كتَّاب إيلاف

1500000+1 شهيد أرمني

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أوربا تطالب تركيا للاعتراف بابادة الآشوريين

وأنا أتابع عبر الفضائيات جنازة الصحفي التركي الأرمني الأصل الشهيد (هرانت دينك)، رئيس تحرير صحيفة (اغوس) الذي اغتيل نهاراً جهاراً أمام مكاتب الصحيفة في اسطنبول على يد فتى تركي مسلم يدعى(ساماسات اغون) في التاسع عشر من كانون الثاني الماضي، لفت نظري في ذاك المشهد الرسمي والشعبي الحاشد الحزين، في واحدة من أكبر الجنازات تشهدها اسطنبول، منظر سيدة عجوز وهي تودع الشهيد من على شرفة منزلها المطل على الشارع الذي فيه سار الموكب، حاملة يافطة كتب عليها 1500000+1 في إشارة واضحة الى عمليات التطهير العرقي(الجينوسايد) بحق الأرمن وباقي مسيحيي السلطنة العثمانية في ربيع وصيف 1915، التي وقع ضحيتها مليون ونصف مليون شهيد أرمني وقد زادوا شهيداً باغتيال الصحفي هرانت دينك.ويبدو أن السيدة العجوز أرمنية من ضحايا التهجير الجماعي القسري الذي أعقب تلك المذابح.وعبر هذه اليافطة أريد القول للحشد الكبير وللعالم: بأن اغتيال دينيك هو استمرار لتلك الأعمال البربرية ضد كل من هو غير مسلم في تركيا،وأن الجهة التي قررت واغتالت دينيك تحمل ذات الثقافة العثمانية الإسلامية والنزعة القومية العنصرية التي عرف بها قادة الاتحاد والترقي الذين وجدوا في الحرب العالمية الأولى فرصتهم للتخلص من الشعوب المسيحية - (الأعشاب الضارة) بحسب وصفهم لها- الواقعة تحت حكمهم. ولأجل هذا أعلنوا في 24 نيسان 1915 الجهاد الإسلامي على المسيحيين ونظموا بعض العشائر الكردية ضمن ما عرف بـ(الكتائب الحميدية) الى جانب فرق من الجيش التركي النظامي وقاموا معاً بتنفيذ (الإبادة الجماعية). سعت الدولة التركية لمحو تلك المذابح من ذاكرة التاريخ بالرغم من وجود مئات الوثائق وشهادات أحياء نجوا من المذابح،ووجود تحقيقات وبحوث لمؤرخين وباحثين أجانب مستقلين تؤكد وقوع المذبحة،منها مذكرات المؤرخ البريطاني المعروف(ارنولد توينبي) الذي يقول فيها:((لم يكن المخطط يهدف إلا الى إبادة السكان المسيحيين الذين يعيشون داخل الحدود العثمانية)). ويعتبر السفير الألماني في تركيا آنذاك من أهم الشهود على تلك المذابح الفظيعة،وقد كتب في تقرير له الى وزارة خارجيته عام 1916: (( إن ما جرى هو عملية إبادة بحق الشعب الأرمني ومسيحيي السلطنة عامة)).
في العقود الأخيرة كثف الأرمن من حملتهم الدبلوماسية والإعلامية العالمية،مستفيدين من المناخات الإقليمية والدولية الجديدة، لحمل تركيا على الاعتراف بمسؤوليتها التاريخية،الأخلاقية والقانونية، عن (الجينوسايد الأرمني)،وتحمل ما يترتب على ذلك من حقوق وتعويضات مادية وسياسية وربما جغرافية.وقد نجح الأرمن حتى الآن في اقناع العديد من الدول الأوربية بإصدار قانون يعترف بالابادة ويعاقب كل من يتنكر لها من مواطنيها،منها: اليونان سويسرا إنكلترا ودولة الفاتيكان ومؤخراً فرنسا.بهذا الانجاز السياسي الكبير تجاوزت قضية مذابح الأرمن مرحلة الإثبات والتحقق من وقوعها ودخلت مرحلة حمل تركيا وإرغامها على الاعتراف بها.القادة الأتراك باتوا يدركون مضاعفات هذا التحول في موقف المجتمع الدولي من القضية الأرمنية، وفي مسعى منهم لتخفيف من الضغوط الدولية على بلدهم بدأت الحكومات التركية بالتقرب من اسرائيل وتقيم معها علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية متميزة بغية دفعها لحث الإدارة الأمريكية،على عدم السير على خطى الدول الأوربية وإبعاد تركيا عن شبح اعتراف المجتمع الدولي بـ(الجينوسايد الأرمني المسيحي).في حين يرى الكثير من المحللين والمراقبين المتابعين لهذه القضية أنه لم يعد أمام تركيا، إذا كانت جادة في الانضمام الى الاتحاد أو الفردوس الأوربي وإقامة علاقات طبيعية مع جارتها أرمينيا،سوى خيار الجلوس على (كرسي الاعتراف) أمام العالم الحر ومواجهة ماضيها الدموي وتتصالح مع التاريخ ومع نفسها.

بلا ريب، أن الموقف الأوربي من (المسالة الأرمنية) ينطلق من الحقائق التاريخية التي تؤكد وقوع(المذبحة الكبرى) وبالتالي من بعدها الإنساني والقانوني،لكن يبدو أن القضية باتت بالنسبة للكثير من الأوربيين سياسية أكثر مما هي تاريخية إنسانية،تتعلق بالدرجة الأولى بتردد الكثير من الدول الأوربية في قبول انضمام تركيا الى الاتحاد الأوربي ولهذا التردد ابعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.هذا الموقف الأوربي دفع العديد من المثقفين والسياسيين الأرمن -أبرزهم الصحفي الشهيد (هرانت دينك)- الى التشكيك بجدية الأوربيين في تعاطيهم مع المسالة الأرمنية وعبروا عن خشيتهم من أن توظف (المأساة الأرمنية) سياسياً في وجه تركيا الإسلامية فقط لعرقلة دخولها الاتحاد الأوربي.بغض النظر عن الأهداف الاستراتيجية أو السياسية للدول الأوربية، التي وضعت اعتراف تركيا بالمذابح واحترامها للديمقراطية وحقوق الأقليات شرطاً لقبولها في (الاتحاد الأوربي)، بدأ هذا الموقف الأوربي يأخذ مفعوله على صعيد تليين تركيا موقفها من المذابح.إذ اضطر البرلمان التركي بتاريخ 13-4-2005 لعقد جلسة خاصة لمناقشة موضوع المجازر وتوجيه كتاب رسمي موجه الى الكونغرس الأمريكي الذي كان يستعد لعقد جلسة خاصة لمناقشة الموضوع ذاته، كذلك الى برلمانات الدول الأوربية التي صادقت على قانون يجرم انكار تعرض الأرمن لمذبحة على يد الأتراك، يتضمن الكتاب وجهة النظر التركية في هذه القضية، وتأكيدات تركيا على فتح الأرشيف العثماني بالكامل أمام جميع الباحثين والمؤرخين للتأكد من صحة وقوع المذبحة.لا شك،يعد هذا تحول مهم في موقف تركيا من قضية المذبحة،فهي لم تعد ترفض قطعياً حصول المذبحة متجاوزة بذلك الكثير من التحفظات السابقة عليها.كما أنها اليوم تعترف بموت مئات الألوف من الأرمن، وإن هي تقول: أنهم ماتوا ليس بسبب المجازر وإنما بسبب الجوع والفقر والأمراض اثناء التهجير القسري للأرمن الى خارج حدود السلطنة ومنهم من قتل لأنه تمرد وقاتل الى جانب القوات الروسية خلال الحرب.والتطور الأهم في الموقف التركي، هو مبادرة الحكومة التركية نفسها لفتح نقاش علني حر داخل تركيا حول مسألة المذابح،فقد أوعزت الى الجامعة الرسمية في اسطنبول في آذار 2006 لعقد مؤتمر عالمي لهذه الغاية.بعد تلك النقاشات تشجع العديد من الأكادميين والباحثين الأتراك لمطالبة حكومة دولتهم للاعتراف بالابادة، منهم الروائي(اروخان باموق) والمؤرخ ( خليل بركتاي) الذي وصف أحداث 1915 بالتطهير العرقي، وقال: ((كان يوجد منظمات سرية حكومية تركية، لتنفيذ سياسية التطهير العرقي المقررة، من قبل، أنور وطلعت وجمال، قادة الاتحاد والترقي)). تصريحات( بركتاي)هذه، كانت قد أثارت ردود فعل واسعة وسجالاً حامياً في مختلف الأوساط التركية في شأن مسؤولية تركيا عن مذابح الأرمن، مما دفع برئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) بتوجيه دعوة الى تشكيل لجنة من باحثين تاريخيين لتقصي الحقائق حول المذابح.ما كان لأردوغان أن يقدم على هذه الخطوة ما لم يقتنع هو ومعه الكثيرين من قادة تركيا، بأن حلمهم بالانضمام الى (الاتحاد الأوربي) لن يتحقق من دون (ثمن سياسي) معين يترتب على الدول التركية دفعه،خاصة فيما يتعلق بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان وتعتذر للشعب الأرمني ولاحقاً لباقي الشعوب التي طالتها المذابح.إذ تؤكد الكثير من الوثائق والمصادر أنه قتل الى جانب الأرمن نحو نصف مليون آشوري(سريان/كلدان) وهجر بشكل قسري عشرات الآلاف منهم من مناطقهم التاريخية التي ضمتها تركيا وهي أجزاء كبيرة من بلاد ما بين النهرين،كذلك قتل في تلك المذابح عشرات الآلاف من الروم (اليونان). هذه الحقائق موثقة في كتاب (قتل أمة) لهنري مورغنطاو، السفير الأمريكي في تركيا بين عامي 1913-1916،جاء فيه: (( لم يكن الأرمن الشعب الوحيد بين الامم التابعة لتركيا عانت من نتائج سياسة جعل تركيا للأتراك حصراً، فهناك اليونان والآشوريين/السريان..)).جدير بالذكر أن السلطات التركية كانت قد أوقفت عام 2001 الكاهن السرياني(يوسف ابولت) في مدينة (ديار بكر) على خلفية تصريح له للصحافة التركية قال فيه: أن مذابح 1915لم تكن بحق الأرمن فحسب وإنما طالت الشعب الآشوري (السرياني) ايضاً.بعد الاهتمام الدولي الذي حظيت به قضية المجازر الأرمنية بدأ شيء من التفاؤل يسود الأوساط الآشورية(السريانية)،فهم يتأملون بأن تحظى قضيتهم- نصيبهم من المذابح- بمزيد من الاهتمام الأوربي بعد أن شقت طريقها في السنوات الأخيرة، الى بعض البرلمانات الأوربية، حيث نُقشت في أكثر من جلسة من قبل برلمان دولة (السويد).ولأول مرة تضمن تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوربي الصادر في 4 أيلول 2006، دعوة للسلطات التركية للاعتراف بالابادة الجماعية للأرمن والآشوريين واليونان في تركيا.تم تهيئة التقرير من قبل العضو الدانمركي في البرلمان، دانييل اورلينغس.وقد عقد البرلمان الأوربي في 26آذار الماضي في بلجيكا جلسة استماع جديدة وخاصة حول مذابح الآشوريين(سريان/كلدان) في تركيا.

