ، شجرة، شفّاف، عشتار، شَقراء. وردت كلمة شقراء في هذا البيت للمعري: وارْفَعْ لهُ شقراءَ ترْمَحُ في دهماء مثل تأرُّنِ المُهر " ؛ بمعنى النار. والدهماء هي الظلمة، وتأرّن من الأرن وهو النشاط، والمهر أنثى وأما " الشعرى " المذكورة في سورة النجم، أية 49: " وأنه هو رب الشعرى " ؛ هي اسم لكوكب، تقع خلف الجوزاء، كانت تعبد من العرب قبل الإسلام. ولسوف يتحوّل نشاط وحيوية أو شبق الطبيعة لأغراض مأساوية، عند إحضارنا لأفعال ذات علاقة حقيقية ومجازية بإرهاب وجنون النار، مثل: شبّ حريق في شجرة. أو " اشتعل الرأس شيبًا ". حيث سيحيلنا التحول على " شجرة رأس السنة " التي هي ليست حيادية تمامًا، ولا هي تضاء بالمحبة والسلام ؛ وإنما تشتعل بالشرور أو بنشوب الحروب. " عشتار" أو " الزهرة " إلهة الجمال والجنس والحرب، مقترب أسطوري، نجد تجلياتها في واقعنا هذا !