الشعراوى.. من تانى..
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هذه جلسة مودة لنا فى فضاء الانترنت أتحدث لكم فيها عن مقالى السابق ( محاكمة الشيخ الشعراوى ) لتوضيح وجهة نظرى شاكرا لكل من تفضل بالتعليق مع أو ضد الكاتب..
فى البداية أعتذر إن كان المقال قد سبب لأى قارىء ى مشاعر مؤلمة أو سلبية.
وندخل فى الموضوع :
(أولا )
1 ـ فى الخامس من مايو 1985 صدر قرار رئيس جامعة الأزهر بوقفى عن العمل و مصادرة مستحقاتى المالية ومنعى من السفر ومن الترقية لاستاذ مساعد ومصادرة كتبى الخمس التى كتبتها ـ جميعا ـ خلال ثلاثة أشهر. كان الذى ضغط على جامعة الأزهر لاتخاذ كل هذه القرارات المخالفة للقانون أذناب الشيخ الشعراوى وفى مقدمتهم الشيخ محمد زكى ابراهيم رائد العشيرة المحمدية. صدرت هذه القرارات ضد مؤلف شاب ( كان عمرى وقتها 36 عاما ) لأنه حقق رقما قياسيا فى سرعة التاليف والانجاز بتأليف خمس كتب دفعة واحدة، وكل منها جاء بفكر جديد فى اصلاح عقائد المسلمين بالقرآن. وما فعلته كان استجابة لقانون الأزهر الذى يوجب على عضو هيئة التدريس فى جامعته ( تجلية حقائق الاسلام )، ولا يمكن تجلية حقائق الاسلام إلا بالقرآن. ولكن الذى فعلته ـ أيضا ـ كان اتهاما ضمنيا لقيادات الأزهر بتخليهم عن الاجتهاد فى تجلية حقائق الاسلام. وقد استنكفوا أن يأتى الاجتهاد ممن يصغرهم سنا ويقع تحت طائلة نفوذهم الوظيفى. وبدلا من الاشادة والتقدير كان العقاب والتنكيل. كان بيدهم القوة مقابل الحجة، ولم يتورعوا عن استخدام نفوذهم بالباطل محاولين ان يدحضوا الحق. وكانت النتيجة هى ما نراه الآن بعد أكثر من عشرين عاما. لو تسامحوا معى وتجاهلونى لظللت أستاذا مغمورا ضمن مئات الأساتذة الذين تمتلىء بهم طرقات جامعة الأزهر. ولكن خوفهم على مناصبهم وحرصهم على ألاّ يتهمهم أحد بالجهل دفعهم الى التطرف فى ظلمى.
هذا، بينما تسامحوا فى حادثين ـ تصادف وقوعهما وقت مشكلتى.
الأول : استاذ تفسير فى كلية البنات بجامعة الأزهر، معمم وملتحى، كان عمره 55 عاما، متزوج وله أولاد كبار،، وقد اشتكته طالبة فى الكلية بانه أعتدى عليها وأحبلها. واستدعى مأمور قسم مدينة نصر الاستاذ الشيخ فلم يستطع الانكار، فأرغموه على الزواج منها، وأبلغوا جامعة الأزهر. وطبقا لقانون جامعة الأزهر فقد أتى هذا الشيخ ( بما يزرى بمكانته كعالم مسلم ) ويجب عزله. ولكن تكتمت جامعة الأزهر على الموضوع لتتفرغ لكتم أنفاسى.!!
فى نفس الوقت كان الاستاذ الدكتور (ر.ز ) بكلية أصول الدين قد أعلن فى محاضراته ومذكراته سب النبى محمد عليه السلام ووصفه بانه كان مجرد لص بدوى قاطع طريق. وقد أحيل ـ مثلى ـ لمجلس التاديب متهما بانكار حقائق الاسلام. ولكن اختلف موقفهم منه، فقد كانوا يرجونه البقاء، وكان هو مصمما على الحاده مستحقرا الاسلام.. فاضطروا الى عزله فى سكون وسكوت.
أنا الذى حوكمت متهما باننى ( أتيت بما يزرى بمكانتى كعالم فى الأزهر ) وأننى ( أنكرت حقائق الاسلام ) و السبب تمثل رأسا فى كتاب ( الأنبياء فى القرآن ) الذى اعتمد فى كل سطوره على القرآن فى قصص الأنبياء بدلا من خرافات الثعالبى وابن كثير.
تمثل ظلمهم لى ـ ليس فقط فى كل القرارات المخالفة للقانون الصادرة فى 5 / 5 / 1985، وليس فقط فى استمرارها بعد انتهاء المهلة القانونية، وليس فى مصادرة حقوقى المالية بعدها خلافا للقانون ـ ولكن أيضا كل تلك الحملة الشرسة ضدى بالاتهامات بالكفر والعمالة لجهات أجنبية تدفع لى بالملايين للهجوم على الاسلام، الى درجة أنهم صدقوا أكاذيبهم فقدموا ضدى بلاغا الى ادراة الكسب غير المشروع فى الوقت الذى كنت أعانى فيه من انقطاع مستحقاتى المالية التى لا دخل لى غيرها. ومن المضحك والمؤسف أن قام المسئولون وقتها بالبحث فى البنوك فلم يجدوا لى أى حساب فى أى بنك، فذهب وفد رسمى الى بلدتى بالشرقية يستطلع املاكى فتأكدوا أننى لا أملك شيئا سوى البيت القديم الذى ورثته مع اخوتى عن والدى يرحمه الله. فى نفس الوقت كان رئيس الجامعة وقتها ( الدكتور محمد السعدى فرهود ) تتهمه جريدة الوفد باختلاس ملايين مما كان يعرف بالمركز الهندسى، وكان شيخ الأزهر وقتها ( جاد الحق ) تتهمه جريدة الوفد بأنه استولى على قصر فخم فى المعادى كان لبعض الأميرات ثم صودر وتحول الى معهد ازهرى للبنات ثم استولى عليه فضيلته لنفسه..
كان بامكانى فضحهم بالصحف ـ ليس بالاتهامات الكاذبة كما فعلوا معى ـ ولكن باثارة المسكوت عنه مثل قضية الشيخ الذى اعتدى على الطالبة والشيخ الآخر الذى أعلن الحاده، وخفايا أخرى كانت وقائعها المثبتة تصل لى.
ولم أفعل.. لآن طريقى الذى اخترته فى الاصلاح الدينى هو ألا يتحول الأمر الى خلاف شخصى. أريد التركيز على حقائق الاسلام فقط و أسامحهم فى الأذى الشخصى وأعرض عنهم متبعا أمر الله تعالى.
وهذا يختلف عن منهج الاصلاح السياسى و الثقافى، حيث يكون للكتابات السياسية و التاريخية منهج آخر فى الاصلاح، أسميه ( التخصص فى السيئات ) أى التركيز على النواحى السلبية طلبا لاصلاحها.
ولا تزال هذه سياستى حتى الان. حين أكتب عن الشخصيات التاريخية و السياسية يكون التركيز على السيئات لإحداث إصلاح ولعمل بعض من التوازن فى مواجهة آلاف الكتابات التى تمدح و تقدس و تمارس خطيئة (عبادة الأبطال ). أما حين أكتب فى الاصلاح الدينى فالتركيز على الموضوع فقط، ولا أتعرض للأشخاص إلا بالقدر الذى يفرضه الموضوع نفسه.
(ثانيا )
ومقال محاكمة الشيخ الشعراوى هو الدليل. واليكم أكثر من دليل :
1 ـ : اتهام الشيخ الشعراوى بالشذوذ الجنسى كان شائعا فى حياته. وقد أشير الى اعترافه جزئيا بها فى التليفزيون حين علّق ضاحكا عن اتهامه (بمحبة الحلوين ) ودفاعه بالأحاديث التى تتكلم عن ( حسان الوجوه ). وحين سمعت بهذا لأول مرة غضبت واعتبرتها مؤامرة لتشويه الشيخ، وظللت متمسكا برأيي غاضبا ممن يثيرحكاية جديدة فى الموضوع. بل إن لى جميلا على الشعراوى وآله ومحبيه ـ وهذا ما أقوله لأول مرة ـ فقد حاول بعضهم نشر أشرطة تمس حياته الشخصية، فهددتهم بالتحول 100 % الى الجانب الاخر. وكان موقفى هذا مفاجئا لهم فألغوا الموضوع حرصا على صداقتى ووجودى معهم مفكرا مسلما.
2: كان من أسباب حضورى تلك المحاكمة للشعراوى ألا يتطرق الموضوع ـ ولو فى الكواليس الى هذه الناحية المخزية، فقد كانت أهم موضوع للتندر متى جاءت سيرة الشعراوى. فكيف فى يوم محاكمته وهم لا يستطيعون الرد عليه علميا واسلاميا. وجدير بالذكر أن رئيس تحرير جريدة الدستور وقتها الاستاذ ابراهيم عيسى كان قد أشار الى الموضوع متحديا الشيخ الشعراوى فى روز اليوسف. وهو الذى أقام المحكمة بمناسبة العدد المائة للدستور التى رأس تحريرها، وكان فكرتى أننى سأشغلهم بما سأقوله من فكر اسلامى يناقض الشعراوى ـ عن مشكلة الشعراوى الشخصية. أى كنت حاضرا لحماية الشعراوى لا للهجوم عليه، وهذا ما قلته لأمن الدولة. وقد اقتنعوا بذلك سريعا لأنهم يعلمون من الخفايا أكثر مما أعلم، وكانوا يريدون أن اقولها أنا بنفسى لأجنبهم الحرج. وفى المقال عن ( محاكم الشيخ الشعراوى ) شرحت هذه النقطة ثم حذفتها بسبب طول المقال، وحتى لا أجعلها قضية أساسية. والقارىء الحاذق للمقال يحس أننى حذفت سطورا كثيرة، أشرت اليها بقولى (وقضينا وقتا فى كلام أى كلام.. وودعونى)
3: وكما كان متوقعا فان ابن الشيخ الشعراوى كان لى بالمرصاد بسبب حضورى المحاكمة. وكان مصيرى السجن مثل آخرين انتقدوا الشعرانى ( منهم من لا يزال فى المعتقل حتى الان ـ ومنهم من خرج من السجن فهاجر ناقما على الاسلام و المسلمين ). وكان لا بد من توضيح نجاتى من نفس المصير، وهى أننى قلت لهم الحقيقة أننى ذهبت الى هناك حماية للشيخ الشعراوى ولحصر الاتهام فى الفكر و ليس فى الشخص. ولست كاذبا فيما قلت، ففى الحقيقة كنت حريصا عليه طبقا لمنهجى فى التعامل مع الموضوع دون الدخول فى الحياة الشخصية.
واتساءل ماذا يفعل أى شخص آخر لو كان مكانى؟
إذ لا بد من حضورى لإظهار حقائق الاسلام التى يقف الشعراوى نفسه خصما لها ولكل مصلح يتكلم في إظهارها، ولا بد من حضورى حتى لا يتسلل الى المحاكمة الجانب الاخر من حياة الشيخ فى جلسة حضرها مئات من المثقفين و الصحفيين، ومن لا يعرف منهم خلفية الموضوع سيجد من يهمس فى أذنه، ومعظمهم ممن يكره الشيخ ويراها فرصة لفضحه.
إذن لا بد أن أحضر، ولكن لا بد ـ أيضا ـ أن أحمى نفسى من نفوذ الشعراوى وابنه.
المذنب فى الموضوع هو الشيخ الشعراوى بفكره و بسيرة حياته وبالنفوذ الذى كان فى يده ويد ابنه. ومن أسف أن يتوجه لى اللوم والعتاب مع أننى لست الذى ارتكب هذه المساوىء الفكرية و السلوكية ولست من أذاعها أو نشرها، بل حاولت الاصلاح بدون المساس بشخص الشعراوى.
4: وقد يقال : وإذن فلماذا ذكرت فى نهاية مقالك ذلك الاتهام للشعراوى و كان يمكنك حذف هذه الفقرة ؟
وأقول : اننى مؤرخ أكتب للأجيال القادمة عالما بقيمة التاريخ الذى يكتبه المؤرخ الشاهد على العصر، وفى حضور الشهود. ومحاكمة الشيخ الشعراوى أحدى صفحات تاريخى النضالى إذ تصديت له فى حياته ونفوذه قائلا ما اعتقده حقا لتبرئة الاسلام مما يقوله الشعراوى وغيره. وقد تم نشر فصول المحاكمة فى جريدة الدستور وقتها، ومن حقى أن أسجل هذا شارحا الظروف الى سبقت وواكبت و لاحقت المحاكمة. ويظل السؤال الأساس : كيف نجوت من القوم الظالمين ؟ وإذن لا بد أن أحكى بالضبط ما حدث. وفى كل الأحوال فهذا الصدق فى رواية ما حدث لا يشوبه أن بعض القرّاء لم يكونوا يعرفون، أو أنهم قد فوجئوا بما لا يعلمون. المهم : هو صحة ما قلت. لم أتهم الشعراوى و انما حكيت اتهام الآخرين للشعراوى. وكيف ذهبت الى هناك لتفادى الهمس بتلك الاتهامات. هذا هو الصدق فى الموضوع. وأقول لكل من يغضب : أرجوك توجه بغضبك لمن يستحق وليس لى.
5 ـ قلت إن منهجى كمفكر اسلامى يسعى الى الاصلاح هو عدم التعرض للأشخاص و التركيز على الموضوع. هذا يسبب لى مشكلة كمؤرخ يعيش عصره و يشارك فى احداث عصره، ويكتب فى الاصلاح السياسى بمنهج مختلف هو التركيز على السيئات و المساوىء. لدىّ الكثير من العلم بفضائح الشيوخ، والمؤرخ داخلى يتقافز طلبا للنشر ولو بالتلميحات، ولكن منهج الاصلاح الدينى لا بد أن يترفع عن الخوض فى النواحى الشخصية.
تتفاقم المشكلة مع تداخل ألمشايخ فى السياسة، سواء فى تحالف الأزهر الرسمى مع السلطة أو تحالف الأزهر الشعبى مع الاخوان. هذا الخلط بين الدين و السياسة يخلق مشكلة منهجية حين أكتب فى الاصلاح الدينى محاولا عدم التعرض للاشخاص، وحين أكتب فى التاريخ و الاصلاح السياسى فاتعرض لشخوص دينية منغمسة فى العمل السياسى هنا أو هناك.
والنتيجة أعجب من العجب. فهم فى غيهم يعمهون، وتسجيلاتهم لدى الأمن تخزى عاهرات الدنيا، ومع ذلك يتفننون فى اتهامى بالأكاذيب، وأظل أنا ساكتا لأن القرآن الكريم يأمر بالاعراض عن الجاهلين ولأن المنهج الاصلاحى يركز على الموضوع دون الشخوص. ثم يأتى عجب آخر ممن لا يعرف خلفيات المواضيع، ثم يقرأ ما لم يعلم فيفاجأ ويلومنا بدلا من لوم الجانى و المذنب.
أى أننى مظلوم من الجميع، من الأعداء و الأصدقاء.. وحتى الأعدقاء أيضا.
(ثالثا )
1ـ و من حقى كمظلوم أن يرتفع صوتى بالجهر بالسوء من القول، طبقا لقوله تعالى (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) ولكنى أعفو عنهم ابتغاء مرضاة الله جل وعلا (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) ( النساء 148 : 149 )
ومن مظاهر إبداء الخير توضيح هذه القضية ذات الصلة بالموضوع، وهى إحدى ملامح التناقض بين أتباع الدين السماوى و أتباع الدين الأرضى، أو ما يطلق عليهم ( رجال الدين ).
بعض الناس تركز فى داخلهم ربط بين الشيخ الشعراوى والاسلام، فاستنكروا ما يقرءون لاحتمال أن ينعكس هذا على صورة الاسلام. وأنا أؤكد ان التناقض قائم بين الاسلام (الدين السماوى الذى قال به كل الأنبياء بكل اللغات ) ودين الشعراوى الأرضى. الدين الأرضى للشعراوى هو التصوف السنى السلفى الذى شرحت معالمه فى سلسلة مقالات سابقة عن البهائية وأديان المسلمين الأرضية. توضيح هذا التناقض بين الاسلام والتصوف السنى هو أساس الاصلاح الدينى الذى أجاهد من أجله، ومن أجله أيضا دار الصراع بيننا؛ صراع من يملك النفوذ ضد من يملك الحجة و البرهان.
وندخل هنا على قضية التناقض بين الاسلام ( الدين السماوى ) وأديان البشر الأرضية التى يتكاثر فيها الكهنوت ورجال الدين، والأسرار و الدرجات و التقديس و البركات.
الاسلام مبادىء سامية وقيم عليا وأوامر تقول افعل ولا تفعل، تأمر بالعدل والاحسان و ايتاء ذى القربى و تنهى عن الفحشاء و المنكر و البغى. وكل منا ـ ممن يزعم الاسلام ـ لا يعبر عن هذا الاسلام بعمله الصالح أو السىء،ولكن يعبر فقط عن نفسه، إن أحسن فلنفسه وإن أساء فعليها، ويظل الاسلام العظيم أسمى من كل الأشخاص والذوات. اما الدين الأرضى فه يكتسب ملامح مؤسسيه ودعاته. ولهذا فالشعراى يصح أن يكون معبرا عن دين التصوف السنى فى عصرنا، ثم يتبعه على الطريق من جاء بعده. لا ضير فى هذا، ولكن الضرر أن يلصقوا اسم الاسلام العظيم بفلان وفلان من الناس. ومن هنا يأتى عتبى على أولئك النبلاء الذين أحسّ من انتقادهم أن الشعراوى مرتبط لديهم بالاسلام صراحة أو ضمنا.
وأقول فى مثل أكثر توضيحا : إن الأمن المصرى أطلق علينا منذ عام 1987 لقب القرآنيين، ولا يزال ملف القضية فى امن الدولة لنفس العام رقم 567 يحمل نفس الاسم. وأصبح هذا علما علينا، وقد ارتضيناه لأنفسنا تشرفا بالقرآن ـ كاتجاه فكرى و منهج بحثى و ليس كطائفة جديدة ظهرت فى تاريخ المسلمين المعاصر. ثم حمل موقعنا اسم ( أهل القرآن ). فهل يعنى انتسابنا للقرآن أن نحتكر البحث فيه أو الحديث باسمه؟ أو هل يعنى هذا أننا نجسّد بسلوكياتنا و كتاباتنا صحيح القرآن ؟. الجواب : لا بكل تأكيد. فالقرآن الكريم أسمى و أعلى وأقدس من أن بعبر عنه شخص من البشر. ومهما جعلنا القرآن محور حياتنا فاننا فقط نحاول اصلاح أنفسنا والآخرين به، وإذا نجحنا فلأنفسنا ـ وإن أخطأنا فعلى أنفسنا. وكل كاتب يعبر عن رأيه ـ ولذلك فكل منا معرض للنقد والانتقاد ولا بد أن يرحب بهذا، فهذه أولى صفات الباحث المسلم. ويظل كتاب الله تعالى العزيز ساميا فوق هاماتنا نحاول ما استطعنا الهداية به فنفلح حينا و نخطىء احيانا، وفى كل الأحوال نرجو من الله تعالى العفو و الغفران.
الأمر مختلف فى أصحاب الديانات الأرضية.
كل دين أرضى يحمل ملامح أصحابه ودعاته ومريديه وأتباعه. لذا فانتقاد هذا الدين انتقاد لهم، وانتقادهم انتقاد لهذا الدين المصنوع الذى يحمل اسم الله تعالى ورسوله زورا وبهتانا.والابتعاد عن هذا الدين الأرضى كفر بأربابه وأشياخه، والويل لأى مجتمع يتحكمون فيه، إذ يصادرون الديانات الأخرى و يتحكمون فى الناس باسم الدين. حدث هذا فى تاريخ أهل الكتاب حين أقاموا على أشلاء ملة ابراهيم أديانا أرضية متشاكسة.. ولا تزال. وحدث هذا بعد نزول القرآن الكريم يصحح ملة ابراهيم ويأمر خاتم النبيين و كل الناس الى اتباع ملة ابراهيم حنيفا دون شرك أو ظلم. بعد موت النبى محمد عليه السلام بعدة عقود أقام المسلمون لهم أديانا ارضية مختلفة و متحاربة، ومتداخلة ما لبث أن أفرزت التصوف السنى ـ وهو أكبرها ـ الذى مزج التصوف العملى فى العقائد بالفقه السنى فى العبادات و المعاملات.
فى كل تلك الأديان الأرضية تجد ( رجال الدين ) يجمعون ـ غالبا ـ بين نقيضين : تقديس الناس باعتبارهم الناطقين عن الدين المتحكمين فيه باسم الله تعالى، وفى نفس الوقت تجدهم فى حياتهم السرية أخس البشر وأحقرهم. تجدهم يواجهون الناس كملائكة فاذا خلوا بأنفسهم كانوا شرا من الشياطين. وهكذا كانوا يفعلون فى العصور الوسطى حيث أفسدوا الأرض واهلكوا الحرث و النسل. ثم أختنق بهم الغرب فتخلص من شرورهم ونفاهم الى حصونهم الدينية ومنعهم من التسلط على الناس ووضع فاصلا بين الدين ( الأرضى ) و السياسة.
ولا زلنا ـ نحن المسلمين ـ نتخبط فى ظلام العصور الوسطى بفضل سيطرة الثقافة السلفية التى رجعت بنا الى السلف العصر أوسطى فى العصر الحديث.
ولكن العصر الحديث أوجد وسائط جديدة للاتصال و المواصلات، فأصبحت قادرة على كشف المستور من حياة (رجال الدين ). فتوالت فضائحهم بالصوت و الصورة فى الشرق ( المسلم ) وفى الغرب ( المسيحى ). ولكن يختلف الأمر هنا وهناك. فكل فضيحة لرجل دين فى أمريكا مثلا يناقشها الغرب العلمانى بحرية على أساس ان رجل الدين هذا بشر مهما بلغ تقديس أتباعه له. أما لدينا فان من عادات الدنيا السيئة عندنا أنها تقوم ولا تقعد إذا حدث تلميح بأى سقطة لأحد رجال الدين، مسلما كان أم مسيحيا.
لماذا يا كبدى ؟ لأنهم آلهة معصومة من الخطأ..
العقل المتخلف الذى نتمتع به يجعل الاسلام هو المتهم اذا وقع الشيخ فلان فى خطأ، أو يجعل المسيحية هى المتهمة إذا وقع القس علان فى خطأ. وتثور مظاهرات ليس ضد رجل الدين المخطىء، ولكن ـ ياعينى ـ ضد من أذاع خطأه..
أى اختزلنا الدين فى مؤخرة رجل الدين.
ولن أعتذر عن هذا التعبير..
فقد فاض الكيل من كل هذا التخلف..