أخيراً: لقد أحييت الكنيسة الأرمنية في القامشلي، هذا العام كما في كل عام، ذكرى شهداء الأرمن ذلك باقامة ندوة عن المذابح ثم بتنظيم في 23 نيسان ليلاً مسيرة على اضواء الشموع وايقاع معزوفة الشهيد، في حين أن الكنيسة السريانية وكما يتضح من التصريحات المتكررة للقائمين عليها،قد تخلت عن دم شهداء السريان وداست عليه على أبواب السفارات التركية، لا بل تنكرت لدماء مئات الآلاف من السريان.فبعد الفضائح والخطايا السياسية المتكررة للبطريرك زكا فيما يخص الهوية القومية للسريان وانتمائهم، أقدم مؤخراً(حزائيل صومي)-ابن القامشلي- مطران السريان الأرثوذكس في بلجيكا، على ما هو أبشع واقترف خطيئة تاريخية كبيرة بحق الشعب السرياني(الآشوري) لن يغفرها له التاريخ ولا سيده المسيح مهما صلى له وسجد،ذلك بذهابه الى السفارة التركية في بلجيكا ليدافع عن تركيا ونافياً أن يكون لها أية علاقة بالمجازر التي تعرض لها السريان عام 1915.من يتنكر لدماء الشهداء لا يمكن له أن يكون مسيحياً مؤمناً ويؤمن بـ(المسيح)، الشهيد الأول في المسيحية.

سوري آشوري... مهتم بحقوق الاقليات.
shosin@scs-net.org

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف