علمانيو تركيا يستيقظون!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
على الرغم من أنّ حزب العدالة والتنمية التركي المؤسسّ في رحم الهوية الإسلامية لتركيا نجح إلى أبعد الحدود في إحداث نقلة سياسية و إقتصاديّة في تركيا بإعتراف محبيه و خصومه، و على الرغم من أنّ هذا الحزب المحسوب تركيّا و عربيا وإسلاميا على المدرسة الإسلامية لم يصطدم مع التوجهات العلمانية لتركيا و المؤسسّة العسكرية التركية الراعية لهذا التوجّه العلماني إلاّ أنّ التيار العلماني الذي أخفق على مدى سبعين سنة في تركيا سياسيا و إقتصاديا إستيقظ فجأة و حرك الشارع التركي و عبأّه ضدّ المرشّح الرئاسي عبد غول العضو البارز في حزب العدالة والتنمية ووزير خارجية تركيا، وتأخذ القوى العلمانية التركية على عبد الله غول إنتماءه إلى التيار الإسلامي و حجاب زوجته الذي تنددّ به القوى العلمانية و ترفض أن تقبع في القصر الرئاسي إمرأة محجبة، و كأنّ زوجة عبد الله غول تمّ إستيرادها من باكستان أو الجزائر ولا تنتمي أبدا عن جدّ إلى السلالات التركية التي إنفتحت على الإسلام ودافعت عنه وصدّت الغزو الإستعماري الغربي عن البلاد الإسلامية لمئات السنين..
وتكمن خشية العلمانيين الأتراك من المرشح الرئاسي عبد الله غول في كون هذا الأخير وفي حال فوزه بمنصب الرئاسة سيمكن للخط الإسلامي و أنّ تركيا في نظرهم ستكون قاب قوسين أو أدنى من الأسلمة بإعتبار أنّ حزب العدالة والتنمية سيمسك عندها برئاسة الجمهوية و الحكومة و يتمتّع بأغلبية برلمانية و بذلك تصبح كل السبل سهلة أمامه ليفعّل مشروعه الذي لم يجهر به لحدّ الآن حسب هؤلاء العلمانيين و الذي يكمن في إلحاق تركيا بالعالم الإسلامي و تكريس مشروع الأسلمة فيها...
وتجب الإشارة إلىّ أنّ التيار العلماني التركي يمثّل الأقلية في الشارع التركي و الدليل على ذلك إخفاقه في الفوز مرارا في الإنتخابات الإشتراعية، و ربما قوة هذا التيار تكمن في تبنّي المؤسسة العسكرية له و رعايته له و إحتضانه له، و التمكين له إعلاميا وسياسيا عبر مختلف وسائل الدعم التي يملك العسكر خيوطها..وحتى المؤسسة العسكرية التركية هددّت بشكل لم يسبق له مثيل حزب العدالة والتنمية من مغبّة المساس بالمشروع الكمالي رغم أنّ رموز هذا الحزب ما فتئوا يعلنون بأنهم مع كل الثوابت و المنطلقات التي تحكم المسار السياسي التركي.
ولم يخففّ إنسحاب رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية و رئيس حزب التنمية والعدالة من حلبة السباق الرئاسي من تهدئة روع العلمانيين الذين يصرون على أن أردوغان وغول وجهان لعلمة واحدة، و أنّ أردوغان إنسحب لصالح المشروع بشكل عام، هذا المشروع الذي يسعى حزب العدالة والتنمية إلى تفعيله...
ولم تأخذ المؤسسة العسكرية التركية و أذرعها العلمانية في المجتمع المدني بعين الإعتبار مراقبة الإتحاد الأوروبي الذي ما زال يحاصر الأنفاس في تركيا و يتابع كل صغيرة وكبيرة قبل منحها حق الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، وفي هذا السيّاق يقول خبير تركي مقرّب من حزب العدالة والتنمية بأنّ أوروبا و إن كانت تشكل على أداء المؤسسة العسكرية وتدخلها المفرط في الحياة السياسية التركية إلاّ أوروبا قلقة أيضا من سطوع نجم المحسوبين على الثقافة الإسلامية في تركيا خصوصا وأنّ أوروبا تطالب تركيا برفع الحظر عن الزنا وإباحة العلاقات الجنسية وتكريس نفس القيم الغربية في الواقع التركي كشرط للحاق بأوروبا الموحدة، و يخشى الإستراتيجيون الأوروبيون أن تنأى تركيا بنفسها وقيمها عن القيم الأوروبية التي تعمل الإرادات الغربية على تفعيلها في الواقع التركي كمقدمة للحصول على حق الإنضمام إلى النادي الأوروبي.
و على الرغم من أنّ المؤسسة العسكرية لم تلجأ إلى أساليبها الإنقلابية القديمة وخصوصا مع طول أناة حزب العدالة والتنمية و إحترامه لقواعد اللعبة الديموقراطية، إلاّ أنّ تحركّ القوى التي تعتبر إمتدادا للمؤسسة العسكرية دليل على عدم رضا المؤسسة العسكرية على وصول عبد الله غول إلى رئاسة الجمهوية. و الصراع الذي كان باردا إلى حدّ ما بين مشروع العسكر و مشروع الإسلاميين الحداثيين بات ساخنا الآن وعلى الشعب التركي أن يحددّ خياراته، هل سيكون مع المشروع القديم الذي أضاع تركيا سياسيا و إقتصاديا كما أضاع هويتها من أساسها، أم سيكون مع مشروع يصالح بين تركيا و تاريخها وهويتها ومحيطها العربي و الإسلامي و ينطلق من هذه المصالحة لإعادة البناء الذي تؤكّد الأرقام الإقتصادية التركية الأخيرة على جدواه و سيره في الإتجاه الصحيح...
لقد جرب العسكر في تركيا سابقا مبدأ الإنقلاب، و كانت تركيا عقب كل إنقلاب تتقهقر بعشرات السنين، و الرجوع إلى سياسة الإنقلابات سيربك تركيا داخليا وخارجيا.. وسيعيدها إلى حيث بدأت، إضطرابات سياسية بالجملة، و معضلات ضاربة أطنابها، و لا إستقرار سياسي أفضى إلى إنتاج عنف ديني و قومي و عرقي، و سيخسر العسكر والعلمانيون قبل الإسلاميين الحداثيين إن هم فكروا في أي خطوة إنقلابية، ذلك أنهم سيفقدون كل صدقية سياسية تجمعت لديهم في المحافل الأوروبية خصوصا مع إصرار رموز حزب العدالة والتنمية أنهم ليسوا ضدّ مشاريع الآخرين و أن هدفهم يكمن في تنمية تركيا وتوزيع الثروات توزيعا عادلا على المواطنين الأتراك.....