صراع النص الديني في فضاء الإيديولوجية المغاربية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كثيرة هي القضايا والملفات الفكرية والثقافية التى مايزال الصمت عليها مطبقا ومنزوية في دائرة المسكوت عنها في الفضاء المغاربي والتي تشكل احد اهم المفاتيح لفهم تاريخ التفكير والمسيرة الثقافية في منطقة شمال افريقا كما يحل للبعض تسميتها كما ان البحث في ملفات تاريخ التفكير الديني يعتورها الاكتناف والتحاشي اللدي يتعمده وان كنا هنا غير قادرين على تناول الحجم الدي يفرضه العنوان الا ان جهدنا سوف يتجه الى تناول لمحة من تاريخ نضال النص الديني وبالدات فيما يتعلق منه بالسلوك الدي تعامل به مثقف المنطقة بين القرن الثالث والثامن الهجري كنموج يمكن ان ينسحب على بقية القرون الاخرى مع اعتبار متغيرات كل عصر وان كانت مقولة ابن خلدون لاتزال تحكم صورة المنطقة تاريخيا كونها المنطقة الوحيدة التى استعصت على الفتوحات الاسل! امية وانها ارتدت اثنا عشر مرة ومع توالي الحملات العسكرية عليها تراجعت معنويات ممانعة الخارج لتتحول الى صراعات داخلية تجلت في الكثير من القضايا نتوقف عند دلك الصراع المحموم حول النص محمول النص الديني وبالذات الحديث النبوي والصيغ التاويلية له من مداهب فقهية الا ان الصراع لم يتمكن من اخفاء الدور البارز والمفضوح للسلطة السياسية حتى وصل مستوى الصراع كما يقول المقدسي اما في الاندلس فمذهب مالك وقراءة نافع وهم يقولون لا نعرف الا كتاب الله وموطأ مالك فإن ظهروا على حنفي او شافعي نفوه وان عثروا على معتزلي أو شيعي ربما قتلوه.
والامر لم يكن كما يتصور البعض مجرد تظخيم للصورة بل تجاوز الامر كل الحدود فان كان القتل في مبادي الاسلام مستوجب لمن يستحقه كالقتل العمد فان الامر كان هنا لمجرد الاختلاف في فهم مراد النص الديني ' كما يستوقفنا نص المقدسي عند قضية مهمة تتمثل في عدم وجود للمذهب الحنبلي عند المتقدمين من الفقهاء كمذهب فقهي قائم بذاته وهو ما تشهد به كل الكتب التى ظهرت في القرنيين الثالث والربع الهجري وعند هؤلاء المذاهب الفقهية ثلاثة فقط لا غير الح! نفي والمالكي والشافعي اما ما دون ذلك فمجرد ارآء فقهية لم تلزم الا اصحابها او بعض المقربين من اصحابها.
كما مستوي العقوبة مختلف بين جريمة التمذهب بغير المذهب الرسمي المذهب المالكي والتي تتحدد في نفي وابعاد صاحبها من البلاد الى بلاد بعيدة ولكن عقوبة القتل فهي ملازمة لجريمة اخري اكثر بشاعة من الاولي وهي التشيع او الاعتزال ' ولكم السؤال ما هو السبب الموجب للتفريق بين العقوبتين ؟ ان الامر يتعلق بجهة عليا تملك سلطة التقدير والتفريق فالتمذهب بغير المذهب المالكي تمرد على سلطة حليفة للسلطة السياسية وهي طبقة الفقهاء واعتناق المذهب ا! لشيعي او الاقتناع باراء الاعتزال تمرد على السلطة السياسية وخروج على مرجعياتها الاساسية ' على اعتبار ان ان التشيع مذهب سياسي بالدرجة الاولى والاعتزال تفكير سياسي في جوهره ومنطلقه.
وفي كل الحالات فان تنفيذ احد العقوبتين يتطلب سلطتين الاولى تبحث وتفتش وتعثر على المجرم وتثبت تلبسه بالجريمة وسلطة ثانية تقوم بتنفيذ العقوبة اما النفي اوالاعدام.
وبهذا كانت سلطة الفقهاء. المثقفين. مرشدة وداعمة لسطلة السياسيين ' وقد تجاوز بطشها ضرب الاعناق والنفي من البلاد الى قطع الارزاق والاستحواذ على الثروة ' وهي النخب التى سرعان ما وجدت معارضة شديدة وعنيفة حتى جهر ابن البني في وجوههم قائلا :
اهل الرياء لبستموا ناموسكم
كالذئب ادلج في الظلام القاتم
فملكتم الدنيا بمذهب مالك
وقسمتم الاموال بابن القاسم
وركبتموا شهب الدواب باشهب
وباصبع صبغت لكم في العالم
ويزيد اللمقريزي الصورة ايضاحا بقوله " وصار القضاء في اصحاب سحنون دولا يتصاولون على الدنيا تصاول السول.... فتوارثوا القضاء كما تتوارث الضياع ".
فامتلاك الدنيا وتقسيم الاموال وركوب دروب الشهب " الشهرة " وسيلته الاستحواذ على القضاء ' ولكن رجل كابن حزم فقد تجرع مرارة شديدة الغصة عندما لخص المشهد في تقرير موجز على ذلك الموضوع " مذهبان انتشرا بدء امرهما بالرياسة والسلطان : مذهب ابي حنيفة فإنه لما ولي القضاء أبويوسف كانت القضاة من قبله فكان لا يولي البلاد من ! اقصى الشرق الى اقصى اعمال افريقية الا اصحابه المنتمين الى مذهبه
"ومذهب مالك بن انس عندنا فإنه يحي بن يحي كان مكينا عند السلطان مقبول القول في القضاة فكان لا يلي قاض في اقطارنا الا بمشورته او اختياره ولا يشير الا باصحابه ومن كان على مذهبه والناس سراع الى الدنيا والرياسة فاقبلوا على ما يرجون بلوغ اغراضهم به ".
وامام هذه الحرب الشرسة التى شنها معارضوا تنفذ الفقهاء وسطوتهم ' كان لهؤلاء الفقهاء من يدافع عنهم ويبرر سلوكاتهم ويقلل من اخطارها بل ويجعلها تصب في خدمة مصالح الامة العليا ' ومن هؤلاء ابن جبير صاحب الرحلة المشهورة فيقول مفتخرا " لا اسلام الا ببلاد المغرب لأنهم على جادة واضحة لا بنيات لها ' وما سوى ذلك مما بهذه الجهات الشرقية فأهواء وبدع وفرق ضالة وشيع الا من عصم الله ". ولكن ابو بكر بن العربي فيرفع مستوى الافتخار وسقف المزايدة ويؤكد " خرجت من بلادي على الفطرة فلم الق في طريقي إلا ما كان على سنن الهدى يغبطني في ديني ويزيدني في يقيني حتى بلغت مصر فلم يبق باطل إلا سمعته ولا كفر الا شوفهت به ووعيته ".
وامام هذا المشرق متلاطم السواد بالاهواء والبدع والفرق الضالة والمغرب الناصع بوحدانية التمذهب الجاد والواضح يخفي الجهة التى تفرض كل ذلك وهي الجهة التى لها مصلحة من هذه الجادة الواضحة الا ان رجل كالقاضي عياض فيؤكد ان منطقة شمال افريقيا كانت منذ البداية على مذهب الكوفيين مذهب ابي حنيفة النعمان " الى ان دخل على بن زياد وغيره بمذهب مالك! وبقي هذا المذهب يفشو وينتشر الى ان جاء الامام سحنون فغلب في ايامه وفض حلق المخالفين واستقر المذهب بعده " وما يشد القارئ في كلام القاضي عياض " الغلبة " و " والفض " فالاولى تعني السيطرة والثانية تؤكد تجريم التعدد وكلاهما يتضمن ووجود السلطة السياسية التى بامكانها ممارسة الغلبة وتفريق حلقات ومجالس المذاهب الاخرى وبذلك ينكشف المستور ولكن سرعان ما يتقدم المقريزي بالكشف عن ملامح الجهة المستفيدة من الموضوع حين يؤكد ان " المعز بن باديس حمل جميع اهل افريقيا على التمسك بمذهب مالك وترك ما عداه من المذاهب " وللحقيقة فان تورط السلطة السياسية " المعز بن باديس " في هكذا ورطة كان في سياق ممارسات التمرد على الفاطميين الشيعة في القاهرة الا ان القرار وجد تشجيعا ودعما من نخب التقت مصلحتها في فرض مذهب واحد داخليا مع مقتضيات صراع السلطة السياسية في الخارج.
ولكن السلط السياسية لم تكن دائما مصالحها متوازنة في هذا السياق فقد لعبت ايضا وفقا لمصالحها على التناقض الحاصل في تفاصيل هذه النخب فرجل كبقي بن مخلد لم ينقذه من سطوة الفقهاء الذين " وضعوا فيه القول القبيح حتى الزموه البدعة وتخطى كثير منهم الى رميه بالالحاد والزندقة وتشاهدوا عليه بغليظ الشهادة ودعوا الى سفك دمه " فلم ينقذه " الا تعلقه التعلق بحبل هاشم بن عبد العزيز صاحب عبد الرحمان الداخل فدفعهم عنه ". وان كان بقي بن مخلد قد انقذه التعلق بصاحب الامير فإن رجلا كاحمد بن صابر القيسي فقد اختار الرحيل الى مصر بعدما ضاق صدره بوحدانية المذهب قائلا " ان اقليما تمات فيه سنة رسول الله حتى يتوعد بقطع من يقيمها لجدير ان يرحل منه ".
ان هذا الصراع لم يبقي حبيس الحدود المغاربية بل امتد الى الخارج ليجد صداه في المشرق الذي يكون قد وصلته اصداء هجومات النخب المسيطرة والواصفة اياه بانه مرتع لـ" الأهواء والبدع والفرق الضالة والشيع الا من عصم الله"، وسرعان ما جاء رد الفعل المشرقي العنيف والشديد ليصب جام غضبه على الرموز الثقافية العتيدة للمنطقة فقد شن تلميذ المدرسة الحنبلية ابن الجوزي حملة كبيرة متهما رجل كابن عبد البر بالخروج عن الملة والاساءة للاسلام "ولقد عجبت لرجل يقال له ابن عبد البر صنف كتاب التمهيد فذكر فيه حديث النزول الى السماء الدنيا فقال :هذا يدل على ان الله تعالى على العرش لأنه لولا ذلك لما كان لقوله معنى وهو ك! لام جاهل بمعرفة الله عزوجل "، وهجوم ابن الجوزي قائم على استراتيجية منظمة وليس رد فعل شخصي او اجتهاد فردي بدليل ان هجوم ابن الجوزي بدأ بعبارة فيها الكثير من الاستهجان والتقليل من مكانة رجل مثل ابن عبد البر الذي يعتبره المغاربة من رموزهم المعرفية واحد المشكلين لنظريتهم الثقافية فوصفه ب "رجل " "يقال له " فيها الكثير من الاساءة والاستهجان، وينتقل الى مضاعفة الاساءة عندما يصل الى وصف كلام ابن عبد البر بانه "كلام جاهل بمعرفة الله" وهو اقصى مستوى يصل اليه في الاساءة واحتقار النخب المغاربية وهي صورة مصغرة عن مكانة هذه النخب عند نظيراتها في المشرق.
فبالرغم من المكانة التى احتلها ابن تيمية في المخيلة الاسلامية وبالذات المشرقية منها دون غيره من المثقفين الاخرين، وبالرغم من الجهود الجبارة التى بذلها مثقفو المشرق للترويج لصورته وتلميعا وكذا ترسيخها في الاشعور الاسلامي، الا ان المثقفين المغاربة في السواء الاعظم منهم لم يقبلوا له بهذه الزعامة التى وضعت فيها الكثير من تظافر الظروف التاريخية، واول من اعلن رفضه لهذه الزعامة الرحالة المشهور ابن بطوطة حين ذكره في معرض الاستهزاء والسخرية وهو يمر بدمشق، وقد خلفت شهادة وموقف ابن بطوطة اثر عميق في نفسية ومخيلة انصار ابن تيمية لم يزل الى اليوم، لكن ابن التلمساني دفع ثمنا باهضا نتيجة تفوقه على ابن تيمية! في مناظرة جرت بينهما، حتى عرفت في التاريخ الثقافي بمحنة التلمساني، وحتى ان شمس الدين الوادي آشي انفجر ضجرا من الصعود الصاروخي لنجومية ابن تيمية قائلا " أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية متى الشام ومحدثه وحافظه، يركب شواذ الفتاوي ويزعم انه مجتهد مصيب "، واما الشيخ زروق فقال " إن ابن تيمية مطعون عليه في العقائد ". وقد ثارت ثائرة ابن عرفة ضد ابن تيمية عندما تهجم على احد رموز المثقفين المغاربة القاضى عياض " قد غلا هذا المغيربي "بالتصغير"، فالف ابن عرفة قصيدة طويلة شديدة الوقع واللفظ هجا فيها ابن تيمية ونافح عن القاض عياض.
وبالرغم من المكانة التى احتلها ابن تيمية في المخيلة الاسلامية وبالذات المشرقية منها دون غيره من المثقفين الاخرين، وبالرغم من الجهود الجبارة التى بذلها مثقفوا المشرق للترويج لصورته وتلميعا وكذا ترسيخها في الاشعور الاسلامي، الا ان المثقفين المغاربة في السواء الاعظم منهم لم يقبلوا له بهذه الزعامة التى وضعت فيها الكثير من تظافر الظروف التاريخية، واول من اعلن رفضه لهذه الزعامة الرحالة المشهور ابن بطوطة حين ذكره في معرض الاستهزاء والسخرية وهو يمر بدمشق، وقد خلفت شهادة وموقف ابن بطوطة اثر عميق في نفسية ومخيلة انصار ابن تيمية لم يزل الى اليوم، لكن ابن التلمساني دفع ثمنا باهضا نتيجة تفوقه على ابن تيمية في مناظرة جرت بينهما، حتى عرفت في التا! ريخ الثقافي بمحنة التلمساني، وحتى ان شمس الدين الوادي آشي انفجر ضجرا من الصعود الصاروخي لنجومية ابن تيمية قائلا"أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية متى الشام ومحدثه وحافظه، يركب شواذ الفتاوي ويزعم انه مجتهد مصيب"، واما الشيخ زروق فقال "إن ابن تيمية مطعون عليه في العقائد ".وقد ثارت ثائرة ابن عرفة ضد ابن تيمية عندما تهجم على احد رموز المثقفين المغاربة القاضى عياض " قد غلا هذا المغيربي"بالتصغير"، فالف ابن عرفة قصيدة طويلة شديدة الوقع واللفظ هجا فيها ابن تيمية ونافح عن القاض عياض.
إن تاريخ كفاح النص الديني في الفضاء المغاربي يحتاج الى الكثير من التوقف عند قراءة الصراع الذي خاضته النخب التى سيطرة على النفوذ في هذه المنطقة، واهم من كل ذلك تلك المخلفات الفكرية والثقافية وكذا النفسية التى خلفها هذا الصراع على نفسية وعقلية المثقف المغاربي، والخطورة تكمن في كيفية الحصول على الريع النصي بهدف تبرير الشرعية الكفيلة بدعم السلطة السياسية القائمة وهذا يعني ان فرض هيمنة نخبة من النخب على المنطقة في الفضاء الاسلامي حمل في كل مرحلة من المراحل شعار ولونا من الالوان مثل التمذهب الفقهي او الدفاع عن السنة وحماية الحديث النبوي كشعار لرفض التقليد والتمذهب وبالتالي تمردا على سلطة نخب بعينها، دون ان نتوقف على فترة زمنية محددة قامت فيها تقاليد للحوار او التعايش السلمي اللهم تلك الفترات التى ! اجتهدت النخب المسيطرة على تصديرها للمستقبل على انها فترات التعايش السلمي والهدوء والاستقرار، الا ان التفتيش في ثنايا التاريخ المسكوت عنه سرعان ما يكشف عن زيف هذا الاستقرار الهش والمزيف، وهو ما لم يوضع بعد على طاولة البحث والدراسة الجادة والمحترمة، في سماء الدراسات المغاربية الحديثة.