المعضلة النووية... والتجربة اليابانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
لقد واجهت اليابان المعضلة النووية بتحدي كبير. فقد ألقيت على مدينتي هوريشيما ونجزاكي عام 1945 قنبلتين نوويتين، أدهشت العالم بوحشية قوتهما التدميرية. وعمل الشعب الياباني بجد ليبداء من جديد عملية التنمية والتطور الاقتصادي. وأحتاجت لذلك كمية هائلة من الطاقة الكهربائية، فأستفادت من الطاقة النووية. وقد واجهت مؤخرا التحدي النووي الكوري فتعاملت معه بحكمة. وتجابه اليوم منطقتنا أيضا تحد نووي خطير. فأسرائيل تملك السلاح النووي، وايران مصرة لحاجتها للطاقة النووية للأغراض السلمية، ويعتقد الغرب بأن إيران متوجه لتطوير القنبلة النووية، وباقي دول المنطقة قلقة من الوضع المتوتر. فلنحاول عزيزي القارئ أن نتدارس تاريخ هذه المعضلة المخيفة فقد نستفيد لمنع تكراره.
فلنرجع للوراء قليلا ولعام 400 قبل الميلاد حينما أفترض ديموقراطس بان القطع المتكرر للمادة سيؤدي في النهاية الى قطعها لقطع صغيرة جدا لا يمكن تقسيمها وسماها بالذرة. وببداية القرن العشرين اكتشف العلماء بان الذرة لها تركيب داخلي، مكون من نواة كروية سميت بالبروتون وتحمل شحنة كهربائية ايجابية، وتدور حولها عدة كرات صغيرة ذات شحنة كهربائية سلبية سميت بالالكترونات. ويمكن لسهولة التصور أن نقول بأن الذرة تشبه الجرم السماوي فيكون مركزها الشمس ممثلة بالنيوترون (ومعه البرتون) ويدور حولها الكواكب الشمسية ويمثلها الالكترونات. وقد أكتشف العلماء الالمان في عام 1939 بأن قذف ذرة اليورانيوم بالالكترونات السالبة الشحنة، يؤدي لانشطارها لمادتين هما الكربتون والباريوم. وينتج من ذلك الكترونات إضافية تؤدي لانشطار ذرات أخرى، وتستمر تكرر عملية "الانشطار النووي" حتى تنشطر جميع الذرات. ويترافق ذلك بانتاج طاقة حرارية عالية جدا. فانشطار كيلو واحد من اليورانيوم يؤدي لانتاج طاقة حرارية تعادل ما يساوي عشرة آلاف طن من الديناميت.
وللاستفاده من الطاقة الناتجه لإنتاج الكهرباء أو لصناعة القنبلة النووية نحتاج لنوع معين من اليورانيوم وهو النظير المشع 235 الذي يتواجد بكمية قليله جدا مع اليورانيوم العادي. وتحتاج المفاعلات النووية لنسبة 3-5% من النظير 235 مع اليورانيوم العادي لانتاج الطاقة الكهربائية، وكما نحتاج لحوالي 70-90% لانتاج القنبلة الذرية. ويتم ذلك بعملية التخصيب لفصل يورانيوم 235، وذلك بتحويل اليورانيوم الى غاز، ومن ثم تمريره على مفاعلات الطرد المركزي، فينفصل اليورانيوم العادي في الاطراف ويبقى اليوارنيوم 235 في المركز. وقد أستطاعت ايران بفصل اليورانيوم 235 لتستعملة كوقود لأنتاج الطاقة الكهربائية. وقلق الغرب من أنها قد تنتج كميات كبيرة وتستعمله لإنتاج القنبلة النووية. ومن الجدير بالذكر بأنه حينما طور السوفيت قنبلتهم النووية في نوفمبر عام 1949، قرر الرئيس الأمريكي ترومان أن تطور بلاده القنبلة الهيدروجينية التي هي أكثر خطرا بالف مرة من القنبلة الذرية. وقد قال عنها اوبنهيمر، هي سلاح للقضاء على البشرية وليس سلاح للقضاء على اسلحة العدو. وحينها رد الرئيس ترومان بأن ليس لدي الولايات المتحدة خيار أخر علق ديفيد ليلينثال فقال، "قلنا نريد قنابل أكثر وأفضل، هذا ما نكرر قوله، فلأين سيقودنا ذلك؟ هل من الصعب رؤية ما سنواجهه؟ نستمر في القول، ليس لنا خيار اخر!!!والحقيقة يجب أن نقول بأننا لسنا عقلاء لنرى طريق اخر."
وهناك قناعة دولية بأن القنبلة النووية أو الهيدروجينية لن يكون لها دورا في المستقبل، فلا يمكن أن تستعمل بعد تجربتها أبسط أنواعها في الحرب العالمية الثانية للضغوط الشعبية والدولية، وللدمار العالمي الذي تسببه واحتمال انتقام الدول بالمثل. كما سيشكل السحاب النووي خطورة كبيرة على جميع الدول فسينتشر في الجو ويلوث جميع دول العالم ويقتل شعوبها تدريجيا بسراطانات الدم والمضاعفات الأخرى الخطيرة. ولا يعوض هذا السلاح عن السلاح التقليدي، كما يهرق ميزانيات الدول. ولم يكن له دور فعلي في نتائج الحرب العالمية الثانية لأن اليابان دمرت قبل الأنفجارين النوويين. وتؤكد المراجع الغربية بأن ضمير السياسين لم يرتاح إلا أن يقوموا بالقاء القنبلتين النوويتينن وبدون انذار لتجريب تأثيرها، ولتخويف الأتحاد السوفيت من قوة دمار هذه القنبلة، ولتجنب الحرج أمام الكونجرس في ذلك الوقت الذي صرفت الخزانة الأمريكية مليونين من الدولارات والتي تعادل اليوم أضعاف مضاعفة من المليارات. وقد يتسأل عزيزي القارئ لماذا تمتلك الدول هذا السلاح؟ فلو بحثت كنائز علوم الأرض لن تجد جواب مقنعا، غير أن رجال السياسة يحسون بالفخر والعظمة حينما تمتلك دولهم هذه الاسلحة الاأنسانية المدمرة للبشرية جمعا. ولنتذكر بأن القنبلة التي ألقيت على هوريشيما قتلت حوالي مائتي ألف من السكان. ولو ألقيت اليوم قنبلة هيدروجينية بنفس الحجم، ستقتل حوالي مائتي مليون شخص. وأما الغبار النووي فسيقضي على باقي العالم خلال فترة قصيرة.
ولتكتمل تصوراتنا حول المعضلة النووية في الشرق الأوسط لنتدارس معا رئيي خبيرين غربيين متخصصين في هذا المجال أحدهما ألماني والأخر أمريكي. فلقد كتب كرستوفر برترام المدير السابق للمركز الالماني للشؤون الدولية والدفاعية ببرلين، بجريدة اليابان تايمز يوم التاسع والعشرون من شهر مارس 2007 يقول، " هناك مقولة أميركية تقول، اذا كنت في حفرة توقف عن الحفر. والحكومات الست التي تدرس الخطوة القادمة لمنع ايران من تطوير السلاح النووي يجب أن تنتبه لهذه النصيحة. والا سينتهون بدون أية مقبض لحل البرنامج النووي الايراني، ويكون الخيار الوحيد العقيم هو الضربة العسكرية. ....العقوبات الاقتصادية لن تجبر ايران على الانصياع، وبالعكس ستضر بالدول الشريكة المصدرة للنفط. وزيادة التهديد قد يؤدي لمجابه عسكرية، وطبعا بطانة الرئيس بوش سترقص فرحا... مع أن الضربة العسكرية لن تستطيع تدمير جميع المؤسسات النووية الإيرانية، وستبقى المعلومات اللازمة باقية لإعادة البناء، وقد تؤخر أعادة البرنامج وقد تخيف الآخرين، ولكنها مجازفة غبية. وتؤكد ايران اليوم بأن مشروعها سلمي وتريد أن تلتزم بقرارات اللجنة، وبعد الضربة ستنتهي هذه التأكيدات والوعود....وفي تصوري إذا أرادت إيران أن تستمر في الأخصاب السلمي لتوليد الطاقة فليكن، ولكن يجب أن تكون هناك مراقبة صارمة. ....وقد يفتح هذا الاتفاق الأبواب لرجوع الثقة بين ايران والغرب ولتعاون واستقرار دولي."
والرأي الأخر كتبه جوزيف سيرينشون الأستاذ بجامعة جورج تاون ونائب رئيس الأمن القومي بالمركز الأمريكي للتقدم بواشنطون دي سي، في كتابه الجديد، الخوف من القنبلة، ويقول فيه، "تطهير منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي سيكون بالتأكيد صعبا، ولكنه أفضل من الخيارات الأخرى المطروحة بأمتلاك دولة او دولتين أو ثلاث أو أربع ألأسلحة النووية. فعدم حل الخلافات السياسية والدينية ورسم الحدود، هي مقدمة أكيده لحرب نووية مدمرة للمنطقة والعالم أجمع. ويجب أن يستمر الحوار لتغير التصور بأن المنطقة لا يمكن أن تكون خالية من أسلحة الدمار النووي. وقد أوصى مجموعة من عشرين خبيرا نوويا في عام 2005، بأنه وكجزءا من حل المعضلة النووية الايرانية، يجب غلق المركز النووي ألاسرائيلي بديمونا. وأكد الفريق بضرورة أن تقوم اسرائيل بتفكيك مفاعلاتها النووية وتسليمها للجان المتخصصة بالأمم المتحدة، بشرط أن تتعهد الدول الأخرى بمنطقة الشرق ألاوسط بالتصرف بالمثل. ومن الضروري أن تقتنع دول المنطقة بأن الوقود النووي سيكون متوفر حسب أتفاقات دولية لتوفر حاجياتها من الطاقة الكهربائية النووية."
فمن الواضح بأن لا حاجة لمنطقة الشرق الأوسط للسلاح النووي، ولكن علينا أن نقنع الغرب بأن أسرائيل لا حاجة اليها أيضا، بل حاجة الجميع للسلام والتفرغ للتنمية البشرية والاقنصادية. والسؤال الهام لعزيزي القارئ هل هناك حاجة لتطوير التكنولوجية النووية السلمية في المنطقة؟ فمن الواضح بأن هناك حاجة لتوفر مفاعلات أنتاج الطاقة الكهربائية وتحت أشراف الأمم المتحدة. وهناك حاجة أيضا لتطوير أبحاث وصناعة الذرة في المنطقة ويتوضح ذلك من فهم علم النانوتكنولوجي. يعتبر النانو تكنولوجي مستقبل التطور الصناعي التكنولوجي، وتعرف بالعلم الذي يعتمد على التصنيع التكنولوجي في مستوى الذرة. فقد اعتمدت الصناعة التكنولوجية على المواد المختلفة الموجودة في الطبيعة كمادة السلكون والياف الكربون والالمونيوم والحديد وغيره. ولكن مستقبل التكنولوجيا ستتحول للعمل بالتغير في داخل ذرات هذه المواد. فاليوم نستعمل جهاز كبير لمساعدة تنفس المريض، أما في المستقبل سنحقن هذه الأجهزة التنفسيه في وريد المريض كما نعطيه الدواء اليوم. فهذه الأجهزة ستكون صغيرة جدا وبحجم الكريات الحمراء في الدم، وسنحقن الالاف منها في عرق المريض. فتصور عزيزي القارئ كيف ستتطور التكنولوجيا من خلال علم الذرة في المستقبل. كما سنبداء بانتاج مواد جديدة لم توجد في الطبيعة ولم نسمع عنها حتى الأن. وحتى العقل المفكر للجهاز الالي سيتحول في المستقبل من الميكروبرسيسر الى العمل على مستوى الذرة، فيصغر حجمه وتزداد قوته أضعاف مضاعفة.
ولن أطيل عليك عزيزي القارئ فعلم الذرة من خلال النانوتكنولوجي هو علم أحلام لا حدود له. ومن الضروري أن تواكب دولنا لهذه التطورات المستقبلية الجديدة، بفتح مراكز للأبحاث في هذا المجال، لنواكب تطوراتها التكنولوجية والأقتصادية. ولنتذكر تجربة اليابان، فهي لم تستطع أن تنقل التكنولوجيا الغربية وتطورها الا حينما قررت التوقف عن المجابه والتوجه للتعاون وتطوير جسور الثقة مع الغرب ونقلت على هذه الجسور حضارته وتكنولوجيته. ولأذكر بعض الأخوة الأعزاء ممن يصر على المجابهه مع الغرب، في مقولة الأدميرال ويليوم دي لهي، صديق الرئيس الأمريكي ترومان ورئيس موظفيه، " استعمال هذه الأسلحة البربريه على مدينتي هوريشيما ونجزاكي لم تكن مساعدة في حربنا ضد اليابان...فقد كانت اليابان منهزمة ومستعدة للاستسلام..وبكوننا أول من يستعمل هذا السلاح في تاريخ البشرية...نكون قد تبنينا قاعدة أخلاقية موافقه لأخلاقيات عصور الظلام البربرية." فللنتذكر اذا كان هذا هو رأي أدميرال أميركي بخمسة نجوم ورئيس موظفي ترومان، ومع ذلك هوجمت اليابان بالقنابل النووية، فمن الأفضل أن نؤمن بأن اللاعقلانية النووية قد تعيد تاريخها مرة ثانية في الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة بدمار العالم.
فلنسأل عزيزي القارئ هل سنبداء التحاور والتعامل بحكمة مع الغرب؟ وهل سنعطيه الفرصة لبناء الجسور بينه وبين منطقتنا؟ وهل سنكون من الفطنة والحكمة لنطور هذه الجسور لجسور ثقة، لننفل عليها علوم الغرب وتكنولوجيته؟ وهل سنطور هذه التكنولوجية لتنمية بلداننا ولنواكب ونسهم في تطور الحضارة الانسانية؟
سفير مملكة البحرين في اليابان
Khalil.rasromani@gmail.com