كتَّاب إيلاف

الصراع بين الاحزاب الكردية وجنرالات تركيا ادعاء وزيف

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ليس من جديد في المناوشات الاعلامية بين الاحزاب الكردية العراقية من جهة، وجنرالات تركيا وحكومتها من جهة اخرى.
منذ عام 1991 وهذه المناوشات والتصريحات المبهّرة بالقومية المزيفة من جانبين، تروح وتجيء كالصفا والمروة. ماينقصها فرع بريدي دائم بين الجانبين لايصال التهديدات والويل والوعيد بين الطرفين. الأمر تماما سيناريو متسلسل، مضحك في محتواه الى حد كوميديا هيستيريه.
منذ ان بدات الاحزاب الكردية تسيطر على مناطق كردستان، ابان الاندحار العراقي في اعقاب غزوة الكويت، فان التلاسن والتشاتم أمسى روتينا مألوفا بين الكرد والاتراك.

طانسوتشيلر،مسعود يلماز،بولند اجاويد، سليمان ديميريل، نجم الدين اربكان فضلا عن العسكر هددوا دوما بالاجتياحات والغزوات. ففي تسعينيات القرن الماضي ايام قوة وسطوة تركيا، ابان عضويتها في (ناتو)، لم تستطع ان تترجم التهديد والوعيد الى امر واقع ولو لمرة واحدة، باستثناء حالات نادرة جدا، حيث تدخلت تركيا عسكريا في كردستان العراق ليس لسحق حزب العمال الكردستاني، وانما لمنع سقوط احد الحزبين الرئيسيين بيد الآخر حفاظا على توازن القوى الثنائي بين الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود بارزاني والاتحاد الوطني بزعامة السيد جلال طالباني.
ايران فعلت الشيء نفسه فتدخلت عبر الحرس الثوري الايراني لانقاذ احد الحزبين المذكورين اثناء كان الواحد منهما قاب قوسين او ادنى من الانهيار.
اللعبة معروفة اذن. ولكن ماهو الرابط الحقيقي بين الاحزاب الكردية، لاسيما الحزب الديمقراطي الكردستاني وتركيا بجنرالاتها وحكومتها؟
منذ ذلك التاريخ اي عام 1991 هناك تجارة غير قانونية بين الجهتين اصحابها زعماء في كلا الطرفين.

بعد سقوط الاقنعة وتجلي الزيف في وضوح كامل، على الاصعدة السياسية والقومية والوطنية، تعرضت شعبية الساسة في الجانبين الى الانهيار. لقد شاهدنا كيف انهزم الساسة الاتراك وتبخروا كأن لم يكونوا بالأمس.
يلماز، تشيلر،ديميريل.. وآخرون تلاشوا عن عالم السياسة كتلاشي هياكل رمادية دون رجعة. لكن الساسة الاكراد حافظوا على بقائهم وسطوتهم لأسباب معلومة، ولو ان القاسم المشترك بينهم وبين الساسة الاتراك في الافلاس العظيم يجعل من سقوط الساسة الاكراد شيئا حتميا ايضا، لكن عوامل قائمة قد تؤخر قليلا انهيار الاحزاب الكردية. ومن هنا ندرك السر وراء تبادل التصريحات النارية بين الطرفين التركي والكردي على خطوط القومية المزيفة التي تتأجج في اوساط المتخلفين عقليا وروحيا في الجانبين.

فجنرالات تركيا لم يعد لها مصدر تتغذى منه سوى الشعور القومي الذي لم يجلب لتركيا سوى الخراب. والأحزاب الكردية لم يعد لها ما يقنع ضميرها وضمير الكرد ببقائها على قدم وساق سوى النفخ في هذه القناة التي تبث الخراب على الجميع. وبالطبع فهناك مطبلون ومزمرون ماجورون يتفلسفون في الموضوع وكأنه صراع سياسي قائم وذو أبعاد متشابكة وحقيقية. فعلى صفحات جريدة الحياة اللندنية، كتب على الأقل كاتبان كرديان معروف عنهمااسترزاقهما من أحد الحزبين الكرديين، صوّرا هذه الكوميديا لنا ملحمة سياسية متينة، أبطالها ساسة أكراد. وبالطبع فمن الاتراك من حذا حذو الكتاب الاكراد المرتزقة في هيجان مزيف في القومية الموبوءة.

الجانبان المتسلطان برقاب الشعبين الكردي والتركي، بسبب الافلاس العظيم الذي يعانيانه، يتعرض وجودهما باستمرار الى عوامل التعرية والتلاشي. ولكن التجارة القائمة بين الطرفين والمصالح المشتركة التي تدر عليهما الأموال بغير حساب تستدرك مخارج لا مفر منها للأزمات المنتفخة والفساد الذي يوشك على اللانفجار في أي لحظة. ولذلك فان ما يقوم به الجانبان الكردي والتركي هو اتفاق ضمني مشترك على صراع موهوم يبدأ جانب ما - عادة - بتصريحات معينة، ليرد الآخر الصاع صاعين في محاولة لرفع شعبية كليهما، رفعة لا تقوم الا على خفض الشعب وتكسيره.
ولو افترضنا جدلا ان ما يجري بين هذين الجسمين المريضين، صحيح الوجود والحركة، صادق وجدّي، فلماذا يبقى هذا الصراع الموهوم في حدود التصريحات والمهاترات؟ لماذا لا تصادر الحكومة التركية مئات القصور والفلل في أرقى مناطق اسطنبول (فلوريا)، تعود ملكيتها لقادة اكراد عراقيين؟ ولماذا تسمح تركيا بعائدات التجارة والنفط ان تدخل جيوب اولئك المسئولين الاكراد، المفترض كونهم اعداء لها؟ ولماذا يسمح الحزب الديموقراطي الكردستاني بوجود اكثر من خمسمائة شركة تجارية تعود ملكيتها لمسؤلين بارزين في الحكومة والعسكر التركيين؟ وجدير بالذكر ان أغلب هذه الشركات تسيطر عليها اجهزة المخابرات التركية (ميت). وقد كشفت صحيفة كردية وثائق تثبت صحة هذا الواقع، قبل شهر ونيف تقريبا.
ان تهديدات تركيا غير جديه ازاء حزب العمال الكردستاني. فهي لم تقدر سحقه ايام كانت في أوج قوتها وعزتها حيث لم تعد تركيا اليوم ذلك البعبع المخيف، والحليف الرئيس لأمريكا.

بعد سقوط نظام صدام حسين فقدت تركيا موقعها كقوة فاعلة في سياسات المنطقة. وقوة حزب العمال الكردستاني لا تكمن في وجود قواعد له في كردستان العراق. فللحزب المذكور الملايين من الكرد داخل كردستان تركيا، بل وفي عمق المدن التركية اسطنبول وأنقرة. لا بل أكثر من ذلك يقود هذا الحزب شبكة عظيمة في العالم الغربي أشبه بامبراطورية مترامية الاطراف على الصعيد السياسي والاقتصادي والاعلامي. ومحاولة تركيا كذلك ليست دفاعا عن اخوتنا التركمان في كركوك والمدن الاخرى. فآخر شيء تفكر به تركيا هو التركمان الذين يعانون الظلم السياسي والتشتت في بنيتهم السياسية والحزبية. ولذلك فقد ترك امرهم للاوهام والاحقاد في محاولة قومية خادعة لا تجر الا الويل عليهم وعلى غيرهم من ابناء القوميات في المنطقة.

المعضلة الحقيقية ان كلا الجانبين الكردي والتركي ليسا مخلصين لابناء شعبيهما، يركبان الموجة القومية المزيفة: العسكر في تركيا والاحزاب السلطوية في كردستان. وما على الحكومة التركية الاسلامية الناجحة بقيادة رجب طيب اوردوغان سوى الرضوخ لسياسات العسكر ومجاملتهم من اجل اهداف سياسية معلومة.
المعضلة الأكبر وجود بهاليل وجهلة، من اتباع كل ناقة وريح، يستجيبون دوما لمؤثرات النزعة القومية المخرِّبة البافلوفية التي تستعملها السلطة المجرمة ضدنا جميعا في منطقتنا المنكوبة في الشرق.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف