كتَّاب إيلاف

قضايا عراقية: السباحة ضد التيار

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أن من يعتبر بأن الحرب الطائفية التي أشعلت نيرانها الجماعات الإرهابية القاعدية والتكفيريين السلفيين وبمساعدة الإعلام العربي وبعض الدول والأغنياء الخليجيين من جهة ونظام ملالي طهران من جهة أخرى، ستبقى نارها تحرق العراقيين وحدهم فهم على خطأ كبير لأنهم اقل مناعة واضعف قدرة على المدين القريب والبعيد. فان نارها ستكون اشد عليهم وسوف تلتهمهم وأنظمتهم بالكامل. فالفضائيات العربية كالجزيرة وقناتي المستقلة والديمقراطية تفبرك برامج وتحشد لها أسئلة يبعثها الآخرين لكي تستنفر المشاعر والعواطف كما هو حال القرضاوي في الجزيرة ومحمد الهاشمي في الأخريين، خاصة بعد سقوط النظام البعثفاشي في بغداد. أسئلة تأجج الخلاف المذهبي مثل هل الإمام علي كان أحق بالخلافة؟ وهل الإمام جعفر الصادق سني أو شيعي !؟ وهل أئمة الشيعة معصومين !؟ وغيرها كما وان والمواضيع التي تزيد الكره والبغض بين أبناء الشعب الأمة الواحدة. إنها تزيد حجم معاناة العراقيين وتكثر من سفك دمائهم كل يوم. وبفضلهم أصبح العراق ساحة كبرى لتجربة كل أنواع التخريب واستباحة المحرمات واستهداف الأبرياء وأيضا للتنفيس عن أحقاد تاريخية وتصفية الحسابات السياسية والدينية الطائفية. يقول حسن العلوي في آخر مؤلفاته الذي سنأتي إليه لاحقا: "فالخطاب الشيعي عند أهل القطيعة، يواصل التعريض بالصحابة والنيل منهم بلا تحفظ. ويكون ذلك كافياً لتحريض بقية المسلمين وهم الأغلبية العظمى على منابر التشهير، ليس بسبعين ألف منبر أقامها معاوية في الشام للتعريض بالإمام علي، وإنما بإرسال سبعين ألف انتحاري يؤمن بأن في موته موتاً للشيعة وثأراً للصحابة. إلى تجريم عمر وسبِّه على مسمع من آذان الفضاء وعيون المتابعين للسجالات والخطابات، وقد تحولت من منابر منزوية إلى عيون الفضائيات والأقمار الصناعية، فيستفزُ الطرف الآخر المحسوب على عمر فلا يرد على شاتميه بشتم أئمة أهل البيت، بل بالبحث في المرويات والقصص وصياغة الآليات لصياغة مرافعة ومشروع دفاعي وهجومي على الخصم سيكون منه تعجيم الشيعة ثم تكفيرهم مما يتيح لفرق الذبح بين الحدود العراقية والأنبار وبين اليوسفية والمحمودية في طريق الأئمة أن يشهروا سكاكينهم ليؤدوا (الواجب الشرعي)". أن العراق اليوم يمر بمنعطف ليس فقط خطير على مستقبله السياسي وإنما الجغرافي أيضا. فبعد السيارات والأجساد الرخيصة المفخخة والتهجير الطائفي أخذت بعدا جديدا في بناء جدران برلين بين أحياء العاصمة ولربما ستصل إلى جدران بين دويلات العراق الطائفية بعد أحيائها. ومن اجل إيقاف ذلك وكذلك نزيف الدم العراقي لا بد من وئد الأسباب للمساعدة على إنجاح مشروع المصالحة الوطنية وتبنيه كعقيدة.

وحسن العلوي على حق فيما ذهب إليه في كتابه أسوار الطين الصادر عام 1995، من إن الطائفية مستقرة في العراق، لكن القتل الطائفي كان يفدُ دائماً من خارجه. وهكذا وصل عدد الانتحاريين العرب الذين يقتلون العراقيين إلى أكثر من 3000 شخص. وحسب دراسة أخيرة جاءوا :20% من الجزائر،18% من سوريا،17% من اليمن،15% من السودان (واحد منهم قام بالتفجير الأخير في سوق كربلاء )،13% من مصر، 12% من السعودية و 5% من الدول الأخرى.

قال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يوم السبت العاشر من الشهر الماضي في كلمة افتتاح المؤتمر الإقليمي في بغداد للمندوبين المشاركين فيه وبينهم نواب وزراء خارجية ومسئولون آخرون من إيران وسوريا والولايات المتحدة إن مبادرة المصالحة هي السفينة التي ستنقذ العراق، وإنها أساسية لإنقاذه ". وقد كتب الكثير من الكتاب الوطنين العراقيين قبل هذا المؤتمر بكثير، ومنذ سقوط الصنم الفاشي حول ضرورة المصالحة الوطنية للمباشرة ببناء عراق على أسس جديدة مبنية على رفض التسلط القومي والطائفي والمناطقي وتساوي العراقيين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اختلافاتهم العقدية والأثينية والطائفية. كما نبهت الأقلام الشريفة العراقية إلى خطر التخندق الطائفي والتعصب القومي وما يمكن أن يسببه في إبعاد المصالحة الوطنية وإعادة النسيج الاجتماعي العراقي المتعدد الألوان إلى ما كان عليه سابقا زاهيا جميلا. وقد استطاعت يد الظلام البعثقاعدية في إشعال الفتنة الطائفية وتوسيع لهيبها منذ أكثر من عام بقليل بعد تفجير القبة الذهبية في سامراء. وبعدها بدأ الحقد الطائفي يحصد أرواح العراقيين من كل الأطياف دون فرق من أنها مع العراق الجديد والتحولات التي جرت فيه أو لم تدعمه لسبب من الأسباب، حتى وصلت إلى تدمير رموز الثقافة العراقية والتراث العراقي من تفجير نصب معمارية أو تفجير شارع المتنبي وغيرهما. و أولى الحجرات الصلدة في بناء طريق المصالحة الوطنية بعد حمامات الدم التي ينزف خلالها الشعب العراقي هي في رفض الطائفية والمحاصصة على أساسها، وكذلك الدعوة على إن المسلمين أخوة وتحريم دمهم ومالهم وعرضهم كما تحرم دم ومال وعرض جميع أبناء الأديان والقوميات المتآخية في العراق. انبرى أكثر من رجل دين عراقي في هذا الصدد وتخلف الكثيرين خارج العراق الذين أفتوا باستباحة الدم العراقي على أساس الانتماء الطائفي والديني. كما كرست طليعة طبية من المثقفين العراقيين كتاباتهم ضد المرض والمرضى الطائفيين وخصصت اكثر من وسيلة إعلام وطنية عراقية صفحاتها لذلك الغرض، ولربما تقف في طليعتها "عراق الغد". ومن اجل إنجاح مشروع المصالحة الوطنية لا بد من أن يكون السلاح موجه أولا لأخطر الأمراض التي تهدده وهو المرض الطائفي ودعاته عن طريق توحيد الأسس المشتركة للطوائف الإسلامية وإبعاد الخلافات الجانبية عن طريقها. وكنت قد تطرقت في مقال لي في "إلاف" و "عراق الغد" عن المحنة التي يعيشها المسلمون منذ عدة قرون حول العلاقة بين الخليفتين الراشدين على وعمر، واستشهدت بما كتبه المفكر العراقي وعالم الاجتماع الدكتور عي الوردي بهذا الصدد.

صدر في بداية هذا العام للمفكر العراقي حسن العلوي مؤلفه الجديد " عمر والتشيع ثنائية القطيعة والمواجهة، تعب المواجهة". وفعلا هو تعب المواجه في جو مشحون بفيروس المرض الطائفي المعدي ولذلك أثيرت حول الكاتب حملة ليست عادية في الوقت الذي يعمل كل وطني عراقي على إنجاح مشروع المصالحة الوطنية الذي سماه المالكي بانه سفينة النجاة للعراق الموحد وشعبه. فلماذا الحملة على العلوي؟ بعد صدور كتابه ذاك وظهوره في برنامج تلفزيوني في الثالث والعشرين من شباط الماضي؟ ليس غريبا أن يظهر حسن العلوي وهو كاتب وإعلامي متمرس في قنوات فضائية ضيفا أو محاورا حول الكثير من القضايا الخلافية، ومنها إعدام صدام حسين. واعتقد بان العلوي كمفكر ضد عقوبة الإعدام حتى وان كانت بحق صدام حسين، الذي عارضه لمدة ربع قرن واصدر أربعة كتب ضده، ولكنه استهجن الطريقة التي اختزلت جرائم صدام بحق الشعب العراقي وشعوب المنطقة الأخرى إلى عملية ثأرية لشخص واحد أو عائلة واحدة أو حزب في السلطة، وقال عن ذلك: "لا أوافق الشامتين الذين رقصوا لإعدام صدام وليس من الرجولة أن يشمت السياسي بخصمه". وأستهجت قبله مجموعة من المثقفين العراقيين كممثلين لجميع شرائح المجتمع العراقي، الدينية والقومية والسياسية طريقة الإعدام. وقد نشرت رسالتهم الموجه لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على نطاق واسع، وقد تضمنت تأيد عملية الإعدام بحق الدكتاتور، والاحتجاج على طريقتها وتوقيتها والمطالبة بإعفاء من كان خلف ذلك. ولسوء الحظ لم يعفى كلا الرجلين اللذان قاما بعملية التصوير وإقامة حفلة الرقص المخزية التي حولت الجلاد إلى ضحية والضحية إلى جلاد. فعملية الإعدام شهدها أكثر من20 شخصا وهم مسئولون في الحكومة وبعض القياديين في قائمة الائتلاف العراقي الموحد، من بينهم سامي العسكري وخضير الخزاعي وموفق الربيعي وصادق الركابي وعلي الأديب وهم جميعا ينتمون إلى حزب الدعوة الذي كان مستهدفا في جريمة الدجيل وكذلك بعض المسئولين الآخرين. والحملة ضد العلوي بعد ذلك البرنامج التلفزيوني ليس لها ما يبررها فانه لم يقل أكثر ما قاله وكتبه سابقا. واتهامه بالعودة إلى جذوره البعثية غير موفق لأنه قال في نفس المقابلة بأنه لم يصافح بعثي بعد خروجه من الحزب. كما وان حسن العلوي أول من عرى حزب البعث وفكره في كتابه الرائع "دولة المنظمة السرية" وكتابه الآخر "المؤسسة السرية لحزب البعث" وكان حسن العلوي في طليعة الذين ناضلوا بإخلاص ضد النظام القمعي البعثفاشي، وكان رأسه على قمة الرؤوس المطلوب تصفيتها، وهو أجدر كثيرا من الذين ركبوا قطار المعارضة في لحظات تحركه الأخير ووصلوا إلى سدة الحكم. وأتهم حسن العلوي في الحملة الأخيرة على انه تنكر للوطني العراقي الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي كان جار له، متناسين ما كتبه العلوي كأول وثيقة نزيهة عن عبد الكريم قاسم في كتابه" عبد الكريم ما بعد 20". ويمكن اعتبار حسن العلوي مع عدد أصابع اليد من أفضل الذين عينوا سفراء للعراق الجديد(49 شخصا) والذين يستحقون تمثيل العراق وشعبه. وأدركت الهجوم على حسن العلوي عندما بدأت قراءة كتابه " عمر والتشيع ثنائية القطيعة والمواجهة"ولعمري هو اجتهاد مملوء مجازفة من اجل المساهمة في مشروع المصالحة الوطنية عن طريق إلقاء الضوء على الفكر الطائفي لكلا المعسكرين الشيعي والسني بالنسبة لنقطة خلافاتهما الأولى " علي وعمر" على أساس انه دخل في المحرمات التي بني عليها هرم المقاطعة والكره الطائفي. وتكرر الأصوات المتشنجة المهاجمة للكتاب وصاحبه باستمرار ان هناك خطوط حمراء لا تجيز لأحد اجتيازها ولا يمكن أطلاقا مناقشتها.وفي كتابة مقالي هذا أسبح أنا أيضا ضد التيار الحالي. يقول العلوي في كتابه في الصفحة 12:" العراق منقسم على ثنائية عمر وعلي، التي تشكلت قنواتها السرية في السياسة الدولية." وكذلك:" الصراع في العراق سياسي علي السلطة وبسببها حزب الله المشروع السياسي لإيران والإسلاميون الشيعة في العراق المشروع الطائفي له." ويقول في الصفحة 14 :" في الوقت الحاضر أوشكت الاتجاهات الراهنة لبعض السياسات الشيعية في العراق أن تكرس عجمة التشيع بأفكار ومشاريع وخطاب بعضه رد فعل لممارسات نظام قومي عربي استأثر بالسلطة طائفيا ونكّل بمواطنيه في الأغلبية العربية الداعين لقيام نظام حكم مشترك، غير أن تبريراً لميل شيعة السلطة الحالية نحو عزلة خارج المحيط العربي سيجد معارضة الأغلبية العربية ومثقفيها المستقلين." وهذا الموقف الذي أثار رده الفعل ضده على الرغم من أن كتابه، كما يقول العلوي:" يروج لنظرية المشاركة في سعيه لرفع الحصار عمن ينحدر الكاتب من أصلابهم... وجداً بعمر وسيراً على طريق السلم الأهلي الذي يبدأ عندي من لحظة التصالح مع التاريخ حتى يسهل لدعاة المشاركة أن يتصافحوا في الحاضر". وليس جديدا على العلوي الخوض في هذا الموضوع حيث صدر له قبل هذا الكتاب " الشيعة والدولة القومية " الذي استهدف تمذهب الدولة، وظهور مذهب حاكم يستأثر بالسلطة وامتيازاتها، ومذهب محكوم ومحروم في دولة واحدة، تطرح خطابا قوميا في الداخل والخارج كان تعرية للنظام البعثفاشي في بغداد وكان انتصارا للمذهب المحكوم والمحروم، ليس على أسس طائفية وإنما عن حقوق مدنية.

والكاتب دافع عن العراقيين بكل فصاحة لسانه وقوة منطقه وحسن قلمه مبعدا عنهم الاتهام بأنهم أهل نفاق وشقاق. حيث قال :" إن المؤرخين يتداولون بظلم معلوماتٍ وأحكاماً عن أهل الكوفة كمثال للشخصية العربية المعروفة عندهم بالشقاق والنفاق وقطع الأعناق والأرزاق، فيما أخذت الكوفة قطعَ الأعناق والشقاق مرةً من قبائل الردة التي استوطنتها، ومرةً من انشقاق البصرة على خليفتها الشرعي، وبقيت الكوفة عربيةً خالصة ولم يكن للعراقيين الأصليين عليها شيءٌ من عناصر النفوذ والقوة وشعبها متسلح بتقاليده اللقاحية الصارمة وعقيدته الإسلامية النافذة. فتعرب بها من تعرّب من لم يكن عربياً ولم تتعرق الكوفة إلاّ في القرن الثاني للهجرة. أي أن العراقيين لم يقتلوا الإمام الحسين،لأن أهل الكوفة لم يكونوا عراقيين آنذاك.(ص146) وعن علاقة الخلفيتين الراشدين بين حسن العلوي استنادا إلى العديد من المصادر العلمية إلى ما جمع علي وعمر والعلاقة الطيبة بينهما ناهيك زواج عمر من ابنة الإمام علي أم كلثوم وولادة حفيد الإمام الذي هو ابن عمر زيد. وكيف كان الإمام علي يقدم النصح للخليفة عمر بن الخطاب ويأخذ بها ومنها التقويم الهجري والذهاب إلى فلسطين ومنعه من الذهاب إلى بلاد فارس. وينقل قصة تقبيل عمر لرأس الإمام علي وكتب العلوي :" وكان علي طيلة حياة عمر ناصحاً لعمر خائفاً عليه، وكان عمر يحب علياً، وكانت بينهما مودة، ومحبة، وثقة متبادلة، ومع ذلك يأبى أناس إلا أن يزوروا التاريخ، ويقصوا بعض الـروايات، التي تناسب أمزجتهم، ومشاربهم، ليصوروا لنا فترة الخلفاء الراشدين عبارة عن:" أن كل واحد منهم كان يتربص بالآخر الدوائر، لينقض عليه."(ص 126ـ127). فقد توشجت العلاقات بين عمر والإمام علي بعد وفاة أبي بكر، واستمرت في التلاحم والتفاهم إلى الحد الذي يدفعنا لجعل ولاية عمر بن الخطاب حكماً مشتركاً مع الإمام علي. إن أكثر الأسـماء بريقاً في العراق وأحياناً في البلدان العربية والإسلامية تنتمي إلى القول بمبدأ المشـاركة والتجـانس بين الإمامة والخلافة في العهد الراشد. (ص 229). ويذكر حسن العلوي عندما سافر عمر إلى بلاد الشام ولى عليا مكانه. ونجد من الناحية الأخرى أن الذين بايعوا عمر وآزروه في خلافته هم أنفسهم الذين بايعوا علياً بعد ذلك وقاتلوا تحت رايته. فقد بايع علياً أكثر المهاجرين والأنصار،وهذا أمر لا مجال للشك فيه. وقد صرح علي غير مرة أنه بايعه الذين بايعوا أبا بكر وعمر من قبل. فلم يرد عليه أو يكذب دعواه أحد. يقول الألوسي: "إن ثمانمائة من أصحاب بيعة الرضوان كانوا يقاتلون معاوية تحت راية علي في صفين. وقد قتل منهم ثلاثمائة.وأصحاب بيعة الرضوان هؤلاء هم نخبة الصحابة وقوام المهاجرين والأنصار." وقد حدثت بيعة الرضوان في عام الحديبية حيث جدد المهاجرون والأنصار بيعتهم للنبي وعزموا على الموت. وهم إذن يختلفون عن أولئك الناس الذين دخلوا الإسلام بعد الفتح وكان كثير منهم منافقين، حيث أسلموا رهبة أو رغبة. إن هذه الوثائق التاريخية الصارخة يجب أن تكون موضع نظر لدى الشيعة وأهل السنة.(ص284)

ويقول حسن العلوي:" فإذا تصدى أحد القائلين بنظرية المشاركة أمثالنا، وتحدث عن قرارات مشتركة اتخذت في ركن المسجد النبوي بين عمر وعلي، صار خارجاً على المِلّة." وبمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس حزب الدعوة الذي أسسه السيد محمد باقر الصدر لا بد من الإشارة إلى ما كتبه العلوي عنه: "والسيد محمد باقر الصدر كان في ذلك الوقت يتزعم الاتجاهات الجديدة للحوزة العلمية. وربما تنفس خصومه الصعداء لإقدام صدام حسين على إعدامه مع شقيقته بنت الهدى، فحُرم الإسلام من أخطر مفكريه المعاصرين والداعين إلى فهم جديد للتاريخ الإسلامي بما يعزز المشتركات، ويضعف المنهج التقليدي لفقهاء القطيعة بين المسلمين." (ص259 )

ومن اجل أن نبني قاعدة للمصالحة التاريخية لإيقاف نزيف الدم العراقي لا بد أن نقف هذا الطوفان من الكره والحقد الطائفي. فليس هناك أحد من يكره آل البيت، ومن يزايد على ذلك هم من مشعلي الفتنة بين المسلمين. يقول المثل اخذ الحكمة من رأس المجانيين حيث قال القذافي في خطابه الأخير :" عندما يكون معاوية أبوه أبو سفيان الذي هو من اشد أعداء الرسول والإسلام، وأمه هند التي أكلت كبد حمزة، ويكون معاوية ضد علي بن أبي طالب، هل هناك مسلم ينحاز إلى معاوية ويترك عليا أو يقاتل عليا؟ لا يمكن، وهل فينا احد يحتفل بمعاوية أو بجده أو بأمه وبأبيها رأس الكفر؟

جاء في مقال للشيخ علي القطبي في " عراق الغد" يوم الأحد الحادي عشر من شهر مارت الماضي حول الدعوات التي أطلقتها الجاليات العراقية في الخارج :"الجالية الشيعية تدعوكم لأحياء مسيرة الأربعين" لماذا هذا العنوان؟؟؟ مع شكري واحترامي لجهود كل الأخوة الذي ساهموا في إحياء هذه المناسبة والمناسبات السابقة، أقول لهم : كل الفقهاء والعلماء والعقلاء وكبار القوم يركزون في دعواتهم عن الابتعاد ما يثير الخلاف والتفرقة , عسى ولعل أن تمر هذه المحنة الرهيبة وتنقضي بسلام. لم يكن الحسين يوماً حكراًُ على طائفة.... الحسين رمز إنساني تغنت به الشعوب والأمم والقادة على مر التأريخ , وسيبقى ذكره سرمدياً لا يستطيع منه الزوال ولا يحتويه النسيان". ويستشهد الكاتب بالكثير من السياسيين والمفكرين من قوميات وديانات مختلفة حول الإمام الحسين ومآثره ونهضته في كربلاء. وعلى العكس من الشيخ القطبي، ولأول مرة، ليس في تاريخ الدبلوماسية العراقية وحتى في تاريخ دبلوماسية ولاية الفقيه الإيرانية، التي تؤخذ نموذجا يتحول بيت سفير عراقي إلى حسينية. وهنا أورد نص الخبر الذي نشرته الكثير من وسائل الإعلام: "أقام السفير العراقي في بلغاريا مجلس عزاء أحياءا لذكرى استشهاد الإمام الحسين ودفن الأجساد الطاهرة في يوم الثالث عشر من محرم الحرام ( يوم بني أسد )، واستمع الحضور إلى خطبة قيمة لمصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام بعدها تمت قراءة زيارة عاشوراء، وعند الانتهاء تناول الحضور مأدبة عشاء من تبركات الإمام الحسين عليه السلام." وقد قال الإمام الحسين لعبد الله بن عمر الذي طالبه بعدم الذهاب إلى العراق، ومقاتلة الخليفة الأموي في الشام: "لو كان أبوك معنا لنصرنا، لكن الروزخون يتعامى عن هذا النص، فيشتط به الملا محمد باقر المجلسي صاحب مجلدات بحار الأنوار إلى عمر بن الخطاب ليكون هو خصم الحسين وعدوه، فيستقر كلامه في أذهان الأتباع والمريدين والحاضرين، وكأن حقائقه لا ينفيها إلاّ قتلة الإمام الحسين.

ويقول حسن العلوي: "إن أهل القطيعة قد لا يكفرون أهل السنة، بل يكفرون عمر وأبا بكر وعائشة، فتنزل القطيعة من أعاليها إلى أسافلها وتدور الدورة الطائفية في مدن العراق.... ولهذا فإن وضع مشروع للمصالحة الطائفية إذا أريد له النجاح، سيقتضي أن يبدأ من التاريخ والتصالح معه لترجيح كفة المشاركة على القطيعة حتى تقبل المشاركة في الحاضر. أما أن يستشري دعاة القطيعة ويستحوذوا على فضائيات عراقية وعربية، وأخرى أُسست لهذا الغرض بالذات، فيما هو يحضر اجتماعاً للمصالحة فهذا خداع النفس والضحك على الذات، وسينتهي مفعول المصالحة مع انتهاء المصورين من التقاط زواياهم المفضلة." وهكذا يتحد الحرص على المصالحة التاريخية بالحرص على الصلح الاجتماعي مع الماضي والحاضر. ويرفض العلوي مستنيرا بالنص التأريخي على تسمية الشيعة بالرفضة (ص271) كما يرفض صفة الصفوية على الشيعة، لكنه يحدد دور الصفويين التاريخي قائلا :" ومن الإنصاف أن الصفويين لم يبتدعوا نظرية القطيعة، وقد كانت قائمة في مرويات محدودة لكن الصفويين نجحوا في أدلجة القطيعة ووضع مناهج خاصة بها في البحث التاريخي وثبتت لها القواعد القائمة على (الأدلة النقلية والبراهين العقلية) ووضعت موازنات لهذا المشروع، تحت تصرف أرفع العقول وأبهى الأسماء الفقهية في لبنان والعراق وإيران. ومنح فقيه الدولة الأول الشيخ علي الكركي صلاحيات الشاه، فصار حرامه حرام الدولة وحلاله حلالها." وكانت مجلدات بحار الأنوار للملا المجلسي الذي يصفه علي شريعتي، بأنه داعية السلطنة الصفوية ومروّج مشروعها السياسي والروحي. وقد أوقف السيد الخميني طباعة أجزاء من موسوعة البحار حرصاً على وحدة المسلمين، وحفظ الأجيال الجديدة من تسرب تلك المعلومات إليها. ويصف العلوي المجلسي بانه متخصص في روايات التشهير بعمر بن الخطاب، حيث يمكن ردّ ما يتداوله الإعلاميون والمتعلمون والمتحدثون وبعض الفقهاء من معلومات حول عمر إلى مصادره. في الوقت الذي قال فيه الإمام جعفر الصادق: " إننا نبرأ إلى الله ممن يسب أبا بكر وعمر"، فهي رواية غير معترف بها، وليس فيها رشاد لأنها مما يوافق العامة. ويقول العلوي في صفحة 217 أثناء زيارته لإيران إنَّ هناك روايات متوفرة لدى رواة أهل البيت أن الذي قتل في المدينة بعد مقتل عمر هو ليس أبا لؤلؤة، الذي تمكن من الهرب والوصول إلى إيران حيث سأل مضيفه: "وهل هذا يعني أن ما يقال عن وجود قبر يزار لأبي لؤلؤة في إيران صحيح، وهو عندي من المدسوس على الإيرانيين؟. قال المسئول الفقيه: "نعم." ويتمنى حسن العلوي من إن كتاب "أصل الشيعة وأصولها" للإمام كاشف الغطاء و"مهزلة العقل البشري" لعلي الوردي و"فصول من تاريخ الإسلام" لهادي العلوي وشيء من كتابه الأخير، هي جوازات مرور تخترق جدران القطيعة، التي يستفاد منها في إيران لكنها ستضرب مصالح الشيعة العرب أينما ولوّا وجوههم. ويختتم العلوي أفكاره بان الطائفية :" فتنة الاقتتال تخرج من داخلها والطائفية مجالها الذي يجتذب صراع الدول إليها. وليست هي وليدة الاستعمار العالمي الجديد، وقد ولدت قبله بأكثر من ألف عام. قد لا تكتشف ظاهرة، أن الطائفية في العراق، هي ليست صراعاً عقائدياً ولا مذهبياً، ولا هي من صراع الأفكار. والطائفية جاذب آلي وذاتي الحركة، لصراع الدول، وليست، هي، كما نوهم أنفسنا وأجيالنا، وافداً غريباً تسلسل إلى بلداننا على غفلة منا! ولربما ولدت قبل مولد الدول الاستعمارية الحديثة بألف عام هجري، وارتبطت كالاستعمار العالمي بالمصالح الدولية وقوانين الصراع، وهي ساعدت على تدوير شؤونها وتسهيل خياراتها. من الطبيعي أن تستفيد السياسات المحلية من عامل قوي ومؤثر لم تستخف بفاعليته الإمبراطوريات. وفي العراق ومحيطه أحياناً، تبدو الطائفية شكلا من أشكال الصراع على السلطة، وليست انقساما اجتماعيا، إنما الانقسام ناجم أصلاً من هذا الصراع. فجرى توظيف ثنائية الضد العلوي- العمري لتوفير مسوغات شرعية للاستئثار بالسلطة والحصول على حقائب وزارية، ستوفر لحامليها حلم الوصول السهل للامتيازات العسيرة !. وبهذه البساطة أصبح عمر بن الخطاب ورقة سياسية، والإمام علي ورقة انتخابية. وكل منهما مجرد لافتة معلقة على خرائب المتقاتلين. وأدخلت ثنائية عمر وعلي في طريقة التوزيع الرديء وغير العادل لامتيازات السلطة. (ص 317)

فإذا أريد لمشروع المصالحة الوطنية النجاح، سيقتضي أن يبدأ من التاريخ والتصالح معه لترجيح كفة المشاركة على القطيعة حتى تقبل المشاركة في الحاضر عن طريق المصالحة الطائفية ووئد أسبابها وإسكات المروجين لها والداعين لإشعال نارها. تحية لأبي أكثم الذي نورني عبر كتابه الأول " دولة المنظمة السرية" وكتابه الأخير"عمر والتشيع ثنائية القطيعة والمواجهة، تعب المواجهة" وبعض ما أتيح لي قراءته ما بينهما.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف